- شفيق: الجيش المصري احتضن الثورة ووفر لها الأمان الكافي لإنجاحها.. والدستور عاش محنة كبيرة في عصر مبارك
- النيبـاري: ساهمـت في إسقـاط نظـام مبــارك وتداعيـات الثـورة المصرية ستمتـد للمنطقـة العربيـة
- لطفي: الفكر العسكري والطبيعة العنيدة لشخصية الرئيس كانا السبب المباشر في تشبثه وإصراره على البقاء بالسلطة
أسامة دياب
أكد الخبير الدستوري المستشار شفيق إمام أن ما عجز الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك عن فعله في ثلاثة عقود ما كان لينجزه في 7 أشهر، مشيرا إلى أن مبارك لم يكن لينقض وعده بعدم الترشح لفترة رئاسية جديدة، إلا أنه كان ينوي الالتفاف على مطالب الثوار عن طريق تسليمه السلطة لنظام قمعي يرعى الفساد ويضمن له عدم الملاحقة القضائية مما يثبت بالدليل القاطع مشروعية مخاوف شباب 25 يناير وإصرارهم على عدم العودة لمنازلهم قبل رحيله.
جاء ذلك في مجمل كلمته التي ألقاها اثناء الحلقة النقاشية التي أقامتها جمعية الخريجين مساء أمس الأول بمقر الجمعية بعنوان «أيام الغضب العربي» وبحضور لفيف من أعضاء الجمعية وعدد من الإعلاميين والناشطين والمهتمين بالشأن العام.
وأوضح إمام أن الحكام حين يستأثرون بالحكم لفترات طويلة يعتبرون تنحيهم عن السلطة أمرا يمس كرامتهم، مستنكرا ما روجه البعض، قبل سقوط نظام مبارك، بأن المطالبة بتنحي الرئيس إساءة لشخصه كرمز من رموز الدولة ولإنجازاته التي كان أهمها أنه صاحب الضربة الجوية في حرب أكتوبر 1973، مستشهدا بموقف الشعب الفرنسي من رئيسه السابق شارل ديجول الذي لم يشفع له تاريخه العسكري، ولا إنجازاته كباعث لعظمة الأمة الفرنسية، حينما قامت ثورة الشباب منادية بمطالب عادلة على رأسها الحرية وبالفعل تنحى الرئيس واستجاب للثوار الذين قالوا نعم نحبك ولكن فرنسا أكبر وأعز.
بين عبدالناصر ومبارك
ولفت إلى الفارق الكبير في ردة الفعل الشعبية عند تنحي الرئيس الراحل جمال عبدالناصر وتنحي الرئيس مبارك عن الحكم، موضحا أن عبدالناصر نذر نفسه وحياته لخدمة الأمة العربية وقضاياها القومية، مثنيا على مواقف جمعية الخريجين ومساندتها للقضايا القومية العربية وحقوق الإنسان، متوجها بتحية إجلال وتقدير لشهداء الثورة المصرية التي أحيت فيه خريف العمر وحققت حلما طالما راوده، لافتا إلى أن العزاء الوحيد هو أن الثورة حققت أهدافها ومصر أصبحت لنا.
وأعرب عن استيائه من تصريحات نائب الرئيس السابق اللواء عمر سليمان لاحدى القنوات الأجنبية في ذروة اشتعال الثورة إذ قال فيها ان الشعب المصري غير مهيأ للديموقراطية، مشددا على أن الأمة المصرية أمة عظيمة لم تكن الديموقراطية يوما غريبة عليها، مشيرا للبعد التاريخي للديموقراطية المصرية عبر عدد من الشواهد.
وأوضح أن الجيش استعاد مكانته الطبيعية بعد أن كان شكلا بغير مضمون طوال فترة حكم مبارك، مشيدا بدور الجيش المصري الذي احتضن الثورة ووفر لها الأمان الكافي لنجاحها، كما احتضن الشعب ثورة الجيش عام 52 التي تعهد فيها بالديموقراطية إلا أن ثورة الشباب في 25 يناير ستحقق أحلام الديموقراطية والتعددية.
ولفت إلى أن رجال الأعمال الذين جمعهم مبارك حوله سفكوا دماء المتظاهرين بالجمال والجياد بالإضافة إلى مظاهرات قادتها وزيرة القوى العاملة عائشة عبدالهادي مع فئة من العمال بطشت أيضا بالثوار، مستهجنا ما يروجه البعض عن أن مبارك كان جيدا إلا أن العيب يكمن في بطانته وحاشيته، موضحا أن ذلك محض كذب وافتراء.
وأشار لمحنة الدستور في عصر مبارك، منددا بالتعديلات الدستورية التي جرت في عهد مبارك، موضحا أنها لم تحافظ على هيبة القوانين كأبي القوانين وأعلاها مكانة، بل جعلته تابعا لقوانين أخرى مثل قانون الإرهاب، لافتا إلى أن الدستور المصري تعرض للتشويه في عهد مبارك ففي ظله قتل خالد سعيد ملهم الشباب وروح ثورتهم، معربا عن أسفه لتدني دخل الفرد في مصر لـ 2 دولار يوميا بينما تخسر مصر 6 مليارات دولار سنويا بسبب الفساد.
وبدوره توجه الكاتب الصحافي د.محمد لطفي بتحية إجلال وتقدير لشهداء الثورة المصرية الذين ضحوا بحياتهم من أجل نجاحها وعودة مصر الأبية، مصر الشرفاء ومصر الكبرياء، مشيرا إلى أنه لو كانت مصر هي «تاج الشرق» كما قال حافظ إبراهيم فهؤلاء الشباب هم درر تاجها وجواهره النفيسة، لافتا إلى أن الثورة المصرية تعتبر غير مسبوقة في العالم كله لأنها ثورة بيضاء لم يطلق فيها الثوار رصاصة واحدة ولم تعتمد على قوة جيش أو شعبية نقابات وأحزاب ولم تعتمد على فكر خارجي ولا تمويل أجنبي ولكنها ثورة صنعها شباب أعزل مسالم التف حوله الملايين من أبناء الشعب بمختلف أعمارهم وطوائفهم، موضحا أن تاريخ مصر سلسلة متوالية من حلقات المجد والفخار تتقارب احيانا وتتباعد في أحيان أخرى ولكنها تظل مرتبطة بالنسيج الوطني لهذا الشعب العظيم.
التواصل الاجتماعي
وأشار لطفي إلى أن شباب موقع التواصل الاجتماعي «الفيس بوك» كان نواة الثورة ومن ثم كانت الجماهير التي التفت حول الثورة أشبه ما تكون بالإلكترونات التي تدور حول النواة، موضحا أن هذا الجيل افضل من جيلنا ومن الأجيال السابقة لقدرته على التغيير وصناعة الفارق، عازيا عناد النظام وإصراره على البقاء للفكر العسكري للرئيس الذي اعتمد على استراتيجية امتصاص الضربة الأولى، وترتيب الأوراق ومن ثم اللجوء لهجوم مضاد، مرورا بالفكر السيكولوجي المتمثل في الطبيعة العنيدة لشخصية الرئيس، نهاية بالفكر السياسي الذي يعتمد على محاولة تبديل الموقف الخارجي وحشد تأييد عربي ودولي للنظام، فضلا عن محاولة إخفاء أدلة الإدانة، مشددا على أن المطالبة برحيل مبارك ليست إهانة له لأنه من البديهي رحيل رأس النظام كنتيجة لأي ثورة من الثورات، لافتا إلى أن عناد مبارك وإصراره على البقاء هو السبب المباشر لهذه الإهانة، معربا عن امله في أن تستقر الأوضاع في مصر سريعا.
ثورة الشباب
ومن جهته أكد النائب السابق د.عبدالله النيباري أن ثورة الشباب في مصر ثورة شعبية وطنية اصيلة، ولكنها عفوية وبلا قيادة ولا تنظيم، لافتا إلى أن العالم سيتحدث في اسبابها وملابساتها لفترات طويلة إلا أن الواضح أنها جاءت كتعبير طبيعي عن غضب كامن متراكم على مدار عقود، ولم تنفجر إلا بشرارة توسنامي التي حطمت حاجز الخوف معلنة إمكانية التغيير بإرادة جماعية.
وأوضح النيباري أن اسباب الثورة تعود منذ غياب الرئيس السابق جمال عبدالناصر وتفشي الاستبداد، محاولات الاستيلاء على السلطة من قبل اشخاص وعائلات، بالإضافة إلى محاولات توريث الجمهورية والشعب، ناهيك عن الحديث عن ثروة الرئيس التي قيل انها بين 40 و 70 مليار دولار، لافتا إلى أن عناد مبارك وتشبثه بالسلطة كان بهدف الحفاظ على مصلحة الشخصية والحرص على استمرار تزاوج السلطة بالمال، مشيرا إلى أن الإرادة والصمود مقابل العناد شكلت وجدان الثورة وعكست وعي الشباب، لافتا إلا أن الجيش المصري تصرف بحذر منذ بدايتها إلا أن تأييده لمطالب الثوار حسم القضية لصالحهم.
وأوضح النيباري انه ساهم في إسقاط نظام مبارك، مشيرا لزيارته لمصر يوم الجمعة الماضي حيث وصل مطار القاهرة في تمام الساعة الخامسة مساء الجمعة، لافتا إلى أن موظف الاستقبال في الفندق قد عرض عليه جناحا يطل على النيل، فطلب منه مطبخا يطل على ميدان التحرير، موضحا أنه تابع من لوبي الفندق خطاب عمر سليمان الذي أعلن فيه تنحي الرئيس عن السلطة.
ووصف للحضور عددا من المشاهد التي تابعها بنفسه أثناء جولته في ميدان التحرير، موضحا أنه بالرغم من أنه درس في مصر وله زيارات عديدة لها إلا أنه لم ير في حياته ميدان التحرير بهذا الاتساع، وحشود الناس كانت بعرض المحيطات، وأجواء الفرحة كانت عجيبة وتاريخية جمعت كل أطياف المجتمع بتنوع غير طبيعي.
ودعا إلى ضرورة بناء دستور جديد يؤسس للحريات ويحدد الفترات الرئاسية وصلاحيات الرئيس، مطالبا بأن تكون الانتخابات الرئاسية عن طريق البرلمان، متوقعا أن يحكم مصر نظام ديموقراطي يكفل الحريات ويحافظ على مقدرات البلد، مشددا على أن مصر ستنهض وستعود لموقعها المعهود في السياستين العربية والعالمية، مشيرا إلى أن تداعيات الثورة المصرية ستمتد إلى المنطقة العربية وها نحن نرى بوادرها في الجزائر، اليمن، والأردن كما أن سورية ليست بمنأى عنها، مطالبا الدول العربية بإجراء مزيد من الإصلاحات السياسية والاجتماعية التي تحفظ حقوق الإنسان وحريته في التعبير، بالإضافة إلى المحافظة على مقدرات الدول.
وفي مداخلة أثناء الحلقة النقاشية أكد الأمين العام للحركة الدستورية الإسلامية (حدس) د. ناصر الصانع أن ما حدث في مصر وتونس زلزال لم يكن يتوقعه أحد، داعيا النخب العربية لدراسة تداعيات الثورات في المنطقة وسبل تجنبها والإصلاحات المطلوبة.
إمام: الخطأ ليس في الدستور ولكنه يكمن في الممارسة
وأوضح الخبير الدستوري المستشار شفيق إمام ان دستور الكويت الحالي كان معدا ليكون دستورا لمصر عام 1953، مشيرا للمادة 175 من الدستور والتي تنص على أن «الأحكام الخاصة بالنظام الاميري للكويت وبمبادئ الحرية والمساواة المنصوص عليها في هذا الدستور لا يجوز اقتراح تنقيحها، ما لم يكن التنقيح خاصا بلقب الامارة أو بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة»، لافتا الى أنه أول من استخدم عبارة «إلا الدستور» في مقال كتبه عام 2007، مشددا على أن الخطأ ليس في الدستور ولكنه يكمن في الممارسة.
الأرض عادت لنا
استهل الخبير الدستوري المستشار شفيق إمام كلمته في الحلقة النقاشية بأبيات من قصيدة الشاعر الكبير فاروق جويدة «الأرض عادت لنا»
يا سيدي الفرعون
هل شاهدت أحزان المدينة؟
الناس تصرخ من كهوف الظلم
والأيام موحشة حزينة
ومواكب الكهان تنهب في بلاطك
والخراب يدق أرجاء السفينة
والموت يرسم بالسواد زمانك الموبوء
والأحلام جاحدة.. ضنينة
في كل بيت صرخة وعلى وجوه
الراحلين تطل أنات دفينة
والجوع وحش كاسر
كالنار.. يلتهم الصغار.. ويستبيح الناس..
يعصف بالقلوب المستكينة
وقصورك السوداء يسكنها الفساد..
وصرخة الشرفاء..
بين يديك عاجزة سجينة
دقيقة حداد
بدأت الحلقة النقاشية بوقوف الحضور دقيقة حداد على أرواح الشهداء في ثورتي مصر وتونس، وقال الخبير الدستوري المستشار شفيق امام ان جمعية الخريجين من أولى منظمات المجتمع المدني التي تقف مع قضايا حقوق الإنسان، متوجها بالتحية إلى شهداء الثورة المصرية التي «أيقظتنا من ثبات عميق»، مشيرا الى ان حلمه كان أن يرى هذا اليوم في حياته، أو أن يراه أولاده أو أحفاده، لافتا الى ان «عزاءنا في هؤلاء الشباب الذين ضحوا بحياتهم أن تصبح مصر لنا».