أجرى مركز اتجاهات للدراسات والبحوث «اتجاهات» الذي يرأسه خالد عبدالرحمن المضاحكة تحليل مضمون، ببعديه الكمي والكيفي، لخطاب صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد الموجه الى الشعب الكويتي بمناسبة مرور نصف قرن على الاستقلال ومرور عقدين على تحرير البلاد من الغزو العراقي ومرور خمس سنوات على تولي سموه مقاليد الحكم وارساء قواعد الدولة الحديثة، واعتمد اتجاهات في تحليله لمضمون الخطاب على وحدة الكلمة كأساس علمي يتم الاعتماد عليه في تقارير كهذا.
وأشير في سياق التقرير الى ان المتتبع لخطاب صاحب السمو الامير يجده ارهاصة فكرية للتمهيد لأرضية مشتركة للبحث في موضوعات، داخلية وخارجية، اقليمية ودولية، ولكن يجمعها رابط أساسي وقاسم مشترك، هو أنها تصب في خانة المستقبل الذي نتطلع اليه، والمجتمع الذي نريده، والغد الذي نترقبه للاجيال التي تطلب الحياة المستقرة والامن الدائم، في ظل مناخ اقليمي مضطرب، ويأتي ذلك في اطار رؤية عصرية للدولة الكويتية، فقد ضم الخطاب عددا كبيرا من النقاط الرئيسية التي يمكن توضيحها في الاتي:
صيانة الدستور
جدد صاحب السمو الامير التزامه بالنهج الديموقراطي وصيانة الدستور مستخدما في ذلك عددا كبيرا من الكلمات الدالة وصلت الى 38 كلمة في مواضع عدة من الخطاب كاشارته الى ذلك بشكل مباشر بقوله «واذ أجدد اليوم التأكيد أن التزامنا بالنهج الديموقراطي وبالحرية المسؤولة ثابت وراسخ ومتجذر»، مؤكدا على أن هذا التوجه هو خيار جماعي لا رجعة فيه وان الدستور يمثل العقد الذي ارتضاه الجميع مبينا أن سموه سيعمل من اجل صيانته وحمايته.
شهداء التحرير
أكد صاحب السمو الأمير في مقدمة خطابه على مشاعر الحب والوفاء والعرفان لشهداء التحرير والاستقلال مستخدما في ذلك 29 كلمة دالة استحضر في بعضها الدور البطولي لفقيدي الامة الراحلين سمو الامير الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح وصاحب وسمو الامير الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح وعملهم الجماعي مع المخلصين من أبناء هذا البلد ومواصلة الليل بالنهار من اجل استعادة الحق والحرية والكرامة وتفانيهم في اعادة اعمار البلاد بعد الغزو الهمجي المدمر خلال فترة قياسية كانت محل تقدير العالم اجمع.
الثوابت التاريخية
وركز الخطاب السامي على ابراز الثوابت التاريخية للكويت والتأكيد على «تأصل وحدة الكويتيين وتوافقهم مع الاسرة الحكمة» مستخدما في ذلك 24 كلمة دالة بقوله «ان كويت الدولة التي ننعم بأمنها وأمانها لم تقم اليوم وليست المواثيق والثوابت فيها جديدة كما لم تكن وليدة الصدفة ولم تكن املاء وانما هي بتوافق شعبها وحكامها» مستكملا حديثه السابق بقوله «ان كويت الوطن لم تكن يوما لجماعة بذاتها أو لفريق دون آخر ولم تكن في سماتها أبدا قبلية أو طائفية أو فئوية وكل ما تحقق من مكاسب وانجازات انما هو بفضل تآلف وتكافل وتلاحم أهل الكويت».
توازن السياسة الخارجية
حازت ركائز السياسة الخارجية الكويتية على 21 كلمة دالة من اهتمامات الامير في خطابه، حيث أكد أن السياسة الخارجية الكويتية تجاه دول العالم تتميز بعدة سمات، يمكن تلخيصها في الآتي:
1- انفتاحية على البقاع الجغرافية المختلفة، سواء في العالم العربي أو افريقيا أو آسيــا أو أوروبـا أو الولايات المتحدة أو أميـركا اللاتـينية.
2- سلمية ومتوازنة، تهدف إلى مد أواصر التعاون مع الدول الصديقة، فضلا عن عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
الاحتلال وتثمين المواقف
استحوذت فكرة أدوار دول مجلس التعاون الخليجي والدول العربية الشقيقة وقياداتها الذين وقفوا إلى جانب الكويت إبان فترة الاحتلال العصيبة ومساهماتهم في تحقيق النصر المؤزر في ملحمة امتزجت فيها الدماء الزكية دفاعا عن مبادئ الحق والحرية والعدالة، فقد استخدم سموه 20 كلمة دالة لتثمين مواقف الدول الخليجية والعربية إبان الاحتلال كما استخدم سموه 12 كلمة دالة لتثمين الدور الايجابي للأمم المتحدة في تحرير الكويت، قائلا «كما لا يفوتني أن أسجل بالعرفان والتقدير الدور البارز لمنظمة الأمم المتحدة والتفويض الذي منحه مجلس الأمن للدول المتحالفة مع الكويت باستخدام جميع الوسائل الممكنة لتحريرها وعودة الشرعية».
الاستقلال والسيادة
استخدم سمو الأمير 16 كلمة دالة تشير إلى تكريس ثوابت الاستقلال والسيادة فقد جاء في مقدمة الخطاب ما يشير إلى ذلك بتوجه سموه بالتبريكات والتهاني بمرور 50 عاما على تكريس الثوابت الوطنية في الاستقلال والسيادة ومرور عشرين عاما على الوقفة المشرفة لأبناء الكويت بالصمود والتضحية المنقطعة النظير وتضحياتهم المشهودة في مواجهة الاحتلال والتفافهم حول قياداتهم.
الدور الإنساني
وبرز اهتمام سمو الأمير بمسألة الأدوار المتصاعدة بشأن مساهمة الكويت في الإغاثة والتنمية للدول المختلفة، بحيث حازت 15 كلمة دالة وردت في سياق اهتمامات الأمير في خطابه.
والمتأمل في السياسة الخارجية الكويتية وعلاقاتها البينية مع دول العالم سوف يكتشف أن هناك توجها واضحا في إغاثة الشعوب المنكوبة وتنمية الدول الصديقة والشقيقة وبلورة سياسات استراتيجية.
وهناك أدوار متعددة للصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية، ساهمت في التقليل من حدة ثالوث التخلف الذي تعاني منه الدول وهو «الفقر والجوع والمرض».
حيث قدم الصندوق قروضا بشروط ميسرة، لدول عربية وافريقية وآسيوية، ولم تكن تلك المساعدات مشروطة ولم تكن ترتبط بأي تدخل في القرارات التفصيلية المرتبطة باستخدام المساعدة.
إدماج المرأة
وهنا تجدر الإشارة إلى بروز توجه أميري لإدماج المرأة في عملية التحول الديموقراطي والتطور المجتمعي بالمشاركة الشعبية. حيث يؤمن سموه بأن المجتمع لا يمكن أن يتطور إلا بتمكين المرأة ومشاركتها للرجل مستخدما في ذلك 9 كلمات دالة وهو ما عبر عنه قائلا «ان من الصفحات الوضاءة في مسيرتنا الوطنية تلك الخطوة الريادية المباركة نحو تعميق المشاركة الشعبية بدخول المرأة الكويتية محراب البرلمان لتمارس حقها السياسي والدستوري في الانتخاب والترشيح وهي خطوة تمت بإرادة كويتية خالصة وبوعي ديموقراطي».
وتوضح البيانات الكمية الواردة في الجدول رقم (1) ما ورد في سياق التقرير من بيانات كيفية إذ كانت الخلاصة الأساسية لخطاب سموه، الذي تضمن عددا كبيرا جدا من الكلمات الدالة، تشير إلى أن الرؤية الأميرية للنهضة الكويتية العصرية تتمثل في رسوخ الديموقراطية وسيادة القانون وتطور ممارسات حقوق الإنسان وتفعيل المشاركة السياسية وتمكين المرأة وتوسيع مجالات الاهتمام بالعمل العام وتغليب منطق الحوار وتعزيز المسؤولية التشريعية والرقابية للبرلمان وإرساء مبادئ الشفافية والنزاهة بهدف مكافحة الفساد والتسلح بالعلم والمعرفة.
وأن هذه الرؤية الإصلاحية من جانب سموه تعبر عن عملية المواءمة الزمنية بين ما هو قائم وما هو مطلوب، من خلال الموازنة بين الثابت والمتغير، وبين المستقر والوافد، وبين الأصيل والمعاصر، بما يصب في صالح المواطن والوطن، والذي وصفه بمسميات مختلفة منها «الوطن العزيز، الأرض الطيبة، الوطن المكرم، كويتنا الغالية، وطن آمن، أسرة واحدة، بوتقة وطنية واحدة، ملاذنا ومستقرنا».
تشير بيانات الشكل رقم (1) الى أن الخطاب الأميري جاء به 102 كلمة دالة تؤكد على أهمية الحفاظ على النعم التي خص بها الله عز وجل الكويت عن سائر دول الإقليم جاء في مقدمتها مواجهة التحديات الإقليمية بالوحدة الوطنية والعمل المشترك مستخدما في ذلك 54 كلمة دالة وهو ما يمكن الإشارة إليه في العناوين الفرعية التالية:
مواجهة التحديات الإقليمية
شغلت التحديات الإقليمية والمتغيرات المتسارعة التي تشهدها المنطقة حيزا كبيرا من أفكار الأمير.
وفي هذا السياق، يقول الأمير في خطابه «ان أمامنا تحديات جسيمة لا يمكن لواع مخلص أن يتجاهلها وقدرنا أن تتربع أرضنا الطيبة على رأس الخليج العربي متوسطة بذلك منطقة مثقلة بتفاعل الأحداث والتطورات والمتغيرات المتسارعة وهو ما يقتضي منا التزام الحذر واليقظة وحسن ترتيب الأولويات في ضوء قراءة نافذة ومتابعة واعية لتداعياتها وإسقاطاتها أمنيا وسياسيا واقتصاديا واجتماعيا وأن نهيئ العدة لدرء الأخطار والتحديات التي تحملها إلى ساحتنا المحلية قبل فوات الأوان».
ويوضح في سياق آخر أن التجارب أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أننا بحاجة إلى استيعاب الدروس والعبر في نبذ الفرقة والتباعد والترفع عن التحزب والتعصب وتحكيم العقل وانه ومن نعم الله المباركة أن جعلنا أسرة واحدة ونسيجا مترابطا نستشعر فيه الألفة والتلاحم والقوة الجامعة في بوتقة وطنية واحدة.
الشباب والمسؤولية الوطنية
وأشاد سمو الأمير في خطابه بـ «دور شبابنا الواعد في صناعة العقد المأمول فهو حجر الزاوية في أي بناء وإنجاز وانني على يقين ثابت بقدرة أبنائنا من شباب الكويت على تلمس السبيل الصحيح وهو حريص على تجاوز تحديات المستقبل متوسما أن تعيش الأجيال الكويتية قوية محمية من الصدمات شريكة في المسؤولية الوطنية عاشقة لبلدها متصلة بتاريخها وتراثها».
وهنا يمس خطاب سمو الأمير جوهر العلاقة القائمة بين البشر والزمن، والاحتكاك الأزلي بين الأجيال المخضرمة والأجيال الصاعدة.. حماس الشباب وحكمة الشيوخ. فحديث سمو الأمير يؤكد على أن الكويت بحاجة ماسة لاكتشاف الأجيال الجديدة التي تتمتع بالمواهب المتميزة والقدرات الفذة والعقليات النابغة والإمكانيات النادرة، والتي تتمثل في عدة مستويات، وبمسؤوليات مختلفة.
الاستظلال بالديموقراطية
واستخدم الأمير 12 كلمة دالة تؤكد على أهمية الاستظلال بالديموقراطية المتجذرة لدى الشعب الكويتي فقد أكد انه من نعمة الله عز وجل الاستظلال بأجواء من الحرية قل نظيرها وهي تعكس السمات الفكرية والحضارية في إبداء الرأي والتعبير والانفتاح على النفس وعلى الغير، مشيرا إلى أننا في قلعة الديموقراطية الحصينة بالإرادة الكويتية في احترام الذات الإنسانية والحقوق الآدمية التي حرص مجتمعنا على التمسك بها منذ نشأته.
التنمية المستدامة
كما برز الاهتمام بالعنصر البشرى، حيث استحوذت فكرة التنمية المستدامة باعتبارها القضية المركزية في الساحة الداخلية الكويتية بواقع 9 كلمات دالة من إجمالي الكلمات التي أوردها سموه والداعية إلى الحفاظ على المقدرات الإلهية. فقد دعا الأمير إلى «التخطيط الشامل سبيلا علميا وعمليا لتحقيق التنمية المستدامة وإنجاح مشروعاتها المستهدفة» مؤكدا «أن قضيتنا المركزية في التنمية تقوم على بناء الإنسان باعتباره المكون الأساسي في مواجهة قضاياها».
ولم يفوت صاحب السمو الإشارة إلى «سيادة القانون واحترام القضاء» مستخدما 8 كلمات دالة و«التمسك بثوابت الاستقلال والسيادة» مستخدما 5 كلمات دالة.