الإيمان
في موسم الحج يجتمع ملايين من المسلمين في بقعة واحدة يؤدون مناسكهم ويبتهلون الى الله، راجين رحمته ورضاه، كما جعل الله جائزة كبرى لمن يؤدي الفريضة دون ان يفسق او يرفث، ألا وهي غفران ذنوبه جميعا حتى يعود كما ولدته أمه، فكيف يكون حجك مقبولا مبرورا دون اي مخالفة شرعية؟
يحدد لنا عميد كلية الشريعة والدراسات الإسلامية د.محمد الطبطبائي ما يجب على الحاج لكي يكون حجه مبرورا، فيقول: وعد الله تعالى من يؤدي فريضة الحج بإخلاص وخشوع بالثواب العظيم، كما ان السنة النبوية المطهرة حملت الكثير من البشارات لمن يؤدي هذه الفريضة بإخلاص، ففي الصحيحين ان رجلا سأل النبي ( صلى الله عليه وسلم ) فقال: يا رسول الله، أي الأعمال أفضل؟ قال ( صلى الله عليه وسلم ): «إيمان بالله ورسوله»، فقال الرجل: ثم ماذا؟ قال: «ثم جهاد في سبيل الله»، فقال الرجل: ثم ماذا؟ فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «ثم حج مبرور»، كما بشرت السنة بأن الحج المبرور الذي لا رياء فيه ولا إثم يهدم ما قبله من ذنوب ويمحق الخطايا، فعن ابي هريرة و ان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال: «من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه» أي رجع كأنه وُلد من جديد لا ذنوب عليه ولا خطايا، وهذا الحج المبرور جزاؤه الجنة، قال ( صلى الله عليه وسلم ): «العمرة الى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة».
النفقة الحلال
واشار د.الطبطبائي الى ان النفقة في الحج كالنفقة في سبيل الله بسبعمائة ضعف وان الإنسان الذي يحج من حلال تدعو الملائكة له بالرحمة والمغفرة، عن أبي هريرة ( رضى الله عنه ) قال: قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «اذا خرج الحاج حاجا بنفقة طيبة (أي بنفقة من حلال) ووضع رجله في الغرز (أي في الشيء الذي يعتمد عليه في ركوب راحلته) ثم نادى: لبيك اللهم لبيك، ناداه مناد من السماء: لبيك وسعديك، زادك حلال، وراحلتك حلال، وحجك مبرور مأزور، (أي غير مصحوب بذنب أو بإثم).
الحلم والصبر
وأشار د.الطبطبائي الى ان الغضب المفرط في غير موضعه، يخرج العقل والدين عن سياستهما، لذا على الحاج ان يحسن الى إخوانه الحجاج ويتحمل أذاهم ويتجاوز عن مساوئهم، محتسبا الأجر عند الله تعالى وان يستثمر الحاج ايام الحج المباركة المعدودة بطاعة الله تعالى واداء نسكه على الوجه الأكمل ويبتعد عن الوقوع في المحظور فيقضي اوقاته بحضور حلقات العلم حتى يحصل له الانتفاع فيتفقه في دينه، ومنسك حجه، كما عليه ان يرجع الودائع الى اهلها، وكذا العواري، والديون، وان يكتب وصيته قبل سفره، وان يستكثر من الزاد والنفقة، وان يكون طيب النفس فيما ينفقه في حجه، ليكون اقرب الى قبول حجه من الله تعالى.
ويضيف د.الطبطبائي ان الغاية من الحج تمتد الى ما بعد أداء مناسكه وشعائره، لأن ثواب الحج مشروط بما سيصدر عن الحاج من سلوكيات بعد عودته من حجه، بأن تكون هذه الرحلة الروحانية بداية للحاج للسعي الجاد وراء ارضاء الله تعالى بحسن عبادته والابتعاد عما يغضبه.
فلسفة فرضيته
ويقول الداعية أحمد القطان: (الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) ليس هذا فقط تحذيرا وقتيا اثناء الحج ولكنه يستمر قائما ومطالب به الحاج طيلة حياته، فالحج ليس مجرد رحلة أو نزهة أو مجرد تأدية مناسك وشعائر معينة بل هو منهج متكامل لتقويم سلوك الحاج ولتحقيق خيرية حياته وصلاح نفسه وقلبه وعقله، وهذه هي الفلسفة العميقة لفريضة الحج والتي لا تكتمل الا بالاستمرار على منهج الاسلام في الحياة وتطبيق مبادئه وقواعده على معاملات الانسان مع أخيه الانسان، وذلك بتعديل السلوك الانساني من القبح الى الحسن، ومن الباطل الى الصواب، ومن الظلم الى العدل، ومن القسوة الى الرحمة، ومن الانانية الى الايثار ومن التفرق الى البر والتعاون، الى غير ذلك من الفضائل التي ينبغي ان تتحول اليها تصرفات ومعاملات الحاج بعد ان تشبعت نفسه بجرعة ايمانية اكتسبها من عظمة شعائر الحج.
غاية سامية
وزاد القطان: فالحاج الذي أدى فريضة ربه على طاعة خالصة لله، وراعى حقوق اخوانه، ولم يرفث ولم يفسق ولم يرتكب إثما، فإن الله سبحانه وتعالى يكون قد عفا عن ذنوبه السابقة فيعود الى أهله في صورة مولود جديد لم تدنسه الحياة، ومن ثم يكون تعديل السلوك ليس أمرا صعبا، وحينئذ على الحاج ان يبدأ حياة جديدة بعد عودته، حياة مملوءة بالعطاء والنقاء والبراءة فيستقبل الحياة بكل اخلاص في العمل والعبادة ويسلك سلوكا جديدا في كل شيء في القول والفعل وسائر معاملات الانسان في حياته، وهذه هي غاية الحج وفلسفة فرضيته على المسلمين.
عبادة روحية وبدنية
وتضيف مديرة ادارة التنمية الأسرية بوزارة الاوقاف سعاد بوحمرا ان القرآن الكريم والسنة النبوية جاءا بدعوة اخلاقية من عند الله تتمثل في المحبة والايثار والعطاء والرحمة، وتلك اخلاقيات عامة يجب على كل مسلم ان يتحلى بها، والحج كفريضة اسلامية عبارة عن شعائر ومناسك تعبر عن تلك الاخلاقيات، ولذا فعلى الحاج ان يتحلى بها ليس فقط اثناء تأدية شعائر الحج بل لابد ان يظل متخلقا بها الى آخر يوم في حياته حتى يكون قوام الأمة الاسلامية هو التعاليم الفاضلة والقيم المثلى، فبدون هذه القيم وتلك الفضائل الرفيعة ما كان للحج هيبة روحية في نفس المسلم.
تطهير النفس
وأكدت بوحمرا أن الحج المبرور هو الذي لا يخالطه إثم، وان يعود الحاج زاهدا في ملذات الدنيا الشهوانية، راغبا في نعيم الآخرة، فعن ام المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) أنه قال: «ما من يوم يعتق الله فيه عبدا أكثر من يوم عرفة»، وكذلك قوله ( صلى الله عليه وسلم ): «الحسنة في الحج بسبعمائة حسنة والله يضاعف لمن يشاء»، وذلك لما يتحمله الحاج من مشقة السفر والبعد عن الأهل والانقطاع عن شهوات النفس، ولكن كل هذا مشروط بما يجب على الحاج بعد عودته من ضرورة الالتزام بفضائل الاخلاق وحسن التعامل مع الغير، حتى يتحقق فضل الله على الامة الاسلامية، حيث جعل لها الحج منفذا لتطهير النفس لتنال رضا الله وثوابه فالحاج بحجه يكون قد عاهد الله سبحانه وتعالى على البر والاخلاص والتقوى طيلة حياته، وعليه ان يحافظ على عهده الذي فيه الصلاح والفلاح تصديقا لقول الله تعالى: (وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم).
صفحة الإيمان في ملف ( pdf )