- خطبة الجمعة تؤكد أن وقوع الخلاف أمر لابد منه ولا مفر من تباين الآراء ولكن لا يجوز استباحة الأعراض
أسامة أبوالسعود
أكد وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية المساعد لشؤون المساجد وليد الشعيب أن وحدة المسلمين وترابطهم هي الضمان الوحيد لأمن المجتمع واستقراره، كما أنها السبيل لمواجهة الفتن ووأدها في مهدها قبل أن تستفحل وتخلق حالة من التحزب والتشرذم والفرقة وجميعها معاول هدم للبناء الاجتماعي مهما كانت قوته، ولذلك دعا الإسلام إلى التوحد والترابط وعدم التنازع وجمع الكلمة وتوحيد الصف والاعتصام بحبل الله المتين، لأن العمل بغير ذلك يؤدي إلى الهلاك.
وتابع الشعيب: وانطلاقا منوتقول الخطبة: لقد كان تأليف القلوب باب الإسلام إلى تحقيق نعمة الوحدة والأخوة بين المؤمنين، ومن ثم إلى تحقيق التكامل والرشد في الأمر والنهي والدعوة إلى الله تعالى، قال تعالى: (واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها كذلك يبيّن الله لكم آياته لعلكم تهتدون) (آل عمران:103)، وقال تعالى: (وإن يريدوا أن يخدعوك فإن حسبُك الله هو الذي أيّدك بنصره وبالمؤمنين وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعا ما ألّفت بين قلوبهم ولكن الله ألّف بينهم إنه عزيز حكيم) (الأنفال: 62- 63).
أيها المسلمون: إن وحدة المسلمين رباط وثيق، لا تنفصم عراه ولا تنفك عقدته، قام على مبدأ الدين والأرض، وجعله الله صرحا شامخا متماسكا، لن يوهنه برق المعاول، أو يهدد أوصاله هبوب الأعاصير والرياح.
ولقد كان المسلمون في العصور الذهبية الأولى إخوة متحابين، وأولياء مجتمعين، لا ينزع أحدهم يده من يد أخيه، أو يعرض عنه، أو ينأى بجانبه ليعيش وحده دون إخوانه، وإن خالفه وعارضه في الرأي والقول، بل كانوا مثالا للإخاء والمودّة، ولو على حساب راحتهم ومهجتهم، مستجيبين لهدي سيد الخلق صلى الله عليه وسلم إذ يقول: «إن المؤمن للمؤمن كالبُنيان يشدّ بعضه بعضا» (رواه البخاري)، فلانت لهم الدنيا، يجوبونها نشرا للخير والقوة والحكمة والعدل.
وإذا كان هذا واقع المسلمين في أزهى عصورهم، فإن المسلمين في أعقاب الزمن وبخاصة في زماننا هذا، وقد تتالت عليهم الفتن والمحن، هم في أمسّ الحاجة إلى تشييد مجتمعاتهم، وبناء صرح جامعتهم، على الأمثلة الرفيعة الرشيدة التي ضربها السلف في التماسك والتضامن والتعاون على البر والتقوى.
إن قافلة الخير والعمل في بلدنا الحبيب يجب أن تسير قدما إلى الأمام، وترقى سماء إلى العلياء، لا تقف عند حد أو فرد أو جماعة، ولا تضعفها عصبية أو حزبية مقيتة، بل يرى كل واحد من أبناء المجتمع نفسه مسؤولا عن الخلل والتقصير، لأنه معني بجمع الكلمة، واتحاد الصف، وتوجيه الخطا.
أيها المؤمنون:
لابد للعاملين على رعاية شؤون الناس ومصالحهم أن يعلموا أن التنازع والاختلاف وفساد ذات البين يضعف الأقوياء، ويهلك الأفراد والمجتمعات، بينما التعاضد والاتحاد وإصلاح ذات البين يصنع النصر والقوة والتمكين، قال تعالى: (وأطيعوا الله ورسوله ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين) (الأنفال: 46).
ولم يقرأ التاريخ أحد إلا عَلم عِلم اليقين أن من أهم أسباب سقوط الدول على اختلاف عقائدها ومللها: التفرق والاختلاف.
فها هي الخلافة العباسية سقطت بعد أن تفرقت دولا إسلامية في ذلك الوقت، فنشأت الدولة البويهية، والمماليك، ودويلات الشام، فلما زحف المغول إلى بغداد لم يقف في وجه زحفهم غير أهل بغداد فقط فلم يستطيعوا صدهم، فأعملوا فيهم القتل والنهب والتشريد.
وسقطت الدولة الإسلامية في الأندلس بعد أن أصبحت دويلات متفرقة متناحرة، لا هم لأحدهم سوى التناحر والمبارزة.
الخطبة الثانية
معاشر المؤمنين: إن ما ظفر به أعداء الأمة من سطو واستيلاء: لا يرجع إلى خصائص القوة في أنفسهم بقدر ما يعود إلى آثار الوهن في صفوف أصحاب الحق، فالفُرقة تجعل هلاك الأمة بيد أبنائها في حرب بلا معركة، ونصر بلا مقارعة عدو.
معشر المسلمين: إن وقوع الخلاف أمر لابد منه، ولا مفر من تباين الآراء، ولكن الذي لا يجوز هو استباحة الأعراض، والنفرة التي تقع بين المتخالفين، فليس من الدين ولا من الأخوة الإيمانية القائمة بين أبناء الشعب الواحد، أن يكون مجرد الخلاف سببا للقذف والتحريض والعنف، بل الواجب: إسداء النصح لكل مواطن أو مقيم، مهما كان انتماؤه أو فكره أو منهجه.
فإذا فعل العلماء والدعاة وحملة الأقلام ذلك فقد قاموا بواجب النصيحة المفروضة عليهم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الدين النصيحة»، قلنا: لمن؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين، وعامتهم» (رواه مسلم).
اللهم وفّق أميرنا وولي عهده لهداك، واجعل عملهما في طاعتك ورضاك، اللهم احفظهما بحفظك، واكلأهما برعايتك، وألبسهما ثوب الصحة والعافية والإيمان، يا ذا الجلال والإكرام. اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، وتقبّل اللهم شهداءنا وشهداء المسلمين أجمعين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.