دانيا شومان
«60 ألف شخص مطلوبون على ذمة قضايا مالية في الكويت في انتظار السجن، بحسب مصادر وزارتي العدل والداخلية»، هكذا أعلن زايد الذايدي أمين سر الجمعية الكويتية لتكافل السجناء الصيف الماضي، وبحسب مصادر وزارة الداخلية مؤخرا فان اعداد المطلوبين في تزايد مستمر ولا أدل من قرص الدوريات التي يقوم افرادها بالتفتيش على المطلوبين ماليا.
60 الف شخص يعادل 6% من الشعب الكويتي، بحسب ما يذكر المصدر الذي تحدث لـ «الأنباء» حول هذه القضية التي وصفها بأنها واحدة من اخطر القضايا، ويضيف المصدر في وزارة العدل: «انه لو فرضنا ان اعداد الموظفين في الكويت هو 200 الف فإنه يمكن ان نقول ان 30% من الموظفين الكويتيين مطلوبون على ذمة قضايا مالية، وهو رقم خطير جدا، فنحن هنا نقول ان 3 من كل 10 موظفين في الكويت مهددون بالسجن بسبب التزامات مالية، وانا حددت الموظفين لأنهم الوحيدون القادرين على الاقتراض».
جانب آخر مهم من تحقيقنا هو انه لا يكاد يخلو بيت كويتي الا ويوجد به مطلوب، ليس مجرما ولكنه خرق القانون ويوجد بنك او شركة إقراض تلاحقه بحكم قضائي تتدرج الأحكام القضائية كما يفيد المصدر الذي كشف الموضوع قائلا: «تبدأ بالإخطار ثم الانذار ثم المطالبة وبعدها الملاحقة القضائية التي تنتهي الى امر ضبط واحضار المدير وبعدها اوامر الحجز على المنقولات التي يملكها سواء كانت مكتبا او سيارة او منزله، وجميع هذه الحالات تحال الى ادارة التنفيذ المدني التي تصدر بشكل يومي محدث قرص كمبيوتر فيه اسماء المطلوبين الذي يستخدمه رجال الدوريات والامن، وكذلك رجال ادارة التنفيذ المدني من اجل اقامة حواجز للتفتيش والتدقيق على اسماء المطلوبين.
وقال المصدر مختتما حديثه الذي كشف فيه وجود 30% من موظفي الكويت في دائرة المطلوبين امنيا «تصل اسماء المطلوبين احيانا في القرض الى اكثر من 60 ألف اسم».
وحول هذه القضية التي عرفت بقضية القروض في الكويت أحببنا ان نأخذ الجانب الانساني منها، وما هي حقيقة المطلوبين أو المعسرين، كما يسمون، الذين يتحولون من مواطنين ومقيمين يشغلون وظائف محترمة الى مطلوبين أمنيا عبر اسماء استطعنا الحصول عليها من احدى الجهات الخيرية التي وفرت عددا من الاشخاص الذين تقاضوا أو كانوا يتقاضون مساعدات منها وكذلك من باب المطالبات التي تزخر بها الصحف عبر النداءات الانسانية:
ام احمد علي (55 عاما) تكشف جانبا مهما من القضية بحديثها عن ابنها المدين حسب قولها بأكثر من 40 الف دينار قائلة: ولدي احمد عمره 25 عاما وبلغت ديونه نحو 40 الف دينار، والمصيبة انه هو السبب الاول والاخير في تراكمها عليه وعدم تمكنه من السداد، فقد كان يعمل في الجيش الكويتي، وكان راتبه - ما شاء الله - يتعدى 700 دينار رغم انه ليس بضابط، وهو جندي بسيط ولكنه كان يقترض دون ان نعلم ويجدد قرضه وفي يوم من الايام اكتشفنا انه لا يذهب الى الدوام، وقال لنا انه في اجازة، ولكن جلوسه في البيت طال وابلغنا عندما سألناه بانه متفق مع ضابطه على ألا يذهب للدوام الا في الحالات الضرورية وصدقناه حتى جاء في يوم وفوجئت بكتاب رسمي من احد البنوك بإخطار ضرورة دفع دين تبلغ قيمته 20 الف دينار مستحقة عليه، وانه لم يسدد منذ 6 اشهر، وبعدها بفترة وجيزة فوجئنا بشركة السيارات تطالبه بمبلغ 10 آلاف دينار مع اخطار بإحالة الامر الى القضاء وبعدها اخطار آخر ببطاقات الڤيزا وآخر من شركة اجهزة كهربائية حتى بلغت ديونه نحو 40 الف دينار، وحاولنا اقناعه بالعودة الى عمله، الا انه كان قد فصل منه لتغيبه.
حكاية ام احمد تكاد تكون موجود في كل بيت كويتي حسبما يذكر منصور ثامر (60 عاما) الذي قال: انا شخصيا لدي ابن متورط في الديون بشكل كبير جدا، وبلغ الامر انه أصبح لا يستطيع السداد لكثرة الديون، فالبنك يطالبه، وأكثر من شركة تطالبه بينها سيارات واجهزة كهربائية وأثاث رغم انه متزوج ولديه ابنة ويسكن معي في نفس المنزل، ولكنه أصبح عاجزا عن السداد حيث بلغت ديونه اكثر مما يمكنه الدفع، لقد بلغت ديونه عشرات الآلاف.
واضاف ابوثامر: اكتشفت في ديواني اصدقائي المتقاعدين الذين في مثل عمري ان في كل منازلهم مطلوبة على ذمة قضايا مالية، وحتى اقربائي اكتشفت وجود مطلوب في كل منزل.
تجربة علي الفيلكاوي (33 عاما) مختلفة، فهو يحكي قصته مع تحوله من موظف محترم الى مدين مالي ومطلوب للضبط والاحضار قائلا: السبب هو انني استدنت مبلغا من المال لأدخل البورصة ونجحت في تحقيق مكاسب سريعة قبل عامين سرعان ما تلاشت الارباح لتتحول الى خسائر، وأحببت أن أعوض فاقترضت واقترضت حتى بلغت الاقساط اكثر من نصف مرتبي، بالاضافة الى انني كنت أسكن بالايجار، ثم عدت الى منزل والدي، ولكنني غرقت في الديون حتى أصبحت بالفعل عاجزا عن السداد، وقبض علي مرتين، وواجهت القاضي وابلغته بظروفي، وكان القاضي في كل مرة يتفهم موقفي بعد أن أقدم المستندات التي تثبت عدم قدرتي، وكان يطلق سراحي وأعود حتى استطعت بتعاون عائلتي ان أسدد جزءا منها وأتفق مع الشركات والبنك على إعادة الجدولة.
مساعد حسن (31 عاما) يقول: كنت موظفا في القطاع النفطي وكان راتبي 1200 دينار، وفصلت من عملي، ولم أجد وظيفة سوى في البلدية، وراتبي الجديد لم يتعد الـ 450 دينارا، رغم ان اقساطي السابقة كانت نحو 550 بحسب راتبي السابق، أي ان راتبي الجديد أقل من قسطي الشهري بأكثر من 100 دينار، ومع هذا تحولت الى مطلوب وضبطت مرة، ولكنني استطعت التفاهم مع ادارة البنك وأعدت جدولة القرض وانتهت مشكلتي.
التحول من مواطن صالح الى مواطن مطلوب لا يتطلب ان تكون مقترضا من البنك وتعجز عن السداد، ولكن هناك امورا اخرى وهو ما يكشفه غالي سلطان (42 عاما) والذي يشرح جانبا آخر لهذا التحول، قائلا: كنت متزوجا ولدي 4 اولاد وأسكن في منزل منحته لي الاسكان وأعمل موظفا في احد القطاعات الحيوية، وما حصل ان الحياة أصبحت مستحيلة بيني وبين زوجتي ما دفعني الى الطلاق، وبدأت برفع القضايا وهي النفقة والمتعة ونفقة الاولاد حتى تحولت مع القضايا بعد ان حكم لصالحها وأصبح يقتطع لصالحها عبر احكام قضائية أكثر من 400 دينار شهريا، وأنا مطلوب لأكثر من 400 دينار كأقساط شهرية فلم يتبق لي شيء يذكر من راتبي، وتعثرت في السداد وبعدها بدأت مطالبات الشركات والبنك حتى تحولت الى مطلوب، وقبض علي ثلاث مرات، ولجأت لأكثر من جهة من بينها بيت الزكاة ولجان خيرية عدة حتى قدمت على منحة سمو الشيخ سالم العلي، والحمد لله سددت جزءا كبيرا من ديوني، ولكنني لا أزال في دائرة الخطر.
تحقيق خاص في ملف ( pdf )