إن للذكريات قيمتها في حياة الأمم، فهي من شأنها ان تبعث في النفوس العظة والعبرة، وقد أمر الله عز وجل نبيه محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ان يداوم التذكير فقال: (وذكّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين)، وفي ذكرى الهجرة الشريفة نجد كثيرا من الدروس والعظات والقيم النبيلة، فنجد ان الذين هاجروا لم يهاجروا من اجل متعة فانية او شهوة عارمة وإنما هاجروا من اجل خدمة دينهم، وخدمة عقيدتهم ومن اجل ان يكونوا لبنة قوية لإنشاء أمة هي خير أمة أُخرجت للناس، وحول الدروس المستفادة يحدثنا الدعاة.
حول المواقف البطولية التي انطوت عليها الهجرة النبوية من دروس وعبر مستفادة تدفع المسلمين اليوم في ظل الظروف التي تمر بها الأمة الاسلامهية الى الصمود والتضحية بكل شجاعة وثقة لقوى العدوان التي تستهدف النيل من الاسلام يقول الداعية الاسلامي احمد القطان: ان هجرة الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة الى المدينة لم تكن ضعفا ولا استسلاما ولا فرارا من مواجهة قوى العدوان، بل كانت هجرة مباركة وبداية مرحلة جديدة في تاريخ الدعوة الاسلامية، حيث اراد الحق سبحانه ان تكون المدينة المنورة مركزا للإشعاع الفكري لرسالة الاسلام على يد نبينا محمد ( صلى الله عليه وسلم )، فانطلقت الى كل انحاء العالم لتنشر الامن والسلام والطمأنينة بين المسلمين وغير المسلمين، واضاف: علينا ان نضع الاحداث امام بصائرنا للتفكر والتذكر وان نتأسى بها فينكشف لنا طريق الكرامة والعزة فنستفيد من مواقفها الدروس والعبر، حيث يمر حدث الهجرة النبوية المباركة على المسلمين كل عام فيتذكرون خطوات النبي ( صلى الله عليه وسلم ) من مكة الى المدينة التي اصبحت لهم وطنا ثانيا فأحبوه وكانت المدينة كالأم الحانية على وليدها فاحتضنت المسلمين وقدمت لهم من كل شيء، واضافت ان هناك دروسا يجب ان نستفيد منها من الهجرة، والهجرة بمعناها الروحي ان يهجر الانسان المعاصي ويترك النواهي وكل ما يبغضه الله، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه، قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ): «إنما الأعمال بالنيّات وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها او امرأة ينكحها فهجرته الى ما هاجر إليه».
وأكد القطان ان الهجرة تدعونا للتفكر في احوالنا وتدعونا للتأسي بجهاد الرسول وصحابته الكرام، فنجعل احداثها امام بصائرنا للعظة والعبرة والتفكر لنتأسى بها فينكشف لنا طريق الكرام بقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ): «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هجر ما نهى الله عنه».
أخوة الإيمان
وأكد القطان ان الإسلام رسالة جامعة وخالدة، وهو اقرار العدل والمساواة والمؤاخاة بين المسلمين (إنما المؤمنون اخوة)، فأحرى بنا كمسلمين أن نقدر ذلك الرسول الكريم الذي جاهد من اجل أمته، وقد خُيِّر بأن ينزل عليها العذاب فأبى إلا دعوتها لعبادة الله، وللنظر الى تضحية الرسول لأمته حتى يوم القيامة فجميع الرسل والأنبياء والخلائق كل يقول نفسي نفسي إلا محمد ( صلى الله عليه وسلم ) ينادي: أمتي أمتي، وأول من يدخل الجنة أمة محمد يعرفون بوضوئهم، وذلك من رحمته سبحانه بنا.
ضروريات الهجرة
واشار الداعية القطان الى ما يجب على كل مسلم عامة من طاعة نبيه خالصة لله عز وجل تعين على هجر المعاصي، فالإيمان هو الدافع للهجرة وبدونه لا تتحقق نصرة الله (الا تنصروه فقد نصره اللهاذ اخرجه الذين كفروا ثاني اثنين اذهما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا، فأنزل الله سكينته عليه وأىده بجنود لم تروها وجعل كلمة الذين كفروا السفلى وكلمة الله هي العليا والله عزيز حكيم - التوبة 40). فلنقف بين العامين وقفة المهاجر بنفسه وان لم يهاجر بجسمه، فلنهاجر الى الله بقلوبنا وعقولنا واعمالنا ولنلجأ اليه حتى يكون لنا ومعنا
الاحتفاء بها
الداعية سيد الرفاعي يقول: مع تكرار هذه الذكرى في كل عام نحن لا نسأم الاحتفاء بها والالتفات اليها لأنها من الذكريات الغوالي التي تتجدد آثارها وعظاتها، لقد كان حادث الهجرة النبوية في تاريخ المسلمين عظيما، ونقطة التحول في تاريخ البشرية، وبداية الانتقال من الضعف الى القوة، ومن الحيرة والبلبلة الى الاستقرار والاستعلاء، ومع ان هذه الهجرة رحمة من الله عز وجل لعباده نراها انطوت على دروس كثيرة عميقة الدلالة دقيقة المغزى، بعيدة الأثر في نفوس الكرام، ومنها درس يتعلق بالصداقة والصحبة خاصة، وقد اصبح اكثر العلاقات بين الناس في هذا العصر تقوم لغرض او يشوبها شيء من الرياء او النفاق.
الشباب
وزاد الداعية الرفاعي: من الدروس المستفادة التي نأخذها من الهجرة الاهتمام بأمر الشباب، حيث انهم اساس كل نجاح وقوة كل دعوة، فإذا نبتوا في بيئة الصلاة والتقوى والتهذيب نشأوا على العمل الصالح والسعي الحميد والتصرف المجيد، ولقد شاركت طائفة من هؤلاء الشباب الصالح في حادث الهجرة افضل مشاركة، فهذه عائشة رضي الله عنها الصبية تعد الطعام للمهاجرين، وهذا عبدالله بن ابي بكر الفتى يتجسس لهما ويحمل اليهما الاخبار وهما في الغار، وهذا علي بن ابي طالب ( رضي الله عنه ) الشاب اليافع يتعرض للتضحية الكبرى ويقدم على الفدائية المثلى فينام في فراش النبي ( صلى الله عليه وسلم ) ليلة الهجرة وهو يعلم ان سيوف المشركين تستعد للانقضاض على النائم في الفراش، ويظل علي في مكة بعد ذلك يؤدي الامانات الى اهلها غير عابئ بتهديد المشركين او وعيدهم، ثم يهاجر علي الشاب منفردا في ثقة وايمان.
الاعتصام بالله
وينتقل الرفاعي الى درس آخر مهم يجب على المسلمين الاستفادة منه، خاصة والامة الاسلامية تمر في هذه الايام الحالكة بمحنة عصيبة تهدد كيانها وتتطاول على اساسها من قبل اعداء الاسلام وهم كثير، فمن الدروس المهمة ان الله عز وجل ينصر من نصره ويعين من يلجأ اليه ويعتصم به، ويكون للعبد المخلص الموقن حين تنقطع به الاسباب وحين يخذله الناس، وهذا رسول الله وصاحبه الصديق تجتمع عليها قوى البغي والطغيان فتقبل عليهما عناية الرحمن.
لا يجوز
وحول حكم احتفال المسلمين بالعام الهجري، يؤكد الداعية احمد الكوس ان الاحتفال بالعام الهجري واتخاذه عيدا لا أصل له في الشرع، ولم يصح الاحتفال به عن احد من الصحابة ولا التابعين، ولا استحبه او اجازه احد من الأئمة المتبعين، والاعياد عند المسلمين عيدان: عيد الأضحى وعيد الفطر، كما ثبت في الحديث الصحيح وليس للمسلمين عيد غيرهما، واضاف: كما ان الذين هاجروا وعرفوا احداث الهجرة وتطورها لم يحتفلوا بذلك، لأن الحدث قوى الإيمان في قلوبهم، اما انهم اقاموا احتفالا او خطبا او تحدثوا عنه، فهذا امر لم يكن، فإذا كان الصديق وعمر وعثمان وعلي ومن قبلهم امامهم سيد الاولين والآخرين لم يضع لذلك حفلا معينا ولا خطابة معينة فان هذا يدلنا على ان هذا امر محدث وان الاولى بنا الا نفعل شيئا من ذلك، بل اذا تذكرنا شكرنا الله على النعمة وعلى نصر نبيه واعلاء دينه.
صفحات الإيمان في ملف ( pdf )