مر بمكتبي قبل أسبوعين من رحيـــله مهنئـــــا بالعــيد الـ 32 لـ «الأنباء»، ابتسامته الاعتيادية تعلو وجهه دون أن يقوى التعب على حجبها. طلبت منه الجلوس فشكرني ثم قال: أخ محمد، أكثر ما يعجبني في جيل الشباب الذي يشكل الغالبية الساحقة في «الأنباء» اليوم الوتيرة التي تعملون بها، أنا مثلكم عاشق لهذا المكان وللصحافة والعمل، لكني أشعر بتثاقل ما في داخلي! كم كنت أتمنى لو أنني أصـغر بـ 14 سنة «لأركض معكم»!
لم أعرف لماذا اختار الرقم 14، وسيبقى الأمر سرا لأني لم أسأله حينها، إذ فضلت أن أبتعد عن هموم العمل اليومي آخر النهار بالانتقال لمجال آخر من الحديث، وددت أن أقول له: «بعدك شباب يا أبوكريم وما تخطيت الـ 50 ليش عما تقول هالكلام»، إلا أنني لم أقلها بل غيرت الموضوع، وسألته عن الرياضة التي كان يعشقها: شو رأيك يا أبوكريم مصر حتحافظ على لقب أفريقيا (بكرة القدم)؟ فأجابني بلهجته المصرية المحببة: زي ما شايف كل الأسود والفيلة والنمور والفهود سانّة سنانها وعاوزة اللقب، لكن ربنا كريم وحنشوف.
من يعرف الزميل طارق كمال يتساءل ولو بغياب الأدلة والبراهين العلمية عما إذا كانت القلوب المثقلة بالمحبة أكثر عرضة للتوقف من القلوب القاسية والأقل رحمة وتسامحا!
إنه قلب انفطرت برحيله قلوبنا، ملأ سكـوته عالمنا حزنا وجعلنا أسرى للذهول والصمت، تمردت الذاكرة وانفـــــجرت، فاستسلــــمت مآقينا وانســـــكب الدمع.. ما أصعب الرحيل!
محمد الحسيني
الصفحة في ملف ( pdf )
واقرأ أيضاً :-
أبوكريم.. لقد وُلدت فينا ولم تمت