أسامة أبوالسعود
اختتمت الامانة العامة للاوقاف جلسات ندوتها الدولية الاولى لمجلة «اوقاف» الوقف والعولمة والتي اقامتها تحت رعاية سمو رئيس مجلس الوزراء تحت شعار استشراق «مستقبل الأوقاف في القرن الحادي والعشرين» وحملت الجلسة الحوارية الرابعة عنوانا هو «الابعاد الاقتصادية للوقف في عصر العولمة» ترأسها فهمي الهويدي وتحدث في بدايتها د.فؤاد العمر في ورقة بعنوان التحديات الحديثة التي تواجه اقتصاديات الاوقاف قال فيها:
في تعرفنا للتحديات الحديثة التي تواجه اقتصاديات الوقف، سنسعى في البداية الى التعرف على القوى المؤثرة في المستقبل على اقتصاديات الوقف مع محاولة تحديد آثارها المتوقعة، ولاستكمال تحليل المستقبل سنحاول ايضا استقصاء دراسة بعض العوامل الاخرى التي قد لا تكون واضحة التأثير في الوقت الحاضر، ولكن قد يكون لها تأثير واضح على اقتصاديات الوقف مستقبلا.
وقال ان تنامي عملية الاوقاف في الماضي او مستقبلا مرتبط بمجموعة متنوعة من العوامل، من اهمها: زيادة الوعي الديني والحرص على اجر الانفاق لدى الافراد او المؤسسات، والتقدم الاقتصادي وتنامي الثروات، وتوفر نظام لحماية الملكية الفردية، ووجود التشريعات القانونية لتشجيع الوقف وحمايته، واخيرا رقي احساس افراد المجتمع بحاجاته المختلفة.
واكد ان اي دراسة لاستشراف المستقبل تتطلب منهجا استقرائيا من وجهة النظر العلمية نظرا لانها تتطلع الى معرفة عوامل التأثير في المستقبل ولعدم توافر البيانات اللازمة للتحليل العلمي، وتبدأ الدراسة باستقراء التحديات الحديثة التي تواجه اقتصاديات الوقف وبيان تأثيرها على مؤسسة الوقف او اعيانها ومن ثم تحديد المجالات المطلوب التركيز عليها لتطوير اقتصاديات الوقف في المستقبل، عقّب بعده د.وليد الانصاري من أميركا بورقة تحت عنوان التجربة الغربية في تنظيم وادارة الوقف.
وقدم وزير الاوقاف والشؤون الاسلامية الاسبق د.علي الزميع تقييما سريعا لاداء الامانة العامة للاوقاف خلال الفترة السابقة محملا نفسه جزءا من المسؤولية تجاه بعض الامور التي عدها قصورا في اداء الامانة على اعتبار انه قد تولى رئاستها في فترة من الفترات مؤكدا في ذات الوقت على اننا يجب ان نذكر للامانة العامة للاوقاف الفضل في تحريك الماء الراكد حيث ان تجربة الربع قرن السابقة جعلت قضية الوقف تقفز الى واجهة الاهتمام.
مقارنة استراتيجية
وعقد الزميل مقارنة بين استراتيجية الامانة في منتصف التسعينات واستراتيجية عام 2003، حيث قال «عندما انشئت الامانة عام 1993 حرصت على بناء الفكر الذي يحدد اهمية القطاع الوقفي على اعتبار ان الوقف صيغة تنموية فاعلة في المجتمع وتم وضع خطة لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي لتوفير المناخ الملائم لتحقيقها فأنشئت الصناديق الوقفية وصيغت لوائحها بحيث يضم مجلس امناء كل صندوق النصف من القطاع الاهلي والنصف من ذوي الاختصاص او الممثلين الرسميين ويترأس كل صندوق احد من الوزراء السابقين، وذلك من اجل تفعيل مساهمة المجتمع المدني واحياء فكرة الوقف وجلب اوقاف جديدة، كما انشئ صندوق التعاون الاسلامي الذي خصصت له موارد من ميزانية الدولة كوقف يهدف الى بذر الفكر الوقفي في المؤسسات الاسلامية في الخارج، وتم تفعيل دور وزارة الخارجية في هذا الصندوق.
وتابع الزميع: لقد ادت هذه الاستراتيجية الى عدد من الاسقاطات الايجابية في مقدمتها طرح فكر اسلامي ديني متجدد متلائم مع العصر يعبر عن المجتمع ولا يعبر عن جهاز رسمي او تيار بعينه، بالاضافة الى تفعيل المبادرات الاهلية، خاصة مع مشاركة رموز المجتمع المدني في ادارة الصناديق والذين كانوا يتريبون من الالتصاق بالعمل الاسلامي، حيث مثلت لهم الامانة وعاء عصريا متميزا يشبع طاقاتهم ويستوعبها مما شجع على استقطاب اوقاف جديدة.
مكتسبات المرحلة الأولى
ومن اهم النجاحات التي تحسب لهذه الاستراتيجية، كما قال الزميع، انتقال التجربة الى مستويات مختلفة في العالمين العربي والاسلامي، منها مؤسسات اهلية، كما برز البعد المؤسسي جليا في النشاط الوقفي، الامر الذي ساعد على التغلب على مؤسسية نشاط المؤسسات الديني (في رمضان وموسم الحج) وادى الى استقرار العمل وتفعيل عمل استثمار الاصول، فأصبحنا نرى الامانة مساهمة في كثير من المؤسسات والبنوك الاستثمارية وبنت روح تغيرية غير مألوفة انعكست حتى على القضايا الفقهية، حيث ان الفتاوى في مجال الاوقاف كانت غائبة لتجمد هذا القطاع لفترة طويلة.
لكن كما يرى الزميع فإن تلك الفترة لم تخل من السلبيات التي يعتبر نفسه احد المسؤولين عنها، قائلا: لقد كان هناك اهمال وعدم تركيز على الوقف الاهلي، وهذا بعد سلبي انا ابرز المسؤولين عنه، فلو حدث هذا الاهتمام لقطعنا اشواطا كبيرة، هذا بالاضافة الى ضعف الاهتمام بالانشطة الوقفية التي تقوم بها جهات اخرى خوفا من ان تحسب الامانة على تيار او اتجاه، وهذا كان خوفا غير مبرر، فكان لا بد من التعاون حتى ولو من خلال الدعم اللوجستي.
إستراتيجية 2003
انتقل الزميع بعد ذلك لحقبة استراتيجية 2003 والتي اعتبرها السبب في حدوث ربكة كبيرة في اداء الامانة وادت الى تراجع المسيرة الوقفية بشكل كبير نتيجة تخوف لاسباب سياسية وادارية، وهو امر لا تلام الادارة عليه على حد قول الزميع، وعن ابرز المآخذ على هذه الاستراتيجية قال انها تتمثل في غياب البعد الفكري الواضح في توجيه عمل الامانة بالاضافة الى غياب البعد التنموي للوقف، حيث تم تركيز الاهتمام على العمل المؤسسي دون تفعيل دور المجتمع المدني فأصبحنا نركز على المؤسسة والوقف وضاعت الادوار الاخرى، كما حدث شبه الغاء لاشتراك المجتمع في ادارة الوقف وجمدت او ألغيت كثير من الصناديق الوقفية وما تبقى منها هو التقليدي، وتم ربطه بادارات قائمة بالفعل، مما ادى الى اقصاء المجتمع المدني عن ادارة امور دينه وساهم في بث الاغتراب وعزل الدين عن الدولة، هذا بالاضافة لاستمرار جوانب القصور التي كانت موجودة في الاستراتيجية الاولى.
مخاوف وصعوبات
وعن اسباب هذا التراجع، قال الزميع: لقد اثارت الامانة العامة للاوقاف مخاوف على مستوى الحركات الاسلامية السياسية الموجودة على الساحة، وكذلك التيارات الليبرالية على حد سواء، حيث قدمت الامانة ابعادا مؤسسية وفكرية جديدة وبدأت تجذب الواقفين ورموز المجتمع المدني الامر الذي اصبح يشكل تهديدا للموارد الوقفية للحركات الاسلامية واعتبرت ان نمو الامانة معناه سحب البساط من تحت اقدامهم فبدأوا يمارسون الضغوط على ادارة الامانة من خلال الاستجوابات البرلمانية وتأليب الرأي العام وتضخيم الاخطاء حيث ان نمو الفكر الوقفي سيخلق فكرا اسلاميا عاما ويلغي احتكار التيارات الاسلامية لكل ما هو ديني.
وعن الليبراليين قال الزميع لقد تصدى هؤلاء اساسا لافكار التنمية وتحفيز المجتمع المدني وفقا لافكارهم ووجدوا ان الامانة قد بدأت في حشد قوى المجتمع المدني من خلال فكر اسلامي مستنير الامر الذي اعتبروه تهديدا ونشرا لافكار طالما حاربوها فاعتبروا الامانة مصدر قلق وتمثل بالنسبة لهم خطرا اكبر من خطر الحركات الاسلامية ذاتها.
اضافة الى ذلك كما قال الزميع عدم استيعاب الجهات الرسمية للفكر التنموي الوقفي الاسلامي حيث اعتبر البعض ان الامانة تسعى لاقامة حكومة ظل الى جانب غياب التشريع الذي يعطي الحصانة والحماية للتجربة وعدم توافر معايير محددة لاختيار القيادات الوقفية.
دور التجميد
وخلاصة التقييم كما قال الزميع: بدأت الامانة بزخم فكري كبير وطرح مؤسسي تغييري ولكنها عجزت عن الاستمرار بنفس المستوى لاسباب عدة حيث تحولت من اداء دور المحفز في المجتمع الى اقل ما يقال عنها انها تقوم بالتجميد منعا لسهام الخصوم او الاعداء.
وعن الرؤية المستقبلية قال الزميع نحن بحاجة لكسر احتكار الدولة للقضية الدينية واتاحة المجال للاوقاف الاهلية فسقوط تجربة وقفية اهلية عادة ما يتلوه قيام اخرى اما التجربة الرسمية اذا سقطت فسيسقط معها الفكر الوقفي كله، هذا الى جانب ضرورة اشاعة الاهتمام بالثقافة الوقفية وخلق التحالف بين الاوقاف الاهلية والحكومية فيما يعرف بالاوقاف المشتركة والدخول في شراكات دولية لتحقيق اهداف اسلامية فالاسلام لم ينتشر في العقود التاريخية السابقة الا من خلال المعاملات المتبادلة وليس من خلال الفكر الجهادي او العلاقات السياسية او الدعوة التبشيرية وهي الاسس الثلاثة التي تحكم علاقاتنا مع الاخر الان.
الجيل الثالث
وختم الزميع حديثه قائلا: لقد مر الوقف بثلاث مراحل الاولى مرحلة اغلاق بعض الحكومات لوزارات الاوقاف واستيلاؤها على الاموال الوقفية ثم المرحلة التي يمثلها الربع قرن الاخير والتي تصدرنا لتقييمها واليوم نحن نعيش مرحلة الجيل الثالث ونحتاج لرؤية جديدة واستراتيجيات تواكب المرحلة الحالية وهذا ما يدعوني لاقتراح تنظيم ندوة تتناول تحديات الوقف في المرحلة المقبلة.
الصفحة في ملف ( pdf )