زينب أبوسيدو
رحل عن عالمنا لكنه ترك الكثير من الاعمال الجليلة التي لا يمكننا ان نغفل قيمتها العظيمة، اثر في كل من تعامل معهم، عمل جاهدا على تخريج المبدعين في مجاله، فكان يبادر بتقديم النصح والارشاد لهم، كل من تعاملوا معه وصفوه بالمخلص الدقيق صاحب الروح المرحة، فضلا عن وصفهم لإبداعاته وانتاجه وتصاميمه، بأنها رائعة لا مثيل لها، انه الخطاط الراحل مصطفى عيسى بن نخي، والذي سعى لتأسيس جمعية الخطاطين لكن جهوده لم تجد آذانا صاغية، فأعماله الاخرى ستظل ناصعة مضيئة في تاريخ الكويت ومنها على سبيل المثال انه صاحب الكتابة على العملة الكويتية المتداولة وغيرها الكثير.
ظهرت على ابن نخي بوادر الفن منذ الصغر، عندما كان في المرحلة الابتدائية، حيث استطاع ان يقلد كتابة معلمه آنذاك، بحيث تطابقت الكتابتان مما اثار دهشة الاستاذ، وتنبأ له بمستقبل باهر، وهذا ما كان.
وهكذا بدأ ابن نخي بتوسيع مداركه الفنية من خلال الاطلاع على كتابات الخطاطين مما تصل اليه يده من خلال الكتب ومشاهدة الاعلانات التي تخص المحال التجارية وسواها، حتى جاءته الفرصة الذهبية التي طالما انتظرها، ولعله ادرك انه بحاجة للجناح الآخر للتحليق في عالم الخط البديع، اذ انه كان يملك جناحا واحدا وهو الموهبة، وبقي ان يمتلك الجناح الثاني وهو العلم، وقد وفق للدراسة في ارقى معاهد الخط العربي آنذاك وهو معهد تحسين الخطوط الملكية بالقاهرة على يد العمالقة امثال محمد حسن، ورضوان سيد ابراهيم، واحمد عبدالعال ومحمد عبدالقادر والعقاد وكان استاذه حسن معجبا به، وكان يقول عنه انه سيكون خليفته.
ولم يكن الامر يسيرا، حيث ان الدراسة بالمعهد تستغرق 4 سنوات لدراسة تحسين الخط، وسنتين لدراسة الزخرفة الاسلامية اي 6 سنوات كاملة، ولكن ما حدث كان مثيرا للدهشة حقا، فقد تمكن ابو مهدي من اتمام الدراسة في فترة قياسية لم تعهدها مقاعد الدراسة من قبل.
ففي السنة الدراسية الاولى، وبعد مضي شهر واحد فقط، لاحظ عليه الاساتذة النبوغ والتقدم على اقرانه، بحيث لم يكن ضروريا بقاؤه في تلك المرحلة، فقررت ادارة المعهد نقله الى مقاعد السنة الثانية مباشرة، وهناك ايضا تكرر الامر نفسه، فلقد فاق بقية الطلبة في مستوى خطه، وتقرر بناء عليه نقله الى مقاعد السنة الثالثة بعد مضي شهر ايضا، وهكذا بعد شهر آخر نقل للسنة الرابعة، حتى انه اتم اختبار السنة الرابعة بامتياز بعد مضي اربعة أشهر فقط.
وبعد ان عاد مصطفى الى الكويت حاملا شهادة الخط العربي بتفوق عمل خطاطا في عدة جهات حكومية منها: الديوان الاميري حيث اسندت اليه كتابة الاوسمة الاميرية العليا، وجميع شهادات التقدير، والانواط والاوسمة والدروع، وغير ذلك.
كما عمل خطاطا بوزارة الاعلام في مطبعة الحكومة وكتب خلالها الكثير من الكتب الرسمية ومطبوعات الحكومة والمراسلات وغيره.
ثم عمل ابن نخي خطاطا في بنك الكويت المركزي اذ اسندت اليه كتابة العملة الكويتية المتداولة حتى يومنا هذا، وهذا اثره الخالد.
ثم عين استاذا للخط بمعهد تحسين الخطوط التابع لوزارة التربية وكانت له انجازات عدة اهمها كتابة الآيات القرآنية التي تزين جدران المسجد الخاص في قصر سمو الامير الراحل الشيخ جابر الاحمد بقصر دسمان العامر وفي مسجد الامام الحسن.
وبالاضافة الى عمله الحكومي زاول نشاطه التجاري من خلال مكتبه الخاص في شركة دار الخط والزخرفة وفي شركة دار الفن لحفر المعادن، اللتين تختصان بالدعاية والاعلان، وهذا ما جعله ينتشر بشكل كبير، ويشتهر بين الناس الذين يرغبون في تنفيذ اعمالهم بالخط العربي عند افضل خطاط.
وتميز شيخ الخطاطين مصطفى بن نخي ببراعته الفذة وسرعة البديهة في استحضار الافكار، حيث كان الاسرع في تصميم الشعارات الذكية والتي صمم منها الكثير سواء بمهمات حكومية او تجارية.
وكان ابن نخي كريما في ادائه لزكاة العلم عن طريق التعليم نفسه، فقد تتلمذ على يديه الكثيرون من داخل الكويت وخارجها، وأبرزهم الخطاط حسين السري الهاشمي من الامارات العربية، والخطاط علي بحروه، والخطاط عيسى ارتي من الكويت.
وعندما يغيّب الموت خطاطا بهذه السيرة الحافلة بالعطاء والانجازات فلابد لنا ان نقف عند ذلك وقفة وفاء، فالتقينا بمجموعة من الخطاطين الذين تتلمذ بعضهم على يديه.
تقرير خاص في ملف ( pdf )