ضاري المطيري
أكد دعاة فضل صيام شهر شعبان اقتداء بسيد البشر محمد ( صلى الله عليه وسلم )، الذي كان يصوم غالبه، وذلك لأنه شهر يقع بين شهرين جليلين، شهر رجب وهو من الاشهر الحرم ورمضان شهر القرآن والبركات، كما حثوا المسلمين على ضرورة سلامة الصدر وعدم حمله الشحناء والحقد لاخوانه المسلمين لينال فضيلة ما ورد من قوله: «ان الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، الا مشركا او مشاحنا».
وحذروا من تخصيص ليلة النصف من شعبان بأي عبادة سواء بقيام او قراءة او صدقة، موضحين ان كل ما ورد في فضلها من احاديث انما هي احاديث اما ضعيفة او موضوعة لا ترقى الى درجة الصحة، ومع الاسف فهناك من الناس من عظم تلك الليلة حتى اوصلها الى عظمة وفضل ليلة القدر وهذا هو الغلو بعينه، وبينوا ان قيام تلك الليلة لم يعرف عند المسلمين سوى في القرن الخامس الهجري ولا خير في عبادة لم يقم بها النبي ( صلى الله عليه وسلم ) وصحابته والقرون الـ 3 المفضلة، فما لم يكن عبادة في عهده ( صلى الله عليه وسلم ) فليس بشيء، وفيما يلي نص كلام الدعاة:
قال رئيس اللجنة العلمية في جمعية احياء التراث الاسلامي الداعية محمد النجدي: من الشهور التي يستحب صيامها اقتداء برسولنا ( صلى الله عليه وسلم ) شهر شعبان، فقد كان يصومه كله تقريبا أو اكثره، فقد اخرج البخاري في صحيحه من حديث عائشة رضي الله عنها قالت: وما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استكمل صيام شهر الا رمضان، وما رأيته اكثر صياما منه في شعبان.
وفي رواية عنها قالت: لم يكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصوم شهرا اكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله، وكان يقول: خذوا من الاعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا، وهذا معناه انه ( صلى الله عليه وسلم ) كان يصوم اكثر شعبان لا كله.
قال ابن المبارك: جائز في كلام العرب اذا صام اكثر الشهر ان يقول: صام الشهر كله، ويقال قام فلان ليلته اجمع، ولعله قد تعشى واشتغل ببعض امره، نقله الترمذي ثم قال: كان ابن المبارك جمع بين الحديثين بذلك، وحاصله ان الرواية الاولى مفسرة للثانية مخصصة لها، وان المراد بالكل الاكثر وهو مجاز قليل الاستعمال، وصوبه الحافظ ابن حجر ثم قال: وتؤيده رواية عبدالله بن شقيق عن عائشة عند مسلم وسعد بن هشام عند النسائي ولفظه: «ولا صام شهرا كاملا قط منذ قدم المدينة غير رمضان» وهو مثل حديث ابن عباس المذكور في الباب الذي بعد هذا، انتهى، وحديث ابن عباس هو قوله «ما صام النبي شهرا كاملا قط غير رمضان، ويصوم حتى يقول القائل: لا والله لا يفطر، ويفطر حتى يقول القائل: لا والله لا يصوم».
وتابع: ان اصح ما قيل في الحكمة من اكثاره الصيام في شعبان: ما اخرجه ابوداود والنسائي وصححه ابن خزيمة: عن اسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله، لم أرك تصوم من شهر من الشهور ما تصوم من شعبان؟! قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه، بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين، فأحب ان يرفع عملي وانا صائم.
لا تعارض
وقال النجدي: لا تعارض بين مواصلة صيام شعبان وما ثبت عنه ( صلى الله عليه وسلم ) من النهي عن تقدم رمضان بصوم يوم أو بيومين، فإنه يحمل على من لم يعتد الصيام، اما من اعتاد صيام شعبان فلا يشمله النهي المذكور.
وكذا ما جاء من النهي عن صوم نصف شعبان الثاني، وهو قوله: «اذا انتصف شعبان فلا تصوموا» رواه الترمذي.
فانه يحمل على من لم يصم شيئا من اوله، ولم تكن له عادة الصوم.
وقيل: ان النهي للتقوى على صيام رمضان لئلا يضعف عن صيام رمضان.
وتابع: لا يجوز ان يخص ليلة النصف من شعبان بالصيام، لعدم ثبوته عن النبي ( صلى الله عليه وسلم )، وان كان ورد في فضلها حديث صححه ابن حبان والالباني وغيرهما، وهو قوله ( صلى الله عليه وسلم ): «ان الله ليطلع ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه، الا لمشرك او مشاحن» رواه ابن ماجة.
واكثر العلماء على انه لا يستحب تخصيصها بقيام، وذهب جماعة من اهل الشام كخالد بن معدان ومكحول ولقمان بن عمر وغيرهم يعظمونها ويجتهدون فيها بالعبادة.
لكن ينبغي للمسلم ان يتوب من المشاحنة والحقد والهجر والقطيعة لاخوانه المسلمين، ويكون سليم الصدر لهم، كي يدخل في موعود الحديث النبوي الشريف، وبهذه الخصلة بلغ من بلغ، لا بكثرة الصلاة والصيام.
اسم شعبان
بدوره، اكد الامام والخطيب في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الداعية بدر الحجرف فضل صيام شعبان، موضحا ان صيامه ما هو الا التمرين على صيام رمضان، حتى لا يدخل المسلم في صوم رمضان على مشقة وكلفة، وحول تسمية شعبان بهذا الاسم بين سبب ذلك وهو ان العرب كانوا يتشعبون فيه (اي يتفرقـــون) لطلب المياه وقيل تشعبهم في الغارات، وقيل لأنـــه شعـــب (اي ظهر) بين شهري رجب ورمضان، ولما كـــان شعبـــان كالمقدمـــة لرمضان فحسن ان يكون فيــه شيء مما يكون في رمضان من صيام.
وذكر بعضا من الاحاديث الصحيحة الواردة في فضل شعبان وصيامه، فعن ام المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت: «كان رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، وما رأيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) استكمل صيام شهر الا رمضان، وما رأيته اكثر صياما منه في شعبان» البخاري.
وعنها ايضا قالت: «كان احب الشهور الى رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) ان يصومه شعبان ثم يصله برمضان» صححه الالباني.
الحكمة من صيامه
واوضح الحجرف ان الحكمة من اكثاره ( صلى الله عليه وسلم ) الصيام في شعبان ترجع الى امرين، الامر الاول انه شهر تغفل الناس عن العبادة فيه، ومعلوم ان اجر العبادة يزداد اذا عظمت غفلة الناس حيالها، وهذا امر مشاهد، فأكثر الناس على صنفين: صنف انصرفوا الى شهر رجب واحدثوا فيه من البدع والخرافات ما جعلهم يعظمونه اكثر من شعبان، والصنف الآخر لا يعرفون العبادة الا في رمضان، الامر الثاني ان الاعمال ترفع الى الله فيه، وافضل عمل يجعل اعمال العبد مقبولة عند الله هو الصيام، وذلك لما فيه من الانكسار لله تعالى، والذل بين يديه، ولما فيه من الافتقار الى الله.
وتابـــع قائـــلا: فيشرع لك يا عبدالله ان تصوم شعبـــان الا قليلا، او تكثـــر من الصيام فيه حتى تقبل اعمالك عند اللــه، يا اخــــي انها والله ايام قلائـــل تصومها ثم ماذا، تقبل اعمالـــك، اتدرى ما معنى قبول الاعمال؟ انه ضمان بالجنة، يقـــول ابن عمر رضي الله عنهما: لو علمت ان الله تقبل مني ركعتين، لاتكلت، لأن الله يقول: (انما يتقبل الله من المتقين)، فصم يا عبدالله، فلعلّ الله يطلع عليك في هذا الشهر فيرى كثرة صيامك فيقبل منك سائر أعمالك، فكم من عمل معلق! فلما جاء شعبان صامه اقوام فقبل الله اعمالهم كلها، والله لو قيل لأحدنا كم تدفع ليقبل الله عملك، لبذل كل غال ونفيس، فكيف والله لا يريد منا كثرة الانفاق، ولكن يريد فقط كثرة الصيام في شعبان؟!
البدع
واوضح الحجرف شيئا من البدع التي تكون في النصف من شعبان، كالاحتفال بتلك الليلة بأي شكل من اشكال الاحتفال، سواء بالاجتماع على عبادات، او انشاد القصائد والمدائح، او بالاطعام واعتقاد ان ذلك سنة واردة، وكصلاة الالفية وتسمى ايضا صلاة البراءة او صلاة اربع عشرة ركعة او اثنتي عشرة ركعة او ست ركعات، ومن البدع ايضا تخصيص صلاة العشاء في ليلة النصف من شعبان بقراءة سورة يس، او بقراءة بعض السور بعدد مخصوص كسورة الاخلاص او تخصيصها بدعاء يسمى دعاء ليلة النصف من شعبان، وربما شرطوا لقبول هذا الدعاء قراءة سورة يس وصلاة ركعتين فيها، وكذلك تخصيصها بالصوم او التصديق او اعتقاد ان ليلة النصف من شعبان مثل ليلة القدر في الفضل.
فضل صيامه
ومن جهة اخرى، اوضح الامام والخطيب في وزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الداعية فهد الجنفاوي ان النبي ( صلى الله عليه وسلم ) حرص على صيام شهر شعبان، فعن اسامة بن زيد قال: قلت يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان؟ فقال ( صلى الله عليه وسلم ): «ذاك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان، وهو شهر ترفع فيه الاعمال الى رب العالمين، فأحب ان يرفع عملي وانا صائم»، رواه النسائي وعن عائشة رضي الله عنها قالت: «لم يكن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) يصوم شهرا اكثر من شعبان، وكان يصوم شعبان كله» رواه البخاري.
فضل ليلة النصف من شعبان
وعن فضل ليلة النصف من شعبان اوضح انه لم يصح عن النبي ( صلى الله عليه وسلم ) شيء في تخصيصها بقيام او قراءة، انما ورد عن ابي موسى الاشعري ( رضي الله عنه )عن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال «ان الله ليطلع في ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه الا لمشرك أو مشاحن» وهذا الحديث رواه ابن ماجة وحسنه الالباني في السلسلة الصحيحة.
واورد الجنفاوي فتوى سماحة الشيـــخ عبدالعزيز بن باز رحمه اللــه حين سئل عن ليلة النصف من شعبان؟ وهل لها صلاة خاصــــة؟ فأجـــاب: ليلة النصف من شعبان ليس فيها حديــث صحيح، كل الاحاديث الواردة فيها موضوعة وضعيفة لا اصل لها، وهي ليلة ليس لها خصوصية، لا قراءة ولا صلاة خاصة ولا جماعة، ما قاله بعض العلمـــاء ان لها خصوصية، فهو قول ضعيف فلا يجوز ان تخص بشيء، هذا هو الصــواب، وبالله التوفيق.
انتهى كلامه رحمه الله.
بداية البدعة
واوضح الداعية الجنفاوي قصة بداية هذه البدعة وهي تعظيم ليلة النصف من شعبان، قال المقدسي: «واول ما حدثت عندنا سنة 448هـ حيث قدم علينا في بيت المقدس رجل من نابلس يعرف بابن ابي الحميراء، وكان حسن التلاوة، فقام يصلي في المسجد الاقصى ليلة النصف من شعبان، فأحرم خلفه رجل ثم انضاف ثالث ورابع فما ختمها الا هو في جماعة كثيرة»، قال النجم الغيطي: انه قد انكر ذلك اكثر العلماء من اهل الحجاز منهم عطاء وابن ابي مليكة وفقهاء المدينة واصحاب مالك وقالوا: ذلك كله بدعة.
وبين الجنفاوي ان ما اوقع البعض في هذه البدعة القبيحة هو اعتمادهم على بعض الاحاديث، مثل ما روي عن علي ( رضي الله عنه ) مرفوعا قال: «اذا كانت ليلة النصف من شعبان فقوموا ليلها وصوموا نهارها» وقد رواه بن ماجه في السنن وهو حديث موضوع، وايضا حديث «ان الله تعالى ينزل ليلة النصف من شعبان الى السماء الدنيا فيغفر لأكثر من عدد غنم بني كلب» وقد رواه بن ماجة وهو حديث ضعيف، والحاصل ان هذه الامور لم يأت فيها خبر ولا اثر غير الضعاف والموضوعات: قال الحافظ ابن دحية: «قال اهل التعديل والتجريح: ليس في حديث النصف من شعبان حديث يصح، فتحفظوا عباد الله من مفتر يروي لكم حديثا يسوقه في معرض الخير، فاستعمال الخير ينبغي ان يكون مشروعا من الرسول ( صلى الله عليه وسلم )، فاذا صح انه كذب خرج من المشروعية، وكان مستعمله من خدم الشيطان لاستعماله حديثا على رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) لم يُنزل الله به من سلطان».
الصفحة في ملف ( pdf )