- المشعان: المزاج الإيجابي والتفاؤل يجعلان حياتنا أكثر صحة وسعادة وإشراقاً
- العاقول: المؤمن بقضاء الله وقدره نجده سعيداً هانئ البال وإن كان رزقه كفافاً
- الشويت: النظرة الإيجابية للحياة تمكن الإنسان من التحكم في حالته النفسية والمزاجية
- الشريكة: أيها الباحث عن السعادة جرب أن تعيش مع القرآن وجرب أن تعيش لذة الأرواح في العبادات
- الكوس: تقديم المعروف والإحسان للإنسان بالقول والعمل يشرح القلب ويسعده
- المعيوف: السعادة بينها الله تعالى في كتابه ووضحتها السنة النبوية فلا يصح أن تطلبها من غير هذين المصدرين
هل انت سعيد؟ قد تملك المال ولا تكون سعيدا، وقد تملك الشهرة وايضا انت غير سعيد، وقد تكون ذا منصب كبير ومكانة اجتماعية رفيعة ومع ذلك لا تكون سعيدا، فكيف يحقق الانسان السعادة؟ وهل السعادة هي قوة داخلية تملأ النفس الطمأنينة والسكينة ام هي هبة من الله ومنحة إلهية يهبها الله لمن يشاء من عباده، اذن السعادة ليست سلعة تباع وتشترى فيشتريها الاغنياء ويحرم منها الفقراء، انها سلعة ربانية تبذل فيها النفوس لنيلها، وحول تعريف السعادة وسبل تحقيقها نورد ما يبينه لنا اخصائيو النفس والدعاة من خلال هذا التحقيق.
التفاؤل
أكد د.عويد المشعان ان الرضا والايمان بالقضاء والقدر والتفاؤل تجعل حياتنا اكثر صحة وسعادة واشراقا، حيث ان التفاؤل يدعو الى الرضا بمقدرات الحياة وبذلك نقي انفسنا شر الامراض النفسية والجسمية ونحلق في سماء السعادة الانسانية، كما ان التفاؤل له دور مهم في الارتقاء بحياة الانسان وتحقيق سعادته ورضاه من عمله، كما له اكبر الاثر في صحته النفسية حيث يعد التفاؤل حجر الزاوية الذي يمكن الافراد من تحقيق اهدافهم المحددة وطرق تغلبهم على الصعوبات والمحن.
وأشار الى ان مفهوم الرضا مفهوم متعدد الابعاد ويتمثل في الرضا الكلي الذي يستمده الانسان من وظيفته وجماعة العمل التي يعمل معها.
وقال عن الرضا الوظيفي انه درجة اشباع حاجات الفرد ويتحقق هذا الاشباع بعوامل متعددة منها عوامل خارجية، وتلك العوامل من شأنها ان تجعل الفرد راضيا عن عمله، راغبا فيه مقبلا عليه دون تذمر، ومحققا لطموحاته ورغباته وميوله المهنية، بما يتناسب مع ما يريده من عمله وما يحصل عليه في الواقع او يفوق توقعاته منه، واكد ان المزاج الايجابي والتفاؤل هما سبب للسعادة، فابتسم وتفاءل لتسعد في حياتك.
ما هي السعادة؟
أما كيف يعيش المسلم سعيدا؟ هذا ما يوضحه لنا استاذ علم النفس د.مصبح العاقول فيقول: ان تعريف كلمة المسلم ان يسلم الانسان مره ويفوضه لله فلا يتذلل لاحد لقضاء حاجته وانما يتذلل لله وحده، ولا يقول لماذا فعل الله بي هذا فهو تارك امره لله وحده يسيره كيفيما يشاء ولا يتضجر من العواقب، اما السعادة فيه شعور بالبهجة والاستمتاع والشعور بالضبط الداخلي والكل يبحث عن السعادة ولكن اختلف الاس في الوسائل المحصلة لها فذاك يظنها في المال والثرى، وذلك يزعم انها في تمكين النفس من الملذات والشهوات وذلك يظنها في مشاهدة القنوات ومعاكسة الفتيات وتناول المسكرات، وتلك امرأة تظنها في لبس الضيق من الثياب أو من نزع الحجاب، او التعلق بأحد الفتيان، بل السعادة الحقيقية في طاعة الله والبعد عن معصيته وهي السبب في الفوز بالجنة (فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز) وذلك بأن يسير الإنسان في هذه الدار على الصراط المستقيم وان يتبع الرسول الكريم وان تتقي الله وتراقبه في السر والعلانية وبذلك يفوز الانسان ويسعد.
الاقبال على الطاعة
واكد د.العاقول ان السعادة تتحقق بالاقبال على الله بالطاعات ودوام التقرب اليه سبحانه وتعالى بكثرة النواف والانابة اليه عز وجل فإن ذلك يوصلك الى حلاوة الايمان وحبة الدنيا كما قال رب العز (من عمل صالحا من ذكر أو انثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة) فالقرآن علاج للهموم، ومزيل الغموم، فأوصيك بأن تجلس مع كتاب الله في كل يوم تقرأ منه وتتأمل معانيه، فسوف تشعر بالسعادة وتذوق طعم الحياة، ولن تنال السعادة الا اذا كنت تاركا للذنوب مبتعدا عن الشبهات (ومن اعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكى ونحشره يوم القيامة اعمى)، وليس معنى العناية بالقرآن ان يترك المؤمن اهمال الدنيا بل ان السعيد من وفق لخيري الدنيا والاخرة.
وزاد، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ان من اسباب السعادة والراحة المرأة الصالحة والجار الصالح والمسكن الواسع، والمركب المريح والاسلام لن يرفض الدنيا جملة انما يرفضها عندما يستغرق فيها الانسان وقته وينسى الله واليوم الآخر، فتكون حينئذ لعنة عليه ونقمة وتتحول لذاتها الى شقاء ونكد، ولا يعني القول ان السعادة ليست من المال والجمال والشهوات المختلفة، لا يعني ذلك ان تلك امور لا تجلب السعادة للمرء، بل انها تجلب له السعادة ما دامت في اطار الشرع وفي دائرة الحلال والمباح.
قسوة القلب
واكد د.العاقول ان ترك ذكر الله تعالى يزيد القلب قسوة وجفاء (ومن يعشن عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين) ولننظر لمن يكثر من ذكر الرحمن تجده دائما في راحة واطمئنان كما قال تعالى: (الا بذكر الله تطمئن القلوب)، واذا اطمئن القلب انشرح الصدر وارتاح البال وانس بالله وسعد في الدنيا والآخرة.
الرضا بالقضاء والقدر
واشار ان الساخط على قدر الله غير راض بما قسمه الله له او لغيره، لا تطمئن نفسه ولا يهدأ بالله فهو داتئما متوترا لا يشعر بالراحة والسعادة لانه لم يشعر قلبه بالرضا بقضاء الله، وعلى النقيض نجد المؤمن سعيدا بقضاء الله وقدره، الذي يعزز السعادة والراحة وهدوء البال وان كان رزقه كفاف، وقد اوجب الله تعالى على الرضا بقضائه في السراء والضراء بل وجعله ركنا من اركان الايمان، فمتى رضى العبد بقضاء الله تعالى خالط الايمان بشاشة القلب واصبحت النفس مطمئنة راضية وتحقق له السعادة.
القناعة والمحبة
ولفت الى ان القناعة والرضا بما قسم الله تعالى سبب للسعادة والعز في الدنيا والاخرة، كما ان محبة الخير للناس وترك الحسد لهم والسعي في قضاء حوائجهم ومصالحهم مما يجلب السعادة للانسان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «من نفس عن اخيه المسلم كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب الآخرة» اما الذي يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله تجده في هم وغم وشقاء دائم، كما ان حضور مجالس العلم ومجالسة الصالحين يسعد المرء بمجالستهم ويأنس بذكرهم.
7 متع
وحدد د.العاقول 7 متع حياتية تجلب السعادة للانسان وهي المرأة الصالحة والبيت الواسع والمركب الهنئ والحال الصالح وهذا كله رزق يسوقه الله لمن اراد به الخير والانسان منا يسعى لتحصيلها ليفوز بالسعادة وقال صلى الله عليه وسلم «ثلاث من السعادة، وثلاثة من الشقاوة، فمن السعادة: المرأة تراها تعجبك وتأمنها على نفسها ومالك، والدابة تكون وطيئة فتلحقك بأصحابك والدار تكون واسعة كثيرة المرافق، ومن الشقاوة المرأة تراها فتسؤك وتحمل لسانها عليك وان غبت عنها لن تأمنها في نفسها ومالك، والدابة ان ضربتها اتعبتك وان تركبها لم تلحقك بأصحابك، والدار تكون ضيقة قليلة المرافق».
إسعاد النفس
ويرى استاذ علم النفس د.صالح الشويت انه يمكن لكل إنسان ان يصبح سعيدا، بل يمكنه ان يكون حليفا دائما للسعادة من خلال نظرته الإيجابية للحياة، فيمكن للإنسان التأثير والتحكم في حالته النفسية والمزاجية ويتوقف ذلك على سلوك الإنسان وتصرفاته، حيث ينبغي على الإنسان الانتباه دائما إلى لحظات السعادة التي تحيط به واقتناصها والاستمتاع بها قدر الإمكان وذلك لا يتحقق إلا حين يكون تفكير الإنسان إيجابيا في خلق السعادة، فالسعادة موجودة حولنا على الدوام ولكن لا يستطيع الشعور بها إلا من يستعد لها لذا يجب على الإنسان تعلم كيفية استقبال إشارات السعادة وتعزيز الشعور بها بأن يقول لنفسه مثلا: الآن لحظة سعادة جيدة تستحق الاستمتاع بها، فعلى الإنسان الاستمتاع بكل ما يوجد حوله من مؤثرات إيجابية ليوفر لنفسه السعادة، وليحاول الوصول اليها من خلال توفير المزيد من المبررات لنشر السعادة والتركيز عليها والوصول إليها.
وزاد: ويمكن ان نفهم السعادة بوصفها انعكاسا لدرجة الرضا عن الحياة وقد اعتبر أحد الفلاسفة السعادة هي فضائل النفس (الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة) اما ارسطو فاعتبر السعادة هبة من الله وهي تتكون من خمسة امور هي: صحة البدن وسلامة الحواس، الحصول على الثروة وحسن استخدامها، والنجاح في العمل وتحقيق الطموحات، وسلامة العقل وصحة الاعتقاد، والسمعة الطيبة والاستحسان من الناس، فهل أنت سعيد؟
أما رؤيتي للسعادة فهي استعداد النفس للحياة وتقبلها بسرائها وضرائها والانتصار عليها والعمل الدؤوب حتى يلقى الإنسان الله وهو راض عنه.
الإيمان
يحدد لنا الداعية د.أحمد الكوس أسس السعادة فيقول: الإيمان والعمل الصالح يحدث ان السرور والابتهاج في النفس ويتلقى المسلم الغم أو الضرر بالصبر الجميل واحتساب الثواب والأجر، كما ان الاحسان الى الناس بالقول والعمل وتقديم المعروف يزيل الهم والغم عن المؤمن فيهون عليه ما قدمه من معروف ويدفع عنه المكروه، كما ان الاشتغال بعمل من الأعمال النافعة مما تأنس له النفس يلهي القلب عن القلق الناشئ عن توتر الأعصاب فيزيد نشاطه وتسعد نفسه، وأضاف: ان الإكثار من ذكر الله من أكبر الاسباب لانشراح الصدر وطمأنينة القلب وزوال الغم والهم، قال تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) كما ان البعد عن الخوف من المستقبل أو الحزن على الماضي يبعد النكد والهم قال صلى الله عليه وسلم «احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا كان كذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان».
وزاد: وعلى المسلم النظر إلى من هو اسفل منه لقوله صلى الله عليه وسلم «انظروا الى من هو اسفل منكم ولا تنظروا إلى من هو فوقكم فإنه أجدر ألا تزدروا نعمة الله عليكم» رواه البخاري ومسلم.
وعلى الانسان ان يسعى الى ازالة الأسباب الجالبة للهموم وتحصيل الأسباب الجالبة للسرور وذلك بنسيان ما مضى عليه من المكروه والذي لا يمكنه رده فيبعد قلبه عن التفكير فيه وعليه عدم الالتفات إلى الأوهام التي تجلب له الأفكار السيئة والتي توقعه في الأمراض البدنية والنفسية وأن يتوكل المسلم على ربه ويثق فيه ويطمع في فضله فإن ذلك يبعد الهم ويشرح القلب وإذا أصاب الإنسان مكروها فليقارن بينه وبين بقية النعم الحاصلة له في الدين والدنيا فإنه سيظهر له كثرة ما هو فيه من النعم فتستريح نفسه ويسعد قلبه.
كلمة جميلة
ويصف الداعية د.عبدالله الشريكة كلمة السعادة بأنها كلمة جميلة تحبها النفوس وتشتاق لسماعها وترددها الأرواح والآذان، والسعادة مطلب لكل انسان، فكل من يعمل ويجد ويكد، وقبل ذلك يجتهد في دراسته وتعلمه وانما يبحثون عن السعادة وينشدون تحقيقها او تحقيقه قدر منها وقد أخبرنا الله تعالى ان البشر قسمان: شقي وسعيد، ولو تأملت في حال العقلاء لوجدتهم يجتهدون في طلب السعادة والهرب من الشقاوة أعاذنا الله واياكم منها.
وأضاف: لقد تنوعت مساعي البشر في تحقيق السعادة واختلفت كما قال تعالى (إن سعيكم لشتى) فمنهم من يبحث عن سعادته في المال، ومنهم من طلبها في الجاه والمنصب وبعضهم طلبها في الشهرة وآخرون طلبوها في الرياضة او السفر والترحال، بل ان كثيرا من الناس يسعى لتحقيق السعادة كما يظن حتى في الأمور التي حرمها الله عليهم، وقد دلنا ربنا سبحانه الى طريق السعادة الحقيقية حين قال (من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة)، فهذا وعد من الله الذي لا يخلف الميعاد فيحقق الحياة الطيبة في الدنيا والآخرة لأهل الايمان والعمل الصالح وكيف لا يسعد من علم ان رزقه محفوظ وان ما أصابه لم يكن ليخطأه، وان ما أخطأه ما كان ليصيبه، وكيف لا يسعد من عاش في مرضاة ربه وأنس به في عبادته وخلوته؟ وكيف لا يسعد من قام بحقوق والديه وأولاده وزوجته وأرحامه وجيرانه؟ وكيف لا يسعد من تجمل بمكارم الأخلاق؟ وبذل أمواله للفقراء والمساكين ابتغاء مرضاة الله؟
وزاد: جرب أيها الباحث عن السعادة ان تعيش مع القرآن تلاوة وتفهما لمعانيه، وجرب ان تعيش لذة الأرواح في العبادات، جرب ان تقوم بما أمرك الله به وأن تجتنب ما نهاك الله عنه لتجد بحول الله وفضله السعادة الحقيقية التي ينشدها عقلاء البشرية.
ويرى الداعية حسين المعيوف ان السعادة هي الإيمان والعمل الصالح، وتحصل السعادة بالإيمان من عدة جوانب منها: ان الإنسان الذي يؤمن بالله تعالى وحده لا شريك له إيمانا كاملا صافيا من جميع الشوائب، يكون مطمئن القلب هادي النفس ولا يكون قلقا متبرما من الحياة بل يكون راضيا بما قدر الله له شاكرا للخير صابرا على البلاء.
كما ان الإيمان ليس فقط سببا لجلب السعادة، بل هو كذلك سبب لدفع موانعها ذلك ان المؤمن يعلم انه مبتلى في حياته، وان هذه الابتلاءات تعد من أسباب الممارسة الإيمانية فتتكون لديه المعاني المكونة للقوى النفسية المتمثلة في الصبر والعزم والثقة بالله والتوكل عليه والاستغاثة به والخوف منه وهذه المعاني تعد من أقوى الوسائل لتحقيق الغايات الحياتية النبيلة وتحمل الابتلاءات المعاشية كما قال تعالى (ان تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون).
الأخلاق الفاضلة
وزاد كما ان التحلي بالأخلاق الفاضلة التي تدفعه للإحسان الى الخلق، فالإنسان كائن اجتماعي لابد له من الاختلاط ببني جنسه، فلا يمكنه الاستغناء عنهم والاستقلال بنفسه في جميع أموره فإذا كان الاختلاط بهم لازم طبعا، ومعلوم ان الناس يختلفون في خصائصهم الخلقية والعقلية فلابد ان يحدث منهم ما يكدر صفو المرء ويجلب له الهم والحزن، فإن لم يدفع ذلك بالخصال الفاضلة كان اجتماعه بالناس ـ ولا مفر له منه ـ من أكبر أسباب ضنك العيش وجلب الهم والغم.
ولنا في ذلك أسوة حسنة بنبينا الكريم الذي امتدحه رب العالمين، فقال وهو أصدق القائلين (وإنك لعلى خلق عظيم) وقال أيضا (فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق».
ذكر الله
وأيضا الإكثار من ذكر الله تعالى والشعور بمعيته دائما.
فالإنسان يكون رضاه بمتعلقه بحسب ذلك المتعلق به وعظمته في نفس المتعلق والله تعالى هو أعظم من يطمئن له القلب وينشرح بذكره الصدر، لأنه ملاذ المؤمن في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره لذلك جاء الشرع بجملة من الأذكار تربط المؤمن بالله تعالى مع تجدد الأحوال زمانا ومكانا عند حدوث مرغوب أو الخوف من مرهوب، وهذه الأذكار تربط المؤمن بخالقه فيتجاوز بذلك الأسباب الى مسببها فلا يبالغ في التأثر بها فلا تؤثر فيه إلا بالقدر الذي لا يعكر عليه صفوه، كما انه لا يستعظمها فيجاوز بها أقدارها اذ لا تعدو ان تكون أسبابا لا تأثير لها بذواتها وإنما أثرها بقدر الله تعالى.
قال الله تعالى (ألا بذكر الله تطمئن القلوب) فذكر الله عز وجل من أعظم أسباب تحصيل السعادة الدنيوية والأخروية.
الصحة
وأيضا العناية الصحية، والصحة هنا تشمل جميع الجوانب البدنية والنفسية والعقلية والروحية، فالصحة البدنية مما فطر الناس على الاهتمام به لأنها تتعلق بغريزة البقاء كما انها السبيل لتحقيق الغايات المادية من مأكل ومشرب وملبس ومركب.
وقد اهتم الإسلام بالإنسان فنهى عن قتله بغير سبب مشروع كما نهى عن كل ما يضر ببدنه وصحته، كما قال الله تعالى (ولا تقتلوا النفس التي حرم الله الا بالحق)، والصحة النفسية التي يغفل كثير من الناس أهميتها أو يغفلون السبيل لرعايتها والحفاظ عليها مع انها ركن أساسي في تحقيق السعادة، فقد حرص الإسلام على تربية النفس الفاضلة وتزكيتها بالخصال النبيلة فكان أهم ما سعى اليه هو تكوين النفس السوية المطمئنة الواثقة، وقوام استواء النفس يكون بالإيمان ثم بالتحلي بالأخلاق الفاضلة والابتعاد عن الخصال الذميمة من الغضب والكبر والعجب والبخل والحرص على الدنيا والحسد والحقد وغير ذلك مما يكسب الاضطراب والقلق.
قال الله تعالى (وال تمدن عينيك الى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة لنفتنهم فيه ورزق ربك خير وأبقى).
العقل
وأكد ان الصحة العقلية من أسباب السعادة حيث ان العقل هو مناط التكليف في الإنسان، لذلك امر الشارع الحكيم بالحفاظ عليه وحرم كل ما يؤدي الى الاضرار به أو إزالته ومن أعظم ما يؤدي الى ذلك المسكرات والمخدرات لذلك حرمها الله تعالى بقوله (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجز من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، انما يريد الشيطان ان يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).
الروح
وقال والصحة الروحية فقد اعتنى الشرع بوضع الوسائل الكفيلة بالحفاظ على الصحة الروحية فندب المؤمن الى ذكر الله تعالى على كل حال كما أوجب عليه الحد الأدنى الذي يكفل له غذاء الروح وذلك بشرع الفرائض من الصلاة والصيام والزكاة والحج ثم فتح له بابا واسعا بعد ذلك بالنوافل وجميع أنواع القربات، فهذه العبادات تربط الإنسان بربه وتعيده إليه كلما جرفته موجات الدنيا، لذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: «وجعلت قرة عيني في الصلاة» وقد نهى الشارع عن الأمور التي تؤدي الى سقم الروح وضعفها فنهى عن اتباع الأهواء والشبهات والانهماك في الملذات لأنها تعمي القلب وتجعله غافلا عن ذكر الله لذلك قال الله تعالى في وصف الكفار (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل).
المال
وبين ان السعي لتحقيق القدر المادي اللازم للسعادة: فإن الإسلام لا ينكر أهمية الأسباب المادية في تحقيق السعادة إلا ان هذه الأشياء المادية ليست شرطا لازما في تحقيق السعادة وإنما هي من جملة الوسائل المؤدية لذلك.
وقد تناولت كثير من النصوص هذه الحقيقة منها. قال الله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق) وقال صلى الله عليه وسلم: «نعم المال الصالح للعبد الصالح».
الوقت
وعن أهمية تنظيم الوقت قال: فالوقت هو رأسمال الإنسان، لذلك اعتني الإسلام بالوقت وجعل المؤمن مسؤولا عن وقته وانه سوف يسأل عنه يوم القيامة، وقد جاءت شرائع الإسلام بحيث تعين الإنسان على ترتيب وقته وإحسان استغلاله وذلك بالموازنة بين حاجاته الحياتية والمعيشية من جانب وحاجاته الروحية والعبادية من جانب آخر وقد حث الإسلام المؤمن على استثمار وقته وإعماره بالخير والعمل الصالح.
قال الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل ان يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني الى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين)، وقال صلى الله عليه وسلم: «نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ»، لذا فإن استغلال الوقت من أعظم الأسباب التي تؤدي الى تحقيق السعادة، فالوقت هو الحياة.
الأسرة
وأيضا الاهتمام والعناية بالحياة الأسرية، وتربية الأبناء على النهج السليم القويم، ومعاملة الزوجة بالتي هي أحسن، وتحقيق قول النبي المصطفى صلى الله عليه وسلم: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي».
وبذلك تحقق السعادة للعبد المسلم بإذن الله في دنياه وأخراه، والله الموفق والهادي الى سواء السبيل.