محمد هلال الخالدي
هذه هي الكويت بمجدها وأمجادها تواصل تكريم كوكبة من رجالات الكويت العظماء في اليوم الثالث للمؤتمر الوطني الخامس «من الكويت نبدأ وإلى الكويت ننتهي» في ساحة العلم، وهاهي لمسات الوفاء والعرفان لأهل الفضل تستمر من خلال ذكر مناقبهم واستحضار صور كفاحهم ونجاحاتهم التي سطروها خلال رحلة العطاء من اجل الكويت، فقد واصل عدد من الشخصيات الحديث عن مناقب المكرمين في المؤتمر الخامس، حيث بدأ د.عبدالرحمن العوضي بالحديث عن مناقب والده العم عبدالله العوضي قائلا: ولد المرحوم والدنا في أواخر القرن التاسع عشر، دون ان يوجد تحديد ليوم ولادته، وعندما كان عمره سنتين وشقيقه الآخر سنة واحدة توفي والده في الهند، حيث كان يعمل لدى احدى المؤسسات العربية هناك، تولت المرحومة والدته تربيته وكان يحصل على الدعم والمساعدة من اخوانها وبعض الاقرباء الذين تولوا بشكل خاص العناية بالوالدة وتربية ولديها، وذكر لي الوالد انه جاء الى الكويت سنة 1915 تقريبا، وكان شابا صغيرا وعمل في التجارة مع عائلة عوضية تدعى عائلة محمد امين العوضي التي كانت تعمل في التجارة بين الكويت والهند، وتولت رعايته واستطاع بجهوده وفطنته التعرف على مبادئ التجارة في البيع والشراء بسرعة فائقة، وكان يسافر الى الهند كباقي الكويتيين طلبا للرزق الحلال.
وتابع: كان الوالد يحرص دائما على اخذي معه الى الدكان، وقد رزقه الله سبحانه وتعالى الخير الكثير من البضائع التي يحضرها من الهند، وارتفعت اسعارها واصبح الوالد من اشهر تجار الاقمشة، كما انني اذكر انه في صباح يوم ثورة المجلس كنت مع والدي في الدكان الذي يقع في شارع الامير، وحدث اطلاق نار في السوق بالقرب من دكان الوالد، الامر الذي جعلنا نغلق الدكان، وحملني الصبي الذي كان يعمل في الدكان على كتفه جريا الى المنزل، ومازال ذلك اليوم في خاطري جليا لانني سمعت صوت اطلاق النار للمرة الاولى ولم اكن اعرف ماذا يحدث من حولي الا بعد ذلك بفترة.
وقال: لقد كان والدي محبا للخير، وذكر لي انه كان يحج مع الداعية محمد الخلف الذي اصبح فيما بعد احد الدعاة في الكويت، لقد سافر مع الوالد الى الحج في الثلاثينيات على الجمال، وقرب مكة قال الوالد للداعية محمد، ادع لي في دعائك ان يرزقني الله واذا رزقني فسأبني مسجدا كبيرا وتصبح انت إمامه، وفي الخمسينيات كان الوالد قد بدأ في بناء مسجد العوضي في منطقة الشرق وبعد اتمامه ارسل الى الإمام محمد الذي كان قد سافر الى البصرة وكان يعمل قاضيا فيها وطلب منه ان يعود حسب الوعد بينهما، وبالفعل أوفى الإمام محمد بوعده وجاء الى الكويت وسكن قرب المسجد في بيت بناه له الوالد وأصبح إماما ومرشدا دينيا في المسجد.
واختتم بقوله: هذه الامور تجعلني دائما مرفوع الرأس، لأنه استطاع من طفل يتيم فقد والده وعمره سنتان ان يحقق في حياته كل الخير والازدهار له ولأسرته وللكثير من الناس في الكويت والخارج.
رحلة كفاح ونجاح
بعد ذلك ألقى د.أنور النقي لمحة من سيرة العم علي النقي ومناقبه حيث استعرض نماذج عديدة من رحلة الكفاح والنجاح لاحد ابناء الكويت الذين امتدت اياديهم البيضاء بالخير حتى خارج اسوار الوطن، فكانت افعاله خير سفير للكويت، بقدر ما كانت نجاحاته داخل الكويت رمزا للمواطنة الصالحة وتعبيرا صادقا عن حب الكويت واهلها، ثم واصلت حفيدة العم علي النقي حواء النقي الحديث عن مناقبه وآثاره وعرضت فيلما وثائقيا عن مسيرته رحمه الله لاقى صدى طيبا من الحضور.
وفي مبادرة تدل على تواصل اهل الكويت وترابطهم قدم د.عبدالمحسن الخرافي كلمة عن مناقب العم مساعد الساير رحمه الله نيابة عن ابنائه فكانت كلمة معبرة تفيض بالمشاعر جاء فيها: رغم ان المحسن مساعد عبدالله الساير – رحمه الله – شغل منذ بداية حياته بالتجارة، الا انه كان يرغب – كسائر اقرانه – في تكوين اسرة يأوي اليها آخر يومه، فتمسح عنه عناء اليوم وتهيئه لاستقبال يوم جديد، وكان يرغب في ذرية صالحة تعينه في حياته، وتساهم في مهمة الانسان: اعمار الكون وتحقيق رسالته من بعده، ولذا تزوج المحسن مساعد الساير – رحمه الله – مرتين: في المرة الاولى تزوج فتاة من احدى العائلات الكريمة بمنطقة الجهراء، وانجبت له ولدا هو عبدالعزيز، وقد توفي – رحمه الله – ولم يوفقا في حياتهما الزوجية فانفصلا بالمعروف.
وتابع: بدأ المحسن مساعد الساير – رحمه الله – حياته العملية مبكرا وكان هذا شأن كل ابناء الكويت قديما، حيث كانوا يشاركون آباءهم حياة العمل والجد والكفاح منذ الصغر، وكانت طبيعة الحياة تفرض عليهم ذلك، حيث لم يكن النفط قد ظهر بعد، وكان معظم اهل الكويت يعملون اما في مجال صيد اللؤلؤ او في مجال التجارة، وبعد ان مارس مساعد الساير التجارة واكتسب فيها خبرة جيدة، اراد ان ينمي معارفه ويوسع خبراته.
وأضاف رغم انه كان في بداية الشباب والنضج آنذاك، الا انه سافر الى الهند ليتولى شؤون التجارة هناك، وليكون سفيرا لتجارة عائلته.
وعن صفاته قال كان المحسن مساعد الساير – رحمه الله – رجلا كريما سخيا، متسامحا، هادئ الطبع، مستبشرا راضيا قانعا، وكان على علاقة طيبة بإخوانه جميعا من الكويت وغيرها، ولم ير احد منه الا كل خير، ولعل هذا احد اهم اسباب توفيقه ونجاحه في عمله.
وتابع حديثه عن السيرة العطرة فأوضح حرص المحسن مساعد الساير – رحمه الله – على تحصيل الثواب الكبير لكافل طلبة العلم، ولذلك فقد ساهم – رحمه الله – بمبلغ كبير من المال لدعم طلبة الازهر في مصر – طبقا لرواية موثق هذه السيرة العطرة – الذي قال انه كان يستقبل كتبا من جمعيات واتحادات للطلبة بطلب المساعدة في تحمل نفقات تعليمهم بمصر، وكان عددهم اكثر من 50 طالبا سنويا، وهؤلاء الطلبة كانوا من مختلف الدول الاسلامية، وكان عدد كبير منهم – خاصة من دول جنوب شرق آسيا وقارة افريقيا – غير قادرين على تحمل نفقات الدراسة والاقامة لتحصيل العلم الشرعي، الذي سيعودون به الى بلادهم، ويساهمون من خلاله في نشر الوعي الاسلامي بين المسلمين ومساعدتهم على التمسك بدينهم، ونشر الدعوة ايضا بين غير المسلمين.
كما توجه المحسن الكريم مساعد الساير – رحمه الله – وجهة جديدة في عمل الخير الذي كان يبحث عن عمله بشتى الطرق، ولما كان الوفاء والبر خصلتين راسختين فيه، ولما علم ان الاسلام اوصى بالعاملين والخدم خيرا، حرص على استمرار دفع مرتبات كل من عملوا لديه وتقاعدوا عن العمل بسبب السن او المرض او غيرهما، وذلك بعد تقاعدهم، ليس هذا فحسب بل ان من كان يسافر منهم الى بلاده كان يحول له من المال ما يسد به رمقه ورمق اسرته، وقد بلغ عدد هذه الحوالات 150 حوالة، ترسل لهؤلاء الافراد في بلادهم سنويا، وخاصة في المناسبات الدينية والاعياد، واستمرت هذه المكرمة حتى توفاه الله تعالى، وان دل هذا فإنما يدل على نفس مطمئنة.
وطن يرتقي بالعلم
وفي حديثها عن مناقب والدها العم احمد بن عبدالعزيز القطامي رحمه الله سلطت خالدة القطامي الضوء على صور مضيئة من سيرته ورحلة نجاحه، فقالت: انه الوالد رحمه الله احمد بن عبدالعزيز القطامي الذي ولد ونشأ في حي الشرق في مدينة الكويت سنة 1922 واشتهرت عائلته بالتجارة وامتلاك السفن للسفر والتجارة الى الهند وباقي بلاد الله الواسعة وكان كثير من افراد عائلته من النواخذة المشهورين في الكويت والخليج وبحر العرب مثل والده عبدالعزيز القطامي وعمه عيسى القطامي واخيه عبدالوهاب عبدالعزيز القطامي وابن عمه عبدالوهاب بن عيسى القطامي ولقد سافر الوالد مع اخيه عبدالوهاب بن عبدالعزيز وابن عمه عبدالوهاب بن عيسى الى الهند وزنجبار وممباسا مرورا بدول الخليج العربي.
وتابعت: كانت له صفات نادرة كان يحب الخير لغيره كما يحبه لنفسه ولم يكن جشعا فكلما رأى فرصة تجارية مربحة في دبي حث الكويتيين على المشاركة في الاستثمار هناك وكان بمنزلة سفير الكويت حيث لا توجد في ذلك الوقت سفارة وجعل بيته مفتوحا لجميع الكويتيين القادمين الى دبي ويرشدهم ولا يبخل عليهم بالرأي السديد. واضافت قام ببناء مسجد في ماليزيا وكذلك مسجد في حيدر آباد في الهند وقام بتدريس الكثير من الطلبة العرب المحتاجين لتكملة دراستهم، وكان في ايام الاحتلال كثير الحزن على الكويت واهلها مهموما يتفقد اهله وبناته وازواجهن واحفاده ولم يرتح باله حتى جمعنا معه في مدينة واحدة وراح يتفقد الصغير قبل الكبير.
رسالة وطن
ثم ألقت الناشطة السياسية والاجتماعية المحامية كوثر الجوعان كلمة عن حب الكويت، وضعت خلالها يدها على العديد من الجروح، ومما جاء فيها: علينا ان نقر دون مكابرة بان الكويت باتت واحدة من عواصم الراديكالية الاسلامية، وامست معادية لثقافة الوسط على الرغم من ان الوسطية كانت منذ فجر التاريخ رافدا من روافد الثقافة المجتمعية الكويتية، ولم يكن الاسلام يوما اداة ترهيب ووعيد بل كان دين سماحة ويسر واعتدال.
وتابعت لعل من أسوأ السيناريوهات التي ترعب المهمومين بمستقبل وطني الكويت ان تنزلق الى التطرف الفكري ويصل التشاؤم بالبعض الى حد اليقين، ان الكويتيين لابد ان يجربوا ما يطرحه الآخرون من افكار حتى يتبلور الوعي العام بمدى خطورة كل او بعض ما يطرح ولا يتناسب مع طبيعة الكويت وأهلها.
وختمت بقولها لا يمكن حرق المراحل وكل تقدم ناجز في تاريخ الامم مر بهذه المرحلة حتما، لكن ليس كل ما يناسب دولة بالضرورة ان يتناسب معنا، وهنا مربط الفرس، فهناك تجارب معاصرة لدول اكتوت اجيالها بنار السلبيات والتشدد والمصالح الآنية والشخصية التي تفوقت على المصلحة العامة، فضلا عن حتمية المرحلة في سباق التطور السياسي علينا الاعتراف بان المجتمع الكويتي لم يكن مهيأ لقبول التحولات السياسية كما هو الحال الآن.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )