اكد صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد اهمية الحوار الجاد والصادق بين الشعوب والديانات المختلفة لمواجهة الظروف العصيبة التي يمر بها عالمنا اليوم.
وقال صاحب السمو الامير، في كلمة القاها امس خلال الاجتماع رفيع المستوى للجمعية العامة للامم المتحدة لبحث موضوع الحوار بين الحضارات، ان «سبيلنا لذلك هو الايجابية في التعامل والتفاعل بعضنا مع بعض دون عقد او خوف منطلقين من حقيقة اننا جميعا مؤتمنون على مقدرات البشرية وتنميتها لصالح الانسان».
وفيما يلي نص كلمة صاحب السمو الامير:
السيد الرئيس، أصحاب الجلالة والفخامة والسمو، السادة والسيدات رؤساء وأعضاء الوفود، احييكم تحية الاسلام، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، واحمد الله اننا جميعا في هذه القاعة جئنا لتعزيز السلام والخير للبشرية والسعي لتقوية التواصل بيننا عبر الحوار والتفاهم والتركيز على ما يجمعنا من قيم واواصر ونبذ ما يفرقنا من هواجس وظنون.
السيد الرئيس،
اتقدم اليكم بالتهنئة لترؤسكم لهذا الاجتماع رفيع المستوى، متمنيا لكم التوفيق في مداولاته، كما انه من دواعي سروري ان اخص بالشكر اخي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز ملك المملكة العربية السعودية الشقيقة صاحب المبادرة والدعوة لعقد هذا الاجتماع عالي المستوى في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة التي أنشئت أساسا لاحتضان الحوار وترسيخه كمبدأ ثابت في العلاقات الدولية في السعي لتحقيق السلام ومد جسور التعاون والتواصل بين الأمم والشعوب.
فله منا كل الشكر والتقدير لجهوده الخيرة والمتواصلة في هذا المجال، متمنين له التوفيق الدائم في مساعيه التي نؤيدها تماما، كما نثمن النتائج الطيبة للمؤتمر العالمي للحوار الذي عقد في شهر يوليو الماضي في اسبانيا برعاية وجهد كريمين من خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود وجلالة الملك خوان كارلوس ملك اسبانيا.
السيد الرئيس،
لا يفوتني ان اشكر الأمين العام للأمم المتحدة وأجهزتها المتخصصة في تبني الأهداف السامية للحوار وتأصيل ثقافة السلام بين الشعوب ووضع البرامج ورسم الطريق لخلق عالم ينبذ التعصب ويقوي الوسطية يصهر الأعراق ويذيب الفوارق، يزيل الحواجز ويفتح الآفاق، يعظم القواسم المشتركة بين الشعوب ويزيل العوائق عن طريق التعاون.
السيد الرئيس،
ان عالمنا اليوم يمر بظروف عصيبة تعاظمت فيها المشاكل، وتنوعت، تعقدت فيها الحلول وتعسرت، اختلط فيها العجز عن حل القضايا السياسية في مناطق عديدة من العالم، فظهرت صراعات وحروب أهلية جديدة تشابكت فيها الأزمات الاقتصادية الملحة مع الكوارث الطبيعية المهلكة، برزت ظواهر جديدة وتعاظمت كظاهرة الإرهاب والمخدرات والتمييز، تفشت روح العصبية والكراهية وتأججت مشاعر البغض والعزل بين معتنقي الأديان والثقافات والاتجاهات السياسية ووجهت أعنف الاتهامات والتجريح لرموزها ومبادئها وقيمها.
لقد هزت هذه الظواهر كلها ومع مزيد من الأسف اسس الاستقرار العالمي، الامر الذي يجب علينا معه نحن كقادة وشعوب أن نتحمل مسؤولياتنا التاريخية في التمعن في واقعنا المؤلم وذلك من خلال الحوار الجاد والصادق بيننا كشعوب وديانات وثقافات.
وأن نركز جهدنا على تأصيل القيم الدينية والأخلاقية الصافية والمبادئ العادلة المشتركة التي تنادي بها جميع الأديان وتنطلق منها جميع الثقافات، وأن تكون نقطة التقاء بيننا تجمعنا على الخير وتوفر لنا أساسا وعاملا مشتركا من التعاون والسلام.
إننا مطالبون اليوم وأكثر من أي وقت مضى بتحويل ثقافة العالم من ثقافة كره وتعصب وحرب الى ثقافة حوار وتعايش وجودا وفكرا.
ان سبيلنا لذلك هو الإيجابية في التعامل والتفاعل بعضنا مع بعض دون عقد أو خوف منطلقين من حقيقة أننا جميعا مؤتمنون على مقدرات البشرية وتنميتها لصالح الانسان.
السيد الرئيس،
لعل البداية الضرورية للسلوك في هذا الطريق تأتي من خلال الحوار بين قادة الفكر من اتباع الأديان السماوية والمعتقدات الأخرى والذي اصبح الآن جزءا من المشهد السياسي فالأمم المتحدة مثلا ساهمت في خلق الأجواء المناسبة لذلك اصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارها باعتبار عام 2001 عاما للحوار بين الحضارات ومواجهة حملات الكراهية وتأجيج الصراع كما ان الأمم المتحدة اصدرت قرارا آخر باعتبار عام 2010 عام التقارب بين الثقافات.
السيد الرئيس،
ان التحليل السليم لأسباب المآسي التي مرت بها البشرية لم يكن بأي حال من الاحوال بسبب المعتقدات الدينية أو القيم الثقافية انما كان بسبب نهج التطرف والتعصب والتمييز الذي أبتلي به بعض اتباع الأديان السماوية والمعتقدات الأخرى.
ان الأديان السماوية في جوهرها ونهجها وتعاليمها تقدم الحلول للمشاكل التي تواجه البشرية وليست هي بأي حال من الاحوال سببا في تلك المشاكل وبالتالي فعلى رجال الدين والمثقفين من كل الديانات مسؤوليات في ابراز تلك الحقائق والمساعدة على تصحيح المفاهيم الخاطئة في أذهان المنتسبين لتلك العقائد.
كما ان على رجال الفكر والتعليم والتربية خلق وعي لدى الناشئة وصقلهم لاحترام المعتقدات السماوية وزرع روح الوسطية وقيم التسامح والتفاعل الإيجابي بين مختلف الأديان والعقائد وعلى وسائل الإعلام والتي تشكل الفكر وتغذي العقول أن تكون إيجابية في تناولها لمثل هذه المواضيع مدركة في تأثيرها على تشكيل الرأي المنصف والمستنير مؤمنة بترابط البشرية ووحدتها.
السيد الرئيس،
لا يخفى علينا جميعا كقادة وشعوب مسؤولياتنا التاريخية في محاربة التطرف والتمييز وبث نهج الوسطية والاعتدال والابتعاد عن الغلو.
ان هذه المهمة ليست بكل تأكيد بالمهمة السهلة لكنها مهمة ضرورية ولنا نحن في الكويت مساهمات ومجهودات متعددة وبرامج كثيرة في هذا المجال فقد أنشأت الكويت مركزا عالميا للوسطية عقد عدة مؤتمرات فكرية منها مؤتمر دولي في لندن وآخر في واشنطن خلال العامين الماضيين كما قامت الأجهزة الحكومية المختصة بإعداد برامج وندوات موجهة لكل شرائح المجتمع أسهمت في خلق الوعي الوسطي لدى الناس كما عقدت الكويت ورعت العديد من المؤتمرات والندوات الإقليمية والدولية حول نهج الوسطية في الإسلام وزرع منهج التسامح الديني بين الشعوب واحترام معتقدات اتباع الديانات السماوية وحفظ مكانتها ورفض الإساءة لرموزها والوقوف ضد استخدام المعتقدات الدينية للتمييز بين أفراد المجتمع واحترام خصوصيات الشعوب وحقها في المساواة والعيش المشترك.
إن كل ذلك هو الأصل في العلاقة بين البشر كما أن تحقيقها هي الغاية الكبرى في كل الديانات والثقافات.
السيد الرئيس،
ان ابلغ نتيجة لتجمعنا الخير هذا وفي هذه القاعة هو ان يصدر عنه تعهدا عالميا لاحترام الأديان وعدم المساس أو التعرض أو التهكم على رموز تلك الأديان وردع مرتكبي تلك الأفعال والداعين لها.
كما ان علينا التعهد بالالتزام بمنع الحملات التي تسعى لتعميق الخلاف بين الأديان وتقويض فرص التعايش بين البشر.
وان نلتزم ونشجع ونمول البرامج التي تعمل على نشر ثقافة التسامح والتفاهم عبر الحوار لتكون إطارا للعلاقات الدولية وذلك من خلال المؤتمرات والندوات وتطوير البرامج الثقافية والتربوية والإعلامية لتحقيق تلك الأهداف.
السيد الرئيس،
ان خير ما اختتم به كلمتي امام جمعكم الكريم هو قول الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
(يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله اتقاكم). ( صدق الله العظيم )
هذا هو نهجنا وهذه هي غايتنا وطموحنا هذه هي رسالتنا الى العالم كله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )