محمد هلال الخالدي
قال رئيس جهاز تقييم الاداء الشيخ محمد العبدالله خلال حفل تأبين رائد الصحافة الكويتية خالد قطمة ان الفقيد كان رجلا نبيلا نادر الوجود، عرف عنه رحابة صدره واسلوبه المرح وحبه للجميع، ويسعى دائما الى تخفيف العبء عن الآخرين، وللاسف ان طبيعة البشر تجعلهم لا يقدرون الناس حق قدرهم الا بعد رحيلهم.
جاء ذلك خلال حفل تأبيني لرائد الصحافة الكويتية الراحل خالد قطمة اقامته السفارة السورية مساء امس الاول وبحضور وزير الاعلام الاسبق محمد السنعوسي وعدد كبير من اعضاء السلك الديبلوماسي من الدول الشقيقة والصديقة ورجال الاعلام والصحافة واهل الفقيد، حيث كان في استقبالهم سفير الجمهورية العربية السورية الشقيقة في الكويت علي عبدالكريم.
وتابع الشيخ العبدالله: اعتقد ان الكثيرين اليوم يشعرون بالحزن الشديد لعدم تمكنهم من تكريم هذا الرجل حق قدره عندما كان يعيش بيننا، واضاف ان والدته الشيخة د.سعاد الصباح لاتزال تعيش حتى اليوم صدمة فراقه، فقد كان بالنسبة لها اخا كبيرا وبرحيله فقدنا احد اعلام الاعلام الكويتي والعربي.
قصيدة ديبلوماسية
وبدوره، قال السفير السوري والشاعر علي عبدالكريم: انني لا اسمي هذا الحفل تأبينا، بل حفل تكريم ووفاء وتحية لرجل كان مثالا للمروءة والشهامة والوفاء والعطاء، كان قلبه ينبض بحب وطنه سورية ووطنه التوأم الكويت ورحلة عطائه الكبيرة لا يمكن اختزالها في حفل تأبين، ثم ألقى قصيدة جميلة قال فيها:
أغنيت بالفكر المضيء منابرا
تبقى ومجد الفكر ليس يـنـام
هـذي الكويت صحافة وثقافة
لك سيرة فيها ونعم مقام
ثم ألقى رئيس الجالية السورية في الكويت ابراهيم حجل كلمة قال فيها: ما أصعب ان يرثي الانسان أخا كان صديقا عزيزا مثال الاخاء والحب والتواصل والعطاء مثل الفقيد خالد قطمة، فلم يكن علما في الصحافة والفكر والادب فحسب، بل كان رمزا للتواصل والاخاء مع اصدقائه واشقائه من الجالية السورية في الكويت، والامر ذاته مع أهله واحبابه في الشقيقة الكويت، كنا نستعين به في كثير من امورنا فكان نعم الاخ وصاحب رأي سديد ومن المتحمسين للعطاء والمساعدة في كل مجال، ان خسارتنا في رحيل خالد قطمة رحمه الله كبيرة، غير ان عزاءنا في اسرته الكريمة وأولاده من بعده، وعزاؤنا اكبر في سيرته العطرة ومؤلفاته الكثيرة التي ستظل تذكرنا به دائما.
مؤسس الحرفية الصحافية
كما ألقت الزميلة فاطمة حسين كلمة مؤثرة في حفل تأبين الفقيد خالد قطمة ـ رحمه الله ـ قالت فيها بحضوركم الكريم احيي روح الفقيد خالد قطمة (أبونضال) الذي كان بيننا، وبيننا سيبقى لان الانسان ذكر، بشر نحن نختصر الحياة دائما بابتسامة ودمعة وهي كذلك فلا وجود لحياة بلا مآس، هذه حقيقة نفهمها وندركها ونستوعبها ونصدقها بل ونؤمن بها، لكن هذه الأسلحة جميعا تنهار عندما تمسنا النار، وغياب الصديق الصدوق ابونضال ما هو الا قبس من تلك النار بالحرفة والضوء والضياء، على الساحة الكويتية وفي شارع الصحافة تحديدا للمرحوم فضل الافضال في تحويل الصحافة الكويتية مهنة بعد ان كانت مجرد وظيفة زعم وعشق ظهور، فزرع الحرفية في ذاك الشارع بعد ان كان العبور فيه بالاجتهاد مرورا بالتجربة والخطأ، عملت معه وتحت امرته كاتبة متدربة ولا انسى رهبة الخوف من لحظات المراقبة والتصحيح والقلم الاحمر الذي قد يرفعني درجة او قد يمحوني من الوجود لانه رجل لا يعرف المجاملة، والحق قلته امامه بأنني ما سمعت منه غير التشجيع حتى جعلني اهجر الميكروفون واتفرغ بعلاقة حميمة مع القلم، واضافت فاطمة حسين أنه لا يمكن لشارع الصحافة الكويتي ان ينسى خالد قطمة، فقد كان اجود من كتب المقال، وكان يحتوي مقاله على ما يمكن تسميته طاقة تحفيز للقارئ ودعوة للقراءة، للمرحوم عوالم كثيرة لكن الصحافة كانت عالمه المعشوق، يغضب عندما يختصر الناس الصحافة بالورقة والقلم، لانها بالنسبة له حياة متدفقة وعلم ومهارة ومهنة تستحوذ على عاشقها.
سر الخلود
بعد ذلك ألقى اسامة الروماني كلمة قال فيها: عندما قابلته في بداية قدومي الى الكويت همس في أذني «انتبه في الغربة خفف من استخدام حاسة السمع وعزز حاسة البصر، لا تهتم كثيرا بما تسمع، وانظر جيدا فيما تراه»، وهكذا نهلت منه اصدق وابلغ واذكى نصيحة، كان شغوفا بالحياة وبالعمل، لم ينتظر الفرص الخارقة للعادة، بل استثمر الفرص العادية وجعلها عظيمة، كانت متعته في ولوج البدايات ليصنع منها أمجادا خالدة، كان مجدا في عمله مخلصا لمن يمنحه ثقته، واذا لاح له الكسب فكر في الشرف، كان بعيد النظر بواقعية، عندما عملت معه في المكتب الاعلامي الكويتي في سورية خلال محنة الغزو الغاشم على الكويت كان متفائلا بعقلانية بعودة الحق لأصحابه، يحلل الامور بفطرة عززتها ثقافة رفيعة وقيم راقية وعقيدة متجذرة، ويخلص الى نتائج تنضح بالحكمة والتبصر والرأي السديد.
وكان اذا اعتنق فكرة تحمس لها وجعلها رداءه وكفنه. اليوم تفتقدك يا ابا نضال حاستا السمع والبصر، لكنك ستسكن القلب والوجدان فمثلك لا يموت، فسر الخلود ان تكون حاضرا حتى في غيابك، وانت حاضر بما انجزت وبمن علمت وبإرثك الادبي والاخلاقي والنضالي.
خالد قطمة و«الأنباء»
ثم ألقى نائب رئيسة تحرير جريدة «الأنباء» الزميل عدنان الراشد كلمة ارتجالية ذكر فيها العديد من مآثر الفقيد خالد قطمة الذي كانت له جهود مباركة في تأسيس جريدة «الأنباء» فقال مخاطبا ابنه الكبير مجد خالد قطمة ان والدك كان يحبك ولكننا كنا نحب ان نسميه ابونضال، تجربتي معه امتدت منذ اواخر السبعينيات وحتى قبل وفاته بأسابيع.
كان احتكاكي به امرا ممتعا ومفيدا، واضاف: ان من سبقوني في الحديث عن خصال ابونضال رحمه الله ذكروا وبحق العديد من صفاته النبيلة وكرم أخلاقه، ولكن أبونضال كان يعني لنا اضافة الى ذلك شيئا آخر، كان معلما حقيقيا تعلمنا على يديه الخشونة في العمل وتحمل المسؤولية والحذر والمصداقية وعدم الاندفاع، كانت أحلى فترات عملي عندما كان موجودا في «الأنباء».
وأكمل الراشد بأن خالد قطمة لم يكن يوجه ويعلم وينصح المحررين الصحافيين في «الأنباء» فقط، بل كان كل مدراء التحرير في جميع الصحف الكويتية ومنهم من رحل ومنهم من بقي يعرفون هذا الكلام، وانا شهدت بنفسي ذلك عندما كان مديرو التحرير يتصلون به في «الأنباء» ويطلبون مشورته ورؤيته في العناوين أو صحة بعض الاخبار، فقد كان ملجأ مديري تحرير الصحف الكويتية وتأثيره على الجميع، والاستاذ سمير عطا الله الذي تولى ادارة تحرير «الأنباء» من بعده يعرف ذلك جيدا.
وأشار الراشد الى ان الفقيد قطمة كان رجل اسرة من الطراز الاول، يحب اسرته كثيرا، وكان يقول لي كلما سألته الى اين انت ذاهب، فيرد «نور على نور» وكان يقصد زوجته السيدة الفاضلة نور.
واختتم الراشد حديثه بالقول: في الكويت مدارس صحافية متنوعة منها المدرسة الفلسطينية والمصرية واللبنانية والسورية، ولكن خالد قطمة كان بمفرده مدرسة.
مدرسة صحافية
ثم تحدث رئيس تحرير «الأنباء» الأسبق الزميل عهدي المرزوق عن الراحل خالد قطمة فقال: أرجو من الأخوة أن يعذروا لي بعض الهنات والأخطاء لأنني غير متعود أن أتكلم في وجود حشد كبير لتكريم شخص كريم رحل عن هذه الحياة، أولا وقبل كل شيء أحب أن أشكر السادة الحضور وبالأخص سعادة سفير الجمهورية العربية السورية علي عبدالكريم الذي هو بالفعل اسم على مسمى، فهو كريم في استضافة هذا التأبين للراحل الكبير الأستاذ خالد قطمة وأنا طبعا أقول انه راحل كبير ولكنني أعتقد بأن خالد قطمة في السماء يرفض أن يكون راحلا، فهو حي معنا الآن بروحه ومرحه وعشقه للحياة حي معنا في هذه اللحظة، ولما اتصل بي الأخ مجد كنت في دبي الأسبوع الماضي وطلب مني أن اكتب كلمة لتأبين الراحل خالد قطمة، فقلت له حاضر، ولكن عندما جئت إلى هنا قلت أعتقد بأن خالد قطمة لا تكفيه كلمة معلبة بأربع صفحات ولا حتى عشر صفحات، خالد قطمة أرحب من هذه الكلمات، خالد قطمة مدرسة وهو الذي أخذ بيدي في شارع الصحافة وجعلني أعشق الصحافة، خالد قطمة هو فعلا رمز للوفاء عشت معه 15 سنة، شخص وفي إلى أبعد الحدود.
وتابع المرزوق: خالد قطمة بالنسبة لي أستاذ علمني الصحافة وجعلني أحبها، وكان كل مرة يطلع في مقابلة أو يكتب في جريدة كان يقول الصحافة الكويتية فقدت عهدي المرزوق، هل كان يقولها مجاملة أو حقيقة ولكنه دائما يقول هذه الكلمة وأنا أشكره على هذا الإطراء الذي لا أستحقه، ولو كان تاريخ الصحافة الكويتية يكتب بكتاب لكان خالد قطمة الفصل الأول والخاتمة فيه، فهو الصحافة الكويتية.
بعد ذلك ألقى سمير عطالله كلمة قال فيها انه عندما جاء للكويت في عام 1963 كان هو هنا مهاجرا حديثا وأبا مستجدا، رزق بابنته البكر التي أسماها «نضال» لتبقى كنيته (أبونضال) ويعيش بهذه الكنية طوال عمره، كان قبل مجيئه للكويت قد تخرج حديثا في الجامعة والحزب وكانت تشد من أزره رفيقة دربه وسجنه وحبيبته زوجته السيدة نور، زرته في منزله وكان فيه مشغل اسطوانات عليه اسطوانة واحدة تدور حول نفسها وحول قلب أبي نضال بصوت فيروز «سائليني يا شام»، كانت الشام جرحه العذب ولم تبق الكويت غربة مفزعة فلم تلبثان اصبحت وطنه التوأم كما كان يقول دائما، ثم صارت الكويت عالمه وان بقيت الشام حبيبته في الوجود.
سرعان ما تكاثرنا وتجمعنا حوله نحن «الشوام» القادمون للعمل في صحافة وليدة هنا في الكويت، فكان جليا انه اكثرنا علما واغزرنا موهبة ومقدرة وطاقة وانتاجا، ثقافته تسابق موهبته، وذكاؤه يسابق افكاره وحماسه يسابق شلال الحبر.
كان بامكانه ان يكون انجح الكتاب وامهر الناشرين، او سيدا في الشعر والأدب والسياسة، ولكنه ترك كل شيء من أجل ان يكون أبا، ولم يكن ابناؤه فقط ابناءه بل كان ابا للكثيرين وكرمه ونخوته يعرفهم الجميع.
دمـــوع
وكانت ختام كلمات تأبين الفقيد خالد قطمة رحمه الله كلمة ابنه مجد قطمة الذي بدأ حديثه بكثير من الدموع والتأثر بقراءة آخر كلمات والده التي كتبها له: «أنا بخير، كل شيء بخير لا تقلقوا علي»، بهذه الكلمات ودعني والدي رحمه الله تصاحبها ابتسامة مطمئنة لروح علمت بدنو أجلها، فحتى لحظاته الأخيرة كان همه أن يخفف عنا، وعلى الرغم من ان الموت قد صاحبه طوال حياته في كتاباته، الا انه كان دائم الفرح والابتسام، فكان مصدر سعادة لمن حوله، لم يكن الموت يخيفه ولكنه كان يخشى أن يمنعه من العطاء والمحبة، ولعل أكثر ما كان يخيفه في الموت هو فراقه عن عشيقة دربه والدتي نور، فكان زواجهما هو الوصف الحقيقي للرباط المقدس.
تعلمت منه رحمه الله حبه للعائلة ولعمل الخير، سلام عليك يا أبي في قبرك الطاهر ورحيلك الذي يدمي قلبي بالأحزان.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )