أسامة أبوالسعود
في الليلة التاسعة من ليالي المحرم واصل خطباء الحسينيات إبراز ملامح الثقافة العاشورية والتأكيد على رسالتها الإصلاحية لحال المسلمين وبيان أهمية الوحدة بينهم، وقد بكت الحسينيات والمساجد الإمام علي الأكبر بن الحسن بن علي وتذكروا كيف ضحى بنفسه في سبيل الدفاع عن الإصلاح في امة جده النبي محمد ( صلى الله عليه وسلم ) وهي الغاية العظيمة التي خرج من اجلها ابوه الحسين.
ونعى السيد وليد المزيدي في حسينية البلوشي في الجابرية الشهيد علي الاكبر وابكى الحضور الحاشد بقصة استشهاد حفيد رسول الله واقرب الناس شبها بالرسول الاكرم ( صلى الله عليه وسلم ) فبدأ بآخر أشعار الإمام علي الاكبر الحماسية وحكى قصة استشهاده قائلا: كانت تلك ساعة بالغة العظمة.. لقد وقف الفتى الرشيد مستطيلا على الزمن، متحديا الحياة الدنيا، مستشرفا آفاق الآخرة.
وقف أمام والده يطلب منه الإذن بأن يقتحم غابة الذئاب حيث تتموج غمرات الموت.
لم يتردد الإمام الحسين ( عليه السلام ) في الإذن له، بل وشجعه بالرغم من عمق حبه له وعظيم شفقته عليه، وبالغ منزلته عنده، إنه يمثل أسمى تطلعاته في الدنيا أن يبقى علي يمثل خطه ويحمي قيمه، ولكنه كان يعرف أن حماية القيم إنما هي ببذل دمه.
شجاعة وإقدام
مشى علي الأكبر إلى الميدان، كانت المعركة غير متكافئة، كان عدد المقاتلين في جبهة النفاق 30 ألفا على أقل الروايات، ولكن عليا كان بطلا ليس في قوته الجسدية الفائقة وتمرسه بفنون القتال فقط، ولكن أيضا في عزمه وتوكله وبحثه عن الشهادة القاهرة.
كان يريد الموت في سبيل الله ولكن يسبقه أخذ الثار من عدوه.
موت المقتدر الظافر، وليس موت الذليل المقهور. ولم تكن المعركة بعيدة عن موقع القيادة حيث يقف الإمام الحسين ( عليه السلام ) مع الثلة الباقية من أهل بيته يراقبها عن كثب، وضع سيفه فيهم، فأرواه بدمائهم. وأعاد إلى المعركة صورة هجمات جده الإمام علي ( عليه السلام ).
وقتل منهم مقتلة عظيمة قيل إنه قتل على عطشه 120 رجلا.
ولم يزل يحمل على الميمنة ويعيدها على الميسرة ويغوص في الاوساط فلم يقابله جحفل الا رده ولا برز اليه شجاع إلا قتله فقتل 12 فارسا وقد اشتد به العطش فرجع الى أبيه يستريح ويذكر ما اجهده من العطش فبكى الحسين وقال: واغوثاه ما أسرع الملتقى بجدك فيسقيك بكأسه شربة لا تظمأ بعدها وأخذ لسانه فوضعه في فمه فقال له ابي ان لسانك ايبس من لساني.
ورجع علي الى الميدان مبتهجا ببشارة ابيه الحسين عليه السلام له بملاقاة جده المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم فزحف فيهم زحفه العلوي السابق وغبر في وجوه القوم يزأر في الميدان فأكثر القتلى حتى أكمل الـ 200.
طعنة الغدر
وجاء احد الغادرين فطعنه بالرمح في ظهره وضربه بالسيف على رأسه ففلق هامته فاعتنق الاكبر فرسه فاحتمله الفرس الى معسكر الأعداء وأحاطوا به يضربونه حتى قطعوه بسيوفهم إربا إربا.
ونادى عليا الاكبر رافعا صوته: عليك مني السلام ابا عبدالله، هذا جدي قد سقاني بكأسه شربة لا اظمأ بعدها، وهو يقول إن لك كأسا مذخورة، فأتاه الحسين ( عليه السلام ) وانكب عليه واضعا خده على خده وهو يقول: على الدنيا بعدك العفا ما اجرأهم على الرحمن وعلى انتهاك حرمة الرسول ( صلى الله عليه وسلم )، يعز على جدك وأبيك ان تدعوهم فلا يجيبونك وتستغيث بهم فلا يغيثونك.
ثم أخذ بكفه من دمه الطاهر ورمى به نحو السماء فلم تسقط منه قطرة وفي هذا جاءت زيارته: «بأبي أنت وامي من مذبوح ومقتول من غير جرم، بأبي انت وامي دمك المرتقى به الى حبيب الله بأبي أنت وأمي من مقدم بين يدي أبيك يحتسبك ويبكي عليك محترقا عليك قلبه يرفع دمك الى عنان السماء لا ترجع منه قطرة ولا تسكن عليك من أبيك زفرة.
والتفت الحسين الى فتيان آل ابي طالب وقال لهم احملوا أخاكم عليا الى الخيمة فجاؤوا به إلى الفسطاط الذي يقاتلون أمامه، وحرائر بيت الوحي ينظرن اليه محمولا قد جللته الدماء وأمامهن عقيلة بني هاشم «زينب الكبرى» ابنة فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) صارخة نادبة فألقت بنفسها عليه.
ولم يتمالك الحسين ( عليه السلام ) حتى أرخى عينيه بالدموع وصاح بعمر بن سعد: ما لك؟ قطع الله رحمك كما قطعت رحمي ولم تحفظ قرابتي من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وسلط عليك من يذبحك على فراشك، ثم رفع شيبته المقدسة نحو السماء وقال: اللهم اشهد على هؤلاء فقد برز اليهم أشبه الناس برسولك محمد خلقا وخلقا ومنطقا، وكنا اذا اشتقنا الى رؤية نبيك نظرنا اليه، اللهم فامنعهم بركات الأرض وفرقهم تفريقا ومزقهم تمزيقا واجعلهم طرائق قددا ولا ترض الولاة عنهم أبدا فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا يقاتلونا ثم تلا قوله تعالى: (إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم).
وتحدث امام وخطيب الحسينية أمين عام التحالف الوطني الإسلامي الشيخ حسين المعتوق تحدث عن مأساة كربلاء وذكرى استشهاد الامام الحسين بن على ( عليه السلام ) حيث قال: ان الامام الحسين ( عليه السلام ) استشهد وقدم دمه الطاهر ودماء ابنائه وأصحابه من اجل الحفاظ على كرامة الأمة وعزتها وقد قال ( عليه السلام ): «اني لا أرى الموت الا سعادة والحياة مع الظالمين الا ضرما».
وتابع قائلا: «وما أحوجنا الى تعلم دروس العزة في زمن نرى فيه روح التقاعس امام قضية الاسلام الكبرى قضية فلسطين ونحن نشاهد تلك المجازر الدموية ولا نرى تحركا من حكوماتنا الاسلامية والعربية، مشددا على ان ما تعلمناه من الحسين هو اننا لا يمكننا ان نواجه الظلم الا بروح العزة والكرامة وبحركة الأمة ووعيها الذي اذا حصل فسينتهي الامر حتما الى الانتصار وهو الامر الذي سنشهده قريبا في فلسطين.
واضاف الشيخ حسين المعتوق قائلا: «سنرى زوال دولة اسرائيل من الوجود بسواعد المجاهدين في فلسطين وبحركة الواعين من ابناء هذه الأمة».
مجاهدة الظلم
وأكد ان الامام الحسين كانت له ادوار كبيرة في اصلاح الأمة لعل أبرزها وأهمها في الأمة هو وقوفه بوجه التسلط اليزيدي وبوجه الظلم والعدوان فان يزيد ـ كما هو المعروف وكما قال الحافظ الذهبي ـ افتتح دولته بقتل الحسين وختمها بوقعة الحرة التي استبيحت فيها المدينة المنورة فما كان من الحسين الا ان حرك الأمة في مواجهة هذا الانحراف وبحركته بدأت حركة المقاومة ضد الظلم واستمرت الى يومنا الحاضر.
وتابع المعتوق قائلا: الامام الحسين عندما دعي ليبايع يزيد بن معاوية كان جوابه واضحا بان يزيد شارب الخمور وقاتل النفوس المحترمة ولا يرعى فيهم الا ولا ذمة ثم قال الإمام الحسين «ومثلي لا يبايع مثله» أي انني لا يمكن ان اقبل ان يتسلق على رقاب المسلمين رجل لا يعي مصالح الأمة ولا يعمل لحفظ الدين ولذلك راى انه مادام هذا الواقع يحكم الأمة فسيؤول الامر الى فسادها وضياعها وهو ما يشهد به عدة من صحابة رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) منهم انس بن مالك فيما ينقله عنه الامام البخاري في صحيحه والإمام احمد بن حنبل في المسند ان الزهري لقي انس بن مالك في دمشق يبكي فقال الزهري لأنس بن مالك: ما يبكيك، فرد انس قائلا «ما أدركت شيئا مما كان على عهد رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) وحتى هذه الصلاة قد ضيعت»، وفي لفظ آخر ينقله الإمام احمد عنه انه قال لأبي رافع عندما سأله عن سبب بكائه «اوليس قد علمت ما قد صنع الحجاج بالصلاة»، ويكشف أكثر عن هذا الواقع المرير ان الأمور وصلت الى حد ان الكعبة الشريفة أحرقت وقبل حرقها رميت بالمنجنيق.
وختم حديثه بالقول «هذه بعض مظاهر الفساد التي خلفها الحكم اليزيدي وامتدادته في الأمة، فلو سكت الحسين ( عليه السلام ) وأمثاله فسيترسخ هذا الواقع الذي فرضه الحكم اليزيدي وسينتهي أي وجود للاصلاح في الأمة، ولكن الحسين بحركته وبموقعه في الأمة بث روح الاصلاح فاستمرت الحركات المناهضة للظلم من بعده كحركة التوابين وثورة ابن الأشعث ضد الحجاج الثقفي وثورة عبدالله بن الزبير وغيرها مما أدى الى تفاعل روح النهضة والمقاومة وهو ما يعد احد مظاهر الإصلاح في الأمة والذي تحدث عنه الإمام الحسين في كلمته تلك.