عمر راشد
ناقشت الجلسة الثالثة التي جاءت تحت عنوان «الأمن الغذائي العربي وسياساته الزراعية» ضمن انشطة المنتدى الاقتصادي والاجتماعي الذي يقام على مدى يومين اهمية دفع العمل الاقتصادي في القطاع الزراعي من خلال خلق آليات عمل جديدة اهمها صدور التشريعات وانشاء بنك للمعلومات وكذلك السعي نحو تطوير قدرات الأفراد من خلال توفير فرص عمل مناسبة لهم.
وتطرق المتحدثون الى اهمية توفير الدعم لقطاع غزة من خلال المساعدة على توفير البنية التحتية وتحديثها وامداد المزارعين بالتقاوي اللازمة وكذلك السعي لإصلاح ما دمرته الآلة العسكرية الاسرائيلية في قطاع غزة.
وفيما يلي التفاصيل:
مكافحة الجوع
وبداية قال مدير عام منظمة الاغذية والزراعة بالأمم المتحدة جاك ضيوف ان العالم يواجه اليوم ازمة مالية واقتصادية حادة اتت في اعقاب ازمة غذائية احدثت خللا في الاقتصاد الزراعي الدولي وابرزت مدى ضعف الأمن الغذائي العالمي، كما أكد ان اعادة انعاش الانتاج المحلي للأغذية انما هو الحل الممكن والدائم لمكافحة الجوع، لذا يجب علينا زيادة الاستثمارات في الزراعة.
واضاف ضيوف في كلمته التي ألقاها خلال الجلسة الثالثة للمنتدى الاقتصادي والاجتماعي امس ان الأزمة الناجمة عن ارتفاع أسعار المواد الغذائية كانت لها تداعيات اقتصادية واجتماعية وسياسية مأساوية، ففي عام 2007 ونتيجة ارتفاع أسعار المواد الغذائية بشكل اساسي ازداد عدد الجياع في العالم بمقدار 75 مليون نسمة بدلا من ان ينخفض بحدود 43 مليون نسمة من اجل بلوغ الالتزام الصادر عن مؤتمر القمة العالمي للأغذية في عام 1996 ومن المتوقع حدوث زيادة اضافية في عام 2008 بمقدار 40 مليون نسمة، فيصل بالتالي العدد الاجمالي لمن يعانون الجوع المزمن الى 963 مليون نسمة، وهذا يعني ان زهاء مليار شخص (أو ما يعادل 15%) من اصل 6.5 مليارات نسمة من سكان العالم يعانون من نقص التغذية.
انعدام الأمن الغذائي في العالم العربي
وقال: بالنسبة للعالم العربي يفيد تقرير حالة انعدام الأمن الغذائي في العالم لسنة 2008 الذي أصدرته منظمة الأغذية والزراعة في شهر اكتوبر الماضي بأن عدد الجياع في البلدان العربية يبلغ 31 مليون نسمة، او ما يعادل 10% من العدد الاجمالي للسكان، ويشكل هذا زيادة قدرها 6 ملايين نسمة مقارنة بالفترة المرجعية عند انعقاد مؤتمر القمة العالمي للأغذية (1990 ـ 1992) ويلاحظ بنوع خاص ارتفاع معدلات انتشار الجوع في كل من اليمن والسودان حيث تبلغ تلك المعدلات 32 و21% على التوالي.
وأوضح ان البلدان العربية تتأثر بشكل عام بالتقلبات في أسعار السلع الأساسية في الأسواق العالمية نظرا الى اعتمادها الكبير على الأغذية المستوردة لتلبية احتياجاتها فهي تستورد أكثر من 50% من استهلاكها من الأغذية، وفي خلال الـ 30 سنة الماضية انخفض انتاج الحبوب للفرد الواحد في البلدان العربية بمعدل 0.3% سنويا، بينما ازداد الاستهلاك بنسبة 0.6%، مع العلم ان الحبوب هي الغذاء الرئيسي في تلك البلدان وقد تسببت هذه الأوضاع في ارتفاع الواردات بنسبة 170% حتى وصلت الى 64 مليون طن في 2008 مقارنة بمستواها في عام 1980 وقد بلغت فاتورة استيراد الحبوب في الإقليم 25.5 مليار دولار في 2007 – 2008 مقابل 11 مليار دولار في 2003-20004.
آفاق المستقبل في العالم العربي
وأشار الى ان قوى العرض والطلب تزيد من مخاطر انعدام الأمن الغذائي في البلدان العربية فهذه البلدان تشهد حركة عمرانية كبرى ونموا ملحوظا في عدد السكان والمداخيل، مما سيزيد الطلب على الأغذية، ومن جهة اخرى، فإن القيود المفروضة على صعيد العرض في البلدان العربية قد تحد من قدرتها على زيادة انتاج الحبوب، موضحا انه من المتوقع ان ينمو الطلب على الأغذية في البلدان العربية بشكل ملحوظ حتى سنة 2030 وما بعدها، لكن من غير المتوقع ان يواكب الانتاج هذا النمو، ومن المتوقع ان يزيد الطلب على الحبوب بنسبة 48% واللحوم بنسبة 104% والحليب بنسبة 82% ومما لا شك فيه ان هذا سيؤدي الى اعتماد الإقليم بدرجة اكبر على الواردات الغذائية، ما لم يجر اتخاذ تدابير لتصحيح الوضع القائم، والا تفاقمت حالة انعدام الأمن الغذائي في الإقليم وازدادت عرضته للصدمات على صعيدي توافر الأغذية وأسعارها.
الإجراءات على المستوى العالمي
واكد انه من واجبنا ايضا ان نعمل معا على الساحة الدولية من اجل التوصل الى توافق واسع في الآراء للقضاء على الجوع في العالم بصورة نهائية وسريعة، ولا يجدر بنا فقط ان نكفل الامن الغذائي للجياع البالغ عددهم 963 مليون نسمة، بل علينا ايضا تأمين الغذاء لسكان العالم الذين سيبلغ عددهم 9 مليارات نسمة في العام 2050، ويجب كذلك الا تلهينا الازمة المالية العالمية عن الجياع والفقراء الذين هم بحاجة الى عناية عاجلة ومستمرة.
ياها: ضعف الاستثمارات الخاصة
بدوره، انتقد وزير الاستثمار السابق في موريتانيا عبدالله ولد ياها اداء الاستثمار في الزراعة على مستوى الوطن العربي، موضحا انه رغم اهمية القطاع الزراعي في الاقتصاد العربي، الا ان العمل العربي يفتقر لمضامين العمل الحقيقية في التعاون الاقتصادي.
واشار الى ان حجم الاستثمارات في القطاع الخاص بقطاع الزراعة لا يتجاوز 9% فقط من اجمالي الاستثمارات في الوطن العربي.
واضاف انه رغم وجود العديد من المعوقات الكثيرة التي تقف في وجه القطاع الزراعي والتي ادت الى نقص شديد في الموارد الغذائية، فإن العالم العربي يزخر بامكانيات زراعية هائلة في القطاع الزراعي، مستندا في ذلك الى قرارات بعض الدول مثل موريتانيا التي تمتلك مساحات شاسعة من الاراضي القابلة للزراعة والتي لم تجد من يستثمرها حتى الآن.
وقال: هناك قصور شديد في استخدام الميكنة الزراعية وكذلك نقص واضح في التشريعات الاقتصادية وفي البنية التحتية التي تساعد على تطوير القطاع الزراعي.
واشار ولد ياها الى العجز الواضح في المعلومات عن القطاع الزراعي، وان الزراعة تفتقر الى الاحصائيات اللازمة للعمل، وكل من يريد ان يستثمر يعتمد على الشركات الاجنبية في العمل مما يؤدي الى تعطل الامكانيات الاقتصادية الفاعلة في مجال تطوير القيمة المضافة لقطاع الزراعة في الناتج المحلي الاجمالي.
وتطرق وزير الاستثمار الموريتاني الى مشكلة التمويل موضحا ان البلدان العربية تفتقر لصناديق تمويلية في القطاع الزراعي تساعد المزارعين على الاقتراض، موضحا ان الازمة المالية العالمية القت بظلالها السلبية على القطاع الزراعي.
رفع المعاناة عن قطاع غزة
ووجه رئيس الصندوق الدولي للتنمية الزراعية ايفاد لينارد باج الى اهمية التعاون العربي في تنظيم القطاع الزراعي بشكل جدي وفعال، وذلك للعمل على استغلال امكانياته المحدودة لتوفير الامن الغذائي لسكانه الذين يزداد عددهم يوما بعد آخر دون ان تقابل ذلك زيادة في الموارد، لافتا الى ان مساحة الارض المستغلة في القطاع الزراعي لا تزيد على 5% من اجمالي المساحة الاجمالية.
واشار الى ان «ايفاد» تتعاون مع المراكز البحثية في القطاع الزراعي للتعاون فيما بينها للقضاء على ندرة المياه، وذلك بالتركيز على المحاصيل التي لا تستهلك مياها كثيرة.
وأشار الى ان هناك جهودا كبيرة تبذلها «ايفاد» بغرض تحلية المياه لاغراض الزراعة، كما تسعى الى تطوير الاراضي القاحلة بتعزيز تكنولوجيا المعلومات في العمل الاقتصادي حتى تكون هناك استجابة فعلية.
وأكد الى ان القطاع الزراعي يمكنه استيعاب الزيادة المرتفعة في معدلات البطالة داخل منطقة الخليج من خلال استيعاب المزيد من العمالة.
وفيما يتعلق بحجم التعاون بين الدول العربية وايفاد قال ان السعودية قدمت استثمارات هائلة للاستثمار في الاراضي الزراعية، مشيرا الى انه سيتم عقد مؤتمر اقليمي يناقش كيفية استخدام هذه الموارد من خلال التعاون مع دول مثل قطر وغيرها.
واختتم بالقول ان ايفاد ستركز في المرحلة المقبلة على تطوير البنية التحتية لقطاع الزراعة في غزة ومساعدة المزارعين من خلال تقديم كل وسائل الدعم من بذور وتقاو وأسمدة للمساعدة في عودة الحياة الخضراء الى القطاع.
اللوزي: موارد مائية محدودة
اما المدير العام في المنظمة العربية للتنمية الزراعية سالم اللوزي فذكر ان القطاع الزراعي لا يساهم الا بـ 6.3% من الناتج المحلي الاجمالي وان المساحة المزروعة تمثل 5% من المساحة الاجمالية كما ان هناك نقصا واضحا في الموارد المائية.
واشار الى ان ما يفاقم مشكلة المياه وندرتها في العالم العربي ان 70% من تدفقات المياه تأتي من دول اخرى غير العالم العربي مما يهدد موارده المائية المحدودة.
ورغم اهمية القطاع الزراعي الذي يستوعب 44% من سكان العالم العربي في الريف، الا ان نصيب سكان الريف من معدلات الفقر في الوطن العربي عالية للغاية.
واضاف ان التقاوي والبذور لا يتم استخدامها الا في اطار محدود للغاية وهذا يعني مزيدا من التراجع في الحاصلات الزراعية ويعني ذلك مزيدا من التراجع في الامن الغذائي العربي.
وطالب اللوزي بضرورة العمل على تطوير قدرات العنصر البشري بصفته عاملا مهما في العمل الاقتصادي العربي المشترك، مبينا اهمية وضرورة السعي لتطوير قدرات الافراد في هذا الاطار.