كشف الرئيس العراقي جلال طالباني عن موعد تسلم القوات الامنية العراقية للملف الامني في بغداد، مؤكدا ان العراق بدأ يسترد عافيته ويقف على قدميه وهو يسعى بعد سنوات من العزلة التي عاشها اثناء حكم النظام البائد إلى تشكيل شراكة جديدة مع المجتمع الدولي من خلال العهد الدولي الذي صادقت عليه اكثر من 90 دولة ومنظمة دولية في وثيقة استوكهولم.
واوضح خلال كلمته التي القاها في الجلسة الافتتاحية لأعمال القمة قدرة العراق على لعب دور حاسم في تكامل اقتصادات المنطقة وتسخير مواردها من اجل التنمية والتقدم، وطالب الدول العربية الدائنة للعراق وخاصة الخليجية بأن تحذو حذو الدول الاعضاء في نادي باريس لإعادة اعمار ما دمرته الحروب.
السادة أصحاب الجلالة والفخامة والسمو والسيادة المحترمين السيدات والسادة الحضور الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابتداء، اسمحوا لي باسم شعب العراق، أن اعبر عن دعمنا وتضامننا مع الشعب الفلسطيني في غزة واحيي فيهم صمودهم البطولي بوجه العدوان الاسرائيلي، ونعلن عن شجبنا واستنكارنا للمجازر الوحشية التي ارتكبت ضد السكان المدنيين والمواطنين الابرياء، ونؤكد على حق الشعب الفلسطيني في اقامة دولته المستقلة ونطالب بالانسحاب الفوري للقوات الغازية من قطاع غزة وفتح المعابر لدخول المساعدات الانسانية لأهلنا في القطاع ورفع الحصار الاقتصادية عنهم وندعو الدول العربية والصديقة والمجتمع الدولي للمساهمة في برنامج الاعمار وبناء ما هدمته الحرب على غزة.
واسمحوا لي ان اتقدم بالشكر الجزيل للأخ الفاضل والصديق الكريم حضرة صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح ودولة الكويت الشقيقة علي التهيئة الجيدة لهذا المؤتمر العتيد.
ولعل ما يميز هذه القمة ويبشر بنجاحها، هو مشاركة القطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني في الإعداد لها والمشاركة فيها، حيث تتكامل جهود هذه القطاعات مع الجهد العربي الرسمي في تشخيص التحديات ووضع خطط مجابهتها، فضلا عن ان المعايير التي وضعتها اللجنة التحضيرية لاختيار البرنامج والمشاريع التي ستعرض على هذه القمة اتسمت بالواقعية والرغبة في المساهمة في رفع مستوى معيشة المواطن وتحقيق الرفاهية والاستجابة لمتطلبات التنمية الشاملة.
ان كل هذا يبشر بعهد جديد ترسم ملامحه شعوب المنطقة، وستنعكس آثاره الايجابية على طريقة ممارسة الحكم، وسيعزز من فرص بناء مؤسسات ديموقراطية يكون فيها الشعب مساهما أساسيا في صنع القرار السياسي، لأن الرؤية المشتركة لتنمية اقتصادية واجتماعية متكاملة ومندمجة مع بعضها ستقوي من فرص التوافق السياسي ولأن الديموقراطية شرط أساسي للتنمية.
التطورات في العراق
اسمحوا لي ان اغتنم هذه الفرصة لأوجزكم بأهم التطورات التي حدثت في العراق خلال العام المنصرم، لقد شهدت الأوضاع الأمنية تحسنا ملموسا نتيجة استمرار الحكومة العراقية في خطة فرض القانون.
وقد حققت القوات الأمنية العراقية نتائج مهمة مكنتها من مسك الملف الأمني في ثلاث عشرة محافظة عراقية، وستمسك بالملف الأمني في العاصمة بغداد قريبا، وخلال الأشهر القريبة المقبلة ستتسلم كامل الملف الأمني.
وفي شهر أكتوبر الماضي وقعنا اتفاقا مع الولايات المتحدة الأميركية بشأن انسحاب قواتها من العراق وانهاء وجودها المؤقت فيه.
وكان لزاما علينا ان نمضي في هذا الاتجاه كخطوة أولى للتخلص من الوجود العسكري الأجنبي غير الخاضع لولاية القانون العراقي والترتيبات والهياكل الأخرى التي فرضت على العراق بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والتي شكلت عائقا دون ممارسته لدوره كاملا في محيطه العربي وفي الأسرة الدولية.
وقد أكدنا في هذا الاتفاق على سيادة العراق وأمنه وأمن جيرانه وألا يكون العراق بأي شكل من الأشكال منطلقا أو ممرا لأي أعمال عدائية، وخلال شهر ديسمبر الماضي، عملنا مع مجلس الأمن على اصدار القرار 1859 لسنة 2008 الذي تم بموجبه انهاء ولاية القوات متعددة الجنسية واستمرار الحماية الدولية لأموال العراق وعائداته النفطية، وان نحصل على اعتراف من مجلس الأمن بأن الحالة في العراق تختلف اختلافا كبيرا عن الحالة التي كانت أثناء صدور القرار 661 لعام 1990، وعلى أهمية عودة العراق الى الوضع الذي كان سائدا قبل تاريخ صدور هذا القرار.
وقد انعكس التحسن في الأوضاع الأمنية ايجابا على علاقات العراق الخارجية حيث تم الاتفاق المبدئي مع الشقيقة الكبرى مصر على ابرام اتفاقية طويلة الأمد تشمل التعاون السياسي والاقتصادي والتجاري والأمني والثقافي وتكون الأساس لعلاقة استراتيجية وحيث شهدت تلك الفترة انفتاحا عربيا واقليميا ودوليا على العراق ظهر ذلك جليا من خلال اعادة فتح العديد من الدول الشقيقة لبعثاتها الديبلوماسية في بغداد، وشهدت بغداد زيارات عديدة من المسؤولين الكبار من الدول العربية والمجاورة والصديقة وكان للملك عبدالله الثاني دوره المشرف في زيارة العراق، كما ان التعاون والتنسيق بين دول الجوار في اطار آلية اجتماعات وزراء خارجية دول الجوار الموسع، ساهم في التوصل الى تفاهمات بشأن المسائل ذات الاهتمام المشترك، والى اجراءات تؤدي الى خفض حدة التوتر.
الوضع الاقتصادي
ولقد شهد الوضع الاقتصادي في العراق هو الآخر تحسنا ملحوظا من خلال جملة من القوانين الاقتصادية والمالية التي صدرت عن الحكومة العراقية وساهمت في زيادة دخل المواطن وتحسين قدرته الشرائية ومستوى الرفاه الاجتماعي وزيادة الرواتب بشكل محسوس، وقامت الحكومة العراقية باعداد ميزانية طموح لعام 2009، ليس من أجل اعادة الاعمار فحسب بل من أجل بناء اقتصاد سليم ومعافى لدفع عجلة النهوض والتقدم الى الامام، وتقوم الحكومة العراقية بمراجعة هذه الميزانية والبرامج الاقتصادية المترتبة عليها في ضوء ما تفرزه الازمة المالية التي يمر بها العالم وتراجع اسعار النفط، ولعب القطاع الخاص دورا هاما في التطوير الاقتصادي والعمراني في العراق.
لقد ورثنا عن النظام الدكتاتوري المقبور العديد من القضايا التي رتبت علينا التزامات سياسية وقانونية ومالية، وقد عملنا ونعمل على الوفاء بها، وسنستمر بالعمل مع الدول ذات العلاقة ومع الجهات المعنية في الامم المتحدة من اجل التوصل الى تسوية ترضي جميع الاطراف،كما ورثنا ايضا تركة ثقيلة من الديون والمطالبات، وقد حققنا تقدما كبيرا باتجاه تسويتها بالتعاون مع الاسرة الدولية، ونأمل من الدول العربية الدائنة للعراق، وبالذات الدول الخليجية الشقيقة منها، ان تحذو حذو الدول الاعضاء في نادي باريس، وغيرها، لكي يتمكن العراق من اعادة اعمار ما دمرته الحروب والعقوبات الاقتصادية وبناء اقتصاده ويساهم بشكل فعال، في المشروع العربي للتنمية المستدامة، وهنا نود ان نشكر دولة الامارات العربية المتحدة الشقيقة لاسقاط كامل ديونها عن العراق.
ومن هذا المنطلق نتطلع الى تعزيز اواصر التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري مع اشقائنا في مجلس التعاون الخليجي، وقد اتخذت الحكومة العراقية قرارات بشأن تنويع منافذ تصدير النفط والغاز العراقي من خلال شبكة انابيب عبر الدول المجاورة للعراق.
وتعمل حكومتنا ايضا على اعادة بناء منظومة النقل البري، وبالذات شبكة السكك الحديدية، تمهيدا لربطها بمنظومة النقل في المنطقة.
وقبل ان انهي كلمتي اسمحوا لي ان اعبر عن شكري وتقديري للامانة العامة لجامعة الدول العربية، وامينها العام السيد عمرو موسى، وللمجلس الاقتصادي والاجتماعي لجامعة الدول العربية على الجهود التي بذلوها من اجل عقد هذه القمة وتهيئة سبل نجاحها، وان اجدد الشكر الجزيل لحضرة صاحب السمو شقيقنا وعزيزنا سمو الامير صباح الاحمد الجابر الصباح ولدولة الكويت الشقيقة على استضافة مؤتمر القمة هذا.