آلاء خليفة
لعل الحدث الابرز للقمة الاقتصادية والتنموية والاجتماعية، قمة التضامن مع غزة، التي اختتمت اعمالها بالكويت، هو المصالحة العربية والتي جاءت بمبادرة من صاحب السمو الامير وخادم الحرمين الشريفين.
«الأنباء» استطلعت آراء اكاديميين سياسيين حول ما جاء في القمة لاسيما فيما يخص المصالحة العربية التي لمت الشمل العربي واكدت وحدة الصف العربي، كما حدت من الانقسامات والخلافات العربية تمهيدا لوحدة عربية منشودة.
جهد كبير
بداية هنأ استاذ العلوم السياسية بجامعة الكويت والناطق الرسمي باسم جمعية اعضاء هيئة التدريس بالجامعة د.عبدالله سهر، صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد واللجان التي اعدت لهذه القمة وجميع العاملين على هذا الجهد الكبير الذين قاموا به بالاعداد والتحضير لها والتنظيم الرائع الذي يجعلنا نفتخر ككويتيين باننا استطعنا ان نستعيد عبق الكويت الذي افتقدناه منذ فترة طويلة، فمن الواضح ان تلك الجهود اثمرت ايجاد اجواء ايجابية وبيئة صحية لنقاش عربي ـ عربي صريح، ولقرارات افضل بكثير من القرارات الصوتية والورقية التي كانت دائما السمة البارزة للاجتماعات والقمم العربية، ولفت الى اننا نجد اليوم على ارض الواقع الكثير من الامور التي تحققت واثلجت صدور العرب وتشرف بها الكويتيون بأن يكون لهم الريادة والمساهمة فيها.
واضاف: من ضمن تلك الامور المصالحة العربية التي وقعت بين الاشقاء العرب وكانت هناك صراحة كبيرة في القمة، مشيرا الى ان نقل الجلسات على الهواء مباشرة اضفى شفافية على المؤتمر.
ولفت د.سهر الى المقترح الكويتي بايجاد صندوق بقيمة ملياري دولار للتنمية وقد تبرعت الكويت بجزء منه فضلا عن ان المملكة العربية السعودية تبرعت بـ 50% للصندوق، مشيرا الى ان الكلمات التي ذكرت في المؤتمر لم تكن صوتية كما كانت في السابق خاصة كلمة خادم الحرمين الشريفين التي تابعناها على شاشات التلفزيون، مضيفا: رأينا ان تلك الكلمة معبرة جدا واتت في سياق سهل وواضح ووضع النقاط على الحروف فيما تفضل به خادم الحرمين الشريفين حينما ذكر ان الفرقة بين الاشقاء هي العدو الاول للعرب وليس الحرب الاسرائيلية الصهيونية.
واردف قائلا: هذه الكلمات من خادم الحرمين الشريفين وكلمات صاحب السمو الأمير حفظه الله ورعاه والصدر الرحب والحكمة التي يتحلى بها سموه ادت في نهاية المطاف الى لم وجمع شمل العرب.
واشار الى ان اجتماع تلك الاركان مع بعضها البعض سيساهم مساهمة حقيقية في نهضة الامم، وعندما تلمّس صاحب السمو هذه الاضواء الثلاثة ووضعها أمام نصب اعين المؤتمرين، اراد بذلك ان يوصل رسالة واضحة بأن اي تقدم على كل الاصعدة يجب ان يكون من خلال تلك الاركان الثلاثة وليس بأحدها دون الآخر.
منعطف جديد
وتابع د.سهر قائلا: اعتقد ان ما جرى خلال تلك القمة سيشكل منعطفا جديدا في العلاقات العربية ـ العربية في حال تم استغلاله بالشكل الجيد، ولكن نحن لا نرفع شعارات وكلمات وانما نضعها مشروطة بعمل يجب ان يتابع على مدار الساعة من كل المهتمين بالنهضة العربية ولم الجرح العربي وكذلك التصدي لهذا العدوان الاسرائيلي اللاانساني.
وشدد د.سهر على تحية صاحب السمو الأمير، على هذه الادارة الناجحة وهذه الروح الجديدة التي بعثها في اوساط الشعوب العربية والتي مما لا شك فيه ستستمر اذا ما كانت هناك متابعة جيدة، لافتا الى انهم في المجتمع المدني المتعلق بجامعة الكويت يضعون كل الامكانات والقدرات البشرية الهائلة تحت امرة صاحب السمو الأمير للتصدي لأي نوع من انواع الخطر والتحديات التي تواجه أمتنا العربية والاسلامية.
ظروف صعبة
من جانبها، قالت استاذة العلوم السياسية ورئيسة وحدة الدراسات الاوروبية والخليجية بجامعة الكويت د.هيلة المكيمي: اننا لا نستطيع اغفال ان القمة الاقتصادية تمت في ظل ظروف صعبة وحرجة جدا، سادها الانقسام العربي حول الاعتداءات الاسرائيلية على غزة، لافتة الى ان هذا الانقسام تجلى في ظهور العديد من القمم التي سبقت قمة الكويت.
وأضافت: الا ان الكويت كانت لديها قناعة بأنها ستبذل كل ما في وسعها وستوظف الديبلوماسية الكويتية من اجل ردع صدع الانقسام، ولهذا نجد ان صاحب السمو أخذ المبادرة في جلسة الافتتاح بالتركيز على اهمية وحدة الصف العربي، وتم دعم مبادرة صاحب السمو بالمبادرة السعودية التي دعمت التوجهات الكويتية والتي سبقتها باجتماع مصغر ضم 7 من القادة العرب، وكان هناك تقريب في المواقف وبالتالي ما حدث هو أمر مهم، حيث انه كما ذكر صاحب السمو بأن القضية الفلسطينية كانت على مر التاريخ مصدر وحدة وليس انقساما.
واضافت د.المكيمي قائلة: وبالتالي من الخطأ جدا ان نجعل هذه القضية سببا للانقسام بين العرب، لأنها تحتاج الى وحدة الرؤية العربية من اجل حلها وليس الانقسام فيما بينهم، مشيرة الى ان الانقسام سيؤدي الى المزيد من تردي الوضع على الساحة الفلسطينية.
كما اشارت د.المكيمي الى ان مبادرة المصالحة العربية ليست غريبة على صاحب السمو، الذي يعلم خبايا السياسة العربية، بل ان وجود القادة العرب وقبولهم الحضور الى القمة هو بحد ذاته دليل على قوة الديبلوماسية الكويتية الناجحة، حيث اننا نجد تغيب الكثير من القادة عن الكثير من الاجتماعات والقمم، ولكن في الكويت لم يكن الا القبول والقدوم والذي يعتبر في حد ذاته جزءا من نجاح هذه القمة.
حسم القضية
وقالت: ان انهاء القضية الفلسطينية وحسمها واعطاءها الاولوية ساهمت في انقاذ القمة، لأنها ليست قمة سياسية من الدرجة الاولى، ويفترض انها اقتصادية، ومن هنا جاء حرص صاحب السمو على أن تكلل قضية غزة بالنجاح تحقيقا لوحدة الصف العربي التي يؤكد عليها سموه دائما، من اجل انقاذ الجانب الاقتصادي، لاسيما التكامل الاقتصادي العربي.
ناجحة 100%
ومن جانبه اعتبر استاذ العلوم السياسية د.فهد المكراد ان القمة ناجحة 100% كونها ادت الى توافق مصري ـ قطري وسعودي ـ سوري، فجميع تلك الاقطار العربية مجتمعة ادت في الحقيقة الدور الذي ينبغي ان تتفق عليه وتصبح كتلة واحدة في مواجهة احداث غزة.
واشار د.المكراد الى ان القمة تعتبر هي قمة القمم حيث ساهمت في توحيد الرؤى وخصوصا ان خطب الزعماء كانت صريحة وذات شفافية مطلقة، بها اعتراف بالتقصير وما ينبغي عمله من اجل مستقبل الامة العربية ومستقبل العلاقات العربية ـ العربية ثم محاولة الدخول الى التنمية الاقتصادية التي تتممها السياسة.
متابعا: ونجحت الكويت حقيقة في ربط الاقتصاد بالسياسة وهذا ما تحتاجه الدول، ففي الماضي كانت هناك اجتماعات سياسية بحتة مما يؤدي الى بعض الاشكاليات في عدم التوافق في الرؤى والاستراتيجيات المهمة، لافتا الى اننا كنا بحاجة الى ربط الاقتصاد بالسياسة، لانه لا اقتصاد دون سياسة ولا سياسة دون اقتصاد وبالتالي هاتان المعادلتان اتحدتا في قمة القمم وهي قمة الكويت.
واضاف قائلا: ويجب حقيقة ان تتابع هذه القمة بقمة اخرى من اجل متابعة الانجازات والنتائج التي توصل اليها الزعماء والرؤساء العرب والتي ستؤدي الى الكثير من التنمية البشرية والتكامل الاقتصادي المنشود في الوطن العربي، معربا عن تفاؤله وتفاؤل الشارع العربي الذي تم رصده عبر الفضائيات، بأن القمة نجحت في رسم استراتيجية مهمة للدول العربية لمواجهة الاحتلال الاسرائيلي والالة العسكرية الاسرائيلية التي تبطش بالابرياء، فنحن لا نريد ان نرى تدميرا اسرائيليا نحن
لا نرى ان الفلسطينيين يريدون ان يتم بناء البيوت دون ان يكون هناك بناء للانسان الفلسطيني ويتم بناء السلام وان تكون لدينا استراتيجية في مفهوم السلام والحرب مع اسرائيل، فنحن لا نريد فعل وردود افعال انما نريد استراتيجية لمواجهة اسرائيل في مراحل السلم والحرب لان كل ما حدث هو فعل ورد فعل مقابل وهذا الامر لا يجوز، فهي امور عابرة لا يجب ان تأخذ بها الدول وانما نريد ان تكون هناك استراتيجية عامة للدول العربية تتمسك بها تجاه القضية الرئيسية التي طالت منذ عقود طويلة من 1948 وحتى 2009 ونحن في حلقة مفرغة نتيجة غياب استراتيجية ومفهوم الحرب والسلام لدى العرب.
وتابع د.المكراد قائلا: وكما قال الملك عبدالله ليس هناك سلام دائم وليست هناك مبادرة عربية دائمة، فعلى اسرائيل ان تحدد موقفها من عمليات السلام ومن عمليات المواجهة وألا نكون نحن العرب لفعل وردة فعل، فهذه دول لا تبني استراتيجيتها على ردود الافعال.
أزمة اقتصادية
وبدوره أكد عميد كلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د.راشد العجمي ان القمة الاقتصادية تأتي في وقت حساس جدا، وقت يمر العالم بأجمعه بأزمة اقتصادية عالمية أثرت على جميع اقتصاديات دول العالم، مشيرا إلى ان تلك القمة كانت ضرورة ملحة، موجها شكره وتقديره إلى صاحب السمو الأمير والحكومة لعقد تلك القمة.
ولفت الى ان مثل تلك المبادرات ليست غريبة على الكويت التي كانت ومازالت سباقة دوما لأخذ المبادرات في كثير من الأمور والقضايا المطروحة على الساحة.
وأثنى د.العجمي على التوصيات التي خرجت بها القمة لاسيما من الناحية الاقتصادية لمواجهة تلك الأزمة سواء في الكويت أو في العالم العربي.
مطالب الشعوب
من جهته، قال رئيس قسم الاقتصاد بجامعة الكويت د.عيسى القيسي: بالنسبة للقمة الاقتصادية العربية اعتقد انه كان يفترض ان تعقد منذ زمن طويل، معربا عن تفاؤله بما خرجت به القمة من توصيات تمثل مطالب الشعوب العربية وعلى رأسها التكامل الاقتصادي.
وزاد: هناك اكثر من 15 دولة متفرقة في جميع الأمور وبالتالي اعتبر القمة بداية للم الشمل العربي الاقتصادي، فهناك العديد من الأمور التي كانت من أبرز بنود أجندة عمل القمة ومنها التوجه الى الاتحاد الجمركي الذي يعد خطوة أولى للسوق المشتركة.
وأثنى د.القيسي على الاتفاق بين رؤساء وزعماء وقادة الدول على الاتحاد الجمركي كونه خطوة مهمة تدفع نحو التكامل الاقتصادي العربي المنشود.
و ذكر د.القيسي، ان عقد القمة تزامن مع أوضاع اقتصادية عالمية سيئة، فالعالم حاليا يمر بحالة من الركود الاقتصادي، فالقمة جاءت في وضع حرج اقتصاديا لان العديد من الدول بدأت تضخ أموالا ضخمة في الأسواق المحلية ومنها الكويت والسعودية والإمارات وغيرها من الدول، بهدف انقاذ السوق المحلي المالي والعقاري بالاضافة الى قطاع البنوك، بما سيؤثر على القمة الاقتصادية في منظور الاستثمارات المستقبلية، لافتا الى انخفاض السيولة في تلك الدول نتيجة المشاكل المالية الموجودة.
وأعرب د.القيسي عن فخره واعتزازه بما حققته القمة من لم الشمل العربي الاقتصادي وخروجها بنتائج ايجابية، مضيفا: نتمنى حقيقة ان تترجم على أرض الواقع والا تكون فقط مجرد قرارات على الورق.
وأوضح ان الاتفاق على الانتهاء من استكمال متطلبات الاتحاد الجمركي والتطبيق الكامل له كأحد أبرز توصيات القمة يعتبر أمرا ممتازا، نظرا لأنه سيساهم في الغاء جميع القيود الجمركية بما سيسهل التجارة البينية وسيؤدي الى زيادة حجم التجارة بين الدول العربية.
ارتدادات عالمية
ولفت استاذ الاقتصاد بجامعة الكويت ومشرف وحدة منظمة التجارة العالمية التابعة لمركز التميز في الادارة بالجامعة د.احمد النجار، الى ان القمة الاقتصادية في الكويت جاءت في وقت أحوج ما نكون اليه نحن العرب بشكل خاص لاسيما في ظل ارتدادات الأزمة الاقتصادية العالمية وتأثيراتها على العالم العربي.
وبالتالي كان لابد من الدعوة لتلك القمة لمناقشة قضايا الدول العربية بكل أقسامها، سواء الدول المنتجة للنفط والمتمثلة في دول مجلس التعاون الخليجي، او دول شمال افريقيا والتي لها خصوصية ودول الشرق الأوسط التي لها خصوصية أخرى، ولكن لو أخذنا تلك المجموعات الثلاث اعتقد انه لا يمكن ان نجد إلا في الاتحاد الأوربي مقومات تكامل بقدر ما هو موجود في التكتلات الثلاث السالف ذكرها.
وأشار الى ان القمة قامت بطرح بعض القضايا التي تهم هذه المجموعات ككل، بما سينعكس في نهاية المطاف على دخل المواطن العربي والقوة الشرائية له بالإضافة الى مستوى حياته ومعيشته، موضحا ان القمة تمكنت من تحقيق الآمال المعقودة عليها.
وقال د.النجار: قد يكون البحث جيدا لكن التخوف يكمن في عملية المتابعة والتطبيق، آملا الا تنتهي القمة عند حد اصدار التوصيات والرؤى من وجهات نظر مختلفة، بل لابد من تفعيل تلك التوصيات وتحويلها الى ارض الواقع والقضاء على اي عراقيل او عقبات تواجه تنفيذها.
آمال وطموحات
ومن جهته ذكر الأستاذ في قسم المحاسبة بكلية العلوم الإدارية بجامعة الكويت د.وائل الراشد: انه مما لاشك فيه ان هناك العديد من الآمال والطموحات التي عقدت على القمة الاقتصادية بهدف وضع اطار للعمل الاقتصادي المشترك لاسيما ما بين الدول العربية، لافتا الى ان الدول العربية بحاجة ماسة الى هذا الاطار منذ نحو أربعين سنة مشيدا بنجاح القمة لتحقيق اهدافها.
وأردف د.الراشد قائلا: علاوة على ذلك، فان الجميع يعلم ان النفط وهو مصدر الطاقة الأول ومصدر للإيراد والدخل لكثير من دولنا العربية، أصبح يمر بمرحلة تذبذب في أسعاره، بما خلق حاجة ماسة للخروج ببرنامج عمل ما بين الدول المنتجة والدول العربية الأخرى المستهلكة، في عملية الاستفادة من مصانع تكرير تلك المادة حتى نستغلها افضل استغلال ولا نقع تحت وطأة التقلبات في الأسعار العالمية.
و تمنى د.الراشد ان ترسم الدول العربية سياسة وان لم تكن في القريب العاجل فعلى الأقل ان تكون في الأجل المتوسط من 5-7 سنوات، في تنظيم السياسات النقدية في الدول العربية، لاسيما ان مصائرنا وعاداتنا وتقاليدنا واحدة فلابد من الخروج بسياسة نقدية تخدم دول المنطقة بشكل عام.