استمرت قمة الرياض المصغرة في فرض نفسها حدثا رئيسيا في معظم الصحف العربية التي رأت في اللقاء الرباعي أساسا ناجحا لمصالحة عربية ـ عربية ينبغي تكريس ثوابتها السياسية بشكل عملي.
واعتبرت الصحف ان القمة دشنت مرحلة جديدة في العلاقات تسعى فيها الدول الأربع لخدمة القضايا العربية بالتعاون فيما بينها والاتفاق على منهج موحد للسياسات العربية في مواجهة القضايا الأساسية التي تواجه الأمة وفي مقدمتها القضية الفلسطينية.
وأشارت الصحف الى ان مجرد انعقاد هذه القمة قد مثل في حد ذاته انتصارا للإرادة العربية الى جانب كونه مؤشرا لديبلوماسية عربية وقائية وحكيمة تهدف الى رأب الصدع الذي تفاقمت خطورته بشكل خاص منذ اندلاع حرب لبنان صيف 2006.
واشارت الصحف ـ في افتتاحياتها امس ـ الى ان رباعية الرياض قد تزامنت ايضا مع الجهود التي تبذلها مصر لتحقيق المصالحة بين الفصائل الفلسطينية بهدف التوصل الى تشكيل حكومة توافق وطني قبل عقد قمة الدوحة.
وأكدت ان جهوداً عربية سواء كانت فردية او ثنائية او جماعية تجاه تحقيق المصالحة وحل الخلافات بين الدول العربية تعد خطوة ايجابية يجب الإشادة بها والعمل على تطويرها من اجل تحقيق الهدف المنشود.
التوافق العربي
فمن جانبها اشارت صحيفة «المدينة» السعودية إلى أن قمة الرياض استهدفت تهيئة الوضع العربي العام قبل القمة العربية الشاملة في الدوحة أواخر مارس الجاري.
وشددت «المدينة» على أن توافق عواصم القرار العربي شرط أساسي وضروري لا غنى عنه لتحقيق وحدة الموقف العربي التي تخدم المصلحة العربية في المحصلة إلى جانب كونها ضرورة استراتيجية للأمن القومي العربي لمواجهة قضايا عربية دخلت في الآونة الأخيرة مرحلة خطيرة إلى جانب القضية الفلسطينية خاصة السودان وقرار المحكمة الجنائية ضد الرئيس عمر البشير وغير ذلك من القضايا التي لا يمكن مواجهتها إلا من خلال موقف عربي جماعي وقرار عربي موحد.
ونبهت «المدينة» الى ضرورة الوقوف على حقيقة أن التوافق العربي الذي تحقق في قمة الرياض المصغرة الأربعاء يشكل دفعة جديدة لتحقيق المصالحة والتوافق الفلسطيني.
وأكدت أن التحدي الأكبر أمام قمة الدوحة الموسعة سيتركز حول كيفية التعاطي العربي والفلسطيني مع أخطار تحدق بالأمة من بينها صعود اليمين المتطرف في اسرائيل الى الحكم والتحديات التي يواجهها النظام الاقليمي العربي جراء استباحة بعض القوى الاقليمية لحرماته، وأطماعها التي لم تعد خافية على أحد في ثرواته ومقدراته.
واعتبرت «المدينة» أن رباعية الرياض رد مبدئي ومهم على التحديات وتجاوب رفيع المستوى مع دعوة خادم الحرمين الشريفين أمام قمة الكويت الى طي صفحة الماضي والاستعداد لمواجهة استحقاقات المستقبل.
مواجهة الأزمات
من جانبها اعتبرت صحيفة «اليوم» السعودية أن اتفاق الرياض يعتبر مرحلة جديدة في مسيرة العمل العربي المشترك، مشيرة إلى أن ما تم الإعلان عنه في البيان الختامي للقمة حول الاتفاق على منهج موحد للسياسات العربية في مواجهة القضايا الاساسية التي تواجه الأمة العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية يؤكد حكمة القادة في التعاطي مع القضايا عبر صف موحد ورؤى واحدة بعيدا عن الخلافات والاختلافات واجواء الفرقة والنزاع.
واشارت «اليوم» إلى أن الامر يتطلب تفهم جميع الدول العربية ضرورة توحيد الصف العربي لما فيه خير الأمتين العربية والاسلامية ببذل مزيد من الجهود للتقارب والتفاهم والقفز على خلافات الماضي نحو موقف عربي اقوى في مواجهة الأزمات والقضايا الاساسية.
رأب الصدع
وتحت عنوان «عودة الى السكة السوية» أكدت صحيفة «البيان» الاماراتية ان العلاقات العربية التي خرجت عن مسارها الطبيعي أكثر من المقبول سجلت انعطافة جديدة باتجاه العودة إلى غمدها.. فالقمة الرباعية الأخيرة في الرياض أعطت شحنة واعدة من الزخم لعملية رأب الصدع التي كان قد انطلقت في قمة الكويت وهي نقلة أخرى نحو ترميم وتصحيح ما لا يصلح لمواجهة استحقاقات زاحفة على المنطقة.
ونقلت وكالة الأنباء الاماراتية «وام» عن الصحيفة قولها ان القمة لم تزعم إنجاز وتفكيك الخلافات التي تركت انعكاساتها السلبية على أكثر من ملف ساخن في المنطقة بل تم وضعها في نصابها كبداية أرست الأسس السليمة للتعامل مع القضايا المطروحة.
ورأت الصحيفة في ذلك ما يوحي بأن تنقية الأجواء هذه المرة تشق طريقها بصورة مختلفة عن المصالحات المألوفة التي ما صمدت مرة أمام أول اختبار ويزيد من أهميتها أنها تأتي مع اقتراب قمة الدوحة المطالبة بقرارات تحتاج إلى تضامن عربي وازن في أقله إلى الحد الأدنى من التفاهم وغياب أجواء التوتر والاستقطاب.
وأضافت الصحيفة أن التحديات التي تواجهها المنطقة صعبة وخطيرة أكثر من أي وقت مضى فلم يسبق أن تراكمت وازدحمت كما هي عليه الآن والشر الإسرائيلي هاجم بأشرس مما اعتاد أن يكون وإدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما لم تظهر شيئا حتى الساعة من زخم الرغبة التي أبدتها في التحرك وتركت إسرائيل تضعها مبكرا في الدفاع وفي نفس اللحظة الوفاق الفلسطيني طبخته على النار لكن الحوار لايزال تحت الامتحان والوضع العراقي هو الآخر يجتاز ممرا صخريا ضيقا والهم السوداني أضيف إلى اللائحة في أعقاب مذكرة المحكمة الجنائية الدولية ناهيك عن الوضع اللبناني المتحرك على تخوم التأزم السياسي والأمني فيما هو يقترب من الاستحقاق الانتخابي الشديد الحساسية.
واختتمت الصحيفة مقالها بالقول ان الفارق كبير بين قمة عربية تواجه كل هذه المشكلات الحرجة مع ملفات إقليمية أخرى وهي مسربلة بالخلافات المعروفة وقمة تواجهها وهي متخففة من مثل هذا القيد.
القضايا المصيرية
وتحت عنوان «خطوة في طريق المصالحة العربية» قالت صحيفة «الراية» القطرية في افتتاحيتها انه من المهم ان يدرك العرب أن الوقت قد حان لوضع الخلافات جانبا والعمل معا من أجل مواجهة استحقاقات المرحلة الراهنة وهي دقيقة وحرجة وتتطلب قبل كل شيء إجماعا عربيا وموقفا موحدا.. موضحة أن ذلك لن يتحقق إلا بتجاوز الخلافات العربية.
ونقلت وكالة الأنباء القطرية (قنا) عن الصحيفة مطالبتها باستمرار الجهود العربية وتطوير قمة الرياض إلى موقف عربي جماعي يضمن تنقية الأجواء الخلافية بحيث يدخل العرب قمة الدوحة المقبلة بقلب رجل واحد حتى تكون هذه القمة قمة قرارات مواقف عربية مبنية على أسس واضحة تعالج كل القضايا بموقف عربي موحد ينبع عن إرادة موحدة تكون انعكاسا لنبض الشارع العربي الذي ظل ينشد تنقية الأجواء العربية وعودة الروح لجسد الأمة العربية.
وأوضحت الصحيفة أن قمة الدوحة ما كان لها أن تُعقد لولا الجهود الايجابية والبناءة التي قام بها خادم الحرمين الشريفين من خلال حرصه الأكيد على المصالحة العربية وتجاوز خلافات الماضي، مشيرة إلى أن جهوده لها أهمية خاصة لأنها جاءت قبيل انعقاد قمة الدوحة المرتقبة التي تعلق عليها الشعوب العربية الكثير من الآمال والتطلعات من أجل مواجهة القضايا المصيرية للعرب وفي مقدمتها القضية الفلسطينية وتعزيز مسيرة العمل العربي المشترك.
وخلصت «الراية» إلى أن دولة قطر التي أكملت استعدادها لاستضافة قمة الدوحة المقبلة قد أكدت في أكثر من مناسبة حرصها على تنقية الأجواء العربية وتحقيق المصالحة العربية التي لن تكتمل إلا بإجماع عربي بأن تكون القمة المرتقبة قمة التحدي والقرارات المصيرية.
لم الشمل
وأكدت صحيفة «الوطن» القطرية في افتتاحيتها أن ترحيب دولة قطر بالجهد السعودي المقدر من أجل تنقية الأجواء العربية يعكس حرص الدوحة المستمر على تحقيق التضامن العربي باعتباره المدخل الطبيعي الذي يتيح تقوية الموقف العربي في مواجهة التحديات الكبيرة المطروحة في الساحة العربية اليوم.
وقالت الصحيفة ان الترقب لأنشطة القمة العربية التي تستضيفها قطر في نهاية شهر مارس الجاري تتزايد وذلك بالنظر إلى أهمية الملفات التي سيبحثها القادة والزعماء العرب في هذه القمة.
وأضافت أنه ومن هذا المنطلق تأتي قراءة ترحيب دولة قطر بعقد القمة العربية المصغرة في الرياض حيث أكد مصدر مسؤول بوزارة الخارجية ترحيب قطر بقمة الرياض المصغرة والهادفة إلى تنقية الأجواء وتحقيق المصالحة العربية وأشاد المصدر بجهود خادم الحرمين الشريفين ودوره في تجاوز الخلافات وتحقيق المصالحة ولم الشمل لما فيه خير ومصلحة الأمة العربية، إضافة إلى تأكيد المصدر بوزارة الخارجية دعم دولة قطر ومباركتها لتلك الجهود.
رؤية مشتركة
أما جريدة «الأهرام» فرأت انه مازال الحديث مبكرا عن مصالحة عربية بالمعنى الدقيق، وإنما نستطيع ان نطلق على ما حدث في قمة الرياض بحضور الرئيس حسني مبارك وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشار الأسد وصاحب السمو الأمير الشيخ صباح الاحمد انه بداية تقدم واختبار جاد لنيات المصالحة واتجاهاتها عبر الجهود الكبيرة المبذولة على مستوى العلاقات العربية من ناحية، والحوار الوطني الفلسطيني من ناحية اخرى، في الفترة من قمة الكويت الاقتصادية الى الرباعية في الرياض، فالأجواء الغالبة الآن على المستوى العربي والأوساط الفلسطينية تختلف عما كانت عليه من قبل.
فالرئيس مبارك يواصل مبادراته الخلاقة لتجميع الموقف العربي كله لحماية المصالح العربية وعلى الصعيد الفلسطيني لتوحيده الفصائل وانهاء الانفصال بين غزة والضفة الغربية بعد حرب غزة، حتى تستطيع ان تكون قادرة على مواجهة التحديات المقبلة امام اسرائيل والعالم وصولا الى الاستقلال وقيام الدولة الفلسطينية المستقلة، وتشير المعلومات الأولية الى ان الحوار الفلسطيني ـ الفلسطيني يتقدم الى الأمام، وسنستطيع من خلاله القيام بالتحديد الدقيق لسلبيات التدخلات الخارجية في الشأن الفلسطيني.
فالخلافات التي ظهرت في الفترة الماضية ليست شخصية كما انها ليست مجرد محاولة من بعض الأطراف الإقليمية بمشاركة اطراف عربية لإضعاف دور مصر، فهذه المحاولة المحكوم عليها بالفشل قامت على استغلال خلافات عربية بشأن كيفية مواجهة التهديدات التي يتعرض لها العالم العربي وحل القضايا والأزمات، وفي مقدمتها الأزمة اللبنانية والقضية الفلسطينية، فالمصالحة العربية لن تكتمل دون توافق يجري على اسس معالجة هذه الأزمات والقضايا ومواجهة التهديدات ومحاولات التغلغل في العالم العربي.