محمد الحسيني
«الاطخم» رواية او «مشروع رواية» كما يقدمها لنا مؤلفها المدون «فهد العسكر»، ابصرت النور على الانترنت وشجع نجاحها الكبير وذيوع صيتها المؤلف على نقلها الى العالم الورقي في خطوة جريئة، كنا نترقب معها ان نطلع على الاسم الحقيقي للمدون، لكنه آثر الاستمرار في حمل اسمه «الافتراضي».
العمل عبارة عن تجربة شاب اميركي يزور الكويت لأيام قليلة، يروي المؤلف تفاصيلها بواقعية «عارية» وبلغة بسيطة تطغى عليها المفردات والجمل العامية التي تفعم العمل بالتشويق والسلاسة.
التجربة تَرِدنا تارة كما سجلتها عيون العسكر ونعيشها تارة اخرى بعيون «الاطخم»، لكن الجزء الاكبر هو محصول مخيلة المؤلف خلال تصويره لمواقف بعض الشخصيات المكملة للمشهد العام في الرواية.
تبدأ الاحداث باستعداد العسكر لاستقبال صديقه جون الاميركي «الاطخم»، وهو مصطلح يوضح لنا المؤلف، بحسب شرح للمرحوم حمد السعيدان، انه مشتق من «الطخمة»، وتعني جمال تقاطيع الوجه وخاصة الانف والفم.
يتوجه العسكر الى المطار للترحيب بصديقه القادم من دبي والذي يضطر منذ وصوله للتأقلم مع بعض الظواهر الدورية الحدوث في الكويت ومنها تعطل الاجهزة في المطار والاستعاضة عنها، ويسلط المؤلف الضوء على الحوارات المعتادة بين موظفي هذا المرفق الذي يشكل بوابة الكويت امام الاجانب، والمكان الذي يشكلون فيه انطباعهم الاول عن البلاد.
منذ الفصل الاول في الرواية لا يتردد العسكر في انتقاد نفسه وانجليزيته الركيكة التي لا يجملها ليعكس مشكلة اللغة الأجنبية لدى موظفي المطار وغالبية المواطنين رغم الاهمية الحيوية لتعزيز انتشار هذه اللغة بالنسبة لمشروع الكويت بالتحول الى مركز مالي وتجاري.
وفي موقف ساخر يبين لنا ان جون الاطخم وصل الكويت وفي ذهنه صورة مكتملة عنها، فهو مع اطلاعه على عناصر نجاح معادلة المال والسلطة والسياسة في الكويت معجب بظاهرة «القز» ولا يتردد في البداية ان يطلب التوجه الى «المارينا» والاقامة هناك ليعيش اجواء يعرفها عن ظهر قلب، وهنا تبدأ سلسلة المشاهد المتلاحقة التي يرصدها المؤلف ونلخصها فيما يلي:
ـ اعجاب الفتيات الكويتيات بالشباب الاجانب الى حد التملق، وازدراؤهن لمواطنيهن، وهنا نلاحظ التناقض بين ملاطفتهن للاطخم وتقريعهن للعسكر مع انه صديقه ومضيفه ومرافقه!
ـ نظرة الاجانب للطقس الشديد الحرارة في الكويت، كعامل تشتهر به البلاد ويكون جزءا من هويتها.
ـ الاشارة الى الفن الكويتي اليوم مجسدا بأغنية «خله يروح الله لا يرده»!
ـ مبالغة الفتيات في اللبس والتزين واختيارات الاكسسوارات والماركات وخاصة المقلدة منها دون تنسيق.
ـ حركة العمران غير المتناسقة في العاصمة رغم كثرة المشاريع هناك.
ـ الحوار بين «العوبة» وصديقتها حول سبل التقرب من «الأطخم» ونموذج الصداقة والحوارات بين الفتيات فيما يخص اسرارهن، وعلاقاتهن الغرامية.
ـ غيرة الشاب الكويتي واحساسه بالنقص امام الأميركي والغربي عموما! وهو ما تدلنا عليه شخصية «الحمن» الذي يعاني من رؤية محبوبته تغيظه في لهاثها وراء «الأطخم».
ـ التركيبة الاقتصادية والطائفية في البلاد.
ـ دعوة الأطخم إلى «سهرة» شبابية خاصة على شرفه بما تحفل به من اجواء وتعليقات.
ـ ظاهرة التاكسي الجوال ومشاكلها.
ـ مشكلة الكويتي الراغب في العيش الرغيد بمواجهة محدودية راتبه، والضياع الذي يصل الى حد انفصام الشخصية للتعامل مع هذا الواقع!
ـ طموح الشاب الكويتي العادي للتحول إلى مستثمر على مستوى عالمي والاقتران بسيدة أعمال بمواصفات خاصة.. اقرب الى الخيال!
ـ الحياة في الأسواق الشعبية واعجاب الأجانب بالتراث الكويتي.
ـ دور النفط في حياة البلاد.
ـ لعبة الكوت الشعبية ومنافساتها الحامية التي تتطور الى عصبية ومشاكل ودورها في أمسيات الكويتيين واسلوب «الضغاط» المعروف.
ـ الغناء الشعبي والتراثي.
ـ المندي والموائد العامرة.
ـ دار الغواية!
ـ رغبة الزائر في العودة لأن ما في الكويت مختلف عن كل ما في غيرها.
قيمة «الاطخم» الأساسية في فكرتها الجميلة وحس الطرافة الذي تنضح به وعفويتها وواقعيتها، فكلما خضنا في فصل من فصولها فلابد ان يذكرنا بموقف عايشناه في الكويت، في دليل قاطع على مصداقية النص.
ولكن الملاحظة الأساسية على الرواية تكمن بالتفاوت في مستوى ودقة التصوير والوصف بين فصل وآخر، وتراوحه بين «ممتاز وجيد ووسط».
ويلاحظ القارئ ان فصول البداية أكثر امتاعا ودقة من تلك الواردة في النهاية العادية وتحديدا فيما اسماه المؤلف «دار الغواية».. قد يكون تغليب الاهتــمام بالمضمون والافكار على الأسلوب والصياغة عائدا الى ان الرواية اعدت للنشر على الانترنت الذي يختلف عــن عالم الرواية الكلاسيكي بما يحفل به من ضوابط ومعــايـير، لكن يبقى «الاطخم» عملا ممـــتعا وجذابا يستحق القراءة ويمهد لجيل جديد مختلف من الرواية الحرة، ولمن يرغب في الاطــــلاع على الرواية فهـي تباع على موقع «الكويــــت مول» www.kuwait mall.com