بيان عاكوم
في ظل الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، يأتي الحديث عن الوحدة الوطنية وتعزيزها في قمة الاولويات، لهذا ارتأى التجمع الوطني للنهوض بأدوار المجتمع المدني (تنامي) التعاون مع قوى المجتمع المدني الاخرى من تنظيم مؤتمر التآزر الوطني الذي ربما يشكل متنفسا يسد الفجوة المطلوبة ما بين السلطتين التشريعية والتنفيذية للوصول الى واقع سياسي اكثر توافقا وتفاهما.
حضر الجلسة الافتتاحية للمؤتمر رئيس مجلس الامة السابق جاسم الخرافي وعدد من النواب السابقين الى جانب السفيرة الاميركية ديبورا جونز وعدد من الفعاليات النسائية.
وكان لرئيس مجلس الامة السابق جاسم الخرافي كلمة اعتبر فيها المؤتمر احدى الفرص الملائمة للحوار الوطني، معتبرا ان تساؤلات المواطن عن اصل المشكلة وعما إذا كان يتمثل في الحكومة أو المجلس هي تساؤلات مشروعة، وبالتالي لابد من التفكير في التحاور للوصول الى اسباب الداء والعمل بروح من الوحدة الوطنية والحرص على مصلحة الكويت.
وقال الخرافي في كلمته: يبحث هذا المؤتمر المهم في قضايا نحن احوج ما نكون اليوم لبحثها، بحوار موضوعي هادئ، وبحرص شديد على مصلحة الكويت، وأغتنم هذه الفرصة لأتقدم لمجلس ادارة جمعية المهندسين الكويتية بالتهنئة على الثقة التي حصلوا عليها في الانتخابات الاخيرة.
تطورات أخيرة
واضاف: لقد عشنا جميعا التطورات الاخيرة التي شهدتها مسيرتنا الديموقراطية، وربما تتساءلون ويتساءل كل مواطن عن الاسباب التي ادت بنا الى هذه الحالة، ولماذا كلما حاولنا التقدم خطوة للامام نجد انفسنا قد عدنا خطوتين الى الوراء؟ واين تكمن المشكلة؟ في مجلس الامة ام في الحكومة ام في الاثنين معا؟ وهي من دون شك تساؤلات مشروعة، ولا يكفي هذه العجالة لاجابة وافية عليها، لكن علينا جميعا ان نفكر ونتحاور للوصول الى اسباب الداء ونعمل جميعا بروح من الوحدة الوطنية وبحرص على مصلحة الكويت، على معالجتها، فالكويت اليوم بأشد الحاجة لنا جميعا متماسكين متلاحمين، وهذا المؤتمر هو احدى الفرص الملائمة لمثل هذا الحوار.
وزاد: وكما رأينا جميعا، فقد تم حل مجلس الامة في فصل تشريعي هو الاقصر في حياتنا النيابية، وسبقه خلال الاعوام القليلة الماضية سلسلة من التغييرات في الحكومة، وعدد من الفصول التشريعية لم يكتمل معظمها، وهو دون شك امر يثير القلق، وكان له ثمن على الاستقرار والتنمية، وعلى فاعلية اداء نظامنا الدستوري وقدرته على تحقيق اهدافه، وانا هنا لست بمعرض تحميل المسؤولية على طرف دون آخر، فالمسؤولية يتحملها الطرفان الشريكان في النجاح والفشل، الحكومة ومجلس الامة، فقد غابت الرؤية وانحسر التعاون وكان الاداء دون المستوى، ودخلت العلاقة بين السلطتين في منزلق المماحكات وتسوية الحسابات، وكان الوطن والمواطن هما الخاسر الاكبر.
مرحلة جديدة
وتابع: اننا اليوم على مشارف مرحلة اخرى تتمثل في الانتخابات البرلمانية المقبلة والحكومة المرتقبة، ونتطلع برغبة عارمة الى ان تكون هذه المرحلة صفحة جديدة في مسيرتنا الديموقراطية، عنوانها الثقة المتبادلة بين السلطتين، والتعاون المثمر بينهما، والالتزام بالدستور، والارتقاء بأسلوب الحوار، والابتعاد عن الفتنة والحسد، وان يكون ذلك كله على قاعدة من الالتزام بحسن الاداء، والاسراع في الانجاز، وتغليب المصلحة الوطنية، والخروج من حلقة الازمات المتكررة، ولاشك ان مسؤولية الخروج من هذه الحلقة، هي مسؤوليتنا جميعا، مواطنين وقوى سياسية ومجتمع مدني، وعلينا جميعا ان نحسن استخدام وسائلنا وادواتنا ونرتقي بخطابنا، ونجعل من الانتخابات النيابية المقبلة الفرصة المناسبة لحوار وطني بناء، وتكوين رؤية وطنية للارتقاء بأداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، والتأكيد على ضرورة التعاون بينهما في اطار الدستور وبما يحقق المصلحة الوطنية.
مسؤولية كبيرة
واستطرد الخرافي بسؤاله: اننا نتطلع الى مجلس الأمة المقبل بكل امل لأن يكون على قدر المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقه في هذه المرحلة المهمة من تاريخنا، والعمل من اجل تحديد اولويات المواطنين واحتياجاتهم، بما يكفل تحقيق الرخاء والازدهار والتقدم لنا جميعا، وفي الوقت نفسه فإننا نتطلع الى حكومة رشيدة تعمل وفق برنامج متكامل وخطط علمية مدروسة تراعي متطلبات الحاضر والمستقبل.
لقد بلغ الضعف والوهن في اجهزة الدولة حدا لا يمكن السكوت عليه، كما وصلت الخدمات العامة الى مرحلة بالغة التردي، وازاء هذه الاوضاع فإن السلطتين التشريعية والتنفيذية عليهما العمل على معالجة هذه السلبيات قبل ان تتفاقم الامور وتستعصي على الحل او المعالجة.
وزاد الخرافي: وفي هذا الاطار، فإنني أعبر عن فائق التقدير وعظيم الاعتزاز بدعم صاحب السمو الامير لمسيرتنا الديموقراطية وتمسكه بالدستور، وحرصه الشديد على نظامنا الديموقراطي الذي كان ومازال وسيظل بإذن الله تعالى الحصن المنيع لنا من اي هزات، لقد كانت توجيهات سموه دائما تهدف الى الحرص على الممارسة الديموقراطية السليمة والتعاون والتكاتف بين السلطتين التشريعية والتنفيذية لما فيه مصلحة الوطن والمواطنين، والاحترام المتبادل بينهما، والتزام كل سلطة بصلاحياتها واختصاصاتها التي حددها الدستور دون تجاوز لأي منها، ولنتمعن جميعا في خطاب سموه الأخير، ولنقرأ جيدا ما بين السطور.
وقال الخرافي: لقد وهبنا الله من نعمه وخيراته الكثير التي تستوجب الحمد والشكر له، وعلينا ان نعمل جميعا من اجل المحافظة عليها، فلا يقتصر العمل على فئة دون اخرى، فكل له دور وكل عليه واجبات، فالإنسان هو ثروتنا الحقيقية الذي به نستطيع حماية مكتسباتنا وإنجازاتنا وتحقيق طموحاتنا وآمالنا، وإنني إذ أبارك هذا التجمع، فإنني أتطلع لزيادة دوره في رفع الوعي العام وروح المسؤولية الوطنية، كما أدعو مؤسسات ومنظمات المجتمع المدني الى ان يكون لها صوت قوي ودور اكثر فاعلية خلال المرحلة المقبلة، وتقوم بواجبها المأمول، ولها من المقومات ولديها من الامكانات ما يؤهلها لذلك، وعليها قبل هذا وذاك الابتعاد عن التناحر في هذا المجتمع الصغير، كما ان المرأة الكويتية التي عملت في كل المواقع وتبوأت أرفع المناصب، عليها ان تواصل عطاءها من اجل وطنها، وتكون مشاركا فاعلا وأصيلا في مختلف مجالات التنمية.
وأكد الخرافي ان المسؤولية لا تتجزأ وقدرنا جميعا ان نتحمل مسؤولياتنا في هذه المرحلة التي نمر بها، وعلينا ان نطرح البدائل والحلول بدلا من النقد والتشكيك، ونمتنع عن جلد الذات، ونترفع عن صغائر الامور حتى نرتقي بأنفسنا واعمالنا، ونسمو بحوارنا ولغتنا، ونكون اكثر تفاؤلا في المستقبل، وبدل ان نلعن الظلام علينا ان نشعل شمعة لتنير طريقنا وتهدينا الى السبيل المستقيم، وفي كل الاحوال، يجب ان نعالج مشاكلنا مهما كبرت او صغرت بالحكمة والحنكة، فالكويت لا تتحمل اكثر مما تحملت، ولا بديل امامنا عن التماسك الاجتماعي والمحافظة على وحدتنا الوطنية التي هي سورنا وهدفنا وغايتنا.
عالم الدستور واللادستور
ومن جهتها قالت رئيسة المؤتمر نورية السداني ان التحرك بدأ عام 2008 مع بداية المشهد الحزبي للكويت حيث اتجهنا لأبناء الوطن ممن يشكلون القوى السياسية ووجدنا منهم كل عون وتفهم لرسالتنا.
واضافت لم يغب عنا السيناريو ولا المشاهد اللاحقة التي غطت سماء الكويت خلال ازمة مارس 2009 ولكننا لم نحسب حسابا للغيمة السوداء التي كادت تغطي ضوء الشمس في وطننا كعاصفة لا نعرف كيف نتدارك عواقبها، مشيرة الى ان الجميع كان بين عالمين عالم الدستور حيث حرية الانسان وسيادة دولة المؤسسات وعالم اللادستور، مؤكدة على ان قرار صاحب السمو الأمير بحل المجلس ارضى الجميع وعزز مكانة الوطن.
وتوجهت السداني بكلمتها الى رئيس مجلس الأمة جاسم الخرافي معتبرة انه كفى ووفى واستطاع تجاوز كل العواصف التي مرت ووصفته بحمامة السلام بين كل الاطراف.
وقالت لقد اجمعت القوى السياسية على التآزر الوطني واكدت على اهميته من اجل لحمة ابناء الوطن.
واضافت وان كانت الديموقراطية والمشورة هي قدر الكويتيين منذ ان انتخبوا صباح الأول حاكما لهم حتى توافقوا على دستور للبلاد عام 1962 فصناديق الانتخابات المقبلة ستكون هي الفرز الحقيقي لانتهاء الأزمات.
مناشدة للمرأة الكويتية
وناشدت السداني المرأة الكويتية حسن الاختيار وعدم الخضوع لأي تأثيرات وتحكيم الضمير الوطني في اختيار المرشح المناسب.
واضافت نحن على ثقة في الشعب الذي كانت اجياله منارة للتطور ان يشكل مجلس وزراء من رجال ونساء متفق عليهم من الجميع ولديهم القدرة على انجاز التنمية.
النظام السياسي والدستوري
ومن ثم بدأت الجلسة الأولى للمؤتمر والتي كان يديرها د.علي الطراح وتحدث فيها الخبير الدستوري د.محمد الفيلي الذي تطرق في كلمته الى النظام السياسي والدستوري بعد تجربة اكثر من 45 سنة وقال ان رصد تصور دستور عام 1962 للنظام السياسي يقود لأسلوب تنظيم السلطات العامة وآليات التوازن بين هذه السلطات لافتا الى ان هذا الأمر يقود الى الواقع القائم.
وعن أسباب ابتعاد المؤسسات السياسية عن الدور المرسوم لها وفق دستور 1962، قال: في هذا الاطار يجب فحص عدد من الفرضيات كعدم الايمان بدستور 1962، قصور النظام الدستوري، الصراع داخل الاسرة، وعدم اتقان استخدام آليات النظام البرلماني.
ومن ثم تحدث المحامي والمرشح السابق لانتخابات مجلس الامة محمد عبدالقادر الجاسم، حيث قدم ورقة تحت عنوان متطلبات تطوير واصلاح النظام السياسي والدستوري.
وقال: ان التنظيم الدستوري للنظام السياسي الكويتي تنظيم متوازن اقيم على المبادئ التي كانت سائدة في المجتمع القديم التي «تفرض مشاركة الشعب في اختيار الحاكم وترفض الاستبداد، كما تفرض على الحاكم مشاورة الشعب وترفض القمع والتسلط، بل تأبى ما هو اقل من ذلك كالانفراد في القرار حتى ان لم يكن مقترنا بالقمع.
أما عن حكم أسرة الصباح فهو جزء لا يتجزأ من روح المجتمع وهويته السياسية، كما تفرض هذه الروح اقتراب الحاكم من الشعب واستماعهم اليه وخضوعهم لمحاسبته ومراقبته».
واضاف: وقد نجح الدستور الكويتي في اقامة نظام سياسي فريد يحافظ على جوهر العلاقة بين الاسرة الحاكمة والشعب، وأقام مؤسسات دستورية تتولى شؤون الحكم وفق منظومة من النصوص الدستورية التي تكفل للشعب حقه في ممارسة التشريع والرقابة على أداء الحكومة.
وزاد بالقول: واذ تشوب العلاقة بين مجلس الامة والحكومة بعض الشوائب التي تعوق تعاونهما، فإن محاولة اختزال الامر في الادعاء بوجود حاجة ملحة لإعادة النظر في التنظيم الدستوري للنظام السياسي، هي محاولة تتداخل معها بعض الدعوات المغرضة التي يسعى اصحابها الى تقليص دور مجلس الامة مقابل تكريس هيمنة الحكومة على العمل السياسي.
ونحن وان كنا نقر بوجود سلبيات كثيرة في الممارسة، الا اننا من انصار القول بأن تلك السلبيات تتصل بمجمل الاداء السياسي في البلاد، اي من طرف الحكومة ومن طرف مجلس الامة، وهي سلبيات جاءت من اخطاء في التطبيق لا من اخطاء في التنظيم.
ومن هنا فإننا من انصار الدعوة الى تصحيح مسار العمل السياسي برمته من دون المساس بالنصوص الدستورية، فالممارسة السياسية الحالية غير راشدة في مجملها، بل هي لم تصل بعد الى مستوى غايات واهداف الدستور، كما يشوبها بين الحين والآخر الكثير من المخالفات الدستورية.
وحدة الوطن واستقرار الحكم
اما الورقة الأخيرة وطرحها سالم الناشي تحت عنوان «ملامح تعزيز الوحدة الوطنية ومستلزماته» واكد فيها على اهمية الحرص على وحدة الوطن واستقرار الحكم ورأى ان من يسعى الى نقض الدستور او العمل ببعض بنوده دون الأخرى او تعطيله يسعون الى المساس بوحدة الوطن واستقرار الحكم.
ورأى ايضا ان من يسعى الى التبعية المناقضة لمبادئ الدستور يساهم في خلخلة الوحدة الوطنية، مؤكدا على ضرورة ان تعمل الدولة على حماية مواطنيها من جميع انواع التبعية الفكرية المناقضة لمبادئ الدستور وتوفير البدائل اللازمة لحمايتهم من التأثير السلبي الذي ينال من انتمائهم لبلدهم.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )