ذعار الرشيدي
قام احد المرشحين في العام 1996 بتوقيع اكثر من 600 معاملة في احدى الوزارات، وكان قد وقعها بعبارة «لا مانع» من الوزير شخصيا، وعندما اصبح نائبا في مجلس الأمة وجد اكثر من 600 مواطن صوتوا لهذا المرشح مقابل الكلمة السحرية «لا مانع» حيث انه وعندما وصل مرشحهم الى سدة البرلمان اكتشف المواطنون ان معاملاتهم كانت بلا قيمة فعلية، ليكتشف ايضا هؤلاء المواطنون انهم كانوا ضحية خدعة كبرى، نسج خيوطها كل من المرشح والوزير وعدد من اطراف الوزارة التي منحتهم 600 ورقة لا تساوي فعليا اكثر من 10 فلوس.
وتكررت هذه الحادثة ايضا في انتخابات 1999 مع اكثر من شخص، واصبح البعض يطلق على هذه المعاملات: «معاملات اللحظات الأخيرة»، وهي تشابه في عجالتها وسرعتها وربكتها التسوق في الساعات الأخيرة ليلة العيد.
وفي العام 2003 تكررت الحكاية ذاتها، وعادت في 2006 و2007 و2008 وها هي اليوم تطل برأسها من جديد في انتخابات 2009 وحتى قبل فتح باب الترشيح وكنا قد تناولناها في «الأنباء» وحذرنا منها في العام 2003 ابان الانتخابات ولو عملنا احصائية بسيطة وفقا لنائب 1996 الذي وقع 600 معاملة فإن متوسط ما ينجزه 300 مرشح تقريبا سيتجاوز 18 ألف معاملة بين لا مانع «ماشية» ولا مانع «اميركاني» وتعني أميركاني انها مجرد ديكور لا تساوي الـ 10 فلوس ثمن الورقة كما قلنا.
ولنا ان نسأل حقيقة هل هناك 18 الف مواطن بحاجة الى واسطة مرشحين لوزارات الدولة بما معدله 1000 معاملة لكل وزارة وهيئة.
وتعتبر الساعات الأخيرة قبل الانتخابات هي بمنزلة الفصل في كثير من الأمور، خصوصا لمرشحي الخدمات او ما يعرف بنواب الخدمات.
ومنذ حل المجلس بل وحتى قبل حله بقليل انطلق المرشحون بحثا عن اصطياد اصحاب المعاملات ذات الوزن الثقيل، والمعاملات لا تتوقف عند حد النقل والندب والعلاوة والترقية بل تصل الى امور اخرى كالتعيين في جمعية تعاونية او هيئة او بشركة لا تخضع لديوان الخدمة المدنية او الحصول على مناقصة او تمرير قرض.
وتبقى فترة الشهرين المقبلين وهي الفترة الزمنية التي يعتبرها كثير من المرشحين اللحظات الاصعب طوال اعلانهم لترشيح انفسهم، وبما ان اكثرهم قد قرر ترشيح نفسه، فان هذين الشهرين يساويان بالنسبة لهم خطورة السنوات الاربع كاملة، اذ ان بعض المواطنين والذين يحملون المعاملات ذات «النوع الثقيل» ينتظرون الساعات واللحظات والأيام الاخيرة لتقديم معاملاتهم، خصوصا اولئك الذين يقف خلفهم 10 اصوات فما فوق، وعادة ما تكون معاملاتهم من نوع الترقية الوظيفية الثقيلة، وامثلتها كثيرة كأن يبحث الناخب الثقيل عن منصب من نوع ثقيل كمدير او مسؤول مهم في احدى وزارات الدولة، ولا يغامر اي مرشح بفقدان هذه الاصوات العشرة، ولكن كثيرا من المرشحين، وكما علمت «الأنباء» قد اتفقوا مع بعض الوزراء والمسؤولين في الدولة على تطبيق خدعة «لا مانع» الشهيرة والتي كانت قد انطلقت بشكل كبير في العام 1996، ويخبر احد سكرتارية كبار المسؤولين في احدى الوزارات الخدماتية انهم الآن بدأوا فعليا بتطبيق هذه الخدعة لبعض المرشحين، حيث ان «لا مانع» قد تتحول الى «لا مانع وينقل الموظف المذكور» او «لا مانع ويعاد فورا الى الخدمة» او «لا مانع من ادراج اسمه على قائمة المبعوثين للدراسة في الخارج» او «لا مانع من انتداب المذكور»، وتأتي كلمة «لا مانع» متبوعة بحسب حاجة الموظف او الناخب الذي حمل معاملته المرشح الى الوزارة، ويذكر السكرتير ان هذه المعاملات فعليا هي ابرة تخدير اغلبها غير ساري المفعول حتى يوم الاقتراع المقبل، اي بعد التصويت، وبعضها قرر المرشح عدم تسلمها حتى الأيام الأخيرة، وان يكون وعد التنفيذ لوكلاء الوزارة والمسؤولين المتخصصين بعد هذا التاريخ، حيث يصبح المرشح المذكور قد ضمن على الأقل نسبة كبيرة من الأصوات، ويضيف السكرتير: «لقد عملت بهذه الطريقة منذ سنوات، وهي مطبقة حيث ان الوزير اتفق مع بعض المسؤولين في وزارته على المماطلة في التنفيذ للمواطن حتى يحفظ ماء وجه المرشح، وهناك اكثر من 6 مرشحين تم الاتفاق معهم رسميا بهذا الشأن».
كما يروي لـ «الأنباء» احد مسؤولي مكتب رؤساء مجلس ادارة احدى الشركات النفطية ذات القصة، قائلا: «اغلب المعاملات القادمة الينا بهذه الفترة تأتي عن طريق جميع المرشحين تقريبا، واصبح المكتب هنا اشبه بمكب للأوراق، معاملات تتنوع بين النقل وطلب الدرجات للموظفين وبعضها للدراسة وأخرى طلب اجازة وأخرى اعادة الى العمل وهناك اتفاق مبدئي بين رئيس مجلس الادارة وبعض المرشحين ذوي الوزن الثقيل لتمرير جميع المعاملات عبارة «لا مانع» كوننا لا نخضع لديوان الخدمة المدنية وقد اتصل رئيس مجلس الادارة بعدد من كبار مساعديه ليبلغهم بضرورة تضييق تمرير اقل من ربع هذه المعاملات خوفا من ان تتسبب هذه الجملة في ربكة وفوضى كبيرتين في العمل وفي هيكل الادارة بأكمله».
ويضيف مسؤول مكتب الرئيس ان 99% من هذه المعاملات اغلب الظن لن تمر، وسيتم تعطيلها لما بعد ظهور النتائج وذلك بعد ان يكون رئيس مجلس الادارة قد نفذ التزامه لمرشحي الوزن الثقيل وبعد ان يكون المرشح الثقيل قد التزم أمام ناخبيه الذين سيمنحونه اصواتهم في يوم الاقتراع، مضيفا: «أكثر من 90% من هذه المعاملات التي تحمل «لا مانع» لن تصبح ذات قيمة بعد يوم الانتخابات واعلان النتائج».
وكما يبدو من متابعة «الأنباء» ان هناك توجها كبيرا لبعض المرشحين وبعض الوزراء وكبار رؤساء مجلس الادارات والهيئات الحكومية لتنفيذ خطة «لا مانع».
ويكشف احد المندوبين العاملين لأحد المرشحين انه وعلى الرغم من القرار الواضح لديوان الخدمة المدنية وقرار مجلس الوزراء في وقف التعيينات والندب والدرجات وغيرها الا ان المرشح تجده يقول للناخب صاحب المعاملة: «ولا يهمك هذا القرار ما يمشي علي أنا عندي ضوء أخضر».
ويمضي المندوب قائلا اغلب هذه المعاملات «في الهواء الطلق»، موضحا ان اغلبها مجرد «تمشية حال» و«خدعة».