محمد ناصر
السؤال الذي يطرح نفسه في انتخابات 2009 هل يختفي نحو نصف نواب مجلس 2008 في انتخابات مايو المقبل بارادتهم؟ وهل يكون العزوف عن الترشح ظاهرة انتخابات المجلس المقبل؟ وهل يشمل العزوف ايضا عزوف الناخبين لتنال الانتخابات المقبلة اقل نسبة تصويت في تاريخ الانتخابات البرلمانية الكويتية؟
اسئلة عديدة ستظهر اجاباتها في الايام القليلة المقبلة ولكن الثابت الوحيد الى الآن هو حالة الملل والاحباط التي اصابت طرفي العلاقة البرلمانية اي الناخب والمرشح فكلاهما تمتلكه مشاعر الاحباط من الازمات المتلاحقة التي اعترت العلاقة بين السلطتين.
وتختلف اسباب عزوف المرشحين من مرشح لآخر ولا يعني العزوف في الترشح اعتزال الحياة البرلمانية، فقد يعتذر العضو السابق عن عدم الترشح لدورة واحدة فقط لاسباب مختلفة، ثم يعود في الدورات المقبلة متى توافرت الاجواء المناسبة له، في المقابل نجد اعضاء آخرين يعتزلون الحياة البرلمانية كليا، ونجد فريقا ثالثا يعتذر لضرورات صحية أو اجتماعية أو إلى ما هناك من اسباب.
وتجدر الاشارة الى اننا في هذا الوضع لم نعتبر النواب الذين اجروا انتخابات فرعية افضت الى خروجهم انهم كانوا ضمن عداد العازفين عن الترشح.
انتخابات 2009
رغم ان باب الترشيحات لم يفتح حتى الآن الا ان عددا كبيرا من الاسماء اعلنت بشكل رسمي او عبر أخبار صحافية نيتها عدم الترشح وبالتالي عدم خوض الانتخابات المقبلة ما يشكل صدمة كبيرة بين اوساط الناخبين المعنيين في كل دائرة من الدوائر الخمس، خاصة ان الاسماء التي قررت العزوف هي شخصيات بارزة لها ثقلها ووزنها في العمل البرلماني.
ومن ابرز الاسماء في امة 2009 حتى الآن محمد الصقر، عصام الدبوس، د.ناصر الصانع، رجا حجيلان المطيري، جابر المحيلبي، علي الهاجري، ناصر الدويلة ومن المحتمل ان ينضم الى هذه الاسماء النيابية اعضاء آخرون أو ان يعود بعض هذه الاسماء للترشح قبل اغلاق باب الترشيحات.
انتخابات 2008
اما ابرز النواب الذين عزفوا عن الترشح وخوض الانتخابات في امة 2008 فكانوا احمد باقر، فهد الخنة، مشاري العنجري، صالح الفضالة، د.يوسف الزلزلة، عبدالوهاب الهارون، باسل الراشد، احمد الشحومي، صلاح خورشيد، وليد العصيمي، طلال العيار.
واذا كان العزوف في الانتخابات الحالية مرده الاوضاع السياسية المتأزمة والضبابية التي تسود العلاقـــــة بين السلطتين الا ان اسباب عدم الترشح لأمة 2008 وان كان بعضــــها يعود لنفس الاسباب الا ان هناك عـــــوامل اخرى حدت ببعض الاسماء الى العزوف، منـــــها تجربة الدوائر الخمس وللمرة الأولى والتخلي عن نظام الـ 25 والتي كان النواب يخــــوضون منافساتهم على اساسها وبمعرفة كبيرة باسماء ناخبيهم واعدادهم وميولهم وتطلعاتهم وشبه تأكدهم من الفوز او الخسارة.
انتخابات 2006
حفلت انتخابات 2006 بعدد من الوجوه النيابية البارزة التي اعلنت عدم ترشحها وفضلت عدم خوض غمار الانتخابات وكان من ابرزهم في تلك الدورة النواب السابقون، وليد الجري، طلال السعيد، احمد الربعي، عبدالمحسن جمال، ويلاحظ ان قلة عدد النواب الذين لم يترشحوا والذين تفاوتت اسباب عزوفهم بين الحالة الصحية كوضع د.أحمد الربعي (رحمه الله) والذي كان في مرحلة استشفاء وعدد آخر فضل عدم الترشح لأسبابه الخاصة والسياسية.
انتخابات 2003
لم تحمل انتخابات 2003 اسماء كبيرة آثرت الانسحاب من الحياة البرلمانية باستثناء عدد قليل منهم ابرزهم النائب السابق علي البغلي.
انتخابات 1999
حفلت انتخابات أمة 1999 بعدد من الاسماء البارزة التي فضلت الاعتذار عن عدم خوض غمار الانتخابات وكان من أبرزهم احمد النصار (الدائرة الـ 3)، عبدالعزيز العدساني (الدائرة الـ 7)، احمد الكليب (الدائرة الـ 10)، عبدالسلام العصيمي (الدائرة الـ 14)، محمد ضيف الله شرار (الدائرة الـ 17)، عبدالله الهاجري (الدائرة الـ 24)، حمود الرقبة وعايض علوش (الدائرة الـ 22).
انتخابات 1996
شهدت انتخابات 1996 عزوف رموز العمل البرلماني ورجالاته الكبار عن المشاركة في تلك الانتخابات وأبرزهم العم جاسم الصقر (رحمه الله)، وأحمد الخطيب، يعقوب حياتي، حمد الجوعان، جاسم العون وغيرهم من الأسماء التي تنوعت اسباب عدم رغبتها في الاستمرار في الحياة البرلمانية.
أسباب العزوف
تتفاوت المبررات والأسباب التي تقدم من قبل المرشح عند اتخاذه هذا القرار ويأتي في مقدمتها الرغبة في اعتزال العمل البرلماني ثم عدم الارتياح للأوضاع السياسية التأزيمية او الرغبة في اخذ قسط من الراحة والتأمل او لأسباب تضطر المرشح لعدم خوض الانتخابات كالأسباب الصحية.
هذا في العموم وهناك احتمالات عديدة تبرز لتعلل مسألة العزوف ابرزها: خوض ثلاثة انتخابات برلمانية متتالية في مدة لا تقل عن اربع سنوات مع كل ما تتطلبه الانتخابات من جهد وتعب وتواصل.
عامل آخر يبدو غير بارز ولكنه مهم جدا وهو التكلفة الاقتصادية العالية التي تتطلبها الحملات الانتخابية للمرشح خاصة اذا كانت الاجواء الحالية لاتزال تنذر باستمرار التصعيد والتوتر النيابي ـ الحكومي، ومع بروز ترجيحات تصب في خانة احتمالية ان يلقي المجلس القادم مصير المجلس السابق نفسه.
عزوف الناخبين
سؤال آخر يستحق الطرح: هل ستكون العلاقة بين المرشح والناخب بطريقة تفاعلية؟ بمعنى هل سينعكس قلة عدد المرشحين عند فتح باب الترشيح سلبا على الناخبين لنشهد نسبة اقتراع متدنية؟
فمن المعروف ان معدلات الاقتراع في الانتخابات الاخيرة ارتفعت نسبيا عن نسبة انتخابات 2006، حيث بلغت نحو 68.9% مقابل 66% في الانتخابات السابقة لكنها تبقى اقل كثيرا من معدلات الاقتراع في الفصول التشريعية السابقة وقد بلغت نسبة الاقتراع في الدائرة الأولى 77.5% وفي الدائرة الثانية 74% وفي الدائرة الثالثة 68% والرابعة 65% والخامسة 60%.
وبينت النتائج ان عدد المقترعين بلغ نحو 214886 ناخبا وناخبة من اجمالي الناخبين البالغ عددهم 361684 ناخبا وناخبة، ويبلغ عدد الناخبين الرجال في الدوائر الخمس 161185 ناخبا في حين يبلغ عدد الناخبات 200499 ناخبة.
وقد سجلت انتخابات 1981 مع انتخابات المجلس التأسيسي أعلى نسبة اقتراع على مدار 45 سنة، منذ اول انتخابات لمجلس الأمة في عام 1963، وكان اجمالي الناخبين في 25 دائرة 42008 اقترع منهم 37689 ناخبا بمعدل 90% تقريبا.
ويرجع ذلك الى ان المواطنين كانوا في انتظار عودة الانتخابات وعودة مجلس الأمة بعد صدور قرار بحله استمر 5 سنوات.
وفي الانتخابات التالية في 1985 بلغ اجمالي المقيدين في الجداول 56845 اقترع منهم 48368 ناخبا بمعدل 85%، وهي نسبة تأتي في المرتبة الثالثة بعد 1981 والمجلس التأسيسي في المقابل، جاءت انتخابات 1992 بعد تحرير الكويت من الاحتلال العراقي الآثم لتسجل أدنى معدلات التصويت بعد تقسيم الدوائر الى 25 دائرة، فمن بين 81440 ناخبا مقيدين في الجدول اقترع منهم 59448 بمعدل 72.9%.
لكن تبقى اقل نسبة تصويت في تاريخ انتخابات مجلس الأمة عام 1971 بنسبة 52% حيث اقترع 20785 من اجمالي 40649.
في انتخابات 1996، ارتفع معدل التصويت ليصل الى 82% حيث اقترع 88430 من 107169 هم اجمالي اعداد الناخبين.
اما في انتخابات 1999 فقد انخفض معدل الاقتراع الى 81% حيث اقترع 9126 ناخبا وهم ضعف اعداد الناخبين في 1981 التي شهدت أعلى معدل تصويت.
وفي 2003 كان معدل الاقتراع 81% ايضا حيث اقترع 110384 من اجمالي 136715 ناخبا وفي 2006 انخفض معدل الاقتراع الى 66% ليصبح ثالث اقل معدل اقتراع في تاريخ انتخابات مجلس الأمة رغم مشاركة المرأة لأول مرة في التصويت حيث اقترع 217060 من اجمالي 340248 ناخبا.
غياب التفاعل الشعبي
نستطيع تلمس غياب التفاعل الشعبي بوضوح تام في هذه الانتخابات مقارنة بسابقاتها، ومن التحليلات الكثيرة التي تشير لاحتمالية تدني نسبة الاقتراع انه عندما ارتفعت النسبة في 2006 و2008 كان السبب انه في انتخابات 2006 شاركت المرأة لأول مرة في الانتخابات وكانت تجربة جديدة انتظر الجميع نتيجتها.
وقد جرت انتخابات 2008 ايضا للمرة الأولى وفق نظام الدوائر الخمس والذي كان غامضا بالنسبة للناخبين والمرشحين على حد سواء لتحول الدوائر الصغيرة الى دائرة كبيرة وعدم القدرة بالتالي على معرفة من سيكون الفائز أو الخاسر بدرجة كبيرة.
القدرة على التغيير
ويرجع البعض الآخر عزوف عدد كبير من المواطنين عن التفاعل مع العملية الانتخابية بشكل عام الى حالة الاحباط واليأس من عدم القدرة على التغيير في الطبقة السياسية فإذا لم تعد الأسماء ذاتها الى مجلس الأمة المقبل فالتغيير سيقتصر على الوجوه دون تغيير في مضمون وجوهر العمل السياسي وبالتالي ستستمر المسألة على ما هي عليه الآن.
تغطية خاصة في ملف ( pdf )