أميرة عزام
تشير دراسات متعددة الى ان الوقت المبالغ فيه بصحبة الهواتف الذكية وبرامجها الاجتماعية المشوقة يشغل حيزا ذهنيا بإمكانه التأثير على مهام الحياة الأساسية من صحة العقل والجسد ومدى القدرة على الاستيعاب والتشتت والنسيان اضافة الى سلوكيات صامتة تفقد القدرة على التحدث والحوار والكتابة باليد والتواصل الحي، وقد أظهرت دراسة دنماركية أن الألعاب الإلكترونية لها أضرار كبيرة على عقلية الطفل، فقد يتعرض الطفل إلى إعاقة عقلية واجتماعية إذا أصبح مدمنا على ألعاب الكمبيوتر.
ولدينا في الكويت تقوم وزارة التربية حاليا بإجراء دراسة على عينة من الطلاب لبيان العلاقة بين الطلاب الذين يقضون اوقاتا طويلة على الألعاب وشبكات التواصل الاجتماعي واستخدامهم للعنف وتعرضهم للإدمان في المستقبل. «الأنباء» استطلعت آراء بعض المواطنين حول تأثير هذه الظاهرة على السلوك الأسري والمجتمعي، وانشغال الأمهات والآباء بشبكات التواصل الاجتماعي فكانت السطور التالية:
في البداية، تشتكي ام عبدالرزاق من بناتها أمهات الجيل الحالي ممن لا تحب إحداهن تحمّل مسؤولية أولادها، ضاربة المثل بابنتها الكبرى التي تترك أولادها في شجار وإزعاج دون مبالاة خلال فترة زيارتها لها في عطلة نهاية الأسبوع او في حال قامت العائلة بنزهة الى الشاليهات او المخيمات، فتعزل الأم نفسها مع هاتفها ورسائلها على «الواتساب» في حين تصرخ الجدة من أحفاد تضطر الى تحمّل مسؤولياتهم.
وتشاركها الوضع سعاد المحمد التي تعترف بمساعدة والدتها لها في تربية أبنائها الأربعة منذ ولادتهم، لافتة الى رغبتها في الحرية والبعد عن المسؤولية وقت العطلة حتى تتمكن من مواصلة عملها مجددا مع بداية الأسبوع.
بدورها، تعبر حنان عبدالله عن مللها من نمط الحياة والمسؤولية التي ارهقتها بين العمل والأهل والزوج والأولاد فلا تجد سلوتها الا في الفضفضة مع صديقاتها وزميلاتها ضمن «جروب» على الواتساب.
وفي صراع مع الحياة الإلكترونية، تشير ام فيصل التميمي الى حدتها مع ابنتها التي تنشغل في دوامها بالاتصالات ورسائل الهاتف عن عملها مؤكدة انه مسؤولية كبرى يجب احترامها، كما تفعل نفس الشيء مع أختها ام خالد التي لا تترك «الواتساب» خلال جمعة العائلة الأسبوعية فترفع صوتها وتهدد بالانسحاب من الاجتماع وبذلك يتم إغلاق الهواتف أثناء الاجتماعات العائلية حتى لا تفسد فرحة التواصل التي عهدها الكويتيون في الماضي، على حد قولها.
الهاتف يسبب الخلافات
ومن جهتها، تؤكد أم فهد المعتوق أنها لا تحب استخدام هاتفها الا للضرورة، فهي تضع البيت وجمعة الأهل في أولوياتها وقد رأت بأم عينها شابا اصطدم بسيارة «لوري» على الطريق بسبب استخدامه للكتابة على الهاتف أثناء القيادة، مشيرة الى ان استخدام الهواتف الذكية الآن اصبح مطلبا ضروريا لكل الكويتيين بمختلف الأعمار وانه من المستحيل الرجوع للوراء باستخدام الهواتف القديمة التي لم تعد موجودة كالسابق في الأسواق.
بدوره يعطي عبدالعزيز العنزي صورة مختلفة مؤكدا عدم استخدامه للهواتف الذكية رغم إهداء أبنائه له بعضا منها، لافتا الى ان زوجته الخمسينية قد أقنعتها إحدى صديقاتها بالتواصل عبر الهاتف الذكي مع الآخرين وكان ذلك منذ 3 أعوام ومن حينها وهي دائما بصحبة الهاتف وتعلمت جميع البرامج واصبحت تنافس أولادها وصديقاتها في الانتشار، ورغم ان بيتها كان اهم أولوياتها، الا أنها الآن لم تعد تهتم به كسابق عهدها بحجة أنها لم تقصر في تربية أبنائها وانهم قد كبروا وتزوجوا وأصبحوا مسؤولين عن انفسهم وأنها أدت دورها ورسالتها في الحياة وانه حان الوقت للتفرغ لنفسها، موضحا ان هذا الامر يضايقه لأن الوقت الذي تقضيه مع هاتفها أكبر من الوقت الذي تقضيه بين زوجها وأولادها.
نهت عن فعل بناتها،
وأتت بأكبر منهن
ومن جهتها، تعترف ام عبدالعزيز بأنها كانت تلوم بناتها عندما انشغلن بالواتساب والانستغرام عن دراستهم وحياتهم، ولكن مع الوقت أصبحت هي أكثر استخداما وأطول تعلقا بتلك البرامج وغيرها، لافتة الى ان لها سلبياتها في نقل الأخبار الكاذبة وسرعة انتشار الشائعات والأحاديث الضعيفة او الموضوعة.
أما فوزية عنبر فتؤكد استخدامها لجميع البرامج ولكن في أوقات فراغها، مشيرة الى استخدام البرامج المطورة في التعليم الذاتي للقرآن والتواصل مع الأهل على مختلف مناطقهم ضمن «قروب» واحد يجمع كل أخبارهم ويزيد من تواصلهم.
إيجابيات
وفي طرح لإيجابيات شبكات التواصل، توضح د.رحمة العبكل استخدامها للفايبر والتانغو والسكايب والواتساب في التواصل مع الأهل بالكويت خلال فترات دراستها العليا في المملكة المتحدة، كما تستخدم الفيسبوك وتويتر في التواصل مع المختصين ما يمكن ان يفيدها في تقديم رسالتها العلمية.
أما رشا الوزان، فتستخدم الانستغرام لمساعدتها في تجارتها ببيع الملافع والعباءات، مؤكدة أنها تخصص وقتا لمتابعته كل صباح لكي لا يؤثر ذلك على متابعتها لأبنائها والاهتمام بوالدتها وبرها.
مجدي: خطوات للتوفيق بين الأبناء ومواقع التواصل
يقول مدرب وخبير التطوير الذاتي د.أحمد مجدي إن وسائل الإعلام الاجتماعي الحديثة مثل (تويتر، انستغرام، فيسبوك، إلخ..) قربت بين الأشخاص المتباعدين جغرافيا، وجعلت العالم يبدو بحق كقرية صغيرة من حيث سهولة التواصل وتبادل المعلومات والخبرات، وإن كانت هذه القرية الصغيرة اتصالا، لاتزال عالما متباعدا متنافرا أفكارا وقيما.
وتبقى المفارقة العجيبة في ثورة الاتصالات أنها قربت المتباعدين وأبعدت المتقاربين، فالمرء يتواصل بانسيابية واستمتاع مع أشخاص من أقاصي الأرض، ويخصص لذلك أوقاتا غالية، وربما يجلس بالساعات لتبادل «اللايكات» والتعليقات مع صديق، ولكنه يستثقل أن يمر على أمه للاطمئنان عليها، أو أن يمنح أبناءه ساعة من نهار يعمق فيها علاقته بهم، أو أن يفارق مقعده ليتنزه مع أصدقائه الحقيقيين.
ويطرح د.مجدي الخطوات التي تساعد ولي الأمر في التوفيق بين عالم التواصل الاجتماعي وأبنائه ومنها: ان يخصص وقتا محددا خلال اليوم لمتابعة تلك المواقع، بعيدا عن فترة التواجد مع الأبناء في المنزل. وان يبحث عن مقاطع فيديو أو صور أو مقولات يمكنها ان تعلم الأبناء شيئا مفيدا ومشاركتهم به.
وتكوين «جروبات» خاصة بالأسرة على الواتساب وفيسبوك، للتواصل معا بكل أخبار العائلة، بشرط ألا يكون ذلك بديلا عن التواصل الحقيقي الدائم بين الأفراد. وتخصيص وقت مقدس للأبناء خلال اليوم بحيث يمنع منعا باتا الاقتراب فيه من أي اتصال تكنولوجي.
السلوم: ضرورة استخدام وسائل التواصل دون مبالغة
يؤكد رئيس مجموعة «إي لندنر» التعليمية في المملكة العربية السعودية م.محمد السلوم أن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي بما يفيد ابناءنا الطلاب لا يؤثر سلبيا في تحصيلهم الدراسي او حتى في حياتهم الاجتماعية، بل يتيح لهم الاستفادة والاستمتاع في نفس الوقت بدلا من إضاعة وقتهم فيما لا يفيدهم، وقبل حدوث هذه الثورة المعلوماتية كانت أقصى وسائل التواصل بين المعلمين والطلاب هي الهاتف ثم اصبحت باستخدام البريد الالكتروني كذلك، فلم يكن هناك اي وسيلة تواصل حقيقي وعفوي وغير مباشر تتيح للمعلمين او الطلبة التواصل معا للحصول على فائدة اكبر، اما الآن وبعد توافر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل اكبر فان فرصة التفاعل والتواصل غير المباشر هي اكبر وتتم بشكل مستمر ومثمر متيحة للجميع الحصول على المعلومة في أي وقت وأي مكان، فاستخدام هذه الوسائل الان سهل عملية التعليم الذاتي، حيث ساهمت في نشر المعلومات لأكبر شريحة ممكنة من المستخدمين وايضا ساعدت في تبادل المعلومات والمعرفة بين المتعلمين، بينما كانت وسائل التعليم التقليدية مقيدة وبشدة بأخذ المعلومات من المعلم فقط وتعتمد على طريقة التلقين في نقلها فلا توجد اي فرصة للتفاعل بين المعلم والطلاب وبين الطلاب انفسهم فتقتل الابداع لدى الطلاب والاعتماد على النفس وايضا لا تتيح لهم التدرب على ما تعلموه والذي غالبا يكون لا يتعلق باللغة التي تستخدم في الحياة اليومية.
ويلفت السلوم الى انه لا بد من الانتباه الى خطر الادمان على الانترنت ووسائل التواصل الاجتماعي اذا تم استخدامها بشكل مبالغ فيه.
الشحي: خلل إدارة الوقت يسبب الفوضى داخل الأسرة
يوضح المدرب الاماراتي في العلاقات العامة والتنمية الإدارية والتوجيه سالم الشحي ان الاهتمام بأي شيء يكون بقيمة إحساسك به، فالخصوصية التي يعيشها الفرد تدفعه للتصرف أحيانا بعكس ما هو مطلوب منه وما يجب ان يكون عليه في الواقع، إذ إن هناك مسؤولية لكل شخص يجب ان يتحملها مهما كانت الظروف واهمها مسؤولية تربية الأبناء، ولكن وسائل التواصل الاجتماعي اصبحت تأخذ حيزا في حياتنا ومساحة كبيرة من الوقت على حساب تربية الأبناء ومتابعة الشؤون الخاصة، فالرجل لا يكتفي بانشغاله وقت الدوام الرسمي بل يحمل عمله الى بيته ويتابعه باتصالاته ومراسلاته التي لا تنقطع وكذلك متابعة الأصدقاء وكذلك الأم فهناك خلل في ادارة الوقت اليومي والضحية الأبناء، هذه الأمور تجعل الأسرة في حالة من الفوضى وضعف الترابط العائلي.