آلاء خليفة
نستكمل الجزء الثاني من حوارنا مع أستاذ القانون العام بكلية الحقوق في جامعة الكويت والخبير الدستوري د. محمد الفيلي، فبعد ان استعرضنا أمس رأيه حول دستورية استجواب الحكومة عن أعمال حكومة سابقة، وكذلك عن الاستخدام غير الملائم للاستجواب، نستعرض اليوم آراءه عن دستورية قيام حكومة مستقيلة بالاشراف على الانتخابات، حيث أكد د.الفيلي انه لا شبهة في ذلك، خاصة ان أي حكومة ترفع مرسوم حل المجلس تكون في حكم المستقيلة لأنها تدرك انها بعد الانتخابات لابد ان يعاد تشكيل الحكومة.
ولفت د.الفيلي الى ان تعديل الدستور جائز لكن بشرط ألا يمس ذلك بالحريات، أو بجوهر النظام الأميري وتقليص صلاحيات سمو الأمير.
وتطرق الى نظام الكوتا لإيصال المرأة للبرلمان مؤكدا انه تمييز ايجابي لا مانع منه لتحقيق المساواة غير الموجودة، لكنه أشار الى ان التفكير في إقراره يسبب الشتات، خاصة انه سيفتح الباب للنظر الى فئات أخرى مثل المعاقين والشباب والفتيات، وغيرها.
وعن الدوائر الانتخابية قال د.الفيلي انه يجوز اقرار دائرة انتخابية واحدة في الكويت، لافتا الى ان لفظ الجمع «دوائر» في الدستور لا يوجب ان تكون الدوائر أكثر من اثنتين، الا انه نبه الى ان نظام الدائرة الواحدة يخشى معه ان يؤدي الى تصادم اجتماعي وتناحر بين أقليات، فإلى تفاصيل الحوار:
هل يجوز لمجلس الأمة رفض استجواب او شطبه من جدول اعمال المجلس قبل مناقشته؟ وهل تملك اللجنة التشريعية البرلمانية في المجلس رفض استجواب او ابداء الرأي من ناحية الرفض او عدم الدستورية؟
لابد من توضيح أمرين مهمين، الأول ان الدستور الكويتي جعل الاستجواب حقا يرتبط بكل عضو اي لكل عضو ولو كان منفردا ان يتقدم باستجواب، والثاني ان الدستور واللائحة الداخلية بتفويض من الدستور وفق المادة «117» جعلا للاستجواب كما لأدوات الرقابة البرلمانية الاخرى شروطا وبالتالي فإن عدم تطبيق تلك الشروط سيؤثر على حق الاستجواب، فعندما يشترط ان يكون الاستجواب في وقائع محددة فهذا يعني ان الاستجواب الذي لا يأتي بوقائع محددة لا يتم قبوله، وكذلك عندما يشترط ان يأتي الاستجواب في اختصاص الوزير فإن تقديم استجواب خارج اختصاص الوزير لا يتم قبوله كذلك، لذا فإن وجود شروط للاستجواب تعطي للمجلس الحق في تنبيه العضو على الأقل الى تجاوز تلك الشروط وبالتالي فليس المجلس ملزما بأن يتقبل متابعة استجواب مخالف للشروط، ويمكن لأي عضو في بداية الاستجواب ان يستخدم فكرة «نقطة النظام» للتنبيه الى ذلك، لذا فنحن امام حكمين، هل يمكن الآن ان نستخدم ادوات مراقبة قبول الاستجواب لوأد حق الاستجواب؟هنا نقع في امر خطير والحل المنطقي ان ينبه المستجوب من قبل لجنة فنية قد تكون مكتب المجلس او اللجنة التشريعية ولا يوجد ما يمنع ان تكون لجنة قائمة بذاتها من خلال تأجيل الاستجواب الى حين البت، فاللائحة لا تمنع مثل ذلك الأمر.
ما حدود صلاحيات الحكومة المستقيلة والمكلفة بتصريف العاجل من الأمور؟
ان الحديث عن حكومة مستقيلة وحكومة تصريف العاجل من الأمور يعني اننا نتحدث عن حكومة ولاتزال حكومة ولكن اختصاصاتها محددة، والدول في تحديد اختصاصات الحكومة المستقيلة تسير في اتجاهين، فقوانين ودساتير بعض الدول تقر أن اختصاصات الحكومة المستقيلة تأتي في اطار تصريف الأمور اليومية، ودول اخرى تأتي الاختصاصات في اطار تصريف العاجل من الأمور الذي يشمل الاختصاصات اليومية ويزيد عليها، بالاضافة الى ان اختصاصات حكومة العاجل من الامور هي من الناحية الإجرائية تحت رقابة مصدر القرار ممثلا في الكويت بصاحب السمو الامير ومجلس الوزراء نظرا لان المرسوم يرفع من مجلس الوزراء ويصدق عليه الأمير ثم تعتبر حكومة تصريف العاجل من الأمور خاضعة لرقابة الرأي العام وهي رقابة مرسلة عندما ينبه بان تلك الأمور على سبيل المثال ليست من الأمور العاجلة والمهمة وهذا الموقف يؤثر بالضرورة على أسلوب تقدير الجهة المختصة اجرائيا وهي صاحب السمو ومجلس الوزراء، كما ان هناك القضاء الذي يمكنه ان يراقب لان ما يصدر عن الحكومة المستقيلة هو قرارات ادارية، واعتقد انه آن الأوان لتخفيف الاعتماد على مجرد الرقابة السياسية للمجلس المنتخب ويجب ان نعترف بأن هناك جهات رقابة اخرى يلزم تفعيلها وتقويتها لأن الرقابة السياسية في النهاية تعتمد فاعليتها على الرغبة السياسية للمراقب، فمجلس الأمة باعضائه الـ 50 اذا رأى عدم الملاءمة في تحريك الرقابة السياسية فلن تفعل، لذلك فمن الأفضل الا نعتمد فقط على الرقابة السياسية.
حكومة مستقيلة
وفي حديثنا عن الحكومة المستقيلة، هل يجوز لها أن ترفع مرسوما بحل مجلس الأمة ام لا يجوز لها ذلك؟
لابد من التنبيه على انه من الناحية العملية أي حكومة ترفع مرسوم حل المجلس هي حكومة مستقيلة، وذلك لانه بعد حل المجلس يجب ان تجرى انتخابات خلال 60 يوما، وبعد ان ينتخب مجلس جديد بحكم الدستور يجب ان تستقيل الحكومة، فأي حكومة ترفع كتاب حل مجلس الامة تعلم انها ستستقيل خلال شهرين.
في الحديث عن تعديل الدوائر، هناك من هو مع ومن هو ضد الدائرة الواحدة من الناحية الدستورية، فماذا تقول بهذا الصدد؟
من الناحية الدستورية الصرفة، يقرر الدستور أن تحديد الدوائر الانتخابية من اختصاص القانون، والبعض فهم لفظ الدوائر بأنه جمع، وبالتالي لا يجوز ان تكون دائرة واحدة او دائرتين ويجب ان تزيد على اثنتين والا نستخدم صيغة المثنى، اما من وجهة نظري الشخصية فإن تفسير النص ليس بهذا الشكل، فالقانون يحدد عدد الدوائر، ووفق الدستور فإنه يلزم على القانون تحديد عدد الدوائر كي لا نترك هذا الأمر للسلطة التنفيذية، فالفكرة الجوهرية في هذا النص ان هذا الاختصاص لا يجوز ان يترك للسلطة التنفيذية، لذا فإن الدستور يقول ان هذا من اختصاص القانون، اما استخدام لفظ الجمع فالمقصود به ان القانون يحدد عدد الدوائر وفي تلك الحالة يمكن ان تكون دائرة واحدة لان «واحد» عدد، لاسيما ان نفس تلك الآلية موجودة في نص آخر في الدستور، فالمادة «133» من الدستور تنص على ان القانون يحدد النظام القانوني للمؤسسات العامة والبلديات، ولو اخذنا بفكرة الجمع فإن لفظ بلديات جمع ولكن وجود بلدية واحدة لا يخالف الدستور على الرغم من انه استخدم لفظ البلديات، فالدستور عندما ذكر بلديات لم يحدد العدد، فالمشكلة ليست في الدستور وانما في الملاءمة، فنظام الدوائر الانتخابية الكبيرة خاصة نظام الدائرة الواحدة يحتاج الى ناخب مسيس ينتخب على اساس قائمة مقفلة، ويحتاج كذلك الى ناخب يرتبط بالمجلس المنتخب كمؤسسة فقط ولا يرتبط به كأشخاص، وعدم وجود تلك المواصفات في الناخب واستخدام نظام الدائرة الواحدة يخشى ان يقود الى تصادم اجتماعي من خلال دخول تناحر بين اقليات، اذن فالإشكالية في الدائرة الواحدة انها تحتاج الى ناخب معد بشكل جيد ويتعامل مع المجلس المنتخب كمؤسسة قائمة بذاتها بعيدا عن الاشخاص، لذا فان التجربة الناجحة اليوم لنظام الدائرة الواحدة هي التجربة الاسرائيلية ولا يوجد غيرها، فنظام الدائرة الواحدة استخدم في ايطاليا ايام موسوليني بهدف فرض هيمنته على المجلس المنتخب من خلال فرض قائمة واحدة عبر اجهزة الدعاية الشمولية وهي تجربة لم تترك ذكرى جيدة.
بعد الانتخابات السابقة تم تسليط الضوء من قبل بعض الدستوريين على مسألة عدم دستورية الانتخابات نظرا لأن منطقة الجهراء التي تضم 30000 ناخب لم يمثلها نائب واحد في حين ان الدائرة الثانية مثلها 10 نواب وعدد ناخبيها 40000 وانه سيكون هناك طعن بعدم الدستورية فهل سيتكرر هذا المشهد في الانتخابات المقبلة؟
عضو مجلس الأمة يمثل الأمة بأسرها ولا يمثل منطقة بذاتها، وفيما يخص السابقة التي أشرت اليها فإن الجهراء جزء من الدائرة الـ 4 وهناك مناطق اخرى غيرها وكل ما في الامر انه لم ينجح مرشح من سكان الجهراء ولكن نجح 10 مرشحين من الدائرة الـ 4، فهذا الأمر غير سيئ، فلابد ان يعلم الناخب ان عضو مجلس الامة يمثل الأمة بأسرها وعدم نجاح مرشح من منطقة سكنية ليس مشكلة نظرا لأنها جزء من دائرة انتخابية نجح منها 10 مرشحين.
لو انتقلنا للحديث عن المرأة الكويتية فما مدى دستورية نظام الكوتا لإيصال المرأة الى البرلمان؟
نظام الكوتا يعد جزءا من فكرة التمييز الايجابي، وجوهرها ان يتم الإخلال بمبدأ المساواة تمهيدا لتحقيق المساواة الفعلية نظرا لوجود ظروف اجتماعية ومادية واقتصادية تجعل واقع المساواة غير قائم، وتكون هناك رغبة لتصحيح المسار من خلال فرض تشريعي، وجوهر مبدأ التمييز الايجابي جيد ولكن كي يقبل به يجب ان يكون هناك تعديل في النصوص، والنص المانع من التمييز الايجابي في
الكويت في قضية الحقوق السياسية هو الدستور نفسه، بالإضافة الى ان المصلحة في التمييز الايجابي على الأمد البعيد لا اعتقد انها جيدة لأننا اذا أخذنا بفكرة التمييز الايجابي لمصلحة فئات وتحدثنا عن المرأة فهذا الأمر سيفتح الباب لتمييز ايجابي على المستوى السياسي لفئة المعاقين وللشباب وللشابات وهكذا، فنحن بصدد مسألة ان فتح الباب فيها فسنصل الى شتات، لذا فإنني ارى ان المصلحة لا تقود الى فكرة التمييز الايجابي في هذه الجزئية.
خطورة الجمع بين ولاية العهد ورئاسة الوزراء الحديث عن الجمع بين منصبي ولاية العهد ورئاسة الوزراء، ما مدى صحته دستوريا؟
لم يرد نص في الدستور صراحة يقرر عدم جواز الجمع، ولكن يجب ان نشير الى أن فكرة الدستور بالأسلوب الذي بنيت به العلاقة بين السلطات تقود الى خطورة الجمع بين المنصبين، لان الجمع بينهما يخل بتوازن مفترض بين المجلس المنتخب والحكومة في حين ان الدستور أعطى الكثير من الميزات للحكومة ولو أضفنا لها ميزة اخرى غير محسوبة فسيتم الإخلال بالتوازن، علاوة على انه بالنظر الى نصوص الدستور فسنجد ان تلك الفرضية لا تتسق مع بعض نصوصه، فالمذكرة التفسيرية للمادة (56) تنص على انه يجب ان يشاور رؤساء الوزراء السابقين عند اختيار رئيس مجلس وزراء، وهذا النص يصبح غير قابل للتطبيق لو كان ولي العهد هو نفسه رئيس مجلس الوزراء، بالإضافة الى ان قانون توارث الامارة جزء من الدستور ولو لاحظنا الميكانيكية التي بني عليها هذا القانون فسنجد انه يجعل لمجلس الوزراء دور مهم في الرقابة على توافر القدرة الصحية للأمير ولولي العهد فهو الذي يحيل الموضوعين الى مجلس الأمة، فهل يتسق ان يكون ولي العهد رئيسا لمجلس الوزراء مع ان مجلس الوزراء هو المناط به هذه الوظيفة، فسيكون هناك حالة من تعارض المصالح بل استحالة تنفيذ الأمرين.
كيف تنظر الى مرسوم قانون الاستقرار المالي الذي صدر مؤخرا بمرسوم بضرورة وهل هو مخالف للدستور كما لوح بعض النواب ونعلم ان لك رايك في مشاكل تطبيق مراسيم الضرورة على الأزمة الرياضية؟
مراسيم الضرورة تفترض ان هناك حاجة ملحة لإصدار قانون ولا نستطيع ان نؤجلها لمدة 60 يوما أو أقل والمجلس المختص بالقانون غائب، ونسند في تلك الحالة اصدار القانون الى السلطة التنفيذية كونها تقوم مقام المجلس المنتخب كونه امرا ملحا، وان لم يكن الأمر ملحا فلابد من انتظار عودة المجلس المنتخب، وكي نتحدث عن موضوع يصلح ان يكون مرسوم ضرورة يجب ان يكون التأخير في هذه المسألة ملحقا لضرر لا يمكن تجاوزه، او مفوتا لمصلحة غاية في الأهمية لا يمكن اللحاق بها بعد ذلك، وقانون الاستقرار المالي كان محل بحث بالمجلس السابق وكانت الحلول محل خلاف، فقد كان هناك توجه حثيث لإصداره بأقصى سرعة لدى البعض ولكنه كان محلا للنقاش والتعديل لدى البعض الآخر وأخذه كما هو في ذلك الوقت يعني عدم الاعتداد بالآراء الأخرى، ومن الناحية الدستورية فان المختص بإصدار مرسوم الضرورة اجرائيا هو الحكومة التي تعرض مشروع المرسوم على صاحب السمو الأمير للتصديق، فمسؤولية تقدير الضرورة تكون لمصدر القرار من الناحية الإجرائية، ولكن موقف الرأي العام من المهم ان يظهر لأنه وفقا للدستور الكويتي لديه وزن عند مصدر القرار المتمثل في المجلس والأمير، وبصدور المرسوم بعد تصديق صاحب السمو الأمير يصبح أداة قانونية كاملة لها اثارها وقابلة للطعن فيها امام القضاء، واعتقد انه يجب التركيز على اهمية الرقابة القضائية على الرغم من انها اصبحت مكبلة حاليا في كثير من اجزائها وتحريك الدعوى الدستورية اصبح صعبا للغاية ولابد من العمل على تحريرها من تلك القيود نظرا لان الامم التي تعتمد فقط على الاعتبارات السياسية في الرقابة ستواجه بحقيقة ان السياسيين لهم مصالح وليست بالضرورة ان تكون مصالحهم هي الحقيقة المطلقة، فالرقابة السياسية مهمة ولكن لا يجوز الاعتداد بها فقط، ولابد من الاشارة الى ان مراسيم الضرورة بعد صدورها هي مراسيم لها قوة القانون وصفة مراسيم لها تجعل أغلب الفقه يقول انها قابلة للفحص من قبل القاضي الاداري وليس فقط من قبل القاضي الدستوري كونها مراسيم بقانون الى ان يقرها مجلس الامة، وبعد عرضها عليه يستطيع المجلس ان يقرها كما هي او يلغيها بأثر رجعي وهو حكم المادة 71 والمواد 111 و114 من اللائحة الداخلية فضلا عن انه يستطيع الغاءها بأثر فوري مع ترتيب أو قبول اثارها في الماضي والمجلس عندما يقارب المراسيم بقوانين لا يراقبها فقط من زاوية المشروعية وانما يقاربها ايضا من زاوية الملاءمة، وبالتالي فان المراسيم بقوانين خاضعة لعدد من ادوات الرقابة ونلاحظ في الوقت الحالي ان التركيز ينحصر على رقابة الرأي العام والمجلس المنتخب وان كان من المصلحة ان نقوي الرقابة القضائية.
هل نستشف من حديثك ان قانون الاستقرار المالي دستوري كونه صدر بمرسوم؟
نعم وذلك الى ان يأتي قرار اما من القضاء او من المجلس بإلغائه، وأهمية الرأي العام تكمن في ان ضمير الأمة من المنطقي ان يكون محل تقدير من قبل متخذي القرار والمرسوم لا يصدر الا بعد تصديق الامير عليه ولا يكفي رفعه من مجلس الوزراء، فإقرار مجلس الوزراء هو اقرار لمشروع مرسوم وليس اقرارا لمرسوم.
إنهاء الدولة
وهل قضية شراء المديونيات وإسقاط القروض تتعارض مع الدستور الذي ينص على العدالة والمساواة بين المواطنين؟
اعتقد اننا امام حفلة زار في هذه المسألة، تم قرع الطبول على رؤوس الناس حتى استنزل بعضهم ولا ألومهم ولكن ألوم من قرع الطبول، فانه قد تمت الدعوة لإسقاط القروض بناء على مبادرة من السلطة التنفيذية عقب التحرير مباشرة، وتلك الدعوة جعلت الكثير من الناس يقترضون بنية عدم السداد لان هناك امل بإسقاط القروض، اما من الناحية الدستورية فالدستور جعل للسلطة التشريعية اقرار الاعتمادات الإضافية بناء على مشروع تتقدم به الحكومة وذلك من الناحية الإجرائية وهذا الاختصاص يمارس من قبل المجلس المنتخب ومن قبله الحكومة ولكن يجب ان يتصرف المجلس المنتخب والحكومة كلاهما من الناحية الدستورية الذي لا يتصور وجود دولة لسنة او سنتين وانما يتصور فكرة نظام قائم لأطول فترة مستقبلية، والاسلوب الحالي هو اسلوب «اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب» فكان اول القصيدة كفر لان هناك تعارض مع فكرة الدولة ككيان مستقل، فضلا عن ان للأموال العامة قدسية كونها ليست ملكا لجيل واحد وانما ملك للمستقبل، فهي اشبه «بحلال الايتام» الذي لا يجوز التصرف به بجشع، ولا اقصد هنا عدم جواز الصرف منه وانما الصرف يجب ان يكون بشكل رشيد، اما الهرولة الى الأموال العامة فهي فكرة إنهاء الدولة كجهاز ومؤسسة مستقبلية.
يتردد كثيرا انه لابد من إعادة هيبة القانون فهل ترى ان القانون ضاعت هيبته وما السبيل لاستردادها؟
نعم ضاعت هيبة القانون في الكويت، فهيبة القانون لا تقتصر فقط على ارتكاب الجرائم الكبرى والمؤشر الأخطر لهيبة القانون عندما نجد ان الناس لا يعتدون به لان هناك إحساسا بأنه ليس من المهم ان نحترم القانون، وعندما لا ينفذ القانون على الكبير في الدولة فيفهم الصغير الرسالة بان القانون لا ينفذ وننزل بذلك الى ان يصل الأمر الى ان الإنسان الذي ينفذ القانون يشعر بأنه «مغفل»، وهنا تكون دعوة صريحة لقتل فكرة تطبيق القانون.
ما الرأي الدستوري في تغيب الحكومة عن حضور جلسات مجلس الأمة أو الاكتفاء بحضور أحد أعضائها؟
الغياب هو مخالفة للدستور، نظرا لانه يلزم على الحكومة كما على بقية الأعضاء ان يحضروا الجلسات، ولكن المادة 116 من الدستور سمحت لبعض الأعضاء بعدم الحضور وذكرت ان الأصل العام حضور كل الوزراء ومع ذلك يجوز ان يكون حضور الحكومة فقط بشخص رئيس مجلس الوزراء أو بشخص بعض الوزراء وهذا ما يسمح لبقية الوزراء بان يكون غيابهم مشروعا، فالقائمون على تأسيس الدستور وضعوا في الحسبان امكانية انشغال الوزراء في أمور كثيرة تحول دون حضورهم الجلسات وبالتالي يمكن ان يحضر رئيس الحكومة ومن ثم ينقل لباقي الأعضاء ما جرى في الجلسة، فدستوريا يجوز ان يحضر بعض أعضاء المجلس وليس من الضروري ان يحضر كل الأعضاء معا.
هل في الدستور ما يمنع إشهار الأحزاب في الكويت؟
ليس في الدستور ما يمنع ذلك، بالإضافة الى اننا اليوم امام تنظيم سياسي يشبه الأحزاب تماما لكنه غير مشهر ولا توجد أدوات للرقابة عليه، وبالنسبة لي أفضل ان تكون هناك أحزاب تعمل بالضوء على تنظيمات سياسية تعمل في السراديب.
قيل ان هناك شبهة دستورية لإدارة الحكومة المستقيلة للانتخابات ما رأيك الدستوري في ذلك، خاصة وانها غير معرضة للمساءلة السياسية كونها حكومة مستقيلة فمن المحتمل ان تتدخل في الانتخابات؟
الانتخابات يجب ان تدار، بالإضافة الى انه بعد حل مجلس الأمة أي حكومة موجودة هي بحكم الحكومة المستقيلة، وكذلك فان قانون الانتخاب حدد دورا للحكومة في إدارة الانتخاب، وان إدارة الانتخاب ليس فقط للحكومة وإنما لجهات أخرى حددها القانون وحتى إدارة الحكومة للانتخابات تكون تحت رقابة القضاء، وأؤكد هنا انه من الخطر الاعتماد فقط على المسؤولية السياسية لضمان مبدأ المشروعية، ويجب ان نفسح المجال للرقابة القضائية الى جوار الرقابة السياسية.
الاتفاق الدائم مخيف
كيف يمكن الوصول الى حالة وفاق للخروج من المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد حاليا وما أهم القوانين التي يفترض ان تكون من أولويات مجلس 2009؟
اذا كنا نقصد بالوفاق الاتفاق الدائم في كل شيء فهذا مخيف، فقد خلق المجلس كما خلقت الحكومة كي يكونا طرفين متقابلين كل منهما يراقب الآخر بوسائل محددة في الدستور، اما اذا كان يقصد بالوفاق ان تستخدم الأدوات في الإطار الدستوري مع تقليل فرص الشخصانية فهذا الأمر مطلوب ولكي نصل الى ذلك فلابد من ان يكون هناك جهد من الحكومة والمجلس ومن الناخب كذلك، فالناخب يراقب الحكومة ويجدها تعطي مكاسب بناء على تدخل الأعضاء وكأن الحكومة توجه له رسالة بان ينتخب هذا العضو اذا اراد ان يحصل على مكاسب، وبالتالي إصلاح العملية لا يتأتى من طرف واحد.
أخيرا، هل نحن بحاجة لتعديل الدستور فهناك من ينادي بتعديل المادة الثانية من الدستور وهناك من قال ان الاستجوابات والأسئلة النيابية التي قدمت افرغت الدستور من محتواه؟
لابد من التأكيد على ان تعديل الدستور غير ممنوع، فالدستور ينص على أسلوب للتعديل وهناك نوعان من التعديل، اولهما التعديل الفني وهو رصد التجربة ومن خلالها قد نرى ان النصوص تثير بعض الاشكالات وعدم الدقة في فهمها فضلا عن بعض التناقضات فنأتي ونصلح بها من خلال التعديل، وثانيهما التعديل السياسي والقصد منه تغيير آلية العمل الموجودة في الدستور وهو يكون بقرار سياسي قد نتفق او نختلف فيه، ومثاله مشروع تعديل المادة الثانية من الدستور وهو توجه أيديولوجي لشريحة من الرأي العام لديها مشروع سياسي وكونها تقدم هذا المشروع السياسي وفق الأدوات الديموقراطية وبالتالي فان مشروعها قابل للنقاش العلني وقابل لان يكون محل الاتفاق والاختلاف، كما ان من يريد ان يغير آلية العلاقة بين الحكومة والمجلس فيضعف المجلس بشكل إضافي وهو مشروع قابل للنقاش علما بأننا في الحالتين لابد من احترام التوجيهات الأعلى الموجودة في المادة 175 والمادة 176 بأن اي تعديل لا يجوز ان يمس بضمانات الحرية والمساواة وبجوهر النظام الأميري وان لا يؤدي الى تقليص صلاحيات الأمير اذا كان التعديل مطروحا في فترة النيابة عنه، ومن ثم فان صلاحيات الأمير قابلة للتقليص لكن ليس في فترة النيابة عنه، وباحترام تلك المعايير الثلاثة فالدستور قابل للتعديل.