- د.المالكي في الحسينية العباسية: الإنسان الكامل يزداد تواضعاً كلما أعطاه الله سلطة ومالاً
- نستذكر أصحاب الإمام الحسين وصدقهم ووفاءهم يوم عاشوراء
محمود الموسوي ـ عادل الشنان
أكد د.الشيخ مرتضى فرج في محاضرته التي تناولت مفاهيم الحرب النفسية والشائعة في حسينية الإمام الحسين عليه السلام في السالمية خلال حديثه بالليلة السادسة من محرم، وهي الليلة المخصصة لذكر أصحاب الإمام الحسين عليه السلام الذين شاركوا حتى الرمق الأخير في الدفاع عن حرم رسول الله صلى الله عليه واله، اكد أن مجتمعاتنا الإسلامية بأمس الحاجة لتطوير قراءتها لتمييز الأخبار الكاذبة عن الصحيحة في ظل ما تمر به منطقتنا من حروب حتى لا نقع ضحية من يتلاعبون بمشاعرنا لينتصروا علينا، معرفا الحرب النفسية بأنها مساومة نفسية تستهدف النيل من الخصم بينما الشائعة هي الخبر الذي يتم تداوله بهدف التصديق بدون أدلة موضوعية وتعتمد على شدة تناقل الخبر وتضخيمه.
وحذر فرج مما يسمى الطابور الخامس الذي له ابلغ الأثر على الحسم أحيانا كثيرة فيتسبب بقيام دول وحكومات وسقوط أخرى، معتبرا أن المنافقين ينطبق عليهم لقب الطابور الخامس، مقدما أمثلة لحروب استخدمت شائعات الطابور الخامس في الحرب الأهلية الإسبانية عام 1936 عندما قال الجنرال (مولا) أحد قادة فرو نكو «إن أربعة أرتال تتقدم على مدريد للاستيلاء عليها ولكن هناك رتلا خامسا كاملا داخل المدينة له القابلية على إنجاز ما لا يستطيع أي رتل إنجازه» والرتل الخامس (الطابور الخامس) سلاح فعال مهمته تحطيم كيان الأمم من الداخل بإضعافها وتفتيت شملها بالشائعات والأراجيف لإثارة الفزع بين صفوف المواطنين وإثارة النعرات القومية والطائفية والعرقية بينهم والقيام بأعمال الشغب والتخريب التي تخلق الفوضى، أما المثال الثاني فتمثل في انهيار الدولة الأموية أثناء حربهم مع العباسيين حيث ابتلي مروان بن محمد بحصر البول بميدان المعركة فذهب لناحية ليقضي حاجته فأشيع أنه قتل فذعر الجيش وهرب من ميدان المعركة وقضي على الدولة الأموية فقالوا حينها «ذهبت الدولة ببولة».
وتابع قائلا «لذلك تعتبر أهم مقاصد الحرب النفسية بث اليأس والقنوت والكف عن الصراع عن طريق التهوين من قدرات الآخر وأن الاستسلام من مصلحتهم، ما يجعل الحرب انتحارا والنتيجة محسومة سلفا، وتضخيم أخطاء قيادات الخصم أو التشكيك باستقامتها فتتفسخ العلاقة بين القيادة والقاعدة وبالتالي إضعاف الجبهة الداخلية للخصم والدعوة إلى الانشقاق عنها لتستخدمه كأداة في الحرب النفسية» واستدل على الشائعة التي أطلقتها إذاعة بروكسل قائلا: «ان الألمان استسلموا فما كان إلا أن قام 9 آلاف جندي ألماني بالاستسلام كما حصل مع جيش الإمام الحسن عليه السلام الذي هرب منه 8 آلاف جندي بسبب شائعة أطلقها جيش معاوية لنعرف كيف اضطر الإمام الحسن إلى عقد اتفاقية الصلح مع معاوية بن ابي سفيان؟ وفي الأمس القريب سقطت الموصل بيد الدواعش نتيجة هذه الشائعات المدروسة.
3 أنواع للشائعات
وقسم د.فرج حسب آراء علماء النفس الشائعات إلى 3 أنواع، أولها الشائعة الحابية وهي التي تحبو ببطء ويتسم انتشارها بأنها سرية حتى يكاد أن يسمع بها كل فرد وهذا النوع من الشائعات تدور حول السياسيين والوجهاء والفنانين وربما تتردد على مدى أشهر حتى تصبح حقيقة للمتلقي خصوصا إذا لم يكن هناك رد أو نفي لها، أما النوع الثاني فهو الشائعة الفاطسة التي تنتشر برهة ثم تغوص وثم تطفو من جديد وترقد في حالة سبات في عقول الأمة إلى أن يحدث أمر يذكر الأفراد بها، واعتبر سماحته أن النوع الثالث من الشائعة هو الأخطر وهي تنتشر بسرعة كانتشار النار بالهشيم وبوقت قصير وبشكل مذهل في جو مكهرب للغاية تميل إلى استنادات قوية كالخوف والغضب مثل حوادث العنف، وتنتظر الجهات التي أطلقتها جني ثمار هذا الهلع، واستعرض بعض المحطات التي تأثرت بهذا النوع من الشائعات كمعركة أحد وانتشار شائعة موت النبي صلى الله عليه وسلم ـ معركة الخندق وما فعله عمرو بن ود العامري ـ معركة تبوك التي أتت مسبوقة بغزوة مؤتة التي تختلف عن كل غزوة حيث واجهوا قوة عظمى وذكريات مؤلمة كما كان للشائعة في حرب صفين تأثير سلبي شديد على معسكر أمير المؤمنين الإمام علي عليه السلام حينما قام الأشعث بن القيس بتنسيق مع معاوية بنشر شائعات معينة تدعوهم إلى الكف عن التقاتل لأنهم سيقتل بعضهم بعضا والحرب بين آل عدنان ولا شأن لهم بها، وقد مورست مع الإمام الحسن عليه السلام الطريقة نفسها بنقل الشائعات بين المعسكرين.
تأثير الشائعات
ودعا د.مرتضى فرج إلى ضرورة التعرف على التأثير السلبي لهذه الشائعات وهل يجوز مجابهة الأعداء بها وما ضوابطها؟ ورأى أن المسألة لا ترتبط بالفقهاء فقط بل بعامة الناس لأن هناك من يتأثر بمدى قابلية الإيحاء بقدر ما يمكن أن نكون ضحية وبقدر افتقارنا للمعلومات وللثقافة المطلوبة لتمييز الحق من الباطل.
وأشار إلى ضرورة ممارسة الحرب النفسية كي لا تنعكس علينا من خلال حسن النظام والإعداد قائلا: مشكلة العرب في عام 1967 أن بعض قادتها أطلق شعارات رائعة استنفرت المشاعر دون أي إعداد للقوة فاستولى الصهاينة بحرب الأيام الستة على الضفة والقدس وغزة وسيناء.
كما لفت إلى أن أهم أسباب انكسار ثورة الحسين بالمعنى المادي أهل الكوفة الذين انهزموا فورا بالحرب النفسية ومورست عليهم سياسة كي الوعي وهي أن تذكر خصمك بتجربة مؤلمة لينهار الخصم قبل أن يقف على قدميه، وأهل الكوفة مروا بتجربتين حرب صفين التي قتل بها عشرات الآلاف فصارت كلمة «أهل الشام» فزاعة كما أن اسم عبيد الله بن زياد عندما حكم أبوه الكوفة بالحديد والنار وأذاقها أشد أنواع التعذيب والتمثيل بأهلها كان له اثر سلبي انعكس على تخاذلهم.
فضائل مساعدة المحتاجين
وفي الحسينية العباسية ارتقى المنبر سماحة الشيخ د.فاضل المالكي، والذي تطرق في محاضرته الى فضائل مساعدة المحتاجين وموضوع الصداقة وشروطها وضرورة التفريق بين الصديق والمنافق.
واستهل المالكي حديثه بالتأكيد على ان الكثير يتصور ان العبادة هي بالصلاة والصيام فقط وهما فعلا امران عظيمان ولكن هناك امر آخر وهو قضاء حاجة محتاج وفك كربته وضيقته وهو عظيم الشأن عند الله عز وجل، حيث اوحى الله عز وجل إلى داود: «يا داود، إن العبد ليأتي بالحسنة يوم القيامة فأحكمه بها في الجنة. قال داود: يا رب، ومن هذا العبد الذي يأتيك بالحسنة يوم القيامة فتحكمه بها في الجنة؟ قال: عبد مؤمن سعى في حاجة أخيه المسلم، أحب قضاءها، قضيت على يديه أو لم تقض».
واضاف ان مساعدة المحتاج الذي تقطعت به السبل ولم يجد حلا الا عندك فان ساعدته وقضيت حاجته فان الله يطفئ غضب جهنم بمساعدة اللهفان والمحتاج فانها امر عظيم عند الله عز وجل، مضيفا ان هناك من يتصور انه بعبادته وتسبيحه وصل الى درجة الكمال في العبادة ولكن هناك أحاديث تقول ان إصلاح ذات البين افضل من عبادات كثيرة لما فيها من إصلاح امر بين طرفين واعادة حبل المودة والتآلف بينهما، وهذا أمرا عظيم عند الله تعالى.
الصداقة.. والنفاق
وتطرق المالكي الى موضوع الصداقة قائلا: «ان الصداقة امر مهم بسن الناس ويجب ان يصادق الإنسان الصديق الذي يحثه على عمل الخير وعلى طاعة الله»، مشيرا الى ان النبي واهل بيته صلوات الله عليهم اجمعين تطرقوا الى الصداقة، وان الصديق هو من صدَقك وليس من صدّقك.
وأوضح ان هناك فرقا بين من صدَقك ومن صدّقك، فالذي يصدّقك هو من يصدق كلامك ويمدحك ان كنت على صواب وخطأ وهذا يأتي من باب المجاملات ولا يعتبر صديقا اما من صدَقك فهو الصديق الذي ينصحك ويوجهك ويساندك بنصائحه، وصدق قوله معك من اجل الخير لنفسك.
وتابع المالكي قائلا: «ان هناك ظاهرة خطيرة في مجتمعاتنا وهي ان يلاقيك الشخص بوجهين اي ان يكون امامك بوجه الصديق والمحب ومن خلفك يطعن فيك، وهذه قال عنها سيدنا رسول الله صلى الله عليه واله وسلم هي النفاق، وهنا فان الصديق يجب ان تكون سريرته وعلانيته لك سواء.
واستطرد: «أما الصفة الثانية في الصديق فهي ان يكون زينه، اي زينا له وحزنك حزنا له اي انك لو فرحت وسعدت فإنه يفرح لفرحك واذا لا سمح الله حزنت فانه يحزن لحزنك وليس ان يكون عكس ذلك كما هو في البعض الذي يدعي بانه صديق لك وان فرحت حزن لفرحك وان حزنت فرح لحزنك.
واشار المالكي الى ان الشيعة هم من يفرحون لفرح اهل البيت عليهم السلام ويحزنون لحزنهم، مضيفا انه من هنا جاء قول الائمة المعصومين «شيعتنا منا، خلقوا من فاضل طينتنا، يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا». واضاف المالكي: اما الصفة الثالثة للصديق فهي الا تغيره عليك لا ولاية ولا مال، لافتا الى ان هناك اشخاصا كثيرين يغيرهم المال والسلطة على اصدقائهم بل يصل بهم الأمر الى ان يتكبروا وهذا دليل ضعفهم وإحساسهم بالنقص من الآخرين لان الإنسان الكامل يزداد تواضعا كلما اعطاه الله سلطة ومال، وابسط مثال هم الأنبياء والرسل والأئمة المعصومون عليهم السلام.
فداء وتضحية
وتطرق المالكي في ختام مجلسه إلى أصحاب الحسين الذين صدقوا ما عاهدوا الله ووقفوا مع الحسين في كربلاء وقدموا ارواحهم بين يدي الامام الحسين عليه السلام حيث قال عنهم الامام الحسين عليه السلام يوم كربلاء، يصف أصحابه: «فإني لا أعلم أصحابا أوفى ولا خيرا من أصحابي ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي، فجزاكم الله عني خيرا»، وقد كان أصحاب الحسين عليه السلام صفوة البشرية يومئذ، وسادة المسلمين، فبعضهم كانوا من الصحابة، والبعض الآخر من التابعين، وجلهم حضر مشاهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، إضافة إلى ذلك منزلتهم الاجتماعية، فهم زعماء المسلمين وفرسانهم، وعلماء الأمة وجهابذتها، وسادة الناس، فقد كان تصميمهم على الموت، واستبشارهم بالشهادة لم يعهد في جيش من جيوش الاسلام، ولم يكن هذا منهم من قبيل المصادفة، بل كان صدى لعقيدة راسخة، وولاء صادقا، وقدما ثابتة في الإيمان والجهاد، فجزاهم الله عن الإسلام خيرا، وسلام عليهم يوم استشهدوا ويوم يبعثون.