محمد هلال الخالدي
يعرف الكويتيون ان نهضة الكويت وتطورها ارتبطا منذ البداية بجهود رجال مخلصين نذروا حياتهم رغم الفقر والفاقة وصعوبة العيش لخدمة بلدهم وشعبهم، والمرء لا يملك عندما يقرأ او يسمع سيرة تلك الشخصيات العظيمة التي يندر ان يكررها التاريخ الا ان يقف اجلالا واحتراما وتقديرا لتلك الرموز الوطنية صاحبة الايادي البيضاء. وعندما نتحدث عن نهضة الكويت نتحدث عن المدرسة المباركية بكل تأكيد حيث انطلقت منها شرارة التعليم النظامي عام 1911، وقد بنيت بتبرعات المحسنين من اهل الكويت، وعندما نذكر المحسنين ورجال العمل الخيري لا يمكن ان نتجاهل التبرع السخي للشيخ جاسم بن محمد الابراهيم وابن عمه رحمهما الله، حيث بلغت قيمة تبرعهما لبناء المدرسة المباركية 50 الف روبية، وهو ما يشكل 75% من مجموع التبرعات، والشيخ جاسم الابراهيم رحمه الله الذي يتم تكريم شخصه في مؤتمر «من الكويت نبدأ وإلى الكويت ننتهي» ضمن شخصيات كويتية فاعلة. هو احد اولئك الرجال الذين كانت لجهودهم الخيرة بصمة واضحة في تاريخ الكويت، وللتعرف على هذا النجم الساطع في سماء الكويت نعرض جزءا من الاصدار الذي اعده خالد عبداللطيف الابراهيم لتوثيق مسيرة شيخنا الجليل رحمه الله.
هو الشيخ جاسم بن محمد بن علي بن محمد، من آل ابراهيم بن ريمان العنقري، امراء ثرمدا في اقليم الوشم بنجد من بني سعد، من تميم رهط الصحابي الجليل قيس بن عاصم المنقري، الذي استقبله رسول الله ژ وأجلسه على ردائه قائلا: «اجلس انك سيد أهل الوبر».
ولد الشيخ جاسم الإبراهيم 1268 هـ الموافق لعام 1869م في فريج ابن ابراهيم في بهيته (حي الوسط بمدينة الكويت)، أمام موقع قصر السيف حاليا، وهو من بيت رفيع النسب كما أشرنا، اذ استقر أجداده في الكويت بعد هجرتهم من نجد في نفس توقيت تأسيس الكويت، وذلك عام 1120 هـ تقريبا.
قضى طفولته وصباه في الكويت ولما بلغ أشده درس في مدرسة خاصة في مجلس آل ابراهيم التي كان يدرس فيها أبناء الأسرة والأقارب والأصدقاء وكان يرتاد مجلس آل ابراهيم العديد من رجال الدين والعلم من داخل الكويت وخارجها من نجد والاحساء والزبير والبصرة.
رحلته مع العمل والتجارة
كان لأسرة المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم، رحمه الله، نشاط تجاري واسع في الكويت والهند، وقد نشأ متأثرا بهذه البيئة التي كان لها سهم وافر في تنمية قدراته وتوسيع مداركه واتصالاته، خصوصا في مركز تجاري وعالمي مثل مدينة بومباي.
كان آل ابراهيم من أوائل التجار الكويتيين الذين استقروا في الهند وعملوا في مجال التجارة بها في بداية القرن التاسع عشر الميلادي إبان حكم الشيخ جابر بن عبدالله بن صباح حاكم الكويت الثالث، رحمه الله.
وقد تنوع نشاط الأسرة التجاري فشمل كل صنوف التجارة، كما احتكرت تقريبا تجارة اللؤلؤ، منذ منتصف القرن التاسع عشر الى ظهور اللؤلؤ الصناعي في نهاية العشرينيات من القرن الماضي، وفق ما ذكره تاجر المجوهرات الفرنسي جاك كارتييه وما نقله ايضا تاجر اللؤلؤ الشهير زونتال في كتبه عن اللؤلؤ، أطلق على الشيخ جاسم وعبدالرحمن الابراهيم امراء اللؤلؤ كما ذكر في كتاب «كارتييه ـ مجوهراتي فوق العادة».
وللأسرة أملاك وبساتين نخيل واسعة في جنوب البصرة، فأضحى قطبا تجارتهم لآلئ وتمورا، واحتلوا مركزا مميزا في المنطقة التجارية العربية في تلك الفترة كما ذكر المستشرق الروسي سيرجي كوتلوف في كتابه «تكون القومية العربية الحديثة» وجاءت المعلومة نفسها لأستاذ التاريخ المعاصر في جامعة تونس الهادي التيمومي في كتاب له صدر هناك عام 2002م.
تسلم الشيخ جاسم الإبراهيم بعد وفاة والده وعمه ـ رحمهما الله ـ أعمال الأسرة ونشاطها التجاري حوالي عام 1908م فكان عند حسن الظن به اذ انكب على العمل بكل همة ونشاط، والله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملا فحقق بفضله تعالى قدرا كبيرا من النجاح والشهرة معا وغدا من أغنى التجار العرب ليس في الخليج فحسب بل في الهند كذلك.
وقد بلغت سمعته الآفاق فقصده الكثيرون ونال من جوده وكرمه السائل والمحتاج، ونال شأنا كبيرا في مجالي الاقتصاد والصناعة ومن ذلك تأسيسه (شركة المراكب العربية المحدودة) في الهند وهي اول شركة ملاحة عربية خالصة تسير البواخر الحديثة، كما أسس مصانع اخرى للعقاقير في بومباي وله مساهمات في شركات وصناعات عدة.
صفاته وأخلاقه
كان رحمه الله جوادا كريما لا يرد سائلا ولا محتاجا، كما عُرف عنه علو الهمة، وجميل الخصال والسجايا، اضافة الى طيب منبته وبعده بالفطرة عما يغضب الله تعالى، فقد كان ايمانه بالله تعالى عظيما واعتقاده راسخا يعجبه من الناس الصدق والإخلاص وكان ذلك يقربه من الناس ويقربهم منه اكثر، وذكر عنه الإمام محمد رشيد رضا انه كان كتوما في أعماله الخيرية، ولا يريد شهرة منها ولا جاها أو مردودا بل ثوابا عند ربه وقربى.
وكان الشيخ جاسم الإبراهيم من أهل الجود والكرم، وقد سجل له التاريخ مواقف رائعة ومشرفة داخل الكويت وخارجها، بذل خلالها أموالا طائلة في أوجه الخير كافة فلم يتأخر عن تقديم المساعدة لبلده الكويت ووطنه العربي والإسلامي في حياته كما سيتبين لنا في أوجه إحسانه العديدة في الصفحات التالية، ملتمسا بذلك الأجر والثواب من الله تعالى القائل في كتابه العزيز (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم ـ البقرة:261).
مدرسة المباركية
حيث شرع المحسنون من أهل الكويت في إنشاء المدرسة المباركية عام 1911 وهي أول مدرسة نظامية في تاريخ الكويت، تأسست بجهود المحسنين وتبرعاتهم، ساهم المحسن الشيخ جاسم الإبراهيم، رحمه الله، بالنصيب الأوفر لبناء هذا الصرح العلمي الذي كان له أبلغ الأثر في تاريخ الكويت الحديث، فقد تبرع، رحمه الله، بمبلغ 30 ألف روبية، وتبرع ايضا ابن عمه الشيخ عبدالرحمن بن عبدالعزيز الابراهيم بمبلغ 20 ألف روبية، وهكذا فقد بلغت نسبة تبرعه مع ابن عمه، رحمهما الله، 75% من مجموع ما تبرع به أهل الكويت جميعا لبناء المدرسة المباركية ولذلك فقد كتب الشيخ يوسف بن عيسى القناعي، رحمه الله، قصيدة أشاد فيها بتلك المكرمة الكبيرة وكان مطلعها:
-
هكذا الفضل وإلا فلا لا
-
إن للفضل وللمجد رجالا
وذكرت مراسلات أسرة آل خالد الكريمة التي تبنت الإشراف على تأسيس المدرسة وكذلك ما ذكره الشيخ محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار المصرية ان الشيخ جاسم الإبراهيم سعى لإعداد مناهج وطلب أساتذة من مصر للتدريس في المدرسة المباركية التي ذكرت في عدد مارس 1912م ص327 ـ 328 المجلد 15 جزء2 تحت عنوان «مدرسة علمية في الكويت»، وكذلك ساهم الشيخ جاسم في بناء مدرسة الهداية الخليفية في البحرين عام 1919م.
«إنصو كولابا»
فتح الشيخ جاسم الإبراهيم، رحمه الله، ذراعيه لأبناء بلده جميعا المغتربين المقيمين في الهند وكذلك لإخوانه تجار اللؤلؤ والبحارة والمسافرين والزائرين للهند ومن تقطعت بهم السبل وعابري السبيل فكان يتكفل بحل مشكلاتهم وقضاء حوائجهم، ومد يد العون للمحتاجين منهم، فكان غوثا وملاذا لكل من ألمت به ملمة خارج وطنه، وكثيرا ما كان يستعين به تجار اللؤلؤ وطواويشه فيتركون عنده محصولهم اذا لم يتسن لهم السعر المناسب، فيكفيهم مصاريف الإقامة الطويلة الباهظة.
ولاتزال محطة القطار في بومباي الواقعة قرب قصره، شاهدا حيا على أعماله وآثاره العريقة وهي تحمل اسم محطة منزل جاسم.
ولما كان، رحمه الله، ملاذا بعد الله تعالى لكل الكويتيين بل والعرب في الهند ساد تعبير عند بحارة الكويت والخليج عامة أثناء وجودهم في بومباي يقولونه في ساعة العسرة، حيث يقولون: انصو كولابا «اي اقصدوا ضاحية كولابا» حيث قصور آل ابراهيم ودواوينهم ومكاتبهم.
فقد كان بيت آل ابراهيم في بومباي أشبه بسفارة للكويتيين وأبناء الخليج والعرب من الجانب الايراني القادمين من لنجه وبوشهر، بالاضافة الى كل من يطلب العون أو المساعدة من عموم المسلمين في تلك المناطق فكان يسارع، رحمه الله، الى عمل الخير عملا بقول رسول الله ژ: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» رواه مسلم.
دوره الوطني
ساهم الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ في اعلاء سمعة بلده الكويت ومكانتها عبر البحار من خلال تأسيسه شركة المراكب العربية، وكان من ضمن مؤسسيها المشاركين الشيخ مبارك الصباح وأولاده وبعض التجار الكويتيين والخليجيين.
وهي من كبرى الشركات في هذا المجال في ذلك الوقت ومما يوضح اهمية هذا العمل وحرصه ـ رحمه الله ـ على ان يكون ذلك مساهمة في رفع مكانة واسم بلده الكويت انه قد خط بيده رسالة في السادس من ربيع الآخر عام 1229 هـ وجهها الى المرحوم حسين بن علي آل سيف، يعلمه بتأسيس الشركة المذكورة ويشجعه على الشراء، ليكون للكويت اسم ومكانة واحترام عبر البحار.
وقد اطلق على احدى هذه البواخر الحديثة اسم «الكويت» كما اطلق اسماء «البحرين» و«جدة» و«الحجاز» على بعض بواخر الأسطول. وكان من اهداف تأسيس شركة المراكب العربية تيسير نقل الحجاج المسلمين من الهند الى الاراضي المقدسة وتسهيل ادائهم للفريضة على سفن يملكها مسلمون حيث كانت هذه السفن توفر الاسباب التي تيسير رحلة الحجاج اذ كانوا في السابق يقصدون الحج بسفن تملكها شركات اوروبية ولا تهتم بهذا الجانب ومن اجل ذلك خصص ـ رحمه الله ـ لهذا الامر سفينتي «جدة» و«الحجاز» للعمل على خطوط البحر الاحمر والحجاز، اما الباخرتان الأخريان فلنقل اخوانهم الخليجيين من الهند الى الخليج والعكس.
ولم يقتصر خير الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ على وطنه الكويت فحسب، بل كان شجرة وارفة مباركة العطاء كثيرة الثمار، فامتدت مظلة عطائه وجوده وشملت الكثير من الاقطار العربية والآسيوية بل الأوروبية.
وفيما يلي بيان ببعض اعماله الخيرة في الوطن العربي ثم الهند وبريطانيا:
إنشاء كلية الدعوة والإرشاد في القاهرة
حرص الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ على المساهمة في دعم مسيرة التعليم في وطنه العربي لادراكه أهمية التعليم في حياة الامم والشعوب عملا بقول الرسول الكريم ژ: «طلب العلم فريضة على كل مسلم» أخرجه ابن ماجة في سننه.
ففي نفس السنة تقريبا التي تبرع فيها بمبلغ كبير لمدرسة المباركية بالكويت، شرعت القاهرة في تأسيس كلية الارشاد والدعوة في السابع والعشرين من ربيع الأول عام 1329 هـ الموافق عام 1911، وتبنى امرها الشيخ الامام محمد رشيد رضا ـ صاحب جريدة المنار ـ فلم يتردد الشيخ جاسم ـ رحمه الله ـ في المشاركة في هذا المشروع الخيري بل سارع بالمساهمة فيه بمبلغ ألفي جنيه استرليني، كما شارك ـ رحمه الله ـ في دعمها بطريقة اخرى من خلال اشتراك سنوي بقيمة مائة جنيه استرليني بواسطة الشيخ محمد رشيد رضا.
إعادة بناء مسجد الزبير بن العوام
ومما يتشرف به الشيخ جاسم ـ رحمه الله ـ من اعمال انه كان رابع الاربعة الذين بنوا وعمروا هذا المسجد المبارك بعد ثلاثة من السلاطين، وهذا شرف لم يسبقه اليه احد من المحسنين او التجار العرب.
ففي عام 1334هـ عندما وقعت الهدامة وهي امطار غزيرة اصابت الكويت وبعض مناطق العراق، واجتاحت مدينة الزبير التي يقع بها مسجد وضريح الزبير بن العوام ÿ حواري رسول الله ژ وابن عمته قام اهل الزبير بتنظيم حملة تبرعات لترميم المسجد واعادة بنائه وجمعوا مبلغا من المال ولكنه لم يكف لذلك، فأرسل الشيخ عذبي المحمد الصباح رسالة الى الشيخ جاسم في بومباي بالهند يخبره فيها بما حدث ويستنهضه للمشاركة في العمل الخيري المبارك. ولم يطل انتظار الشيخ عذبي فسرعان ما اتاه البشير برد الشيخ جاسم الابراهيم رحمه الله بأكثر مما كان متوقعا منه اذ طلب منه رد كل ما تبرع به الاهالي من ابناء الزبير وشكرهم على افعالهم وتعهد هو رحمه الله ببناء المرقد والمسجد وتوسعته ايضا وتأثيثه وتجهيزه على نفقته الخاصة، وذلك حرصا منه رحمه الله على اعمار بيوت الله تعالى القائل في كتابه العزيز: (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر واقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله فعسى أولئك أن يكونوا من المهتدين ـ آية 18 سورة التوبة).
وقد أوكل ـ رحمه الله ـ هذه المهمة الى الشيخ عذبي الذي اشرف على سير العمل حتى تم بتوفيق الله تعالى وقد استغرق ما يقارب العامين.
يقول السيد يعقوب الابراهيم احد ابناء الاسرة المهتمين بتوثيق التاريخ والذي وثق هذه السيرة العطرة ان هذه المعلومات موثقة في كتاب التحفة النبهانية ص 118-119 وفي كتاب الزبير قبل 50 عاما ليوسف البسام ص63، وكذلك مسجلة على اللوحة الرخامية عند مدخل المسجد.
المساهمة في إنشاء الجمعيات الخيرية في سورية
ساهم الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ في إنشاء الجمعيات الخيرية في دمشق بالجمهورية السورية عندما علم بحاجتها الى الرفد والدعم، وكان المبلغ الذي شارك به نحو عشرة آلاف قرش (ما يعادل 1000 جنيه استرليني) وذلك في الخامس والعشرين من رمضان عام 1329 هجرية أي منذ 95 عاما تقريبا، وقد أنفق رحمه الله هذه المبالغ قربة الى الله تعالى القائل في كتابه العزيز: (من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم ـ آية 11 سورة الحديد).
دعم الحركة السنوسية في ليبيا
لم يقتصر دعمه ـ رحمه الله ـ على إنشاء المساجد ودور العلم والجمعيات الخيرية فحسب، بل شارك في دعم الحركات الجهادية في بعض الدول العربية.
ومن ذلك ابان الاستعمار الايطالي لليبيا وعندما رفعت الحركة السنوسية هناك لواء الجهاد ضد الاستعمار، شارك ـ رحمه الله ـ بمبلغ ثلاثة آلاف روبية ومائتي جنيه استرليني، بواسطة السيد الشريف احمد السنوسي رحمه الله زعيم الحركة السنوسية قبيل الحرب العالمية الأولى.
دعم جمعية الحزب الحر المعتدل في البصرة
وكانت العراق آنذاك تخضع ايضا للدولة العثمانية في اواخر القرن التاسع عشر، حيث كانت الامور المادية والحياة صعبة، فطلبت منه شخصيات بارزة من البصرة مساعدتها، ومنها طالب النقيب والشيخ عبدالله باش اعيان (العباسي) لإنشاء مستوصف ومدارس وملجأ للأيتام وما شابه ذلك.
وقد شارك رحمه الله في دعم جهاد اهل العراق، فمد يد العون لجمعية الحزب الحر المعتدل في البصرة وكان لهذا الدعم دور كبير واثر بارز في استمرار نشاطها وقيامها بدورها في ذلك الوقت.
دعم الجمعية الخيرية الإسلامية في المدينة المنورة
ما ان سمع رحمه الله بحاجة الجمعية الخيرية الاسلامية في مدينة رسول الله ژ للدعم، حتى سارع مادا يد البذل والعطاء والجود لها طامعا فيما عند الله من عظيم الثواب، وفي شفاعة صاحب الروضة الشريفة بالمدينة المنورة، اجود الناس واحسنهم خلقا صلوات الله وسلامه عليه، وقد بلغ اسهامه في ذلك المجال عشرة آلاف ليرة عثمانية، تبرعت بها زوجته منيرة الابراهيم ـ رحمها الله.
دعم المجهود الحربي للدولة العثمانية
كما ساهم المحسن الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ في دعم المجهود الحربي للدولة العثمانية حيث قدم لها 60 الف روبية وشارك كذلك في حملتي تبرعات لدعمها ايضا في بومباي بالهند كانت حصيلة الاولى 151 الف روبية والثانية 265 الف روبية، وذلك للهدف النبيل الذي تبناه المحسن الشيخ جاسم الابراهيم، وهو دعم الخلافة الاسلامية في مجهودها الحربي في سبيل نصرة الاسلام ومساعدة اخوانه المسلمين في شتى بقاع الارض عملا بقول رسول الله ژ «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا ثم شبك بين اصابعه» رواه البخاري.
دعم تعليم أبناء الجالية العربية
امتد عطاؤه ـ رحمه الله ـ الى مجالات شتى لخدمة العرب والمسلمين في كل مكان، لذلك عندما تلمس حاجة ابناء الجالية العربية في المدينة التي يمارس فيها تجارته الى التعليم استقدم معلمة عربية مسلمة لتعليم البنات القرآن الكريم واللغة العربية، وقد استقدمت لهذا الغرض المربية المعلمة الفاضلة سارة الحنيف، وهي والدة المربي والمعلم الفاضل صالح عبدالله الصالح من الزبير ـ رحمهما الله ـ وكذلك عبدالوهاب بن يوسف الحنيان المربي المعروف حيث علم الجالية العربية في بومباي.
بناء أول مسجد في لندن
لما كان المحسن جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ من اصحاب الهمة العالية الذين يسعون دائما الى المعالي والاستكثار من الخيرات، لم يكتف بكل ما قدمه من دعم للخير في بعض الدول العربية والهند كما اسلفنا، بل حرص ايضا على ان ينال شرف المشاركة في بناء اول مسجد في عاصمة المملكة المتحدة (لندن)، مبتغيا وجه الله تعالى وعاملا بسنة نبيه الكريم الذي دعا الى اعمار بيوت الله تعالى عام 1917.
سكة حديد في الحجاز
تسهيلا لنقل حجاج بيت الله الحرام وتوفير الامن لضيوف الرحمن القادمين من دمشق على المدينة المنورة، ساهم ـ رحمه الله ـ في بناء سكة حديد الحجاز، بل كان من اوائل المساهمين في هذا المشروع الخيري الذي افتتح عام 1909.
وقاد كذلك ـ رحمه الله ـ حملة تبرعات كبيرة بين مسلمي الهند لمساندة هذا المشروع الاسلامي الكبير والذي يهدف الى تشجيع المسلمين على اداء مناسك الحج بأيسر السبل.
وقد منح وسام المجيدي من الدرجة الاولى لجهوده المشهودة في هذا المجال.
علاقته بالأمراء والوجهاء والأعيان في الكويت وغيرها
كان الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ ذا علاقات عميقة وواسعة بالكثير من الامراء والشيوخ والوجهاء والتجار ورجال الدين والعلم والمعرفة والسياسة في ذلك الوقت.
اما في الكويت فكانت له علاقات وطيدة بحكامه وعلى رأسهم الشيخ مبارك الصباح ـ رحمه الله ـ اذ كانت تربطه به صداقة قوية فكانا يتبادلان المشورة والرأي والهدايا، وقد قدم ـ رحمه الله ـ للشيخ مبارك اول سيارة سارت على ارض الكويت، وحينما زار الشيخ جاسم الابراهيم ـ رحمه الله ـ الكويت استقبله الشيخ مبارك الصباح استقبالا حافلا تقديرا له ولجهوده ومواقفه المشرفة.
كما كانت تربطه علاقة صداقة بالشيخ جاسم آل ثاني امير قطر، والشيخ عيسى الخليفة امير البحرين، وكان كلاهما من تجار اللؤلؤ الكبار في الخليج وبينهم معاملات كثيرة.
وله علاقات وطيدة بالشيخ خزعل بن مرداو امير عربستان تبادلا بها الود والهدايا وكذلك امراء ومهراجات الهند.
وكذلك ارتبط اسمه بأمراء مصر في ذلك الوقت ومنهم ولي العهد الامير محمد بن علي بن توفيق بن الخديوي اسماعيل الذي استقبله في قصر القبة في القاهرة عام 1910 في طريقه الى اوروبا، ودعاه لمشاهدة مشروع القناطر الخديوية (الخيرية).
وكان ايضا له علاقة بالسلطان العثماني محمد رشاد وقبله بالسلطان عبدالحميد الذي منحه وسام المجيدي من الدرجة الاولى نتيجة تبرعه السخي للاسطول العثماني ومساهمته في بناء سكة حديد الحجاز لنقل الحجاج بين الشام والحجاز.
كما كانت له علاقات حميمة مع اشراف الحجاز ومنهم الشريف عون والشريف حسين.
وهو من اوائل الذين قاموا بدعوة الشخصيات العلمية المهمة، فكان بيت الشيخ جاسم وآل ابراهيم منارة لكل زائر، ومن هؤلاء الشيخ حافظ وهبة الذي درس ابناءهم الى ان صار مستشار الملك عبدالعزيز والامير ضاري بن فهيد الرشيدي الذي الف كتاب «نبذة مختصرة لتاريخ نجد» اثناء تواجده للعلاج على نفقة آل ابراهيم في بومباي، اما وديع البستاني الذي كان من المعجبين بالشاعر طاغور فتمت دعوته الى بومباي، الذي قال في احد كتبه «كنت مقيما عند ملوك اللؤلؤ العرب في بومباي»، وكان له علاقة وثيقة مع الامير شكيب ارسلان من قادة العرب المعروفين. كما كانت له علاقات وثيقة بكثير من القادة والسياسيين العرب والاتراك آنذاك ومنهم جاويد باشا وطلعت باشا وطالب باشا النقيب وعبدالوهاب باشا القرطاس وجمع من اعضاء مجلس المبعوثين في اسطنبول.
وكان رحمه الله يحسن التكلم بلغات عدة، وزار معظم عواصم بلاد العرب واوروبا وطاف بأقطارها مما اتاح له شبكة علاقات تجارية واسعة وثقافة علمية وادبية وتاريخية.
وسام المجيدي
تلقى الشيخ جاسم الابراهيم عدة أوسمة رفيعة من شخصيات كبيرة، أهمها وسام المجيدي العثماني من الدرجة الأولى من السلطان عبدالحميد وذلك لتبرعه ببناء السكة الحديد لنقل الحجاج بين الشام والحجاز عام 1909.
تأبين عربي
عندما توفي الشيخ جاسم الابراهيم، رحمه الله، في بومباي عام 1956 كان وقع خبر وفاته كبيرا ليس فقط على أهله في الكويت، بل وفي العالمين العربي والإسلامي، حيث كتبت عنه العديد من الصحف العربية وشارك في تأبينه الشيخ محمد رشيد رضا صاحب جريدة المنار المصرية، والأمير شكيب أرسلان والأب انستانس الكرملي صاحب جريدة لسان العرب، والأمير أحمد السنوسي زعيم الحركة السنوسية بليبيا والسياسي حافظ وهبة والأديب بديع البستاني والصحافي عبدالمسيح الأنطاكي صاحب جريدة العمران والأمير ضاري بن فهيد الرشيد صاحب كتاب «نبذة عن تاريخ نجد» وغيرهم الكثير.
أبيات من قصيدة المدح والثناء
شعر مصلح الكويت الشيخ يوسف بن عيسى القناعي رحمه الله للشيخ جاسم محمد الابراهيم بعد تبرعه بمبلغ 30.000 روبية وابن عمه عبدالرحمن عبدالعزيز الإبراهيم رحمه الله 20.000 روبية، لدعم منارة العلم الأولى في الكويت المدرسة المباركية ويمثل مجموع المبلغين نسبة 75% من مجموع ما تبرع به اهل الكويت جميعا لبناء المدرسة.
-
هكذا الفضل وإلا فلا لا
-
ان للفضل وللمجد رجالا
-
يعرف الفضل ذووه في العلا
-
فهم الأبطال ان رمت نزالا
-
آل ابراهيم هم أهل الوفا
-
هم نجوم بسما المجد تلالا
-
وهم السادات هم أهل العلا
-
وهم الكهف اذا ما الخطب مالا
-
ان للمجد لهم في قاسم
-
علما يخفق جودا وجلالا
-
غن يا صاح بتذكار له
-
فلقد طاب أبو عوف فعالا
-
وعليكم آل ابراهيم ما
-
طلع الفجر سلام يتوالى