أعد المحامي دعيج الجري مذكرة تحدث خلالها عن اوجه عدم دستورية استجواب النائب مسلم البراك لوزير الداخلية الشيخ جابر المبارك.
وجاء في نص مذكرة الجري: اعتذر للقارئ العادي، فمقالي هذا «متخصص»، ولكن ان استوعب القارئ العادي مفرداته فسيجد صدرا رحبا وملقى عذبا، فاليوم لا ادعي العلم الدستوري، ولكن اسطر تفنيدا للمحاور الثلاثة التي تضمنها الاستجواب المقدم لوزير الداخلية لتوضيح ما شابه من عوار دستوري.
أولا: وجه عدم دستورية المحور الأول
ذكر المستجوب تحت عنوان: «التفريط في الاموال العامة للدولة وعدم اتباع الاجراءات القانونية المقررة في شأن المناقصات العامة ووجود شبهة التنفيع في عقد عمل توريد الاعلانات الارشادية للناخبين وتركيبها في جميع مراكز الضواحي وافرعها خلال انتخابات الفصل التشريعي الثاني عشر لمجلس الامة»، حيث سطر المستجوب ان وزير الداخلية الذي وقع العقد قد فرط في الاموال العامة عندما جرى التعاقد مع شركة خاصة بمبالغ كبيرة حيث تراوح سعر تنفيذ «البورد» الاعلاني الواحد بين 8000 دينار و14000 دينار، بالاضافة الى انه خالف احكام قانون المناقصات العامة ولم يحصل على الاذن المطلوب مع عدم توافر شروط هذا الاذن، كما خالف الوزير قانون انشاء ديوان المحاسبة عندما تم تجاهل الحصول على الترخيص المطلوب في التعاقد، بالاضافة الى مخالفته مرسوم قانون تنظيم ادارة الفتوى والتشريع عندما لم يمكن هذه الادارة المختصة من مراجعة العقد قبل ابرامه!
وفي ردنا على هذا المحور نقرر انه شابه عدم الدستورية من ناحية ان وزير الداخلية وحده لا يملك سلطة ابرام هذا العقد، حيث انه من اختصاص ادارة العقود والادارة القانونية بوزارة الداخلية اللتين يناط بهما ابرام مثل هذه العقود، وليست لوزير الداخلية سلطة التصديق، على ما تتخذه هاتان الادارتان من قرارات بشأن العقود، فإذا كان الوزير نفسه لا يملك سلطة التصديق او الاعتراض، فكيف يمكن ان نحمل الوزير مسؤولية قرار يصدر من ادارة «فنية متخصصة» لا يستطيع ان يباشر عليها اي سلطة حقيقية بنص القانون وتثار مسؤوليته السياسية، ويمكن ان يستجوب، ويمكن ان تسحب الثقة منه؟!
فهذه الحالة صورة من صور ان لا سلطة للوزير على الادارة التابعة له، الامر الذي يعني ان هذه المسؤولية يجب ان تفهم في حدودها المعقولة وفقا لمبدأ ان المسؤولية على قدر السلطة لاسيما ان المادة 100 من الدستور الكويتي تنص على انه: «لكل عضو من اعضاء مجلس الامة ان يوجه الى رئيس مجلس الوزراء وإلى الوزارات استجوابات عن الامور الداخلة في اختصاصاتهم.. الخ»، ومن المعلوم ان حدود مسؤولية الوزير المشرف تقدر بقدرها، اي لا تتجاوز الحدود التي رسمها القانون لهذا الاختصاص، لاسيما ان وزير الداخلية منوط به توفير، «الامن والضبط» فهو يسأل ـ مثلا ـ اذا تجاوزت الشرطة في تفريق مظاهرة، حيث ان مثل هذا الاجراء من صميم اختصاصه، ولكن لا يسأل عن ابرام عقد ليس من اختصاصه، ومن ثم فإنه لا تجوز مساءلة وزير الداخلية عن شأن لا يملك سلطانا عليه.
هذا من ناحية ومن ناحية ثانية فإن عجز المادة 115 من الدستور الكويتي تنص على انه: «لا يجوز لعضو مجلس الامة ان يتدخل في عمل اي من السلطتين القضائية والتنفيذية»، ويحسبان ان الامر ـ فيما يتعلق بالمحور الاول ـ قد احيل الى النيابة العامة، الامر الذي يعني انه قد غلت يد مجلس الامة في هذا الشأن، ويعني انه لا مفر من اللجوء الى المحكمة الدستورية لتفسير نص المادة 100 من الدستور الكويتي لتحديد مدى مسؤولية «الوزير» عن الادارات الفنية المتخصصة التابعة له والتي لا سلطان له عليها.
ثانيا: وجه عدم دستورية المحور الثاني
ذكر المستجوب تحت عنوان «الاساءة الى العملية الانتخابية لعضوية مجلس الامة ومكانتها والتأثير في توجيه ارادة المرشحين والناخبين والتهاون في وقف محاولات العبث بها، والمساهمة في تبرير بعض السلوكيات المشبوهة التي تم ارتكابها في مقر ادارة الانتخابات التابعة لوزارة الداخلية»، حيث سطر المستجوب ان ادارة الانتخابات بوزارة الداخلية شهدت صباح يوم الخميس 16 ابريل من العام 2009 مهزلة ما قبلها ولا بعدها من مهزلة عندما حضر احد المرشحين الى هذه الادارة ومعه حقيبة مليئة بالرزم النقدية واعلن لمراسلي الصحف أن هذه المبالغ مخصصة من اجل دفع رسوم كل من يريد الترشح في الدائرة الثالثة بشرط الا يكون من سكانها!
وفي ردنا على هذا المحور نقرر انه شابه عدم الدستورية حيث ان المستجوب ذاته في صدر استجوابه استشهد بقرار المحكمة الدستورية التفسيري الصادر في جلستها المنعقدة يوم 9 من اكتوبر من العام 2006 في شأن تفسيرها للمادتين 100 و 101 من الدستور والمقيد بسجل المحكمة الدستورية برقم 8 لسنة 2004 (تفسير دستوري)، حيث اوضحت المحكمة الدستورية «ان الوزير في الحكومة القائمة مسؤول عن الاعمال محل المساءلة والاستجواب سواء صدرت في عهد وزير سابق او صدرت عنه في حكومة سابقة، وذلك اذا استمرت تلك الاعمال في عهد الوزير معيبة، دون ان يتخذ بشأنها في حدود سلطته اجراء او تصرفا في مكنته قانونا لازالة العيب او اصلاحه...».
لما كان ذلك وكان تشكيل الحكومة الحالية، قد صدر بشأنه مرسوم اميري في 29/5/2009 وكان الفعل الذي ذكره المستجوب قد تم بتاريخ 16/4/2009 اي اثناء وجود حكومة تصريف العاجل من الامور، الامر الذي يضع الوزير بعيدا وبمنأى عن المساءلة السياسية بحسبان انه فعل تم وانتهى في ظل حكومة سابقة لا يجوز ان يؤاخذ عنه الوزير سياسيا عن طريق الاستجواب في ظل الحكومة الحالية.
ثالثا: وجه عدم دستورية المحور الثالث
ذكر المستجوب تحت عنوان «نصب كاميرات تلفزيونية متطورة ذات تقنيات امنية في ساحة الارادة بمواجهة بوابة مجلس الامة والمساس بحرية الاجتماعات العامة وفرض اجواء من الرقابة البوليسية عليها»، حيث سطر المستجوب ان وزارة الداخلية قد نصبت كاميرات ذات مواصفات خاصة في ساحة الارادة امام مجلس الامة والتي تكرر انعقاد اجتماعات عامة بها مارس المواطنون حقوقهم التي كفلها الدستور بالتجمع والتعبير عن آرائهم في القضايا العامة دون حضور رجال الامن العادي والتقني، مما جعل وجود هذه الاجهزة ونحوها رصدا وتجسسا غير مقبول لتحركاتهم واجتماعاتهم.
وفي ردنا على هذا المحور، نقرر انه قد شابه عوار عدم الدستورية بحسبان ان عجز المادة 115 من الدستور الكويتي تنص على انه: ..ولا يجوز لعضو مجلس الامة ان يتدخل في عمل اي من السلطتين القضائية والتنفيذية، كما ان قرار المحكمة الدستورية التنفيذي الصادر في جلستها المنعقدة يوم 11/4/2005 في شأن تفسيرها المادة 99 من الدستور والمقيد بسجل المحكمة الدستورية برقم 3 لسنة 2004 تفسيرا دستوري، اوضحت بشأن «السؤال البرلماني» انه يجب «الا يساء استعجاله، بحيث لا يكون من شأنه عرقلة اعمال الحكومة وتعطيل مصالح الدولة او ضياع وقت المجلس وتعطيله عن ممارسة عمله في نظر المسائل التشريعية»، فما بالنا بالاستجواب؟ اذ ان من خط الاستجواب بيمينه ومهره بتوقيعه يستحيل عليه ـ وفقا للمجرى العادي للامور ـ ان يكون قد جمع مادته وسطر كلماته خلال ثمانية ايام فقط ـ مع مراعاة انه قدم صباح اليوم التاسع من عمر مجلس الامة ـ مما يعني ان الاستجواب كان مجهزا سلفا قبل القسم لاغراض شخصية ومن ثم خالف الشرائط الموضوعية في الاستجواب وفقا لما استقرت عليه المحكمة الدستورية حيث لم تكن غايته تحقيق المصلحة العامة.
الامر الذي لا مناص معه من اللجوء الى المحكمة الدستورية لتفسير نص المادة 100 من الدستور الكويتي لتحديد مدى انطباق ما قررته بشأن «السؤال البرلماني» على «الاستجواب» من ناحية انه لا يكون من شأنه عرقلة اعمال الحكومة وتعطيل مصالح الدولة، او ضياع وقت المجلس وتعطيله عن ممارسة عمله في نظر المسائل التشريعية.
وتبقى كلمة..
ان يوجه عضو مجلس الامة استجوابا هو حق للعضو كفله له الدستور، لكن في المقابل ان يلجأ وزير الداخلية الى المحكمة الدستورية هو ايضا حق له لبيان ما شاب الاستجواب من عوار دستوري بحسبان ان الحكم قائم على سلطات ثلاث لا يعني الفصل بينها الفصل التام، انما هو الفصل المرن الذي يقتضي التعاون لإعلاء كلمة الدستور.
وهذا هو موضوع حديثنا المقبل ان كان في العمر بقية.