ليلى الشافعي
أثارت تصريحات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التي قال فيها انه لا يعتبر ان النقاب (البرقع) رمز ديني بل رمز لاستعباد المرأة ردودا متباينة من رجال الدين داخل وخارج فرنسا.ففي مصر عقب شيخ الأزهر د.محمد سيد طنطاوي بقوله: إن هذا الشأن داخلي ولا علاقة لنا به وكل واحد حر في دولته، وقال انه ليس لي شأن بقرار الرئيس الفرنسي بمنع ارتداء النقاب في بلاده لأن لكل دولة قوانينها التي تحكمها وهذا أمر داخلي تنظمه كل دولة كيفما تشاء. وقال ان المسلمات اللاتي يرتدين النقاب في فرنسا هن في حكم المضطر في هذه الحالة وعليهن الامتثال لقوانين الدولة التي يقمن فيها، وأوضح طنطاوي ان النقاب ليس فريضة اسلامية وانما يمكن ان ترتديه المرأة او تخلعه حسب ما تريد، اما الحجاب فهو فريضة اسلامية ولا يمكن خلعه في الدول الاسلامية بأي حال من الأحوال والمقصود بالحجاب ستر كل جسد المرأة عدا الوجه والكفين وان ترتدي المرأة ثيابا لا تصف ولا تشف ولا تكشف فما هو رأي العلماء في هذه الحالة؟
يقول د.عجيل النشمي: تعليقا على قول سماحة شيخ الأزهر ان النقاب ليس فريضة وان الحجاب هو الفريضة وان موقف فرنسا من الحجاب شأن داخلي، اقول: ان المفتي موقع عن رب العالمين فعليه ان يتحرى الدقة في العبارات وان يجيب على قدر السؤال، فمثل هذا القول صحيح من الناحية الفقهية، ولكن حسن الفتوى كان يفترض ان يوضح ان النقاب وان لم يكن فرضا الا انه افضل من الحجاب لأنه استر للمرأة، وان الفقهاء يجمعون بأن كشف الوجه اذا ترتب عليه فتنة وجب ستره.
ومن جانب آخر، ما كان سماحة الشيخ في حاجة الى التبرير بما لم يطلب منه فيزيد على الحكم الشرعي بأن موقف فرنسا من الحجاب شأن داخلي، فهذا تقرير واقع، ولكن ربطه بقضية النقاب جعل المغرضين من الصحافيين في فرنسا، بل جعل الرئيس الفرنسي ساركوزي يتدخل بنفسه وينقل القضية من النقاب الى الحجاب فيتجرأ على القول: انه «استعباد للمرأة» وانه «غير مرحب به في فرنسا»، وانه «ليس رمزا دينيا» فإن من حصافة المفتي ألا يترك ثغرات في فتواه، وألا يكون فضوليا فيقدم لخصوم الإسلام ما لم يطلبوه ونحن اذ نحسن الظن بسماحة شيخ الأزهر وندعوه الى ان يصحح هذه العبارات لئلا تتخذ جسرا لأصحاب الأعراض والأهواء. يقول رئيس اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق احكام الشريعة الاسلامية د.خالد المذكور في حكم النقاب: اتفق الفقهاء جميعا على ان الملابس الشرعية التي يجب على المرأة ان تلبسها امام الرجال الاجانب لابد ان تكون ساترة لشعرها وجميع جسدها وان تكون هذه الملابس لا تصف ولا تشف هذا باتفاق العلماء، واختلفوا في تغطية الوجه، فذهب بعض العلماء الى وجوب تغطية وجه المرأة وذهب البعض الآخر الى عدم تغطية الوجه، بدليل ان المرأة في صلاتها لا تغطي وجهها وفي الاحرام بحج أو عمرة لا تغطي وجهها ويحرم عليها ذلك فعورتها داخل الصلاة هي عورتها خارج الصلاة كما يقولون، وعلى هذا فاذا ارادت المرأة ان تغطي وجهها فلها ذلك ولا يستطيع احد ان ينكر عليها تغطية وجهها، واذا ارادت الكشف عن وجهها فلا اثم عليها.
وبخصوص المسلمات المنتقبات في فرنسا قال د.المذكور ان الاخوات المنتقبات لا حرج عليهن شرعا في كشف وجوهن اتباعا لقانون هذا البلد ولا اثم عليهن بشرط ان يلبسن الملابس الشرعية كما هي منصوص عليها من حجاب وملابس لا تشف ولا تصف.
مشروع وليس واجبا
يرى الداعية ناظم المسباح ان تغطية المرأة وجهها سواء كان بنقاب او ببرقع او ببوشية او غطوة هذا امر مشروع وحكمه مستحب بحيث تثاب صاحبته ولا تعاقب ان تركته، وبين ان اهل العلم اختلفوا في وجوبه فالجمهور يرى عدم الوجوب، ورأي أفتى به من المعاصرين الألباني ود.القرضاوي وهو ان اقل ما يمكن ان يقال في النقاب انه جائز، اما من قال ان النقاب بدعة فهو جاهل بأصول شريعة الله تعالى، وذهب آخرون من هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية الى اختيار القول بالوجوب، مشيرا الى ان هذا الموضوع قديم بين العلماء والفقهاء، وحول فتوى شيخ الازهر ان النقاب ليس فرضا وان الحجاب هو الفريضة الاسلامية ولا يمكن خلعه في حال من الاحوال والمقصود بالحجاب هو ستر كل الجسد ما عدا الوجه والكفين وان ترتدي المرأة ثوبا لا يصف ولا يشف ولا يكشف، كلامه صواب ولم يأت شيخ الأزهر في هذه الفتوى بشيء مخالف لما عليه الأئمة الأربعة، اما عن كيفية تعامل المرأة المنتقبة في فرنسا فأوضح المسباح: للمرأة ان تكشف وجهها للضرورة ولا حرج في ذلك مادامت اضطرت الى حالة ملحة ولازمة، ومن حق القاضي أو من يريد ان يتأكد من شخصية المنتقبة ان تكشف له عن وجهها. اما منع النساء من الحجاب أو النقاب لمجرد المنع فليس لهم ذلك، وعلينا ان نطالبهم بالتي هي أحسن ان يحترموا ما يدين به المسلمون، وكما نطالبهم نحث بناتنا اللاتي يعشن في هذه البلاد ان يطالبن بحقوقهن وليس لنا ان نمنع حكوماتهن عن قوانينها، ولكن نملك حق المطالبة، والنقاب يعتبر فضيلة لمن أرادت ان ترتديه لدواع هي أعلم بها.
زيادة في العفة والفضل
ويقول د.بسام الشطي: الصحيح من الأدلة وآثار الصحابة وأقوال العلماء ان النقاب واجب ويدل على العفة والحياء والطهارة ويجنب المرأة نظرات ضعاف النفوس ويحرسها من أهل السوء ويزيدها ايمانا، وكانت النساء في خير القرون يتنقبن من اجل طاعة الله والقرب الى الجنة. وقد أمر الإسلام جميع النساء المسلمات بان يضربن بخمرهن على جيوبهن ولا يبدين شيئا من زينتهن لأحد غير المحارم أو الأزواج.
ويرى د.الشطي ان لباس المرأة حرية شخصية لا يجوز التدخل فيه في أي دولة من الدول ولكن على المرأة المنتقبة ان تكشف عن وجهها اذا طلب منها ذلك للتعرف على شخصيتها في مواقف محددة مثل الشهادة في المحاكم أو غيرها، وطالب الدول الاسلامية بتوفير نساء يقمن بالتأكد من شخصية المنتقبة وليس الرجال. وأشار الى ان نساء الغرب الآن يضعن على وجوههن قطعة من القماش اتقاء من انفلونزا الخنازير مما يدل على ان النقاب وما يوضع على الوجه وقاية من كل سوء.
ويبيّن الخبير في الموسوعة الفقهية د.أحمد الحجي الكردي ان الفتنة مظنونة في المرأة الشابة مطلقا، فلا يجوز لها كشف وجهها أمام الأجانب عنها من الرجال في الشارع أو غيره، اما في الأماكن التي لا يدخلها إلا رجال محددون كما هو في المنازل فإن كانوا ممن لا تخشى منهم الفتنة فلا بأس في أن تكشف وجهها أمامهم. اما في حالة المرأة العجوز والشوهاء فلا بأس في ان تكشف وجهها في الشارع ولو سترته احتياطا كان أولى لها لقول الله تعالى (والقواعد من النساء اللاتي لا يرجون نكاحا فليس عليهن جناح ان يضعن ثيابهن غير متبرجات بزينة وان يستعففن خير لهن والله سميع عليم ـ النور: 60).
وأشار د.الحجي الى ان الفقهاء اتفقوا على ان عامة بدن المرأة عورة، واختلفوا في الوجه والكفين والقدمين، فذهب الجمهور منهم إلا ان القدمين من العورة وقال البعض: القدمان ليستا من العورة، أما الوجه والكفان فالجمهور يرى انهما ليست بعورة، وقال البعض: هما من العورة، وعليه فيجب على المرأة ان تستر عامة بدنها المتفق على انه من العورة بحجابها لقوله تعالى: (يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ـ الأحزاب: 59).
أما القدمان والوجه والكفان فكذلك عند من يجدها من العورة لأن العورة ما يجب ستره من المرأة مطلقا سواء خشيت الفتنة أم لا، أما من لا يعدها من العورة فقال يوجب سترها عند خشية الفتنة فإذا أمنت الفتنة جاز كشفها.وبين اتفاق الفقهاء على جواز كشف المرأة وجهها عند الضرورة او الحاجة الماسة على قدرها للقاعدة الفقهية «الضرورات تبيح المحظورات» والقاعدة الفقهية «الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة او خاصة» وأشار الى انه لا مانع من ان تكشف المنقبة وجهها لرجال الأمن والمرور عند الحاجة الماسة الى ذلك كجواز كشف وجهها للطبيب والقاضي عند الحاجة. وأكد د.الحجي ان الفقهاء الذين قرروا هاتين القاعدتين قرروا قاعدة ثالثة لا يجوز تناسيها وهي قولهم «الحاجة تقدر بقدرها» وهذا يعني ان الرخصة في كشف الوجه لرجال الأمن والمرور جائز عند الحاجة الى ذلك اذا لم يغن غيره عنه، فإذا أغنى غيره عنه لم يجز، مشيرا الى ضرورة تأمين شرطية من النساء تقوم بهذه المصلحة كما يفعل في بعض المطارات او الحدود الإسلامية، حيث يوفر عدد من الشرطيات من النساء للتأكد من شخصيات النساء المجاوزات للحدود وعدم السماح للرجال للقيام بذلك لما تقدم من القواعد فإن تعذر ذلك أو تعسر ولا أراه متعذرا أو تعسرا في أغلب الأحوال فلا بأس بأن تكشف المرأة وجهها لرجال الأمن والمرور عند الحاجة الى ذلك.