مرة أخرى نعود لنقول، الى متى ستستمر النظرة الخاطئة للاستجواب عبر تصويره وكأنه معركة بالأسلحة الثقيلة لابد أن تنتهي بقاتل ومقتول او غالب ومغلوب؟!
الاستجواب حق دستوري وهو أهم وأكثر الأدوات الدستورية فاعلية، وبالأمس استخدم النائب مسلم البراك هذه الأداة المتدرجة ووصل بها الى مرحلة طرح الثقة بوزير الداخلية الذي رأى المجلس انه لا يستحق نزع الثقة منه، فحصل على 30 صوتا جاءت بمثابة تجديد واضح للثقة به.
الأمران المهمان هنا هما أولا انه لولا الاستجواب لما حصلت الحكومة على فرصة تجديد الثقة بوزيرها بعد سلسلة من الخيبات والانسحابات والتراجعات في الماضي القريب.
وثانيا، حقق الاستجواب نتيجة مهمة جدا حققها كل من النائبين الفاضلين مسلم البراك واحمد السعدون وكل من أيد طرح الثقة وهي ان اي وزير سيفكر للمرة الألف مستقبلا قبل التوقيع على عقد مثل العقد الذي أثار الجدل، وكان موضوع المحور الأول في الاستجواب.
اما بالنسبة لما أثير حول قبلية الاستجواب فقد شاهدنا امس 11 نائبا قبليا يمنحون الثقة للوزير وكان النائب مسلم البراك محقا عندما قال ان هذه الواقعة تؤكد عدم صحة ما أثير حول وجود «نفس قبلي» خلف الاستجواب، كما ان تأييد النائب احمد السعدون للاستجواب لا يعني ـ كما حاول البعض تصويره ـ انقلابا على أبناء دائرته بل على العكس جاء ليؤكد وجود شبهات تستدعي التحقق منها وإلقاء الضوء عليها، وأي مراقب محايد لابد ان يقول ان دعم السعدون للاستجواب قد ساهم في نزع صفة «القبلية» عن المساءلة، مؤكدا مجددا انه رجل مبدأ وصاحب ضمير حي وسياسي محنك وجريء، يملك ما يكفي من الجرأة لينقل وجهة نظره الى الشارع ويؤثر فيه بدلا من الانجرار وراء هذا الشارع.
لست أرى في نتيجة الأمس هزيمة للتكتل الشعبي على الإطلاق، فما قام به البراك مجرد ممارسة لحق من حقوقه التي انتخب من أجلها وأوصل رسالة مهمة، وهو اليوم يمثل رأى شريحة كبيرة من الكويتيين بغض النظر عما اذا كنا نتفق او نختلف معه فيما ذهب إليه.
ولست أرى انتصارا للحكومة لأن حكومة واثقة من نفسها يجب ان تكون قادرة على مواجهة استجواب كل يوم بنفس الثقة والتضامن وبعيدا عن التشكيك والتهديد والتهويل لأنه بيدها ان تجعل الاستجواب «فزاعة» او ان تجعله فرصة لتجديد الثقة كما حصل أمس.