- الله تعالى وفّق ولاة أمورنا مع أشقائهم في الدول الخليجية والعربية في اتخاذ قرار المشاركة العسكرية باليمن لرد كيد الظالمين المعتدين
- السياسة وتقدير مصالح الدولة والقرارات العسكرية وغيرها من الأمور العظام ليست من شأن عامة الناس بل لولاة أمر المسلمين
أسامة أبوالسعود
أكد أئمة المساجد في خطبة الجمعة امس أن الله تعالى وفّق ولاة أمورنا مع إخوانهم وأشقائهم من دول الخليج وبعض الدول العربية في اتخاذ قرار المشاركة العسكرية الأخيرة في بلاد اليمن حرسها الله تعالى ورد عنها كيد الظالمين المعتدين، مشددين على ان هذه المشاركة أقرت عيون المؤمنين وشرحت صدور المسلمين، لما فيها من رد الباغي، ونصرة المظلوم، والرد عن بلاد المسلمين، وسد باب تربص الأعداء الطامعين.
وجاء في الخطبة التي حصلت «الأنباء» على نسخة منها وأعدتها لجنة إعداد الخطبة النموذجية لصلاة الجمعة ودروس الإمام بإدارة الاسناد بقطاع المساجد بوزارة الاوقاف وعممتها على مختلف مساجد البلاد امس بعنوان «وصايا في زمن الشدائد» أن شأن السياسة وتقدير مصالح الدولة واختيار قرار المشاركة العسكرية وغيرها من الأمور العظام ليست من شأن عامة الناس، وإنما هي من شأن من ولاه الله أمر المسلمين، حيث أوكل الله لهم وحملهم أمر الذب عن المسلمين والدفاع عن حرماتهم، إذ هذا حق أوجبه الله عليهم، كما أوجب سبحانه وتعالى علينا طاعتهم، والالتفاف حولهم ممتثلين بذلك قول الله تعالى: (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ـ النساء: 59).
وتابعت الخطبة أن اجتماع كلمة الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم من أعظم ما يغيظ الأعداء، ويسد عليهم كل المنافذ التي تنفذ إلى تفريق كلمتهم، وتشتيت أمرهم، وبث الفرقة بينهم.
ودعت خطبة الجمعة امس الى دعم ومؤازرة اخواننا العسكريين المرابطين في سبيل الله الذين تركوا اولادهم وأهليهم وعرضوا حياتهم للخطر. وفيما يلي نص الخطبة كاملة:
وصايا في زمن الشدائد
إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره الكافرون، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، فصلى الله عليه وسلم تسليما كثيرا، وعلى آله وأصحابه وأتباعه والسالكين طريقه، والمهتدين بهديه بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فاتقوا الله ـ عباد الله ـ في أقوالكم وأفعالكم وسركم وعلنكم: (يأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون ـ آل عمران: 102).
عباد الله:
إن المؤمن في هذه الدنيا يتقلب بين الفرح والترح، والحزن والسعادة، والضيق والسعة، والرخاء والضراء، فمن عرف ذلك وطن نفسه على لأوائها، وصبر على بلائها، واحتسب الأجر في مكابدتها، ثم اعلموا رحمكم الله أن سنة الله الماضية وحكمه النافذة قضت وقوع الفتن في آخر الزمان بل وكثرتها، وتتجلى هذه الفتن في هذه الأزمنة حيث اضطربت الأحوال وتغيرت المفاهيم ولبس الباطل لبوس الحق، فأصبحت نصرة المظلوم عدوانا، وانتصار المرء لنفسه وإخوانه تعديا وطغيانا.
يصدق هذا ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم: «وإن أمتكم هذه جعل عافيتها في أولها، وسيصيب آخرها بلاء وأمور تنكرونها» (رواه مسلم من حديث عبدالرحمن بن عبد رب الكعبة).
وهذه الأمور المنكرة تشمل ما يبث من الشبهات، وما يروج من الشهوات، عافانا الله وإياكم.
أيها المسلمون:
لا يخفى على أحد تسارع المجريات، وتتابع الأحداث مما يتأكد الأمر معه إلى أهمية الأخذ بالنصائح والإرشادات والوصايا والتوجيهات التي تجعل المرء معها في عصمة من أمره، وحيطة في دينه، ومستبق لحياته وإخوانه.
إخواني الكرام:
من أعظم ما حذرنا منه: التأسي بصفات المنافقين، والتخلق بأخلاقهم، فكيف يستوي من هو على هدى ومن هو في ضلال مبين؟
ومن أخطر صفات المنافقين التي حذرنا منها: بث الإشاعات، ونشر الأكاذيب، والإرجاف بالمؤمنين، قال تعالى محذرا من طريقتهم ومشاكلتهم (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ـ النساء: 83).
أي نشروه وأشاعوه بغير تثبت وبينة، ولا شك أن هذا التوجيه الرباني فيه النجاة لمن تمسك به، والسلامة لمن اعتصم به. ثم إن هذا الفعل الشنيع، والعمل القبيح صاحبه متصف بصفات الكاذب الذي باء بالإثم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع» (رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه).
أيها المؤمنون:
لقد وفق الله تعالى ولاة أمورنا مع إخوانهم وأشقائهم من دول الخليج وبعض الدول العربية في اتخاذ قرار المشاركة العسكرية الأخيرة في بلاد اليمن حرسها الله تعالى، ورد عنها كيد الظالمين المعتدين.
وهذه المشاركة التي أقرت عيون المؤمنين وشرحت صدور المسلمين، لما فيها من رد الباغي، ونصرة المظلوم، والرد عن بلاد المسلمين، وسد باب تربص الأعداء الطامعين.
والواجب علينا أمام هذا الحدث أن نعطي القوس لباريها، فشأن السياسة وتقدير مصالح الدولة، واختيار قرار المشاركة العسكرية وغيرها من الأمور العظام: ليست من شأن عامة الناس، وإنما هي من شأن من ولاه الله أمر المسلمين، حيث أوكل الله لهم وحملهم أمر الذب عن المسلمين والدفاع عن حرماتهم، إذ هذا حق أوجبه الله عليهم، كما أوجب سبحانه وتعالى علينا طاعتهم، والالتفاف حولهم ممتثلين بذلك قول الله تعالى (يأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم ـ النساء: 59).
واعلموا رحمني الله وإياكم أن اجتماع كلمة الراعي والرعية، والحاكم والمحكوم من أعظم ما يغيظ الأعداء، ويسد عليهم كل المنافذ التي تنفذ إلى تفريق كلمتهم، وتشتيت أمرهم، وبث الفرقة بينهم.
أيها المؤمنون:
إن من أقبح الصفات وأشنع النعوت الاتصاف بصفة من صفات المنافقين التي هي صفة الإرجاف والتخذيل والتحبيط والتثبيط سيما في زمن الحرب وحصول الخوف، قال تعالى (لو خرجوا فيكم ما زادوكم إلا خبالا ولأوضعوا خلالكم يبغونكم الفتنة وفيكم سماعون لهم ـ التوبة: 47).
فكل من أرجف وخذل سواء كان بالقول أو بالكتابة أو بالتشكيك أو باختلاق الأكاذيب أو بإعادة إرسال الرسائل الكاذبة، مما قد يسبب الهلع بين المسلمين، فقد اتصف بصفة من صفات المنافقين.
أيها المؤمنون:
قد ننسى في زحمة الحياة واشتغالنا بأعمالنا أناسا لهم حق علينا، وهم إخواننا من العسكريين المرابطين ممن تركوا أولادهم وأهليهم، وعرضوا أنفسهم وحياتهم للخطر، فحقهم علينا الدعاء، فمن لا يشكر الناس لم يشكر الله.
وأذكر إخواني المرابطين في الجبهات والمعسكرات بفضل الرباط في سبيل الله، فقد روى البخاري ومسلم من حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه- قوله صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها».
ما أعظمه من فضل، وما أجزله من عطاء لمن احتسبه واستشعر الأجر منه.
الخطبة الثانية
الحمد لله عالم الغيب والشهادة، يحق الحق ويبطل الباطل ولو كره المجرمون، أحمده سبحانه على تكاثر آلائه، وأشكره على ترادف نعمائه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله الهادي البشير، والسراج المنير، اللهم صل وسلم وبارك على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه.
أما بعد،
فاتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن الله مطلع على ما في الضمير، وسيجزي على الصغير والكبير: (فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره ـ الزلزلة: 7 و8).
عباد الله:
من أعظم ما يجب أن نستحضره في أزمنة الأزمات: هي الوصايا الربانية، والإرشادات النبوية التي تعين المؤمن على أن يثبت وأن يصبر على ما قد يلاقيه ويعانيه.
ومن هذه الوصايا: الثبات وعدم الاضطراب، قال تعالى (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ـ الأنفال: 45).
فهذه الآية الكريمة فيها سببان عظيمان من أسباب النجاة، نحن أحوج ما نكون إليهما في هذه الأوقات:
٭ الأول: الثبات ويشمل: الثبات القولي بعدم نشر ما قد يكون سببا لضعف الهمم، وفت العزائم، وتخذيل المجاهدين والمرابطين، ويشمل الثبات الفعلي عند لقاء العدو.
٭ والثاني: الإكثار من ذكر الله تعالى، ففيه المنجى والمهرب، فإنه ما خاب من إلى الله لجأ، وبحبله اعتصم، سبحانه جل في علاه.
ومما يذكر به في هذه الأوقات أيضا: الإكثار من العبادة والاشتغال بها سيما الدعاء، فالمؤمن ينصره الله بسلاحين: السلاح المعنوي المتمثل في الدعاء والعبادة والخضوع له، والسلاح الحسي المتمثل في إعداد العدة العسكرية، حيث قال عز من قائل: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ـ الأنفال: 60).
ومن الوصايا أيضا التخلص من الأسباب الجالبة للهزيمة والمتمثلة في معصية الله تعالى، فإن الذنوب شرها عظيم، وخطبها جسيم، وأثرها عميم، وما أجمل ما قاله الفاروق عمر رضي الله عنه يوصي بعض جنده: «أما بعد: فإني آمرك ومن معك من الأجناد بتقوى الله على كل حال، فإن تقوى الله أفضل العدة على العدو، وأقوى المكيدة في الحرب، وآمرك ومن معك أن تكونوا أشد احتراسا من المعاصي منكم من عدوكم، فإن ذنوب الجيش أخوف لهم من عدوهم، وإنما ينصر المسلمون بمعصية عدوهم لله، ولولا ذلك لم تكن لنا بهم قوة، لأن عددنا ليس كعددهم ولا عدتنا كعدتهم، فإذا استوينا في المعصية كان لهم الفضل علينا في القوة، وإلا ننصر عليهم بفضلنا لم نغلبهم بقوتنا، واعلموا أن عليكم في مسيرتكم حفظة من الله يعلمون ما تفعلون، فاستحيوا منهم، ولا تعملوا بمعاصي الله وأنتم في سبيل الله، وإن أسأنا فرب قوم سلط عليهم شر منهم، كما سلط على بني إسرائيل لما عملوا بمساخط الله، واسألوا الله العون على أنفسكم كما تسألونه النصر على عدوكم، أسأل الله ذلك لنا ولكم».
اللهم أتمم لهذا البلد الأمن والأمان، واحفظه من كل شر وخذلان وسائر بلاد المسلمين، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا وما أنت أعلم به منا، اللهم وفق ولاة أمورنا لما تحب وترضى، وخذ بنواصيهم الى البر والتقوى، وانفع بهم البلاد والعباد، اللهم انصر جنودنا البواسل، وأبناءنا الأبطال حماة الأوطان، اللهم سدد رميهم، واردد كيد عدوهم، واجعلهم نصرا وعزا للمظلومين والمكروبين، اللهم أعز بهم الإسلام والمسلمين، وأذل بهم الشرك والمشركين، وانصر بهم عبادك الموحدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئنا سخاء رخاء وسائر بلاد المسلمين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وارحم موتانا وموتى المسلمين، والحمد لله رب العالمين.