ودعنا ذلك الضيف الكريم العزيز على من تعلقت قلوبهم بالله تعالى وذاقوا حلاوة الأنس به ومناجاته والخشوع والتذلل بين يديه سبحانه وتعالى، ذلك الضيف الذي يحل علينا كل عام مرة، حيث انه هدية من الرحمن جل ثناؤه لعباده كي يقبلوا على فيض عطاياه وجوده وكرمه، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من صام رمضان إيمانا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه» يودعنا ذلك الضيف وقد فاز فيه من فاز وخسر فيه من خسر فقد ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم: «تبا لمن ادرك رمضان ولم يغفر له».
قال الشاعر:
أي شهر قد تولى يا عباد الله عنا
حق أن نبكي عليه بدماء لو عقلنا
كيف لا نبكي بشهر مر بالغفلة عنا
ثم لم نعلم بأنا قد قبلنا أو طردنا
ليت شعري من هو المحروم والمطرود منا
ومن المقبول ممن صام منا فيهنا
كان هذا الشهر نورا يرتدي زهوا وحسنا
فاجعل اللهم عقباه لنا خيرا وغنما
لقد دخلنا جميعا هذه المدرسة الرمضانية ففاز منا من قام وخشع وتذلل بين يدي مولاه - اللهم اجعلنا منهم - وخاب وخسر من ضيع وتكاسل وأطال النوم، فهنيئا لمن اغتنم هذه النفحة الربانية وأخلص العمل لله تعالى. ولكن وماذا بعد رمضان؟ ماذا بعد ان تصالحنا مع أنفسنا ومع كتاب ربنا وكنا عمارا للمساجد؟ هل سنعود ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران؟ ام سنحافظ على ما غرسنا في رمضان ونزداد طاعة وتقربا الى الله تعالى؟ إن فعلنا ذلك كنا من الفائزين ورب الكعبة وكنا ممن صدق الله تعالى في التوبة والرجوع إليه وكان ذلك دليلا على صدقنا وإخلاصنا في رمضان، فمن كان يعبد رمضان فإن رمضان قد انقضى ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، هل سنحافظ على الصلاة في أوقاتها وفي جماعة؟ هل سنداوم على قراءة القرآن حتى لا نكون ممن يشكوهم النبي صلى الله عليه وسلم لربه قال تعالى: (وقال الرسول يارب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا)؟ هل سنحافظ على قيام الليل ولو بركعتين حتى نشعر بالعزة وتكتسي وجوهنا بالنور؟ هل سنحافظ على حسن الخلق والصبر والرحمة وما تعلمناه من الصيام ومدرسته من أجل صحتنا الروحية وسلامتنا النفسية؟ هل سنداوم على الاقتصاد في الطعام والشراب من اجل صحة أجسامنا أم سنضيع كل هذا والعياذ بالله؟ هل سنقلع عن التدخين والتباغض والحسد والغيبة والنميمة وكل العادات السيئة التي تعودنا على تركها في رمضان حتى لا نكون كالتي نقضت عزلها من بعد قوة أنكاثا؟ إن فعلنا ذلك فقد استفدنا من رمضان ومدرسته وتربيته وفزنا والله وإلا فلا. وأخيرا اللهم أعد علينا رمضان أعواما عديدة وأزمنة مديدة وتقبله منا جميعا وكل عام أنتم بخير.
[email protected]