- ساجد: أعمل بائع عطور لرواد المقاهي منذ 3 سنوات وضعف الراتب ألجأني للتجول في الشوارع
كريم طارق
ظاهرة لافتة للنظر انتشرت في الفترة الاخيرة وهي كثرة الباعة الجائلين.. فأحيانا تراهم بالمجمعات التجارية، واحيانا عند الإشارات والطرق الرئيسية والمقاهي، والأخطر عندما يدقون أبواب البيوت، ويوما بعد يوم يزداد عددهم.
من وجهة نظر الكثيرين تشكل هذه الظاهرة خطورة كبيرة سواء على البائعين أنفسهم خاصة ان غالبية أماكن انتشارهم تكون في الطرق الرئيسية والاشارات المرورية وهو ما يعرضهم لخطر الحوادث المرورية، أو على المستهلكين الذين يشترون تلك السلع والمنتجات لغياب الرقابة التجارية عليها، فضلا عن استغلال الأطفال وكبار السن في اعمال دون تراخيص.
الا أن البعض يرى أن هؤلاء الباعة هم ضحية لتجار الاقامات والرواتب الضعيفة التي يتقاضونها، والأوضاع المعيشية الصعبة التي يعيشونها.
من جهتها، حذرت وزارة الداخلية من انتشار تلك الظاهرة التي اعتبرتها من أكثر الظواهر السلبية التي تهدد أمن الكويت، حيث أشار مدير عام الادارة العامة لمباحث شؤون الإقامة العميد سعود عبدالله الخضر في تصريح صحافي الى أنه سيتم ابعاد والغاء إقامة كل من يتورط في ذلك النشاط من الوافدين الى جانب منع الكفالات عن كفلائهم.
«الأنباء» رصدت الظاهرة والتقت عددا من هؤلاء الباعة للتعرف على أسباب امتهانهم تلك المهنة.. كما التقت بعض المواطنين والمقيمين للتعرف على آرائهم في تلك الظاهرة.
وإليكم التفاصيل:
في البداية أشار «ساجد» أحد الباعة الجائلين من الجنسية الباكستانية والذي يبيع العطور لرواد المقاهي الى أنه يعمل صباحا في أحد المحلات التجارية كبائع للعطور الا ان راتبه المتواضع وضعف القوة الشرائية في غالب أيام الأسبوع دفعه للعمل ليلا لبيع العطور المركبة للزبائن في المقاهي خاصة المليئة بالشباب، لافتا الى أنه يعمل منذ 3 سنوات في ذلك المجال.
وأضاف أنه دائما ما يسعى لإيجاد فرصة عمل أخرى براتب أكبر الا أنه يخشى أن يخسر عمله ويعود الى بلده دون فائدة، كما أنه طالب كفيله بالعمل لفترة إضافية أو تحسين راتبه الا أن محاولاته باءت بالفشل.
من جانبه، قال محمد إنه يجول على البيوت لبيع الملابس منذ أكثر من 10 سنوات، مشيرا الى أنه أصبح لديه الكثير من الزبائن في مختلف المناطق السكنية حيث يعرفونه وينتظرونه أسبوعيا ليروا الملابس الجديدة، والتي يجلبها بالجملة وبأسعار أرخص نسبيا من المحلات والأسواق التجارية.
مضيفا أنه منذ أن وصل الكويت وهو يمتهن تلك المهنة الشاقة خاصة أن هناك الكثير من «حراس المباني» الذين دائما ما يمنعونه من الصعود ويهددونه بابلاغ الشرطة، مؤكدا أنه دائما ما يسعى الى البحث عن فرصة عمل في أحد محلات الملابس خاصة أن لديه الخبرة الجيدة في نوعية الملابس وجودتها بالإضافة الى اسلوبه الجيد مع الزبائن، الا أن الرواتب التي يعرضها أصحاب المحلات ضعيفة ولا تغطي تكاليف إقامته ومعيشته داخل الكويت.
وأشار أحد الباعة الجائلين الى أنه عمل لفترة طويلة في أحد المحلات التجارية الخاصة بأشرطة وأفلام الفيديو، موضحا أن التكنولوجيا الحديثة والتطور الكبير في نظم العرض أدت الى لجوء الكثير من أصحاب المحلات إلى إغلاق تلك المحلات وتحويل نشاطهم الى مجالات أخرى، مشيرا الى ان اغلاق تلك المحلات والتي أصبحت شبه منعدمة هو ما دفعه الى العمل وبيع الاسطوانات الخاصة بالأفلام والمسلسلات الجديدة الى متابعيها في المقاهي وأماكن تجمع الشباب.
وأضاف ان زبائنه دائما ما ينتظرونه في المقاهي لشراء الأفلام الجديدة في الأسواق والتي يحصل عليها أحيانا في أوقات عرضها في دور السينما، مشيرا الى ان ارتفاع أسعار النسخ الأصلية وتأخر وصولها هو ما يدفع الكثير من الشباب الى شراء تلك النسخ التجارية.
الهند حوّلت ظاهرة الباعة الجائلين من موطن ضعف إلى نقطة قوة
استطاعت الهند التخلص من ظاهرة الباعة الجائلين وتحويلها من موطن ضعف الى نقاط قوة اقتصادية جديدة في البلاد، فعلى الرغم من انتشار الباعة الجائلين في مختلف المناطق والمدن الهندية المحتشدة بالسكان، الا أن اصدار قانون خاص بالباعة الجائلين في الهند ساهم كثيرا في خلق العديد من فرص العمل، حيث صدر أول قانون لتنظيم الباعة الجائلين في الهند عام 1951 لينظم قواعد البيع في الشوارع.
وقد منح القانون لرئيس البلدية سلطة الترخيص بالبيع.
كما أن إقامة الأكشاك تتم بإذن مسبق من رئيس البلدية، وتمنح التراخيص لفترة محددة من الزمن (لا تتجاوز سنة واحدة) وتدفع عنها رسوم محددة.
فالبائع لا يستطيع أن يبني الهيكل الدائم للكشك قبل الحصول على الترخيص، حيث تنص المادة 138 من القانون على أن« البائع المرخص له من الدولة ملزم بتحديد أسماء المواد التي يبيعها ويقدم وصفا لمكان البيع ووقت البيع، ويتولى القاضي فرض غرامة على الباعة المخالفين».
ويعطي القانون البلديات سلطة تنظيم التعامل مع الباعة الجائلين، وبمساعدة من الشرطة، إذا لزم الأمر.
كما تأسست في سبتمبر عام 1998 الرابطة الوطنية للباعة الجائلين في الهند (nasvi) كتجمع لمنظمات البائعين في الشارع، وهو ائتلاف من المنظمات القائمة على عضوية من الباعة الجائلين، والنقابات، والمنظمات غير الحكومية العاملة مع الباعة في الشوارع، وقد تم إعداد النظام الأساسي من خلال عملية تشاورية وتم تسجيلها في أكتوبر 2003 وتضم 276 منظمة تمثل أكثر من 168 ألفا من الباعة الجائلين.
مواطنون ومقيمون: الشراء أحياناً مجرد تعاطف مع سلع منخفضة السعر لكنها أقل جودة وأحياناً منتهية الصلاحية
التقت «الأنباء» عددا من المواطنين والمقيمن للتعرف على آرائهم حول ظاهرة الباعة الجائلين، وقد أكد بعضهم على تعاطفهم في بعض الأحيان مع هؤلاء الباعة خاصة مع انخفاض أسعار المنتجات والسلع التي يقدمونها بما يتناسب مع اقتصاديات محدودي الدخل في ظل ارتفاع اسعار تلك المنتجات بالمحلات التجارية، فيما أكد البعض أن تلك المنتجات تكون أقل جودة بكثير عن المنتج الأصلي وسريعة الاستهلاك، الى جانب تقديمهم في بعض الأحيان منتجات وسلعا منتهية الصلاحية.
من جانبه، أشار محمد عمار الى أن الأسعار التي يقدمها الباعة الجائلون غالبا ما تكون اكثر اقتصادية وتتيح للكثير من محدودي الدخل الحصول على ما يحتاجونه بأقل تكلفة ممكنة، في ظل ما يشهده السوق من ارتفاع في الأسعار، مؤكدا أن تلك السلع عادة ما يدرك مشتروها أن جودتها أقل من السلعة الأصلية، مرجعا ذلك الى أن المشتري في بعض الأحيان يفضل السعر عن الجودة.
بدورها قالت شرين وانلي إن البضائع التي يقدمها الباعة المتجولون تختلف من بائع الى آخر، وبعض تلك البضائع جيد والبعض الآخر رديء ومنتهي الصلاحية، مرجعة السبب في انتشار مثل تلك الظاهرة إلى قلة فرص العمل، ورغبة البعض في الحصول على دخل إضافي، بينما ارجعت سبب تواجد بعض الأطفال كباعة في الشوارع إلى الفقر أو وضعف الموارد المادية لبعض الأسر ما دفع أبناءهم للعمل كباعة متجولين في الشوارع للحصول على المتطلبات الأساسية للحياة الكريمة.
وأبدى خالد العنزي انزعاجه الشديد من تواجد بعض الباعة على الطرق والاشارات، لافتا الى ان تواجدهم في الطرق يعرض حياتهم للخطر خاصة في الليل، موضحا ان المشكلة ليست في البضاعة التي يقدمونها لأنهم في بعض الأحيان يقدمون بضائع لا تختلف كثيرا عن البضائع المنتشرة في المحلات التجارية بل تكون أرخص أحيانا، ولكن المشكلة تكمن في كيفية السيطرة عليهم ومراقبة صلاحية السلع للتأكد من أنها تصلح للاستخدام البشري، لافتا الى ان أغلب هؤلاء يتواجدون في الكويت بصفة غير قانونية مرجعا السبب في ذلك الى تجار الاقامات الذين يجلبون تلك العمالة دون فرص عمل مناسبة تسهل لهم حياة كريمة.
ومن جانبه، أعرب العنزي عن استيائه من استغلال بعض أصحاب النفوس الضعيفة للأطفال وتشجيعهم على العمل في الاشارات والطرق لاستعطاف الناس، مشيرا الى ان ذلك العمل قد يعرض الأطفال الى الحوادث المرورية.
وأشار يوسف سرحان الى أن المشتري دائما ما يلجأ الى المحلات التجارية والشركات الكبرى حتى يتمكن من الحصول على ضمانات كافية في حالة حدوث عطل أو الرغبة في استبدال المنتج الذي يرغب في شرائه، موضحا أن البضائع التي يسوق لها الباعة الجائلون هي بمنزلة بضائع من الدرجة الثانية قليلة العمر، موضحا ان للمشتري الحق في اختيار النوعية والدرجة والسعر المناسب له في كلا الحالات.
أكدوا لـ «الأنباء» أن الوزارة مسؤولة عمن لديهم تراخيص
«التجارة»: مكافحة الباعة المتجولين من اختصاص «البلدية»
عاطف رمضان
أكد مسؤولون في وزارة التجارة والصناعة أن بلدية الكويت هي الجهة المختصة بمكافحة الباعة المتجولين.
وأضافوا في تصريحات لـ «الأنباء» أن «التجارة» مسؤولة عمن لديهم تراخيص تجارية، وان البائعين المتجولين ليست لديهم تراخيص.
وأوضحوا أن لجنة المرافق العامة بمجلس الأمة عقدت مؤخرا حلقة نقاشية بمشاركة جهات معنية من الدولة من بينها وزارة التجارة والصناعة لدراسة ومراجعة قانون «5/2005» بشأن بلدية الكويت، ومدى إمكانية نقل بعض الاختصاصات من بلدية الكويت إلى جهات حكومية أخرى هي الأقرب إلى توليها بهدف فك التشابك في الاختصاص وتسهيل الإجراءات.
وأشاروا إلى انه تمت مناقشة مواضيع من بينها الباعة المتجولون ومزايدات الإعلانات في المحافظات والطرق السريعة وتراخيص الإعلانات بأنواعها.
ولفتوا إلى أن هناك لجنة ثلاثية مكونة من بلدية الكويت ووزارة الداخلية ووزارة التجارة قامت بضبط عدد من الباعة المتجولين في الأسواق والساحات غير المرخصة خلال الفترة الاخيرة.
وبينوا ان الباعة المتجولين بعضهم لا يحمل إقامة ويقومون ببيع مواد ممنوعة أو منتهية الصلاحية في بعض الأحيان ولا يحملون شهادات صحية.
ويشير القانون الى عدم جواز ممارسة حرفة بائع متجول إلا بعد الحصول على ترخيص في ذلك من بلدية الكويت ويحدد الترخيص المناطق والأماكن المرخص له في العمل فيها ونوع السلع والبضائع المسموح بالاتجار فيها والوقت الذي يباشر فيه النشاط.
هذا، وقد تقدم بعض النواب مؤخرا باقتراح بقانون بنقل وإلغاء بعض الاختصاصات المنصوص عليها في القانون رقم 5 لسنة 2005 بشأن بلدية الكويت إلى وزارة التجارة والصناعة، والتي تشمل المحلات العامة والمقلقة للراحة، ومراقبة وضبط الباعة المتجولين، ومراقبة الإعلان في الأماكن العامة، وعقود الإعلانات الاستثمارية بالمحافظات والطرق السريعة.