حول فتوى شيخ لازهر بأن النقاب ليس فريضة وان من حق البلاد الغربية ان تمنعه في بلادها لانه شأن داخلي وللمرأة ان ترتديه أو تخلعه حسب ما تريد يعلق لنا الداعية د.عبدالرحمن الجيران موضحا لنا الحكم في ارتداء النقاب في الدول الاوروبية وكيف تتعامل المنقبات مع ذلك.
يقول د.الجيران: فقد اطلعت على فتوى شيخ الازهر والمتعلقة بنقاب المرأة المسلمة وما قامت به البلاد الفرنسية من منع المسلمات من ارتداء النقاب بقوله: ان هذا الشأن داخلي ولا علاقة لنا به وكل واحد حر في دولته، وقوله: «النقاب ليس فريضة اسلامية» وقوله «وانما يمكن ان ترتديه المرأة او تخلعه حسب ما تريد» مستدلا بحديث اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما لما دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وعليها ثياب رقاق فقال صلى الله عليه وسلم: «يا اسماء اذا بلغت المرأة المحيض فلا يصح ان يرى منها غير هذا وذاك واشار الى الوجه والكفين». واعتبر شيخ الازهر اقامة الجالية المسلمة في فرنسا في حكم المضطر الذي يجوز معه ارتكاب المحظورات.
الولاء والبراء
ويعلق الجيران على هذه الفتوى فيقول: ان قول سماحة المفتي هذا شأن داخلي ولا علاقة لنا به وكل واحد حر في دولته، يعلم سماحة المفتي اننا اذا سرنا على هذه القاعدة فسننقض اصلا من اصول اهل السنة والجماعة وهو الولاء والبراء، كما يعلم سماحته ماذا يعني قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «المسلم اخو المسلم لا يخذله ولا يحقره»، والخذلان هو ترك النصرة، والقاعدة التي اصّلها الشيخ تقتضي على قوله الا نتكلم فيما فعل الصرب بإخواننا المسلمين في البوسنة وغير هذا المثال كثير في بلاد المسلمين بحجة ان هذا شأن داخلي.
أصول الشريعة
وحول قوله «كل واحد حر في دولته»، حيث لا يخفى على سماحته أن الكفار مخاطبون بفروع هذه الشريعة حتى إن لم يلتزموا أصول هذه الشريعة وهذا المعنى مستفاد من قول الله تعالى (ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح فيما طعموا إذا ما اتقوا وآمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا والله يحب المحسنين ـ المائدة: 93).
ومفهوم هذه الآية يدل على ذلك وهو رفع الجناح والإثم عن الذين ماتوا من الصحابة رضي الله عنهم وهم يشربون الخمر قبل تحريمها كما يشمل طائفة أخرى من المؤمنين الذين يأكلون الحرام مع التزامهم بأصول الشريعة ثم بعد ذلك تابوا وعملوا الصالحات وأحسنوا الى ان أتاهم الأجل.
وأضاف ان مفهوم هذه الآية يفيد بأن على الذين لم يؤمنوا ولم يعملوا الصالحات جناحا يعني إثما فيما طعموا يعني أكلوا وفيما لبسوا من الثياب وفيما استمتعوا به من الخلاق هذا كله يتحمله الكافر يوم القيامة لأن الكافر بالله ليس له حق في أن يطعم ويشرب ويلبس من مال الله والدليل قوله تعالى (قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة ـ الأعراف: 32).
وهذا المعنى أيضا مستفاد من قوله تعالى (ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى ـ الحشر: 7) ومعنى أفاء في اللغة يعني أرجع والمعنى أن المال رجع إلى أصله وإلى مستحقه وهو الرسول صلى الله عليه وسلم ومعه الصحابة رضي الله عنهم.
وهذا دليل على أن المال مال الله والله تعالى خلق الأرض وما عليها للمؤمنين به لقوله تعالى (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ـ البقرة: 29) ولا يُفهم من هذا أننا ندعو إلى الظلم والتعدي على الكفار ومنعهم من حقوقهم التي أعطاهم الله تعالى إياها ولكن المقصود بيان ان الكافر مُؤاخذ ومُعاقب ومُحاسب على أكله وشربه في هذه الدنيا.
الكفار درجات
أما كيف نتعامل مع الكفار فالمقرر عند أهل العلم أن الكفار درجات منهم الحربي ومنهم المعاهد ومنهم الذمي ومنهم المستأمن ولكل واحد منهم منهج مقرر في كيفية التعامل معه كما نص على ذلك أهل العلم في كتب السياسة الشرعية وأحكام أهل الذمة وغيرها ولا تخفى على سماحة المفتي كما هو معلوم.
ليس فريضة
وعن قوله عن النقاب ليس فريضة فقد أصاب فضيلته الحق وهذا الذي عليه جمهور أهل العلم كما قرر هذا وحققه العلامة الألباني، رحمه الله، في حجاب المرأة المسلمة ولكن يعلم سماحة المفتي أن القاعدة المقررة عند الأصوليين والفقهاء أيضا أن الأمور المباحة في الشريعة هي بحسب ما يتوسل بها إليه ان توسل بها الى فعل واجب أو مسنون كانت مأمورا بها وإن توسل بها إلى فعل محرم أو ترك واجب كانت محرمة منهيا عنها وإنما الأعمال بالنيات.. ويعلم سماحته مقدار الشرور والمفاسد التي حصلت بسبب كشف المرأة وجهها في عالمنا الإسلامي الواسع فكيف بالله كشف وجه المرأة في العالم الغربي الكافر فما اعظم هذه الفتنة وخاصة مع ضعف الإيمان وقلة العلم وكثرة الجهل فإلى الله المشتكى وعليه فالقول الآن بوجوب ستر وجه المرأة قول قوي تعضده قواعد الشريعة واصول الدين.
وزاد اما استدلال سماحته بحديث اسماء بنت ابي بكر رضي الله عنهما فالصحيح ان هذا الحديث معلول من جهة السند ومن جهة المتن ايضا وليس الموضع بسط لصحة هذا الحديث ومن اراد المزيد فليرجع الى رسالة العلامة التويجري رحمه الله حيث بسط القول فيها.
المحظورات
وقال الجيران: اعتبر سماحة الشيخ المفتي إقامة الجالية المسلمة في الغرب بشكل عام بحكم المضطر الذي يجوز معه ارتكاب المحظورات ومنها أكل الميتة والخنزير وشرب الخمر والتعامل بالربا هذا مقتضى فتواه وكل مسلم عاقل يعلم يقينا أن إقامة الجالية المسلمة في الغرب ليس لها حكم المضطر في الحكم الإسلامي، ذلك ان الضرورة في الفقه مقيدة من حيث المعنى وهي لدفع غائلة الموت والضرورة تقدر بقدرها بمعنى لا يجوز التوسع في الحرام بحجة الضرورة وهذا فهم خطأ بمعنى لا يأكل المؤمن الميتة بحجة خوفه من الضرورة لكن اذا وقعت الضرورة فله ان يأكل من الميتة لدفع غائلة الموت فقط.
واظن سماحة المفتي على علم ودراية بحال الجالية المسلمة في الغرب من حيث التوسع في المباح، بل واقتحام الحرام، بل وترك الواجبات وقواعد الشريعة تقتضي انه كلما تساهل الناس في الحرام يجب التشدد في الأحكام حفاظا على دين الله عز وجل واداء بأمانة حمل هذا الدين ودفاعا عن بيضته وحياضه تماما مثلما فعل الفاروق عمر رضي الله عنه من رفع حد الجلد في شرب الخمر لما تساهل الناس في الشرب ولما امضى الطلاق ثلاثا في مجلس واحد حيث كان يفصل بين المرء وزوجه، اذا طلق الرجل ثلاثا في مجلس واحد بسبب تساهل الناس في الحرام.
الهجرة
وبين د.الجيران ان المقرر عند اهل العلم ان المسلم الذي لا يستطيع اظهار شعائر دينه يجب عليه الهجرة الى بلاد اخرى والدليل قوله تعالى: (إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيرا ـ النساء: 97).
ونبي الله يوسف عليه السلام لما دعوه إلى معصية الله قال: (قال رب السجن أحب إلي مما يدعونني إليه ـ يوسف)
ومن هذه الأدلة ذهب اهل العلم الى ان المؤمن اذا كان بأرض لا يتمكن فيها من اظهار شعائر دينه يجب عليه الهجرة الى مكان يتمكن فيه من اظهار شعائر دينه ولا يخفى على سماحة المفتي ان ليس كل الجالية المسلمة في الغرب لها حكم المضطر في بقائهم بين الكفار كما يعلم مقدار الشرور والفتن التي حصلت من اختلاط المسلمين بالكفار ومن اراد البسط في هذا البحث فليرجع الى كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة اصحاب الجحيم).
واخيرا المقرر عند اهل العلم ان المسلم لا يجوز له الذهاب والاقامة في بلاد الكفار الا اذا كان بقصد الدعوة الى الله او طلب العلم او طلب العلاج او التجارة ولكن بشرط ان يكون معه علم يدفع به الشبهات وايمان يدفع به الشهوات والله اعلم.