- قد يتعرض مريض الهوس الاكتئابي لانتكاسات ومن المفضل محاولة صرف اهتمامه لهوايات خفيفة كالقراءة
حنان عبدالمعبود
قد يخجل المصاب بالمرض النفسي من الإعلان عن معاناته واللجوء الى طبيب للمعالجة، وبخاصة أنه من النادر ان يتميز سلوكه الاجتماعي وشخصيته بالشذوذ، إلا أن سلوكه هذا الذي يبدو طبيعيا يكون مختلفا عن الميول الداخلية او الاتجاهات النفسية الخفية عن اعين الناس. وقد أكدت اختصاصية الطب النفسي د.هيا المطيري ان المريض النفسي يُعاني من عدم تلاؤمه مع بيئته. ويعجز عن أن يتلاءم مع حقله الاجتماعي أي مع واقعه ومحيطه وعمله وما شابه. مشيرة إلى أن هناك الكثير من المشاكل التي تحتاج إلى اهتمام بالغ مثل مشكلة الادمان، لافتة إلى أن يجب معاملة المدمن كشخص طبيعي وإلحاقه بالعمل وتحمل اعباء الحياة، حتى يشعر بأهميته وتنتفي معه أسباب لجوئه للإدمان، فيساعد هذا في علاجه. كما تناولت مشكلة الأمراض النفسية لكبار السن محذرة من محاولة مساعدتهم بشكل مبالغ فيه حتى لا يتحولوا إلى معاقين. ولافتة في الوقت نفسه إلى الاعتناء بهم ومحاولة دمجهم في المجتمع وتجنب نبذهم وإيداعهم دور المسنين، بالاضافة الى الكثير من المشاكل النفسية التي تناولتها خلال ردودها على استفسارات القراء، فإلى التفاصيل.
أم علي: انا مصابة بمرض «بايبولير ديسولدر» منذ 8 سنوات وانا أم لثلاثة اطفال، لا اتلقى علاجا بالمستشفى الحكومي وانما لدى طبيب في عيادة خاصة، ومشكلتي انني اتناول دواء منذ عام 2001 ولكن لم يأت بنتيجة فاعطاني اخر وهو «ديفيكين» ومنذ شهرين حين فأجاتني نوبة اخذت الديفيكين ودواء اخر وهو علاج الماني هو نفس «الزيبرازيرون» ولكنه رفع هرمون الحليب واردت خفض هذا الهرمون فأتعبني، وهذا العلاج اكثر من رائع واشعرني بانني أعود الى شخصيتي وهدوئي من جديد والآن اضطر الطبيب الى ادخال الديفاكين، الا تعتقدين ان ادخال الديفياكين كل فترة مع كل ازمة لن يكون هناك علاج غيره خاصة ان الطبيب الآن قرره لي ما بين ثلاثة الى خمسة ملغرامات.
ما الاعراض التي تنتابك حتى استطيع اسداء النصح لك؟
تعريف حالة «البايبولر» هو أن الافكار يتم استرجاعها، فقد كنت على وشك ان اتقدم على ماستر ولكني وجدت ان كل ما اريد دراسته منذ عام 2001 هو نفسه الموجود من قبل.
ان فكرك يستحضر الافكار القديمة، وهل تسمعين اصواتا؟
بالضبط حيث اجد نفس الاشخاص الذين كتبت عنهم دراسات بالجامعة مصابين بنفس المرض، عائلتي والحمد لله متفهمة كثيرا، وساندتني في تحولي الى الطب النفسي، ولهذا فإن رعاية اهلي جعلتني اقرأ كثيرا عن المرض والاشخاص المصابين به، وفوجئت في الفترة الاخيرة بكتاب يتناول طريقة التغلب علـى الافكــار والسيطرة عليها.
وماذا عن نومك ومزاجك؟
لســـــت عاديـة، انني مـع تناول الديفياكين اصبح جيدة، ولكنه يجعلني متصلبة نوعا ما، وان حالتي الطبيعية اكثر هشاشة ولا احب ان اتحول الى ان اكون شخصية صلبة بعيدة عن الشعور.
ولكنك لست مكتئبة؟ أو لديك ارق في النوم؟
لا لست مكتئبة، واعلم ان عدم النوم له مخاطره ولهذا حينما اصابني الارق ولم انم ليلة واحدة منذ سنوات ذهبت الى الطبيب بسرعة.
وماذا عن عملك وهل تستطيعين التركيز فيه؟ وهل علاقتك بزوجك وابنائك جيدة؟ وهل تثورين بسهولة؟
الآن مع الادوية لا اثور بسهولة وتقريبا الامور مستقرة.
كم تأخذين من الديباكين.
1000 جم يوميا، والزيبرازيدون وكذلك حبوب للنوم.
في مواسم ما وتحت ظروف معينة كالدراسة، او غيره من الاوضاع الدراسية او الاسرة، فإن مريض «الهوس الاكتئابي» تصبح عنده قابلية لبعض الانتكاسات، وليس من الضروري ان تكون انتكاسة كاملة، وما تصفينه لي ليس اكتئابا ولا هوسا، وانما هو بعض الاعراض الذهانية حيث تتذكرين اشياء من الماضي وغيرها، ونصيحتي لك الا تتوغلين بالقراءات والخاصة بالدخول للعقل وانت المفروض في هذه الفترة قد يكون لديك نوع من الهشاشة ولهذا لا يجب ان تتعمقي فيما يتعلق بالعقل.
اذا ما كنت تحبين القراءة فاقرئي الشعر او الاشياء الخفيفة السهلة والاخبار اليومية او اسمعي امورا بسيطة، وكذلك فإن الديباكين هو علاج اكثر من جيد واصفه لمعظم مرضى الهوس الاكتئابي، وهناك ادلة علمية قوية عليه، قد تكونين اعتدت على شخصيتك الحساسة واحيانا مرضى الهوس الاكتئابي حينما يعيشون فترة اكتئاب او هوس يظنون ان هذا وضعهم الطبيعي، لهذا حينما يتناولون ادوية لا يشعرون بانهم تغيروا، ولا يشعرون بان الشخصية تغيرت، لهذا فمن الواضح ان لديك بعض البداية لاعراض ذهانية او اما ان الدواء زيلدوكس يجب ان يزيد بنسبة بسيطة من اجل الافكار التي تنتابك بالعودة للماضي وغيره.
لكنني اشعر من صوتك وطريقة كلامك انك هادئة، فهل انت متأكدة انك غير حزينة او مكتئبة؟
لا، حاليا انا جيدة وعادية وبصراحة انا تناولت الدواء للتو، والمشكلة ان الانتكاسات الماضية كانت بسبب فقدان اشخاص قريبين مني.
ولكن مع هذه النكسات التي مررت بها الا انك تنجزين وتحققين امورا جيدة في حياتك، فوضعك الطبيعي والحياتي جيد، وفي اعتقادي انه بسبب ذكائك تمرين بهذه النكسات دون دخول مستشفى، كما انك تعالجين في عيادة خاصة فيبقى لك البعد عن التغيرات.
التجارب الصدامية
مريم: ينتابني نوع من القلق حينما اقود سيارتي او اواجه اي شخص او يحضر الينا زائرون، كنت من قبل خجولا جدا لكن الامر تطور معي منذ عامين الى معاناة الشعور بالقلق الشديد والتوتر واشعر بأطراف اصابعي تتجمد من البرد.
هل هذا الشعور ينتابك نحو الغرباء ام الاقارب؟ وهل تستمر الاعراض ام تختفي من تلقاء نفسها؟
الاقارب والغرباء، فالامر عندي سواء، والاعراض تتلاشى بعد البعد عنهم وحينما اكون وحدي، وهذه الاعراض تظهر جلية امام الجميع لدرجة ان صوتي يبدو متوترا بشكل واضح، اشعر بضيق التنفس ولا استطيع السيطرة على نفسي.
اذن، ماذا حدث لك منذ عامين بالضبط ليتطور الامر لديك؟
لقد مررت بصدمة اثر مشكلة عائلية، حيث انني متزوجة وقد حدث لي موقف مفاجئ مع اهلي، فأصابتني الصدمة بشعور شديد من الخوف.
ردود الافعال التي تنتج عن التجارب الصدامية التي نمر بها تكون احيانا ثابتة، وما تعانين منه هو قلق موقفي يسمى «مخاوف اجتماعية»، فهل راجعتي من قبل طبيبا نفسيا او مررت بحالة كآبة او ولاداتك مرت بمشاكل؟
ان ولاداتي مررت فيها باكتئاب وضيق، لكنني اعتدتها، وحين تتم دعوتي لعرس او زيارات فإنني احاول التشجع بالحضور واستأنس واعود للمنزل بحالة جيدة، لكن في الفترة الاخيرة اصبحت هذه الامور تتعبني واصبحت لا اثق بأحد، وان ذهبت الى المجمعات او كنت بالسيارة مع اختي اخاف ايضا، لكني احاول التماسك.
وحالتك المزاجية ما تقييمك لها، وهل تشعرين بالضيق ام فقط بالخوف والقلق وهل تنامين جيدا وتأكلين ايضا بشكل عادي؟
اشعر بالضيق من احساسي ان امرا ما يخيفني، وانام بشكل جيد، لكن اعاني من فقدان الشهية ونقص وزني وعملت فحوصات اوضحت ان هناك بعض الخمول بالغدة الدرقية وتناولت الادوية والحالة تحسنت ولله الحمد.
ان مخاوفك لها علاج ويمكنك التخلص منها حسب برنامج معين، لكن لابد من الالتزام به وان لم يؤد للنتيجة المرجوة فلابد من مراجعة المستشفى لأنك في هذه الحالة تحتاجين الى مضاد للمخاوف بسيط.
فالخوف ترسخ لديك بعد التجربة، وأنت تعانين من البداية من جود قابلية له، بالاضافة الى ان هناك جوانب ضغط في حياتك لم تذكريها.
نعم، هذا صحيح فقد نشأت في بيئة كانت ظالمة فأمي وأبي كانا غير عادلين معي، ولكن عوضني الله بزوج طيب الا انه عصبي بعض الشيء، ولكني أتذكر طفولتي وشبابي مع أسرتي أجدها كانت أسوأ فترة في عمري.
تحتاجين الى عمل تدريبات على الاسترخاء، وخاصة حينما تتوقعين زيارة من احد، او ستواجهين موقفا ضاغطا او ستدخلين مجمعا، او ستمرين بأي ظرف تتوقعين انه سيتسبب في نفس الحالة، تقومين بأخذ نفس عميق من فمك وتخرجينه من أنفك وهذا لمدة ربع ساعة وهذا يميزه انه ينظف الجسم من ثاني أكسيد الكربون ويسبب استرخاء العضلات.
وحاولي قدر الامكان الا تواجهي امرا غير متوقع، فالجأي لعمل تخطيط لأحداث اليوم، فإن أردت الخروج للمجمعات التجارية يمكنك تحديد الوقت غير المزدحم بالناس حيث ستتأقلمين مع ازدياد أعداد الناس به بالتدريج ولا تذهبي في اوقات الذروة والأعياد ونهاية الأسبوع كذلك لا تذهبي للأماكن الكبيرة الواسعة وابدئي بالأماكن الصغيرة، فهذا يبدد المخاوف بالتدريج، اضافة الى ذلك لابد من ان تحرصي على ان يكون معك مرافقون لأن هذا يدعم المخاوف بداخلك ويجعلك لا تستطيعين المواجهة، وكذلك ان اردت استقبال زائرين فاحرصي على اعطائهم مواعيد مختلفة حتى لا يندفعوا في وقت واحد.
اما الاعراض التي تواجهك مثل دقات القلب المتسارعة والرعشة وغيرها فتستطيعين السيطرة عليها بالفكر، فرددي دائما: «أنا ما فيني الا العافية»، وهؤلاء أهل وأصدقاء أنا معتادة عليهم، كما يجب ان تعطي لنفسك تبريرات ايجابية تهدئ من اعصابك لأن ان استسلمت للتغيرات الفسيولوجية بجسمك ستسيطر عليك ويستجيب لها مخك «انك فاقدة للسيطرة» و«ان وضعك عادي».
لقد تعبت بالفعل من وضعي هذا ولهذا اتجهت للعمل وأحاول مقاومته قدر الامكان ولكن دون فائدة وهناك بعض الأقارب لا أتحمل أدخل عليهم وتأثيرهم عليّ سلبي؟
اذا احسست انهم يزيدون من اعراضك تجنبيهم، حتى لا يهبطوا معنوياتك، ولا يجب ان تكونين مفرطة في حساسيتك، واختلطي بالناس الذين تشعرين بأن تواجدهم معك يعطيك دعما نفسيا، وحين تجدي نفسك جاهزة وقوية يمكنك وقتها استعادة علاقاتك بالآخرين واعلمي ان هناك ما يسمى بتبديد المخاوف الاجتماعية بالتدرج بالتعرض للمواقف الصعبة، وكذلك رفع الثقة بالنفس، كما تحتاجين لانجاز اشياء ترضين عنها وتكسبك شعورا بالسعادة.
الاضطرابات الفصامية
أبو مشاري: لديّ ملف بالطب النفسي وتم تشخيص حالتي حسب تقريرهم «اضطراب الشخصية الفصامية» فما هذا المرض؟
هو نوع من أنواع اضطرابات الشخصية، ولا يرقى الى مرض الذهان، فمن الممكن في فترات معينة تنتابك تجارب غريبة، وتصورات وقناعات غير عادية، فهل تم وصف علاج لك؟
نعم اعطوني حبوبا.
ما الأعراض التي تشعر بها؟
تقريبا ما ذكرتيه، ولكني أقول لطبيبي انني أحيانا ما أصاب بنوبة عصبية تجعلني احطم كل شيء أمامي، لدرجة انني في احدى المرات استخدمت سلاحا ناريا أملكه وهذا عنصر الخطورة في حالتي، كما ان المشكلة ان عملي حساس فأنا أعمل رجل أمن، ولهذا فإنني أحمل السلاح دائما، ولهذا رفعت كتابا أطالب المسؤولين في العمل بعدم حملي للسلاح لأنني أخشى ان استخدمه استخداما سيئا، الا انهم رفضوا، لأن ماهية العمل تتطلب حمله.
لابد ان ترسل جهة عملك كتابا الى مستشفى الطب النفسي خاصا بموضوع حملك للسلاح، يستفسرون فيه هل أنت قادر على حمله أم لا؟ ومن الممكن بالمستشفى اعادة اللجنة لك مرة أخرى والافادة عبر تقرير.
ان عملي ارسل كتابا عن طريق المستشفى العسكري للجنة الأسبوع المقبل، يسألون فيه هل المذكور لائق للعمل العسكري او الاداري من عدمه؟
اذن يجب عليك حينما تدخل الى اللجنة ان تطالبهم بالاستمرار في وظيفتك مع عدم حمل السلاح.
لا اريد الاستمرار في وظيفتي، لأنني اعاني من امراض اخرى غير هذا المرض.
هل تقصد انك تريد تقاعدا طبيا؟
نعم، فأنا قد خدمت في عملي اكثر من 21 عاما.
تستطيع ان تتحدث للجنة بكل ما تريد، وهي بالتالي تستطيع اتخاذ القرار الملائم، لهذا قدم كل ما لديك من اوراق مرضية واشرح كل الضغوطات لديك، والافضل ان كان هناك احد من الاسرة يمكنك اصطحابه معك فهذا يساعد.
اخشى ان رد اللجنة يؤثر على سمعتي، وهل يمكن تغيير القرار؟
لن يحدث هذا الامر، فهم اما يكتبون بالتقرير انك غير قادر على العمل العسكري والاداري او غير قادر على العمل العسكري ويمكن تخفيف العمل باداري فقط او لا يصلح لحمل السلاح.
وكذلك فإن اللجنة ليست «قرآنا» ومن الممكن اعادتها بعد فترة معينة ان لم تشعر بالارتياح للقرار من خلال جهة عملك.
اذن هل ترين ان وضعي قد يجعل اللجنة تتخذ قرارا بانني غير لائق للخدمة العسكرية والادارية؟
انا لا استطيع ذكر هذا الامر الآن، فلابد ان ارى ملفك في البداية واجلس معك فترة واقيم حالتك، وارى تاريخك المرضي منذ بدايته للآن، وان حدث هذا فانني استطيع ان اقول لك رأيي الطبي، لكنني لست عضوا باللجنة، لهذا لن افيدك.
عمل المدمن
حنين: مشكلة الادمان من المشاكل الكبيرة التي تؤثر على المجتمع ككل في الجانبين الاسري والعملي، فما تقييمك لها بالمجتمع الكويتي؟
مازالت احدى المشاكل النفسية والاجتماعية ذات الابعاد ـ حتى الاقتصادية ـ الكبيرة، ونحن مازلنا «محلك راوح» في معالجتنا، لها هذا من خلال خبرتي.
ففي العام 2003 اهتم عدد كبير من النواب بانشاء مركز متخصص لعلاج المدمنين، وكان هذا في عهد وزير الصحة الاسبق محمد الجارالله، وتم عمله بضغط من النواب واهالي المرضى واللجان الخيرية حتى اتمامه، وقد شكلت عدة لجان وقوانين تخدم المدمن ومعاملته كمريض وليس كمجرم، واعتبار ايداعه للعلاج وليس السجن، فالسجن له تبعات كثيرة اهمها فقدان الوظيفة وغيرها من المشاكل.
منذ ذلك الوقت والى الآن ليس هناك تطوير في المضمون العلاجي داخل المركز، وهذا يعود لعدة عوامل اهمها عدم وجود الدعم المالي او تبن من قبل الوزارة.
بالاضافة الى عدم تعديل القوانين التي تحتاج الى اعادة النظر، فالقانون يقول: ان الشخص القريب من الدرجة الاولى له الحق في الابلاغ، اي الام او الاب او الاخ او الاخت او الزوجة، ويقول انه مريض بتعاطي الادمان من دون ان تكون عليه قضية، فيحضره رجال المباحث او نيابة الخمور والمخدرات الى المركز، لكن المركز طاقته الاستيعابية 200 سرير فقط، وهذا المرض مزمن، فالقانون يجب ان يشمل العلاج لمدة طويلة وليس البقاء في المركز، والتواصل مع البرنامج العلاجي في العيادة، فنظافة الجسم والتوقف عن التعاطي لا يعني الشفاء انما هو جزء منه، والتأهيل هو الجانب العلاجي الاكبر والا تحدث انتكاسة وهو ما يصيب معظم الحالات، مما يعني ان حجم المشكلة كبير، خصوصا ان من يعاني من مشكلة الادمان شباب صغير في السن والنسبة في الكويت 15% وهي نسبة الدول الاخرى نفسها، حيث ان الادمان في العالم كله نسبته واحدة.
والمشكلة بدأت تظهر وبدأ الحديث حولها عام 2003، لكن الآن ساد الصمت في هذا الامر، وقد لعب انفتاح الحدود بعد تحرير الكويت دورا كبيرا في دخول مخدرات كثيرة وكذلك تغير الثقافات، فالكثيرون من الشابات والفتيان الذين تعاملت معهم تعمهم ثقافة الحفلات التي انتشرت في المجتمع، حيث يبدأ الامر بتجربة ومن ثم يتجه الشاب للادمان، وهناك بعض المواد التي يدمن عليها الانسان من اول جرعة، لهذا فإن المشكلة كبيرة جدا لكن التعامل معها اقل من الطموح ويحتاج الى الجدية.
ومشكلتنا هي تشكيل لجان ولجان اخرى وغيرها، وللاسف تكون لجانا غير متخصصة فتضم المهتمين من الداخلية والجمارك والجامعة ولهذا هي بالفعل غير متخصصة، ويجب ان يعطى اهل الاختصاص مجالا للعمل على ان يكون عملها في الوطن العربي بكامله.
وقد علق الامير تركي بن طلال على هذا الامر بان اللجان التي تتعامل مع هذه القضية هي عبارة عن جزر متفرقة ليس بينها تواصل حقيقي.
وهذه المشكلة نفسها مع المعاقين، فلم نستطع ان نصل الى آلية او سياسة واحدة علاجية، او تطوير او تحديث لنقلل من احتمال الانتكاسات، وعدم وجود علاج شمولي للمشكلة.
فالمدمن مثلا لا نريده فقط أن يتوقف عن التعاطي وإنما نريده ان يتواصل مع الحياة، فما المانع من الزامه بالعمل وهو متعاط ولا يكون عالة على المجتمع، ويقوم بالمسؤولية الملقاة على عاتقه ان كان لديه أسرة. وهذا يجعلنا نقلل الخطر من قيامه بجرائم اخرى كالسرقة وغيرها وحتى نجعل دوافعه نحو المجتمع اقل من دوافعه نحو التعاطي ولها قيمة أكثر.
لقد كان لدي تصورات أن يشارك القطاع الخاص بأن يكون اعطاؤهم فرصا وظيفية بمكافآت جزءا من العلاج.
ولكن النظرة المجتمعية للمدمن سلبية، وهذا سيؤثر عليه فما الفائدة؟
ان النظرة المجتمعية للمريض النفسي كلها سلبية والأسر لديها توقعات كثيرة، فحينما يتعافى المريض يظنون أنه قد شفي، وبمجرد عودته للتعاطي يحضرونه وهم محبطون بشدة، ويلقون بالمسؤولية على الرغم من ان الادمان والتعاطي له جذور.
الخرف من أكثر الأمراض النفسية انتشارا في الكويت
قد يعد المرض النفسي أحد مظاهر الشيخوخة التي قد لا يتحملها الأبناء، فكيف يمكن التعامل معه؟
بسبب عدم الوعي، البعض لا يعرفون ان المسنين لهم احتياجات مختلفة عن الاحتياجات السابقة، والكثيرون منهم كانوا اصحاب ادوار فعالة ومهمة، وقد كبروا بالسن وواكب ذلك حالة صحية، مما افقدهم دورهم في المجتمع، وللأسف الاسر التي تواجه مشاكل مع كبار السن تساهم في فقدان دورهم، ولا يتجهون للحفاظ قدر ما يستطيعون على دورهم بتسهيل حياتهم الاجتماعية لمواجهة امراضهم واعراضها، فإن لم يستطع المسن المشي يتم احضار كرسي متحرك له، ولا يعتقد انه حين يضع الطعام في فم المسن انه يخدمه، وانما يساعده ليعتمد على نفسه في تناوله لكي لا يتحول إلى معاق.
ومن أكثر الحالات النفسية التي تصيب المسنين في الكويت والمنتشرة بشكل كبير الاكتئاب والخرف، وهذا الأخير انتشر بشكل موسع في الاونة الأخيرة، ولا نعرف ما اسبابه، وأرى في عيادتي الكثير من الحالات والتي تشكل ألما كبيرا للمريض حيث انه قد يضل طريقه او ينسى اشياء مهمة او يفقد اغراضه، وكذلك قد يبالغ في شراء اشياء، وقد يتناول ادويته بشكل زائد او لا يتناولها نتيجة النسيان.
ولهذا نحتاج الى مراعاة كبار السن، وأنا ضد أن يوضع المسن في مكان غير منزله، فنحن سنصبح كبار السن ايضا في وقت قريب، ولهذا نحن بما نفعله نقدم مثلا لابنائنا والمجتمع بعدم العناية بنا حينما نكبر، ولكننا ان قمنا بتوعية المجتمع بأن كبير السن يمكن احتواؤه، وكذلك هناك خدمات رعاية منزلية، وقدر استطاعتنا نحاول التفرغ له.. فإن هذا يساعد.
ولكن للأسف فإن القوانين لا تخدم في هذا الجانب.
فالحديث يدور عن المعاقين فقط، بأنهم ذوو الاحتياجات الخاصة، ولكن هذا الأمر يضم ثلاث فئات هي: المسنون والمعاقون والمرضى النفسيون،
ولهذا لابد للقوانين على مستوى التشريع من أن تخدم هذا الأمر، والا فسنجد كل المسنين داخل المصحات مما يشكل تكلفة عالية على الدولة اضافة الى انها اعاقة كبيرة وقطيعة رحم.
غيرة الأخوات
ام فيصل: لدي ابنة عمرها 14 عاما، واخرى عمرها 11 عاما، الصغيرة تغار من الكبيرة بشكل غير طبيعي، وتطالعها في كل شيء، مع ان الصغيرة اكثر جمالا من اختها، لكن للاسف دائما عينها على اختها الكبيرة لدرجة ان الاخيرة اصبحت تتضايق منها، وكل يوم خلاف جديد بينهما.
لديك هاتان الابنتان فقط؟
لهما 7 اخوة، وارى ان البنت الصغرى من كثرة غيرتها لا تنمو، ومع هذا اعاملها بشكل افضل، وقبل ايام خلال حفل تخرج شقيقتها اصرت على ان يكون لها ما لاختها.
هل تنامان بغرفة واحدة معا؟
لا، الكبرى في غرفة منفصلة والصغرى معي بغرفتي.
انت تتحدثين وكأنك تفهمين جزءا كبيرا من المشكلة، فان قرب البنات معا والمراحل العمرية المختلفــــة التي يمررن بها مثــــل واحــــدة في بداية مرحلة المراهقة واخرى طفلة وتـــرى الصغيرة الكبرى تأخذ اهتماما اكبر وطريقــــة التعامل، وستايل الازياء.
ترى مزايا كثـيرة تختلف عنها، حتى ان الكبـــرى دراستها تكون اصعب فيكون الاهتمام بها اكثر، وهنا من الطبيعي ان يصبــــح بين الابناء غيرة وهنا يكون دورك حيث تستطيعين التحكم فيه.
هل هذا يعني انها حينما تطلب اي شيء مثل اختها اعطيها اياه ام انبهها ان هناك فرقا على حسب الفئة العمرية؟
لا ليـــس هناك مانع ان طلبـــت شيئا تحضرينه على حسب ان كان يناسب عمرها، بالفعل ابنتك الصغيرة لديهــــا مشكلة، لابـــد من فهم جذورهـــا، وهــــل لديها مشكلة صحية، وهل عــــدم نموهـــا بسبب اكتئاب ام مرض عضوي؟
الرابط السلبي
إيمان: ابنتي صغيرة عمرها ثلاث سنوات، وألاحظ أنها أعلى من مستوى جيلها في الذكاء ونشيطة، وولدت طفلي التالي منذ 4 أشهر، وكانت تغار منه بشكل طبيعي وليس مبالغا فيه، ولكني لاحظت حينما دخلت مرحلة البدء بالروضة أنها بمجرد ذهابها للمدرسة تظل تبكي بشكل غير طبيعي يصل الى درجة الصراخ، وإذا ما اهتممت بها وسألتها لماذا البكاء وحاولت تهدئتها ازداد بكاؤها، وان اهملتها تعاف الطعام بشكل سيئ في البيت وخارجه، البكاء أصبح سمتها الدائمة حتى وهي نائمة أراها تبكي، وعلى الرغم من أنني أوقفت ارتداءها للحفاظ، إلا أنها لديها تبول ليلي، أحاول الاهتمام بها والخروج معها وحدنا حتى اقنعها أن اهتمامي بها فريد، إلا أنها ايضا تظل تبكي، اضافة الى انها اصبحت صعبة المراس وعنيدة الى ابعد الحدود، واراها مكتئبة دائما. وسألت مدرساتها بالمدرسة عن أي مشاكل أجابوا بالنفي وانها مطيعة وجيدة وتشارك باللعب والنشاط مع رفاقها الا انني بمجرد ان آخذها من المدرسة في سيارتي ينقلب حالها فما تقييمك لحالتها؟
هناك العديد من التغييرات التي حدثت مع ابنتك وفي سن صغيرة، فمن الممكن أن هذا سبب من ناحيتها رابط سلبي تجاهك وعلاقتها معك، وكأنها ابتعدت عن البيت حينما جاء المولود الجديد، والأطفال أذكياء، وكما وصفت ابنتك بالذكاء الشديد فهي قوية الملاحظة، وكان من الممكن مع شخصيتها التدرج في خروجها للروضة.
ولكن للأسف تعاملتم معها وكأنكم تجهزونها للخروج بسبب حضور شخص بديل عنها، مما تسبب في انتكاسة لها فالتبول اللاإرادي من الممكن ان يكون تبولا اوليا حيث انها مازالت لم تأخذ وقتها بسبب المولود الجديد، خاصة انها كانت أثيرة ورقم واحد، وما يجب ان تفعليه هو قضاء أطول وقت ممكن معها، حتى لو تأخرت عن روضتها لأيام، أو تذهبين لها بعض الوقت بالروضة وكذلك البيبي معك لتقضوا وقت معا، لنرجع الثقة والرابط بينكما معا، وحتى الطفلة تشعر أنها فرد من الأسرة بالإضافة إلى أخيها المولود وليس بديلا عنها، ولا تشعرين أنك تخافين عليه كثيرا أن لعبت معه، وتحاولون ان تجلسوا معا أنت والأب وهي وأخوها على أن يحمل كل منكما طفلا وبعدها تتبادلان.
وهي لن تتخطى هذه الحالة بسهولة، والجدير بالذكر ان هناك دراسات تقول ان الاطفال يكتئبون بالفعل وحتى بالأعمار الصغيرة، ولهذا نحتاج إلى علاج لهذا الأمر ومعالجته تكون سلوكيا في البداية عبر تغيير طريقة تعاملك انت ووالدها معها، وان لا قدر الله الأمور تفاقمت أكثر من ذلك هناك علاج لهذه الفئة العمرية، ولكنني متأكدة انك ان اتبعت هذه النصائح مثل تواجدكما معا حتى تطمئن وكذلك اسلوبك معها في أخذها للسرير، فهي تحتاج أن تقضي معها وقتا أطول حتى تنام من أجل خفض نسبة القلق والتوتر الذي تعيشه، ففي اعتقادها ان هذا الطفل الجديد لابعادها ولهذا فإن أفضل الطرق لمعالجتها هي بالتصرف وليس بمجرد الكلام.
د.هيا المطيري في سطور
- د.هيا المطيري: زميلة الكلية الملكية البريطانية للاطباء النفسيين، وحاليا هي الطبيبة النفسية الوحيدة المتخصصة في الطب النفسي بالكويت.
- خريجة كلية الطب، حاصلة على بكالوريوس علوم طبية اساسية، بكالوريوس طب وجراحة من كلية الطب بجامعة الكويت.
- سافرت الى بريطانيا للتدريب وحصلت على الماستر والدكتوراه والزمالة للكلية الملكية البريطانية في انجلترا، لديها خبرات كثيرة في الطب النفسي، ومنها الطب النفسي للناضجين وطب نفسي كبار السن والطب النفسي الشرعي وطب نفسي المعاقين والاطفال وكذلك علاج المدمنين وتأهيلهم وحصلت فيه على دبلوم عال وكذلك العلاج النفسي بجميع انواعه واضطرابات الغذاء النفسية (الشراهة والهزال العصابي).
- تولت ادارة مركز علاج الادمان قرابة العام ونصف العام ووضعت سياسة تشغيل جديدة وآلية حديثة تتماشى والدليل العلمي الحديث لعلاج الادمان.
- عملت في لجنة العفو الاميري للسجناء والتائبين الذين صدرت ضدهم احكام بسبب المخدرات.
- عملت مقررا بلجنة تعزيز الصحة النفسية لرفع وصمة العار وهذا الامر مازال في بدايته حيث تضع السياسات له.
- قدمت الكثير من الاعمال الاعلامية آخرها برنامج من اعدادها وتقديمها تذيعه قناة «الصباح» ويعالج كل القضايا الاجتماعية بشكل عميق وعملي.
- عضوة في عدة جمعيات للنفع العام.
- قدمت عدة دراسات لمجلس الامة منها تعديل قانون المتشبهين والشواذ وقانون للصحة النفسية في الكويت لتنظيم العمل ومنهج التربية الحياتية في وزارة التربية، حيث قدمت اقتراحات يمكن من خلالها استخدامها بالمدارس لاخراج اجيال سوية نفسيا وغير ذلك من الابحاث.