سنتحدث هنا عن فترة مناخية شديدة الخطورة تحدث في كل عام حيث يذهب ضحيتها العديد من الأشخاص وفقدان الكثير من الممتلكات فقد راح ضحيتها في الماضي العديد من بحارة الكويت وسفنهم، كما هو مذكور في تاريخ الكويت.
وحديثا كما رأينا أثرها، كما حدث مؤخرا في العاصفة التي هبت يوم السبت الموافق 17 /10 /2015 والذي جاءت قبل موعدها بأيام، أو كما يقال محليا «سبقت وقتها» وراح ضحيتها شخصان وكذلك شاهدناها في الإعصار «شابالا» الذي هب مؤخرا في منتصف المحيط الهندي ثم اتجه الى الشمال الشرقي من المحيط متوجها الى جنوب الجزيرة العربية وتحديدا الى سلطنة عمان واليمن وكذلك إعصار «ميج» الجديد والذي يضرب جزيرة سوقطرة حاليا ويتجه نحو الصومال، كما من المتوقع ان يكون هناك إعصار آخر ثالث سوف يضرب سواحل اليمن وعمان مرة اخرى بعد عدة أيام.
غيوب الأحيمر هذا هو الاسم الذي تسمى فيه هذه الفترة والتي تكثر فيها الأعاصير والرياح الشديدة بمنطقة الخليج وشبه الجزيرة العربية يطلق هذا الاسم عند أهل البحر وكبار السن من أهل الكويت والخليج وهي الفترة التي تهب فيها الرياح في كل عام مع دخول فترة الوسم وبتاريخ محدد وهو 15 /12، حيث تدخل فترة موسم الأمطار والتي تعرف هذه في الكويت وشمال شبه جزيرة العرب بفترة «الوسم» وفترة الوسم هذه مدتها حوالي 52 يوما تقريبا فهي تبدأ من 15 /10 وتنتهي يوم 6 /12 مع دخول المربعانية من كل عام وتتكون فترة الوسم هذه من 4 أنواء أو كما يسميها الفلكيون منازل القمر وهذه المنازل او الأنواء هي كالآتي:
1 ـ نوء العواء ومدته 13 يوما، حيث يبدأ يوم 16 /10 وينتهي يوم 28 /10 والذي تبدأ فيه فترة الوسم، وكذلك يدخل فيه برج العقرب في يوم 23 /10، حيث يميل الجو الى الاعتدال في النهار ويميل الى البرودة في آخر الليل.
2 ـ نوء السماك ومدته 13 يوما، حيث يبدأ يوم 29 /10 وينتهي يوم 10 /11، حيث يبدأ كبار السن في لبس الملابس الشتوية ويلبس الشباب الملابس الشتوية في الليل.
3 ـ نوء الغفر ومدته 13 يوما تبدأ من 11/11 وتنتهي يوم 23 /11 وهي الفترة التي يغيب فيها النجم الأحيمر مدة 40 يوما والمعروفة بهبوب الرياح الشديدة وأمواج البحر العالية.
4 ـ نوء الزبانا وهو النوء الأخير من فترة الوسم وهو أيضا مدته 13 يوما يبدأ يوم 24 /11 وينتهي 5 /12 مع دخول فترة المربعانية وكذلك دخول برج القوس الذي يدخل 22 /11، حيث نلاحظ انخفاضا ملحوظا في درجات الحرارة وخصوصا في الليل في المناطق الصحراوية والمناطق المكشوفة.
هذه الأنواء هي أنواء الفترة الانتقالية التي ينتقل فيها الجو من الحرارة العالية الى البرودة والانخفاض في درجات الحرارة ويعرف برد هذه الفترة ببرد الخريف والذي يعرف الناس عامة بأنه البرد «المضر» والذي يتسبب بالأمراض المعروفة بأمراض البرد مثل الانفلونزا والسعال والرشح والزكام.
ونحمد الله العلي القدير الذي أرسل الينا الغيث والمطر مبكرا هذا العام، حيث أصبحت الأرض موسومة وإن شاء الله سوف ينبت العشب ونرى الفقع في أرض الكويت على اثر هذا المطر.
أما من الناحية الفلكية فتسمى هذه الفترة بفترة «غيوب النجم الأحيمر» ومدة غيوب او اختفاء هذا النجم، كما ذكرنا هي 40 يوما، بالتمام والكمال واختفاء هذا النجم هو مؤشر ودليل قوي عند أهل البحر باضطراب الجو وعدم استقراره وهياج البحر وارتفاع الموج فيه.
وضربة الأحيمر التي يخشاها البحارة بحارة الكويت والخليج في الماضي يشرحونها فيقول بعضهم عنها بأنها رياح شمالية غربية شديدة السرعة قد تصل سرعتها بين 80كم و 120كم في الساعة مصحوبة بغيوم وأمطار رعدية واضطراب وهيجان في حالة البحر بحيث تشتد الأمواج العالية وتضرب السفن الشراعية وتغرقها لذا كان ربابنة السفن الشراعية قديما والمعروفين باسم «النواخذة» يتجنبون السفر والدخول الى داخل البحر سواء كان ذلك في الخليج او المحيط الهندي ولا يتركون الموانئ الموجودين فيها إلا بعد التأكد من انتهاء هذه الفترة التي تعتبر من أخطر الفترات المناخية في المنطقة.
وتعتبر الرياح العاصفة التي تهب في فترة الأحيمر هي من أخطر أنواع الرياح التي تخشاها السفن قديما ويؤكد «النواخذة» ان الرياح التي تهب خلال غيوب هذا النجم هي رياح غربية وليست شمالية غربية كما يذكر بعض البحارة.
وهذه الفترة يحسب لها ألف حساب لما تسببه من خسارة في الأرواح والممتلكات ولذلك يقول النواخذة عن ضربة الأحيمر «نحسب حسابها عدل» قبل الدشة لتجنب ماسيها. والأحيمر كما كان يقول أهل البحر «يضرب ضربته» دائما في المساء بعد صلاة العصر وقبل صلاة المغرب وتضرب هذه الرياح القوية من الناحية الغربية وعادة ما تكون مصحوبا بغبار أحمر وتكون على شكل سحابة سوداء في السماء.
ويذكر الوالد يوسف خالد المرزوق ـ رحمة الله عليه ـ بقوله عن السفر البحري خلال فترة غيوب الأحيمر «الأحيمر أقشر ما يندخل البحر فيه اذا طلع الاحيمر دخلنا السفر وهبوب رياح الأحيمر تكون محملة بغبار أحمر طالع من الأرض يغطي السماء كأنه سحابة سوداء ما تشوف راحة ايدك» ويشير كل النواخذة الذين تحدثوا عن هذه الفترة على ان ضربة الاحيمر قوية وخطرة جدا وشديدة في سرعتها ودائما تأتي على دفعتين بينهما وقت زمني من ساعة الى اربع ساعات، والرياح تكون عاصفة جدا، وتكون مصاحبة لمطر وبرق ورعد، والبحر يصير أسود والموج عال جدا.
ومن المعروف ان سرعة الرياح في هذه الضربة لا تقل عن 80 كيلو مترا في الساعة مسببة أعاصير ورياحا شديدة وتكون عادة مصحوبة ببرق ورعد وارتفاع في أمواج البحر، حيث يصل الموج في المحيط الهندي الى ارتفاع بين 5 ـ 7 أمتار، وأحيانا يكون أعلى من ذلك وعلو هذه الأمواج يسبب غرق السفن ولكن في داخل الخليج بسبب صغره نسبيا عن المحيط الهندي وانغلاقه وضحالة مياهه، فإن الأمواج فيه تخف وتصغر عن أمواج المحيط فنجد ارتفاع الأمواج في الخليج يكون بين 3 ـ 4 أمتار.
لذا كان نواخذة السفن الشراعية قديما يتحاشون الخروج من الموانئ في تلك الفترة لشدة خطورتها وتعتبر هذه الفترة من أخطر أنواع الفترات المناخية التي تمر على الكويت او الخليج، حيث ان بعضا من السفن البحرية الكويتية أو الخليجية قديما قد غرقت في البحر بسبب دخولها البحر والسفر في فترة غياب النجم الأحيمر.
وتسمى فترة غيابه عند عامة الناس بخفوق الأحيمر او غيوب الأحيمر.
ويستمر هذا الغياب كما ذكرنا مدة 40 يوما ثم يظهر مجددا في 21 ديسمبر اي ان فترة غيابه تكون من يوم 11/11 الى ان يظهر مرة اخرى في يوم 21 /12 من كل عام ومن المعروف ايضا عن هذا النجم بأنه لا يغيب إلا في هذه الفترة المحددة من السنة ويظهر مع دخول المربعانية، حيث يكون الليل في فترة المربعانية في غاية الطول ويكون النهار في غاية القصر وهذه هي من المؤشرات التي يستدل منها في الماضي على دخول فصل الشتاء.
وتجدر الإشارة هنا الى أنه يعادل هذه الفترة في حالتها المناخية هي فترة السرايات التي تكون قوتها أقل حدة من ضربة الاحيمر.
وضربة السرايات عادة تكون في بداية شهر مايو وكلتا الفترتين تهب مساء وكلتاهما تكون في الفترة الانتقالية كالخريف والربيع والتي هي الانتقال من الجو الحار الى الجو البارد وهي فترة غيوب الأحيمر او العكس من الجو البارد الى الجو الحار وهي فترة السرايات.
وهو موسم غيوب النجم الأحيمر المسمى عند أهل المدينة والبادية بنوء الغفر والذي ذكرناه سابقا.
وبموجب حساب أهل البحر او ما يسمى بحساب النيروز فإن ضربة الاحيمر تكون في در المائة يوم «100» أو تبدأ مع انتهاء 100يوم من تاريخ 11/8 والذي هو بداية الحساب البحري او النيروز وتنتهي هذه الفترة بنهاية در العشرين الثانية«20» من الحساب البحري.
وبخلاف الرياح القوية والأعاصير التي تهب في هذه الفترة فإنه تهب رياح هادئة مفاجئة فيها نسمة براد تنخفض فيها درجات الحرارة بشكل ملحوظ وهي رياح شمالية غربية تهب من سيبيريا بسبب المرتفع السيبيري مسببة البرودة الشديدة والصقيع في ساعات الفجر الأولى حيث يتحول الجو فجأة وبدون سابق مؤشرات الى جو شتوي بارد فتجد كبار السن والأطفال الصغار ارتدوا الملابس الشتوية الثقيلة، اما الشباب فلا يتأثرون بهذا البرد إلا بعد فترة وجيزة من دخول هذا فترة البرد هذه.
لقد تكلمنا هنا بتفصيل موجز عن الدلائل والمؤشرات المناخية التي تحدث في فترة اختفاء او غيوب النجم الاحيمر ولكن ما النجم الأحيمر؟ ولماذا سمي بهذا الاسم؟
سوف أدون هناك بعض المعلومات عن النجم الأحيمر الذي هو نجم معروف بأنه من النجوم الدائمة والثابتة في السماء والذي يمكن مشاهدته في السماء في جهة الجنوب الشرقي فجر كل يوم من أيام السنة باستثناء فترة غيابه، كما يمكن مشاهدته ايضا من جهة الغرب ولكن في وقت غروب الشمس.
ويمكن ملاحظة ان هذا النجم ينخفض بشكل ملحوظ في كل ليلة عن الليلة السابقة الى ان يختفي تماما في يوم 11 نوفمبر وهو نجم كبير جدا واسمه المتعارف عليه عاميا النجم الاحيمر هذا يسمى فلكيا بنجم قلب العقرب والذي هو معروف باللغة الانجليزية باسم (antares)، ويعتبر هذا النجم من ألمع نجوم برج العقرب (scorpius) وهو من ضمن ألمع 20 نجما في السماء ويتميز هذا بلونه الأحمر ولهذا سمي بالنجم الأحيمر ومعروف ايضا عن هذا النجم كبر حجمه، حيث انه أكبر من الشمس بحوالي 690 مرة تقريبا ويبعد هذا النجم عن الكرة الأرضية بحوالي 604 سنة ضوئية.