ليلى الشافعي
عاد الى الكويت موفد لجنة شرق آسيا بجمعية إحياء التراث الاسلامي في كمبوديا د.المنذر الحساوي بعد مشاركته في الاشراف على المخيم الطبي للوقاية والعلاج من مرض الملاريا والامراض العامة الاخرى. وفي حوار مع «الأنباء» قال الحساوي ان فكرة اقامة المخيم الطبي تأتي كمبادرة انسانية لتلبية حاجة الكثير من المرضى من ابناء الشعب الكمبودي الذين يعيشون في قرى نائية ومناطق تفتقر الى العلاج والدواء الى من يقدم لهم المساعدة الطبية وحول ما تم في هذا المخيم الخيري كان لنا مع د.الحساوي هذا الحوار:
ما أهداف المخيم؟
اشارت دراسة عقدت في عام 2002 الى ان اهم اسباب انتشار مرض الملاريا في كمبوديا عدم القدرة على الحصول على علاج مناسب وعدم الالتزام بالدواء، وضعف التوعية الصحية عند الشعب عموما والمرضى خصوصا، ولذا فإن الهدف الاساسي للمخيم هو توفير جانب وقائي وآخر علاجي للمرضى ومن اهدافنا تقديم برامج وقائية واخرى علاجية ضد الملاريا في مقاطعات مختارة بكمبوديا، بالاضافة الى تقديم خدمات طبية مجانية للفقراء الذين يعانون من مختلف الامراض ويتعذر عليهم الوصول الى الخدمات الطبية او الحصول على العلاج المناسب علما بأن اهداف هذا المخيم العلاجي والوقائي تندرج ضمن خطة الامم المتحدة الهادفة الى القضاء على الوفيات الناتجة عن الملاريا من العالم بحلول عام 2015، كما يعد المخيم وسيلة لتحبيب غير المسلمين بالاسلام ويمهد الطريق لبناء مستشفى في إحدى المحافظات بكمبوديا.
من الذي يدعم هذا المخيم؟
تحت رعاية وتنظيم لجنة جنوب شرق آسيا بجمعية احياء التراث الاسلامي وبدعم من صندوق اعانة المرضىوجمعية الهلال الأحمر الكويتي وبيت الزكاة، والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية.
ما إنجازات المخيم؟
تم تنظيم 6 مخيمات طبية في قرى مختلفة موزعة على عدد 3 محافظات بكمبوديا وهي: كوه كونج، كمبوط، كمبو تشام، وقد عقدت في الفترة من 30 يونيو الى 9 يوليو الماضي بدوام يومي يبدأ من الساعة 8 صباحا وحتى الخامسة مساء تتخلله فترة راحة للغداء والصلاة.
فريق العمل
مم يتكون فريق عمل المخيم؟
يتكون الفريق الطبي والتمريض والاداري من 10 اشخاص وتم تقسيم فريق العمل الى فريق فحص المؤشرات الحيوية للمرضى وعمل اختبارات الملاريا، وفريق فحص المرضى والتشخيص وفريق الضمادات وفريق الصيدلية.
كم بلغ عدد المرضى؟
تم استقبال وفحص وعلاج 786 مريضا من جميع الاعمار والاديان والاجناس مصابين بأمراض مختلفة، وتحويل ما يلزم منها الى المستشفى او نقلهم اليها مع التكفل بمصاريف العلاج.
أنواع الأمراض
ما نوع الأمراض التي قمتم بعلاجها؟
تنوعت الأعراض والأمراض التي كان يعاني منها المراجعون وان كان قد غلب عليها امراض الجهاز الهضمي المترتبة على سوء التغذية وكذلك امراض الجهاز الدوري (القلب) والتي كانت من اهم اسباب عدم القدرة على شراء الدواء.
واسفرت مئات الفحوصات والاختبارات الميدانية عن تشخيص 30 حالة تقريبا مصابة بمرض الملاريا والعديد من الامراض الوبائية وغيرها مثل حمى الدنغو، وحمى التيفويد، والدرن وامراض الفطريات.
الحملة الوقائية
كيف قمتم بحملتكم للمخيم للوقاية من مرض الملاريا؟
تم توزيع عدد ألف ناموسية تقريبا من الحجم الكبير لأسر تضم اطفالا دون سن الخامسة ونساء حوامل مع شرك لأهميتها، وطريقة استخدامها مع توزيع مئات البروشورات التوعوية حول مرض الملاريا والأمراض المعدية بوجه عام وكذلك تعليق بوسترات في المراكز الصحية ودور الايتام تضم ارشادات عامة للوقاية من الملاريا والامراض مع توزيع القصص الملونة المصورة التوعوية عن مرض الملاريا للأطفال، بالإضافة الى عقد عدد 12 محاضرة تثقيفية حول طرق الوقاية من الامراض عموما والملاريا بشكل خاص في المراكز الصحية والمساجد ومراكز الأيتام حضرها المئات.
كما ضمت صيدلية المخيم اكثر من 50 نوعا من الادوية الدارجة وعلاجات الملاريا وتوزيع عدد 3000 كتيب دعوي حول العقيدة الاسلامية والصلاة بالاضافة الى عقد الاجتماعات مع عُمَد القرى وممثلي الحكومة ووزارة الصحة ومركز الملاريا الوطني وممثلي شركات الادوية والناموسيات وكبار الاطباء في كمبوديا مع تزويد عيادات مراكز الأيتام بالأدوية.
حدثنا عن كمبوديا كما رأيتها.
تشرفت بان أكون ضمن وفد من جمعية إحياء التراث الإسلامي الكويتية لزيارة كمبوديا في أغسطس 2008، رافقت فيها كلا من محمد المسعود وعبدالعزيز المسعود. ومن عادتي قبل السفر أن أقرأ أهم الأمور والمعلومات المتعلقة بالدولة التي سأتجه إليها، خصوصا فيما يتعلق بتاريخها وثقافاتها وتركيبة سكانها واقتصادها سواء كان السفر لعمل أو سياحة.
ولم تكذب التقارير التي تناولت الحالة الاقتصادية والفقر في دولة كمبوديا، فبمجرد خروجك من المطار فإنه ستتضح لك هذه الحقيقة، حيث سترى على مد بصرك (باستثناء المدن الرئيسية) ان المساكن عبارة عن بيوت خشبية وأكواخ من حصير، وأغلب الطرقات لاتزال طينية غير معبدة، ووسائل الانتقال في الأغلب هي الدراجات الهوائية والنارية، ناهيك عن انتشار التسول، وكثرة المشردين الذين ينامون على الطرقات، وافتقاد النظافة، حيث تنبعث روائح المجاري في الطرقات، وتتواجد الفئران والجرذان في كل مكان.
جنة آسيا
ولكن المرء ينسى كل هذا اذا نظر الى طبيعة وشعب الدولة، حيث تأسرك طبيعة كمبوديا الخلابة بجمالها، فلا تكاد تقع عين خارج المدينة على بقعة الا وتجد صورة من صور جمال الطبيعة، اما شلالات تتدفق او أنهار تجري او اشجار باسقة او مزارع أرز على مد البصر او جبال تناطح السحاب او غابات تتلون بدرجات اللون الاخضر، او امطار تتساقط على مدار اليوم في صورة فنية جميلة يبرزها ذلك الجو الاستوائي الخلاب لتلك الدولة، واما الثمرات الاستوائية التي تنبت فيها. كما ان الشعب الكمبودي يمتاز بأخلاق عالية، ورقي في التعامل ويغلب عليه ـ كبقية دول جنوب شرق آسيا ـ صفتا الحياء والخجل اللتان تؤكدان بساطة تلك الشعوب، وايضا هذا الشعب يمتاز بهمة ونشاط عاليين يكاد يضرب بهما المثل، وقد استغربنا عندما رأينا ان الحركة والحياة تدبان في الدولة منذ الصباح الباكر وقبل شروق الشمس بنصف ساعة تقريبا.
ما أكثر ما يزعج المسافر الى كمبوديا؟
أكثر ما يزعج المسافر الى كمبوديا هو اكتظاظها بالسياح الغرب، فهؤلاء الغرب للأسف أفسدوا ذلك البلد الجميل بشهواتهم، فالكثير منهم قدموا الى تلك الدولة بهدف ممارسة الدعارة والشذوذ، ومعاقرة الخمور وتعاطي المخدرات التي تنتشر هناك انتشارا كبيرا. والسبب الذي يجعلهم يقصدون كمبوديا دون غيرها هو تيسر ممارسة الدعارة مع الأطفال والقصر، الأمر الذي يصعب وجوده في بلدانهم، ولقد قامت الحكومة الكمبودية مشكورة بشن حملة على ممارسي تلك الأفعال الشاذة المشينة، ولذلك فإنه بمجرد دخولك كمبوديا ستجد لافتات وإعلانات تحذيرية في كل مكان، تجرم ممارسة الدعارة مع الأطفال، حيث يعاقب بالحبس لمدة 20 سنة من يضبط مع فتاة او شاب قاصر، واعلنت الحكومة انها قامت بسجن 2000 شخص حتى الآن.
هذه فئة من الغرب، أما الفئة الأخرى فهم الذين يزورون كمبوديا لأهداف تنصيرية (او تبشيرية كما يسمونها)، وينفقون الأموال الطائلة من اجل ذلك، وبما ان عقيدتهم خاوية وحجتهم ضعيفة فإنهم يعمدون الى استغلال الفقر المادي لدى الشعب الكمبودي، فيقدمون المساعدات المالية والمعونات الغذائية والخدمات التعليمية والعلاجية بهدف كسب قلوب الكمبوديين وتحبيب النصرانية إليهم. ولقد خلنا بعض القرى الفقيرة النائية فتعجبنا من حجم وإمكانيات المدارس والمستشفيات الصليبية التي أقيمت فيها.
وحتى أكون منصفا، فإن هناك فئة ثالثة من الغرب يزورون كمبوديا لأهداف سياحية، وخصوصا مدينة سيام رياب، حيث تنتشر فيها المناظر الطبيعية الخلابة والآثار التاريخية والمعابد البوذية وبالأخص معبد انغكور وات الذي صنف واحدا من أهم المعالم السياحية في العالم، وقد يقصد البعض زيارة كمبوديا لأجله، وأخيرا فإن البعض يزورها لأهداف تجارية، فكمبوديا أرض خصبة للاستثمار بدأت تستقطب أنظار دول العالم حديثا.
كيف تقيم الحياة في كمبوديا؟
يعيش اغلب المسلمين في كمبوديا تحت خط الفقر، وقد صادف الوقت الذي زرنا فيه ولاية كوه كونغ في غرب البلاد، مع فترة المجاعة لديهم، حيث ان هذه الولاية الساحلية وغيرها من الولايات الساحلية في كمبوديا التي تمتد على طول 443كم، تعتمد اعتمادا أساسيا على الصيد البحري كمصدر للعيش، ولاشك ان هذا الصيد يتأثر في مواسم الأمطار وخصوصا من شهر يونيو الى شهر اكتوبر اذ تبلغ كمية الأمطار وفتراتها أعلى مستوياتها فيستحيل الخروج للصيد، وبالتالي تزيد الحاجة ويزيد الفقر والمجاعات. ولقد جاءنا أحد الاخوة ذات يوم وأخبرنا بأن احد القرى المسلمة المجاورة اصابتهم مجاعة شديدة حتى انهم لم يعد يجدوا ما يسد رمقهم وجوعهم لنهاية اليوم، فساعدهم الاخوة جزاهم الله خيرا بمئة كيلو من الأرز. وبعدها بيوم اعلن القائمون على مركز الأيتام في تلك المنطقة عن عزمهم تقديم الاغاثات الغذائية لجميع الأسر الفقيرة المسلمة في القرى المجاورة، فاحتشد عدد كبير منهم، يمثلون نحو 400 أسرة لتسلم أطنان من الأرز التي تم توزيعها بدعم من أهل الخير في الكويت.
وتكونت لدي قناعة بأن افضل مشروع خيري يمكن ان يتصدق به الاسلام هو بناء المراكز الاسلامية، فهذه المراكز قد جمعت الخير كله، فأغلب هذه المراكز تحتوي على مسجد وسكن ايتام وفصول دراسية وورش عمل وبئر ماء ومكتبة ومكاتب ادارة وأحيانا مستوصف، وملاعب ترفيهية. كما انه تنفذ فيها اغلب المشاريع الخيرية مثل الدورات الشرعية والدروس والمحاضرات ومشاريع افطار الصائم وذبح الأضاحي وكسوة العيد والمخيمات الطبية وغيرها، علما ان تكلفة بناء مثل هذه المراكز تتراوح بين 15 ألفا و100 ألف دينار، فما أجل ان يجمع الانسان في صدقته الخير كله.
مستوصف مركز الأيتام
وبعد ان قمنا بتجهيز مستوصف مركز الأيتام بتجهيزات متواضعة، بدأنا باستقبال الحالات المرضية من داخل المركز. وقمنا بتخصيص يوم لعلاج جميع المرضى المحتاجين من أهالي القرى المجاورة، ولم يكن متوقعا ان يبلغ عدد المرضى ما بلغ، اذ نفدت جميع الأدوية خلال ساعات قليلة، فتم اعادة تزويد المستوصف بالمزيد من الأدوية التي نفدت هي الأخرى. وهنا قرر الاخوة ان يقتصر العلاج على الأيتام من داخل المركز. وان نكتفي بالتوعية الصحية لباقي أهل القرية عبر اقامة محاضرات حول طرق الوقاية من الأمراض. اذ ان الامكانات المادية من الصعب ان توفي بجميع الاحتياجات.
وهذه هي النقطة التي استغلها الغرب، اذ ان الوفرة المالية لديهم جعلتهم يسيطرون على مجال المساعدات الطبية في اغلب الدول الفقيرة في العالم.
حدثنا عن ذكرياتك مع الأيتام؟
أجمل اللحظات في رحلتنا كانت تلك التي قضيناها مع الأيتام، فالجلوس معهم حقيقة، يرقق القلب ويذرف الدموع ويزيل القسوة ويزهد النفس بالدنيا، ولذلك لا عجب ان اخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم: «أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين». ولقد اعجبت كثيرا بأخلاق أولئك الأيتام وتعاملهم الراقي واحترامهم للضيف، وشغفهم بالعلم، وحبهم للاطلاع.
وان من اكثر الامور التي اثلجت صدري هو ملكة حفظ القرآن الكريم عند الأيتام، فعندما قمنا بالإعلان عن مسابقة لحفظ سورة الملك، تزاحم الأيتام في لحظتها عند المسجد لحفظ السورة، وعلى الرغم من ان قيمة الجائزة كانت تعادل 26 دينارا فقط للفائز الأول، الا انها كانت كفيلة بأن تجعلهم يعكفون على المصاحف منذ الصباح الباكر وحتى المساء، فأتم بحمد الله عز وجل جميع الأيتام في المركز ـ وكان عددهم يتجاوز الستين ـ حفظ سورة الملك خلال 3 أيام وبعضهم خلال يوم واحد فقط، مع انهم لا يجيدون اللغة العربية.
وأخيرا، أظن ان من اكثر الامور التي استمتع بها الأيتام اثناء زيارتنا لهم، هي الألعاب الشعبية الكويتية، التي نقلناها لهم ولعبناها معهم، وأظنهم مازالوا يمارسونها حتى الآن، وعلى هذا فإني أقترح أن تسجل هذه الألعاب كبراءة اختراع للشعب الكويتي.