- الـبـارون: الطـفـل الـذي يتعـرض لـلإيذاء الجسـدي تتكون لديه الشخصـية العـدوانيـة
- العويـد: لا تؤدب طفلك وأنت غاضب حتى لا يخرجك الغضب عن تحقيق الغاية التربوية
- السويلـم: توعــد الله تعالى من يسيء إليهم بالوعيد الشديد وحـذّر مـن إيذائهم
يلجأ بعض الآباء والامهات الى اسلوب الضرب البدني لاطفالهم بدعوى التأديب مما يسبب لهم هذا العقاب اذى نفسيا كبيرا، فماذا يرى علماء الشرع والتربية والنفس في هذا الاسلوب؟
لا تضربوا الوجه
حول الطريقة المثلى لمعاملة اطفالنا كما علمتنا شريعتنا الغراء، يقول الداعية يوسف السويلم: رعاية الشريعة الاسلامية للانسان ممتدة من قبل خروجه الى الدنيا الى ما بعد وفاته، والاحكام الشرعية تكفل للانسان حقوقه وتمهد السبيل لصلاحه وهدايته، حيث امر الشرع الرجل الباحث عن زوجة ان تكون ذات اصل طيب وبيئة محافظة، واذا حملت المرأة فيجوز التبرع للحمل والوقف له والوصية عليه، ثم اذا خرج الى الدنيا وهو رضيع فكذلك الواجب على الوالدين النفقة عليه وتربيته، والاهتمام بصلاحه وهدايته، قال تعالى (يا ايها الذين آمنوا قوا انفسكم واهليكم نارا وقودها الناس والحجارة)، وقال تعالى (وأمر اهلك بالصلاة واصطبر عليها)، وهكذا درج الصالحون من هذه الامة ومن الامم السابقة على الاعتناء بأطفالهم وابنائهم.
ويزيد السويلم ان النبي صلى الله عليه وسلم علم امته اسلوب التعامل مع الاطفال، فكان صلى الله عليه وسلم يضمهم ويقبلهم ويعطيهم الشعور بالدفء الاسري والحنان الابوي كما هو مشهور في السنة النبوية الشريفة، بل انه كان يصلي بالناس وفي نيته الاطالة بالصلاة لكنه يقصر منها عند سماع بكاء طفل، كما ذرفت عينا المصطفى صلى الله عليه وسلم عندما توفي ابنه ابراهيم عليه السلام، ودعا الآباء والامهات الى الحرص على هداية ابنائهم وصلاحهم بالحسنى «مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع».
وحذر من ظلم الاطفال او تعذيبهم او ايذائهم او اكراههم على المحرمات (والعياذ بالله) كما قال تعالى (ويحذركم الله نفسه والله رؤوف بالعباد).
القصاص من المعتدي
وبين الحكم على من يعتدي على طفل قائلا: اوجب الشرع المطهر القصاص ممن اعتدى على طفل (ولو كان رضيعا) بازهاق روحه والاعتداء عليه والتغرير به، ومنع الشرع من نفاذ تصرفات الاطفال المالية الا اذا تحققت لهم المصلحة جراءها، كل ذلك لأن الاسلام حمى الطفل وتوعد من يسيء اليه بالوعيد الشديد، وكيف لا والاطفال هم احباب الله وزينة الحياة الدنيا، ولو قدر عليهم الموت فإنهم باذن الله يشفعون لوالديهم.
الضرب والتأديب
لكن، هل يصلح الضرب وسيلة لتأديب الطفل؟ وكيف يكون الضرب؟ وما الافعال التي يضرب عليها الطفل؟
يجيب الاستشاري التربوي محمد العويد عن هذه التساؤلات بقوله: في البداية، يحسن ان ابنه الى ان ضرب الطفل وسيلة للتأديب وليس للعقاب، كما هو واضح من كلمات الكاسائي في بدائع الصنائع ان الصبي يعذر تأديبا لا عقوبة لأنه من اهل التأديب، الا ترى الى ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم انه قال: مروا صبيانكم بالصلاة اذا بلغوا سبعا، واضربوهم عليها اذا بلغوا عشرا، وذلك بطريق التأديب والتهذيب لا بطريق العقوبة لأن فعل الصبي لا يوصف بكونه جناية بخلاف المجنون والصبي الذي لا يعقل لأنهما ليسا من اهل العقوبة ولا من اهل التأديب.
ويقدم العويد نصيحته للام بألا تضرب الطفل دون العاشرة لأنه ليس من اهل العقوبة، وليس من اهل التأديب، وان اللجوء الى ضرب الطفل الذي تجاوز العاشرة ليس عقابا، انما هو تأديب، وفرق كبير بين العقاب والتأديب.
لا تشتميه
وعن الشروط اللازمة في تأديب الاطفال، ينصح العويد الام بألا تؤدب طفلها وهي غاضبة، فقد يجعل الغضب تأديبك لطفلك انتقاما ويخرجه عن غايته التربوية ويفقدك سيطرتك على اعصابك، ويمنعك من تقدير مدى الالم الذي يسببه تأديبك للطفل، وكذلك لا تشتمي طفلك وانت تؤدبينه.
واكد العويد ان المفروض الا تشتم الام ابنها ابدا، وليس حين تأديبه فقط لكن عادة ما تصدر الالفاظ القبيحة من الام وهي تؤدب طفلها وكأنها تريد ان تؤلمه جسديا ونفسيا في وقت واحد.
وطالب العويد الام بأن تحفظ لسانها وهي تؤدب طفلها لأن غاية تأديبها هي تربية الطفل، اما شتمه او سبه فهو مناقض للتربية مخالف لها، واضاف: ان على الام ان تشرح للطفل سبب تأديبها له على خطئه ويفضل ان يكون الشرح قبل التأديب او معه على الاقل، واذا لم تتمكن الام من الشرح قبل التأديب او في اثنائه فلا مانع من القيام به بعد تأديبه حتى لا يحسب الطفل انه لا يستحق التأديب وحتى يستفيد منه وتتحقق الفائدة التربوية المرجوة.
وزاد: كما يجب الا تؤدب الام اولادها امام الآخرين ولا تؤدبه على خطأ سبب له ألما حتى لا تزيد من آلامه.
أسلوب خاطئ
ويؤكد الاستاذ بكلية الآداب ـ علم النفس ـ د.خضر البارون ان لجوء الاهل الى التشدد في تربية ابنائهم وضربهم في حال الخطأ بحجة التأديب يؤدي في النهاية الى افساد الابناء فليس الضرب هو الحل الأمثل، فالطفل الذي يتعرض للايذاء الجسدي او المعنوي يتبدل حاله من فرح وسعادة الى حزن وتعاسة وتبدو عليه علامات النفور وسرعة البكاء والعصبية ويتبع ذلك سلوك سيئ وتعثر في الدراسة.
واكد د.البارون ان احترام الوالدين لحقوق اطفالهم في حرية التعبير والاعتراض يقلل من السلوك العدواني عند الاطفال، لأن العدوان غالبا ما يكون استجابة للشعور الذي يعاني منه الطفل نتيجة سوء معاملة الوالدين وتعرضه للعقاب البدني او اللفظي الذي يشعره بالاحباط ويزداد العدوان عند الطفل بزيادة العدوان الواقع عليه من افراد اسرته.
واشار الى ان فقدان شعور الامان لدى الطفل نيتجة الحرمان والاحباط والتهديد، كل هذه الامور تثير نزعة العدوان عنده وهو ما نراه ايضا عند عدم معاملة الاطفال معاملة واحدة وتدليل بعضهم ونبذ البعض الآخر.
ونادى د.البارون بعدم استخدام العقاب البدني في تربية الاطفال، والمساواة في معاملة الوالدين لجميع الابناء، وذكر ان احد الآباء احضر ابنه لفحصه نفسيا بسبب عدوانيته وعناده، فلاحظ آثار كدمات على جسد الطفل وتورما في عينه وحرقا في اجزاء من جسمه، لكن الاب ادعى انها نتيجة حادث، وعند الانتهاء من فحص الطفل نفسيا اكتشفنا انه يعاني من القلق والانطوائية والحزن الى جانب نزوعه الى العدوانية والانتقام نتيجة ما تعرض له من الاضطهاد الجسدي.
الاكتئاب
ويضيف د.البارون قائلا: ان هذه النوعية من الاطفال تشعر بالاكتئاب مما يدفعها الى الكراهية والانطواء وتولد لديهم روح العدوان، ويمكن ان يتصاعد هذا الشعور بداخله وتصبح لديه الرغبة في الثأر والانتقام، ومن هنا تتكون لديه الشخصية السيكوباتية المجرمة لأنه فاقد للحب والحماية والاحترام.
ويؤكد د.البارون ان انتهاك الطفولة بهذا الشكل يتطلب سن قوانين تضمن سلامة وحماية الطفل، وايضا على الاسرة ان تتحرى ما يتعرض له طفلها من ايذاء او اهانة سواء في المدرسة او في المجتمع.
ويضرب د.البارون مثالا بأم قاسية تحرق يد طفلها بالسجائر عندما يتبول ليلا مما يجعل الطفل يخفي هذه الكدمات خوفا من معايرة زملائه له في الروضة، وحضرت الام لعلاج ابنها من هذا الداء بعد ان عرضته على طبيب عام، واكد لها ان ابنها يعاني من مرض نفسي، واشار الى ان الآباء الذين يمارسون القسوة ضد ابنائهم تكون اعمارهم ما بين 30 و35 عاما وهؤلاء في الغالب تعرضوا في صغرهم للايذاء الجسدي مما يجعلهم يظهرون عقدهم مع فلذات اكبادهم.