- أحد أقرباء الضحايا: عندما رأيت جثث النساء المحترقات بعضها فوق بعض وكأنها كومة من اللحم البشري تجمدت في مكاني ولم أعرف ماذا أفعل
- أقارب أُمّ لم يتمكنوا من التعرف عليها إلا من خلال ابنتها حيث وجدت متفحمة وهي تحتضن طفلتها لتمنع النيران عنها لكن الابنة ماتت خنقا
- في «الأدلة الجنائية»: رأيت أجساداً متفحمة بلا ملامح وأشلاء بشرية متناثرة في كل مكان وخرجت مصدوماً ولم أتعرف على عمتي أو أختيّ الاثنتين
محمد هلال الخالدي
الموت حدث مؤلم، وموت الأطفال أكثر إيلاما وقسوة على النفس، وموت مجموعة كبيرة من النساء والأطفال في ليلة واحدة في حريق «عرس العيون» الذي حول الفرح إلى كارثة، والعرس إلى مآتم كبير لف أرجاء الوطن بالسواد لم يكن حدثا عاديا، بتفاصيله وآثاره التي ستبقى في وجدان الجميع.
فوراء ذلك الحادث المأساوي تقف حكايات وحكايات واجه فيها عشرات الأبرياء الموت المرعب، وعايشوا لحظات الألم المفزع كما عايشها معهم أهلهم وذووهم.
ومن بين هذه الحكايات القاسية ما رواه أحد أهالي الضحايا لـ «الأنباء» حيث قال إنه عندما سمع بحدوث الحريق هرع مسرعا الى خيمة العرس للاطمئنان على حياة أسرته، وعندما وصل للمكان صعق من هول المنظر، وقال لا تستطيع أي كلمات في قاموس اللغة أن تصف ذلك المنظر المرعب، منظر جثث النساء المحترقات فوق بعضهن البعض وكأنها «كومة» من اللحم البشري المحترق، الكل كان في حالة صدمة ورعب، تجمدت في مكاني ولم أعرف ماذا أفعل، الصراخ يحيط بي من كل جانب، والدخان ورائحة الموت يلفان المكان.
يضيف انه لم يستطع التعرف على أحد من أسرته أو قريباته في مكان الحريق، وعلم أن سيارات الإسعاف قامت بنقل كثير من المصابين الى مستشفى الجهراء، فتوجهت الى هناك، بحثت عن أفراد أسرتي ولكنني لم أصل لشيء، الموقف صعب والبحث عن شخص من بين تلك الأجساد المتفحمة أمر مستحيل، فعلمت أن هناك مجموعة أخرى من المصابين تم تحويلهم إلى مستشفى الفروانية، فتوجهت إلى هناك وأنا لا أعلم عن أسرتي أي شيء، هل هم أحياء أم مصابون؟ وما مدى إصابتهم وخطورتها؟ هواجس الكون كلها باتت تتقلب في رأسي وأنا أتنقل من مستشفى لآخر بحثا عن أفراد أسرتي ومصيرهم المجهول.
يضيف إنه ظل يتنقل من مستشفى لآخر والى موقع الأدلة الجنائية في الفروانية استطاع أن يجد قريباته باستثناء عمته واثنتين من أخواته. يكمل وهو يستجمع قواه ويسحب الأكسجين بصعوبة ويصارع عيونه لمنعها من ذرف الدموع: دخلت إلى مقر الأدلة الجنائية للتعرف على قريباتي من بين الجثث، منظر مرعب لا يفارقني، صالة مليئة بالجثث المتفحمة لأجساد بلا ملامح، أشلاء بشرية لا تدري أهي لطفل أم لامرأة.. خرجت ولم أتمكن من التعرف على عمتي أو أختيّ الاثنتين، فقاموا بسحب عينة من دمي وقالوا سنتمكن من التعرف عليهن من خلال تحليل الحمض النووي.
واصل الحديث بكثير من الصعوبة والألم، قال بحرقة: كيف تجرؤ امرأة لديها أطفال على هذا الفعل؟ أي قلب تحمل في صدرها المظلم لتفعل ذلك أن تقتل كل هؤلاء البشر لمجرد الانتقام من زوجها الذي تزوج عليها؟ مضى علي الآن يومان وأنا عاجز عن النوم وعاجز عن الأكل، منظر تلك الأجساد المتفحمة يطاردني كلما أغمضت عيوني، أصوات البكاء وصراخ الألم يفزعني كلما حاولت النوم أو الأكل، الله وحده يعلم متى سينتهي هذا الكابوس المرعب.
ماذا ستقول؟
ضحية أخرى من ضحايا هذا الحريق المأساوي روى لـ «الأنباء» معاناته ليلة الحادث، يقول وقد فقد أخته وابنتها الصغيرة بأنهم لم يستطيعوا التعرف على الأم إلا من خلال ابنتها حيث وجدت متفحمة وهي تحتضن ابنتها لتمنع النيران من الوصول إليها، ولكن الصغيرة لم تستطع أن تحتمل الدخان الأسود الكثيف فماتت خنقا، فماذا ستقول من فعلت هذه الفعلة لربها يوم الحساب، لأي سبب قتلت هذه الطفلة الصغيرة هذه القتلة البشعة، ما ذنبها في هذا الجنون والتصرف بهذه الروح الانتقامية المريضة، أين ستذهب من قول الله عز وجل (وإذا الموءودة سئلت، بأي ذنب قتلت) من أين جاءت بهذه القسوة لتقتل عشرات النساء والأطفال الذين جاءوا ليفرحوا ويهنأوا ويضحكوا؟ لا نملك إلا أن نقول حسبنا الله هو نعم الوكيل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم آجرنا في مصيبتنا.