محمد أحمد
في المعراج شرعت الصلوات الخمس، شرعت في السماء لتكون معراجا يرقى بالناس كلما تدلت بهم شهوات النفس وأعراض الدنيا.
والصلوات التي شرعها الله غير الصلوات التي يؤديها الآن كثير من الناس، وعلامة صدق الصلاة ان تعصم صاحبها من الدنايا وان تمنعه من البقاء عليها ان ألم بشيء منها.
فاذا كانت الصلاة مع تكرارها لا ترفع صاحبها الى هذه الدرجة فهي صلاة مردودة، فالصلاة طهور كما جاء في السنة الا انها طهور للانسان الحي، ان التطهير يزيل ما يعلق بالقلب الحي من غبار عارض والاعراض التي تلحق بالمرء في الحياة فتصدئ قلبه كثيرة ومطهراتها اكثر.
وفي الحديث فتنة الرجل في اهله وماله وولده ونفسه وجاره يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر.اما اصحاب القلوب الميتة فالصلاة لا تجديهم فتيلا ولا يزالون كذلك حتى تحيا قلوبهم او يواريها الثرى. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: لما دخلت السماء الدنيا رأيت بها رجلا جالسا تعرض عليه ارواح بني آدم فيقول لبعضها اذا عرضت عليه خبرا ويسر به يقول: روح طيبة خرجت من جسد طيب، ويقول لبعضها اذا عرضت عليه: اف ويعبس بوجهه ويقول: روح خبيثة خرجت من جسد خبيث، قلت من هذا يا جبريل؟ قال: هذا ابوك آدم تعرض عليه ارواح ذريته، فاذا مرت به روح المؤمن منهم سر بها وقال روح طيبة خرجت من جسد طيب، واذا مرت به روح الكافر منهم انف منها وكرهها وساءه ذلك، وقال روح خبيثة خرجت من جسد خبيث. ثم رأيت رجالا لهم مشافر كمشافر الابل في ايديهم قطع من نار كالافهار (والافهار جمع فهر وهو الحجر الذي يملأ الكف) يقذفونها في افواههم فتخرج من ادبارهم، فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اكلة اموال اليتامى ظلما. ثم رأيت رجالا لهم بطون لم ار مثلها قط بسبيل آل فرعون يمرون عليها كالابل الصهومة (اي العطاشى) حين يعرضون على النار يطفئونهم لا يقدرون على ان يتحولوا من مكانهم ذلك، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اكلة الربا. ثم رأيت رجالا بين ايديهم لحم سمين طيب الى جنبه لحم غث منتن يأكلون من الغث المنتن ويتركون السمين الطيب، قلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الذين يتركون ما احل الله لهم من النساء ويذهبون الى ما حرم الله منهن. ثم رأيت نساء معلقات بأثدائهن فقلت من هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء اللاتي ادخلن على الرجال من ليس من اولادهن، ثم أصعدني الى السماء الثانية فاذا فيها ابنا الخالة عيسى بن مريم ويحيى بن زكريا.
ثم أصعدني الى السماء الثالثة فاذا فيها رجل صورته كصورة القمر ليلة البدر، قلت من هذا يا جبريل؟ قال: هذا اخوك يوسف بن يعقوب.
ثم اصعدني الى السماء الخامسة فاذا فيها كهل ابيض الرأس واللحية لم ار كهلا اجمل منه، قلت من هذا يا جبريل؟ قال: هذا المحبب في قومه هارون بن عمران.
ثم اصعدني الى السماء السادسة فاذا فيها رجل طويل اقنى كأنه من رجال شنؤه، فقلت له من هذا يا جبريل؟ قال: هذا اخوك موسى بن عمران.
ثم اصعدني الى السماء السابعة فاذا فيها كهل جالس على كرسي الى باب البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون الف ملك لا يرجعون فيه الى يوم القيامة لم ار رجلا اشبه بصاحبكم ولا صاحبكم اشبه به منه، قلت من هذا يا جبريل؟ قال: هذا ابوك ابراهيم. ثم دخلت الجنة فرأيت فيها جارية لعساء (واللعساء هي التي يضرب لون شفتها الى السواد قليلا) فسألتها من انت وقد اعجبتني ورأيتها، فقلت لزيد بن حارثة، فبشر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فأقبلت راجعا، فلما مررت بموسى بن عمران ونعم الصاحب كان لكم، سألني: كم فرض عليك من الصلاة؟ فقلت: خمسين صلاة كل يوم، فقال: ان الصلاة ثقيلة وان امتك ضعيفة فارجع الى ربك فاسأله ان يخفف عنك وعن امتك، فرجعت فسألت ربي ان يخفف عني وعن امتي فوضع عني عشرا ثم انصرفت، فمررت على موسى فقال لي مثل ذلك، فرجعت فسألت ربي فوضع عني عشرا، ثم لم يزل يقول لي مثل ذلك كلما رجعت اليه قال فارجع فاسأل حتى انتهيت الى ان وضع ذلك عني الا خمس صلوات في كل يوم وليلة، ثم رجعت الى موسى فقال لي مثل ذلك فقلت: قد راجعت ربي وسألته حتى استحييت منه، فما انا بفاعل؟ فمن أداهن منكم ايمانا بهن واحتسابا لهن كان له اجر خمسين صلاة مكتوبة.
فلما كانت صبيحة هذه الليلة المشهودة حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس بما تم له وما شهد من آيات ربه الكبرى. والذين كذبوا ان يقع وحي على الارض اتراهم يصدقون به في السماء، لقد طاروا يجمع بعضهم بعضا لسماع ما حدث ليزدادوا انكارا لرسالة السماء وتحداه بعضهم ان يصف بيت المقدس. ومن القبائل التي اتاها الرسول صلى الله عليه وسلم ودعاها الى الله دأبت الاستجابة له فزارة وغسان ومرة وحنيفة وسليم وعبس وبنو النضير وكلب والحضارمة وبنو عامر بن صعصعة. وما وجد في هؤلاء قلبا مفتوحا ولا صدرا مشروحا بل كان الراحلون والمقيمون يتواصون بالبعد عنه ويشيرون اليه بالاصابع.
وكان الرجل يأتي من الآفاق البعيدة فيزوده قومه بهذه الوصية: احذر غلام قريش لا يفتنك.
ومع ذلك، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الجو المقبض لم يخامر اليأس قلبه، واستمر مثابرا في جهاد الدعوة حتى أذن الحق اخيرا بالفرج فقيض الله للاسلام من استنقذه من البيئة التي صادرته وبدأ التحول على ايدي الوفود القادمة من يثرب الى مكة في موسم الحج.