فصل الربيع سرعان ما يذهب، شأنه شأن كل جميل في هذه الدنيا، فما ان تراه بخضرته النضرة وأزهاره الملونة الزاهية وهوائه العليل وسمائه الصافية، كما يقول الشاعر:
أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكا
من الحسن حتى كاد ان يتكلما
حتى تراه ذاهبا، كما يقول الشاعر:
سرنا ان نراك فينا ولكن
ساءنا ان نراك أقصر عمرا
ومع هذا، فإن أيامه على قلتها تجدد النشاط، وتصفي الذهن، وتمتع الذهن ايضا، وتريح القلب، وتحرك المشاعر والأحاسيس بالحياة المرحة السعيدة لدى الإنسان السوي، مصداقا لقول إمامنا الغزالي:
«ومن لا يهزه الربيع وأزهاره، والعود وأوتاره، فاسد المزاج ليس له علاج».
لذا، فأغلبنا يتحسر على فراق الربيع البديع، ومن ذا الذي لا يتحسر على فراق الجمال الطبيعي، جمال الربيع، فصل الاعتدال وبخاصة عندما يتذكر ان بعده فصل الصيف اللاهب الذي يحول البلاد الى ما يشبه التنور الكبير:
تلظت كتنور فرملها جسوم
قبيل البعث في نارها تشقى
لكنها الحياة، والحياة ما هي إلا أيام وتنقضي، ولا يغلب الأيام إلا من رضي بها ومنها، والأيام دول، ولكل زمان دولة ورجال، و«لو دامت لغيرك ما وصلت اليك».
فعلينا ان نقبل بالحر كما نقبل بالاعتدال، ومن نعم الله عز وجل على الإنسان ان خلق الفصول الأربعة المختلفة، كي لا يمل الحياة ولا يسأم منها او فيها، فالتغيير يجدد النشاط والتنوع خير.
فاحتمل الصيف ليأتيك الخريف، وعش الخريف لتشعر بالشتاء وتستمتع بالربيع.
هذه هي الدنيا فيها ما يعجبك قد لا يعجب غيرك، وفيها ما لا يعجبك، لكنه يعجب غيرك، وأنت لست مالكا للدنيا، كي تصنعها كما تريد او تهوى، فأنا أريد وأنت تريد والله يفعل ما يريد. ألم يقل الأقدمون، وخير القول قول الأقدمين.
«الحياة يوم لك ويوم عليك، ويوم لا لك ولا عليك».
باختصار: العاقل من يقبل الحياة بكل تناقضاتها واختلافاتها ويحاول ان يستمتع بها ويحاول ان يخلق الربيع من حوله ولو عدة أيام او اسابيع من السنة كلها، ولنتذكر ان الحياة ممر، وطوبى لمن يزرع هذا الممر بالزهور الجميلة، لتغدو الحياة من حوله، مفرحة بهيجة سعيدة ولو لبضعة أيام، فشكرا لكل من زرع ويزرع.
انس الألم، وكن متسامحا ولا تجار السفهاء في سفاهتهم، كي لا تكون مثلهم، مصداقا لقول شاعرنا:
إذا جاريت في خلق سفيها
فأنت ومن تجاريه سواء
كن جميلا.. تر الوجود جميلا.. وكل عام وأنتم بخير.