يعتبر مسجد المطبة هو آخر معلم من معالم حي المطبة كشاهد على أصالة هذا الحي في نفوس قاطنيه بشكل خاص وأهل الكويت بشكل عام وبهدمه نكون قد كتبنا نهاية حي المطبة ومسحنا جزءا مهما من تاريخ الكويت.
لقد كشف قرار إزالة مسجد شملان بن علي بن سيف الرومي أن هناك خللا في الرؤية لقيمة ومكانة هذه الآثار حتى أصبحنا لا نجد مع الأسف من يدافع عنها وعن هذا التراث الأصيل الذي هو حق لجميع الكويتيين ولا يملك أي شخص أن يتنازل عنه أو أن يفرط فيه إلا بعد أن يأخذ رأي أهل الحل والعقد من أهل الكويت لا كما هو حاصل الآن مع جميع المواقع التي تمت إزالتها في السابق وما تنصل المسؤولين في الوزارات المعنية وتقاذف المسؤوليات حولها وعدم تحملهم قرار الإزالة إلا دليل واضح على التخبط في اتخاذ القرار ولو كان هناك إجراء يتخذ في حق من أزالوا الكثير من معالم الكويت المهمة في السابق وفي غفلة من الزمن لما كان لكائن من كان أن يتجرأ على اتخاذ مثل هذه القرارات بهذه السهولة حتى فقد مع الأسف أجيالنا هويتهم القديمة ولم يتبق للأجيال القادمة من شواهد لآبائهم وأجدادهم يفتخرون بها وكأن العملية مخطط لها من بعض الحاقدين على هذا البلد ومحو هويتها حتى يختلط الحابل بالنابل.
لا شك أن الكثير من هؤلاء المسؤولين زاروا دول اوروبا وآسيا ورأوا بأم أعينهم كيف يحافظ الغرب والكثير من دول آسيا على تراثهم إلا أنهم مع الأسف يغضون الطرف عنها في الكويت لحاجة في نفس يعقوب وشجعهم على ذلك شعورهم أن أي قرار يمكن اتخاذه من قبل اي مسؤول تجاه إزالة أي موقع تراثي لن تترتب عليه أي مسؤولية قضائية أو أدبية لو أدرك المسؤولون أن المساجد في الإسلام لها شأن عظيم في حياة المسلمين، باعتبارها بيتا من بيوت الله وأحب البقاع إلى الله لقوله تعالى (إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر) لما تجرأوا بهذه السهولة بإزالة هذا المسجد ولعملوا جاهدين على ايجاد مخرج بديل لإزالة المسجد.
لقد بنى الرسول صلى الله عليه وسلم أول قدومه إلى المدينة النبوية المسجد النبوي الشريف، أقامه بنفسه مع صحابته الكرام في المكان الذي بركت فيه ناقته، واشترى الأرض من غلامين يتيمين وذلك لعظم مكانة المسجد ودوره في تنشئة الأمة، وهي في أول عهدها بالإسلام.
ومن هنا ندرك قيمة هذه المساجد في نفوس المسلمين وما تحمله من معان سامية في قلوب المسلمين كونها أحب بقاع الأرض إلى الله.
إن التهاون والتساهل في هدم بيوت الله تحت أي حجة هو أمر خطير لا يجب أن يسمح به القائمون على بيوت الله (اعني وزارة الأوقاف) بالتمادي فيه خاصة بالنسبة للمساجد التي تحمل في مضمونها، علاوة على أنها بيت من بيوت الله، إرثا لأجيال متعاقبة فمسجد المطبة الذي بناه المرحوم بإذن الله شملان بن علي بن سيف الرومي، طيب الله ثراه، يقع في حي المطبة المحاذي للسور الثاني ولمن لا يعرف مكانة وقدر هذا الرجل الكريم الذي بنى هذا المسجد نقول:
ولد شملان بن علي بن سيف في القرن التاسع عشر في فريج الرومي بحي الشرق سنة 1281هـ الموافق 1864م، له من الأبناء محمد والشهيد علي الذي استشهد في معركة الجهراء وعبد المحسن وخالد ووالدتهم دلال العنزي ومرزوق وسالم ووالدتهم ابنة الجوعان وعبدالله وحمد وسلمان ووالدتهم نورة المجدل ويوسف ووالدته مريم الزيد.
شملان بن علي من الشخصيات الكويتية البارزة التي خدمت الكويت ومن أكبر تجار اللؤلؤ، عمل طواشا وكان الأخ الأصغر لحسن بن علي وابنه شهيد معركة الجهراء 1920 م ولا يزال قبره في القصر الأحمر، كان شملان بن علي يشتهر باهتمامه بالعلم وقد تبرع للمدرسة المباركية وأنشأ مدرسة السعادة سنة 1942 لتعليم الفقراء والأيتام وغيرهم من أبناء التجار والنواخذة مجانا على حسابه الخاص وكان عدد التلاميذ حوالي 300 تلميذ وكان يدير المدرسة المرحوم الشيخ أحمد الخميس وشارك في أول مجلس أسس بعد تسلم الشيخ أحمد الجابر للحكم هذا هو الرجل الذي يسعى المسئولون لهدم تاريخ هذا الرجل الكريم ومحو آثاره الطيبة بمحو هذا المسجد.
إن ما يقوم به المسؤولون في وزارات الدولة المعنية من أعمال هدم لتاريخ الكويت الذي هو ملك الأجيال القادمة وذلك على مر عقود من الزمن لهو جريمة في حق الكويت وطمس لتاريخ الكويت وها هي وزارة الأوقاف والأشغال وبمباركة من مجلس الوزراء تقوم بطمس آخر معلم من معالم حي المطبة بعد أن قامت الدولة مشكورة بهدم مقبرة النومان والحقان وهدم مدرسة النجاح الابتدائية التي كانت بالقرب من هذا المسجد وبعد تثمين وإزالة جميع منازل الحي حتى أصبح حي المطبة مع الأسف أثرا بعد عين يتحسر اهل الكويت وخاصة سكان حي المطبة على هذا الحي الذي عاش فيه الآباء والأجداد من أهل الكويت.
إنها جريمة بحق تاريخ الكويت أن يطمس حي بكامله عاش به أجيال من الآباء والأجداد على مر تاريخ الكويت فالمسجد أسس عام 1893 أي منذ 120 عاما وقد تم توسعته من جهة الشرق وذلك عندما قام جار المسجد المرحوم بإذن الله حسين الرشيدي عام 1947 بالتبرع بجزء من أرضه المجاورة للمسجد من جهة الشرق ليقام بها مكان للوضوء وبئر وتم تجديده مرة ثانية من قبل وزارة الأوقاف عام 1965.
لقد شهد هذا المسجد قيام العديد من الأئمة الذين تناوبوا على الصلاة فيه فأول من أمّ هذا المسجد الملا أحمد بن عبدالله التركيت ثم جاء من بعده أخوه الملا حسين بن عبدالله بن حسين بن عبدالله التركيت الذي أمّ فيه ستون عاما ثم صلى فيه بعد ذلك الملا عبدالوهاب بن علي بن موسى العصفور ثم أمّ فيه الشيخ محمد بن محمد صالح التركيت أكثر من عشرين عاما اماما وخطيبا حتى توفاه الله ومن خطباء هذا المسجد الشيخ سيد أحمد بن عقيل أبو هاشم من رجال الدين المعروفين توفي عام 1968 ثم خطب بعده الملا عبدالله بن محمد الفيلكاوي وأخيرا الشيخ محمد بن جاسم الغانم.
أما المؤذنون الذين أذنوا فيه رحمهم الله جميعا فهم الملا أحمد الميال ثم ابنه ثامر ثم موسى الغيص والملا أحمد بن صالح ثم سعد بن عبدالله علي العصفور وأخيرا محمد الحجي هذه الكوكبة الكريمة من الأئمة والخطباء والمؤذنين من أهل الكويت كيف يمكن أن نمسح تاريخهم عندما نقوم بمسح هذا المسجد عن بكرة أبيه من هذه الأرض الطيبة التي قام عليها المسجد والذي شهد الصلاة فيه أجيال وأجيال وأذكر أنني منذ نعومة أظفاري وأنا أذهب مع الوالد رحمه الله للصلاة في هذا المسجد في الخمسينات كما صلى فيه الأجداد سلطان وراشد محمد الخلف وأبناؤهم وأحفادهم منذ نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر.
إن من المؤسف أن يقوم أحد المسؤولين بالدولة وكأنه استخفاف بعقول الناس بالقول أن الوزارة ستقوم بالمحافظة على مكونات المسجد الأثرية ونقلها للموقع الجديد الذي سيتم عليه بناء هذا المسجد.
وكأن المسألة بهذه البساطة هي عملية نقل وتفكيك بعض المكونات الأثرية للمسجد القديم وإعادة تركيبها في المسجد الجديد إن المسألة ليست بهذه البساطة إن المسألة هي شعور روحي يختلج في نفوس أهل هذا الحي على مر عقود من الزمن عندما يرون هذا المسجد يتذكرون أحداثا وذكريات وعندما يمرون على هذا المسجد يتذكرون هؤلاء الأئمة الذين تعايشوا معهم على مر عقود من الزمن يتذكرون وهم أطفال وشباب وشيوخ صلاة العيد وغيرها من المناسبات الجميلة في رمضان ومولد الرسول وغيرها فهل من المعقول أن تنتقل هذه الذكريات إلى الموقع الجديد، من المعيب أن نحاول تسطيح الأمور واعتبار الناس كأنهم خلوا من مشاعر حبهم لتاريخهم وارثهم بهذه البساطة، هل هذا المسجد الجديد سيحمل قطرات العرق لأولئك الرجال الذين اختلط عرقهم بأرض مسجد المطبة القديم، هل سيحمل المسجد الجديد ذكريات تلك الدكاكين المحاذية لمسجد المطبة من الجهة الشرقية للمسجد والتي كانت وقفا للمسجد وخاصة دكان مبارك الهدهود الذي كان يؤجر الصري وهى جمع (صراي) وهو فانوس الإنارة وكانت هذه الدكاكين هي ملك لعائلة العمران أوقفت للمسجد كما تروي الروايات.