- التشابه أفرز جملة من التعقيدات جمعت قدراً كبيراً من ظلم الجغرافيا والتاريخ
- ثالث إصدار للزميل عليان حول العلاقات الكويتية - اللبنانية متوسعاً في المعلومات والوثائق
- الصحافة الكويتية استقطبت عدداً بارزاً من الصحافيين اللبنانيين
شريف عبدالمنعم
لا شك ان العلاقات الاخوية التي تربط الكويت ولبنان علاقة تاريخية ومتجذرة ولم تكن وليدة لظروف طارئة أو آنية، بل ناتجة عن عمق الروابط المشتركة التي تجمع بين البلدين.
الموثق المخضرم الزميل حمزة عليان يبحث في كتابه الجديد «قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية - اللبنانية» والصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية «عن تاريخ تلك العلاقة وبداياتها ومآلها، عارضا لتفاصيل دقيقة ترصد التشابه بين البلدين» والذي يصل الى حد التوأمة في بعض الاحيان.
وبعد خمسة عشر عاما من الاصدار الاول ابريل عام 2000 «العلاقات الكويتية - اللبنانية التشابه والقدر المشترك» ثم الاصدار الثاني عام 2011 «الكويت ولبنان بين جغرافيتين» يضيف الزميل عليان في جديده كما زاخرا من المعلومات والوثائق التي اضفت قيمة وازنة على الاصدار الثالث المنقح بما فيه من توسع في معظم الفصول والمواد، وتصويب لاحداث تاريخية لم يتسن الوصول الى صحتها الا بعد مراجعات وبحوث متواصلة.
ويصف عليان في كتابه البلدين بأنهما متشابهان بقدر الجغرافيا السياسية والحدودية، وكلاهما دفع ثمن موقعه وتميزه.
ولانهما متشابهان في المظهر الاجتماعي والحريات العامة، فقد كانت علاقتهما عفوية تلقائية، ثم حميمية دافئة ومميزة، الرسمية منذ ما يقرب من ستة عقود، والشعبية منذ ما يزيد على ثلاثة ارباع القرن.التشابه افرز جملة من التعقيدات، جمعت قدرا كبيرا من ظلم الجغرافيا والتاريخ، عندما جعلت من كليهما مطمعا لجيران اقوياء تنتابهم حالات من جنون الهيمنة.
ويضيف الزميل ان المشهد السياسي بين البلدين يكاد يفضي الى النتيجة المشابهة، فالكويت نالها من عبدالكريم قاسم هزات اصابت كيانها الناشئ ثم تعرضت لاحتلال عسكري من قبل نظام صدام حسين عام 1990 اخرج منها بالقوة العسكرية وبارادة قوى دولية، واستعاد هذا الكيان حريته وسيادته وترسيم حدوده بقرارات من مجلس الامن الدولي، لكنه بقي يعيش ارهاصات التاريخ والجغرافيا والحجم الاكبر.
كذلك الامر بين لبنان وسورية الذي عانى فيه لبنان من حكم الامر الواقع السوري طيلة اكثر من ربع قرن (1975 ـ 2005) بعد ان اجبر على الخروج منه بفعل الضغط الشعبي والتداعيات الناتجة عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الشهيد رفيق الحريري، وان استمر تأثيره ونفوذه بأشكال مختلفة، وهذا بخلاف ما لحق به من احتلالات عسكرية لاراضيه وانتهاك فاضح لسيادته وسقوط العاصمة بيروت في العام 1982 من قبل اسرائيل وما تشكله من خطر قائم على وجوده، ناهيك عن اطماعها في مياهه واراضيه منذ انشاء هذا الكيان عام 1948 وتهجير الشعب الفلسطيني منه عندما وفد اليه مئات الآلاف منهم ليستقروا في قراه وعلى اطراف المدن.
والقدر الجغرافي لم يحم النظامين من الهزات والارتدادات نظرا الى اجواء الحريات التي يعيشها المجتمعان والدولتان مقارنة بالجيران الذين امتعضوا من تلك الممارسات وما تسببه من اذى وتأثير سياسي وثقافي واجتماعي مباشرين على ذلك النمط الشمولي من الانظمة السياسية السائدة في مجتمعاتهم، فحرية الصحافة وممارسة الديموقراطية عبر الانتخابات وتعددية المنابر الحزبية والسياسية كانت مثار استياء ومسببة لضغوطات وازمات متواصلة ادت الى تغييبها او توقفها كما في حالة الكويت «تعطيل مجلس الامة وفرض رقابة مسبقة على الصحافة».
تلك الارتدادات من الممارسات الديموقراطية كانت محل مراجعة ونقد من قبل عدد من الكتاب والمفكرين كما فعل الوزير الاسبق والمحامي علي البغلي والذي نظر الى ما يتمتع به البلدان من حرية في التعبير، ومن التمثيل السياسي الذي يظل افضل بكثير مما هو موجود بدول ما يسمى الربيع العربي وغيرها.
أول سفيرفي الفصل الأول يعرض الزميل رئيس مركز المعلومات في الزميلة «القبس» لأول سفير كويتي في لبنان وهو السيد محمد أحمد الغانم أول سفير دولة الكويت لدى الجمهورية اللبنانية، وسفيرا غير مقيم لدى سورية، ذاكرا أنه ذهب إلى بيروت في أبريل عام 1963م وقدم أوراق اعتماده إلى الرئيس فؤاد شهاب، وقد جمع السفير بين التجارة والوزارة والعمل الديبلوماسي، وكان له دور كبير في تأسيس السفارتين الكويتيتين في كل من بيروت ودمشق.
وفي عام 1962م أقامت الكويت سفارة لها في بيروت، اتخذت لها مقرا في شارع فردان، ثم انتقلت الى منطقة «الرملة البيضاء»، لتستقر في إحدى ضواحي مدينة بيروت الجنوبية تدعى «بئر حسن»، ومنذ ذلك الحين باتت تعرف باسم منطقة السفارة الكويتية، وان تعرضت للاغلاق في بعض سنوات الحرب الاهلية لتمارس انشطتها في مكاتب استأجرتها بمنطقة الصنائع.
ويتابع في الفصل الثاني عرض سفراء لبنان لدى الكويت من 1962 حتى 2016.
الهجرة اللبنانيةوأتى فصل الهجرة اللبنانية -البدايات والدور- زاخرا بالمعلومات القيمة بدءا من وصول أول لبناني إلى الكويت والذي ذكر عنه الكاتب انه بقي مصدر اختلاف، ففي حين يذكر د.خليل ارزوني مؤلف كتاب «الهجرة اللبنانية إلى الكويت» أن أول مهاجر لبناني هو منيب الشلبي الذي جاء عام 1915م، يشير فاضل سعيد عقل رئيس تحرير جريدة «البيرق» بعد زيارة له إلى الكويت عام 1952م الى أن أول من نزل هنا كان المدعو جان غبريال ضو الذي عمل في دائرة الاشغال.
الا ان أول لبناني نزل الكويت عاملا بكل نشاط، فاتحا المجال امام اخوانه ومواطنيه، هو المهندس الشاب الاستاذ جان غبريال ضو، من أركان دائرة الأشغال الذي احتل مكانة بارزة ونعم بخطوة لدى الشيوخ الذين كانوا يكنون له كل محبة ويكرمون وفادته نظير أمانته في العمل، ومن بين اللبنانيين الذين اجتمعوا في الكويت ـ كما ورد في الكتاب ـ السادة: هدى عبدالجليل، وشكيب نايفه وولده جورج، وفايز إبراهيم صاحب مطعم «دينا»، وجان بريدي، وأدمون بارودي، وحبيب حويك.
ومن أوائل اللبنانيين الذين حصلوا على الجنسية الكويتية بين عامي 1959 و1965 أحمد خضر الطرابلسي، ود.أحمد محيي الدين سلامة، وإبراهيم الشعار، وزهير جميل بيضون، وسامي بشارة، وشريف بيضون، وعزت جعفر، ود.عاصم بيضون، ود.كميل الريس، ومنيب محمود الشلبي، وموسى يوسف شعيب.
وبحسب الكتاب فإن عدد اللبنانيين في أوائل الخمسينيات لم يزد على ألف شخص، ومن ميزات هذا التواجد أنه بإمكان اللبناني أن يدخل الكويت ويخرج منها بدون تأشيرة على جواز سفره، وهذه معاملة استثنائية ينعم بها أهالي سورية، والبصرة، والمملكة العربية السعودية على حد وصف الكاتب فاضل سعيد عقل.غير أن حجم الجالية خلال الفترة الممتدة من 1980 ـ 1990م بلغ حوالي 45 ألف نسمة ليتناقص نحو 5 آلاف مع الاحتلال العراقي في 2/8/1990م.الصحافة والمساهمات اللبنانيةكما تطرق هذا الفصل لبدايات الصحافة الكويتية ومساهمات اللبنانيين بها، مشيرا أن الصحف الكويتية استقطبت عددا كبيرا من اللبنانيين الذين لهم تجارب وخبرات في هذا المجال أكملوا ما بدأه المؤسسون سواء في مجال التحرير أو مجال الإعلان والطباعة والأقسام الفنية الأخرى.
ومع بداية السبعينيات استقطبت الصحافة الكويتية ـ التي زادت الى خمس صحف تصدر باللغة العربية ـ عددا لا بأس به من الصحافيين اللبنانيين، وهي في معظمها مشروعات تجارية أصحابها رجال أعمال، تولى اصدارها كفاءات عربية من لبنان ومصر وسورية وفلسطين والأردن، ومن الصحافيين اللبنانيين أمثال المرحوم سليمان فليحان الذي عمل في صحيفة «الوطن»، وغيره الكثير من المحررين والكتاب والفنيين واستمرت الحال الى فترة الثمانينيات والتسعينيات لتشهد تبدلا في الأسماء والمواقع ممن شغلوا مناصب ووظائف مهنية بالصحافة الكويتية كسمير عطا الله في صحيفة «الأنباء» كمدير تحرير، ثم هجرها إلى لندن، ووفائي دياب الذي تسلم وظيفة نائب رئيس تحرير فيها عام 1999م مع عدد من الصحافيين اللبنانيين، ثم الزميل محمد الحسيني الذي تسلم مهامه كمدير تحرير أيضا للزميلة «الأنباء» منذ عام 2007م، ورفه خرياطي الذي تولى مدير تحرير صحيفة القبس عام 1984م، وتبعه د. أحمد طقشة في المنصب نفسه منذ عام 1992 حتى 2015م، لينتقل بعدها الى جريدة «الشاهد» بصفة مستشار، وغيرهم العديد من الزملاء الذين توزعوا على «الرأي العام» الجديدة، حيث تولى فيها السيد بشارة شربل إدارة التحرير عام 1995م، وعاد من جديد مع تأسيس صحيفة «الجريدة» لصاحبها السيد محمد جاسم الصقر ليشغل منصب مدير التحرير عام 2007م، وفي عام 2016م، عين مديرا لتحرير «صحيفة القبس» ثم السيد علي الرز منذ عام 1996م، كمدير للتحرير ثم نائب لرئيس التحرير، والسيد علي بلوط، والزميل احمد مكي، وطارق ماضي وآخرون، حيث صارت تصدر باسم صحيفة «الراي» وطاقم الصحافيين اللبنانيين الذين عملوا في بيروت ولندن بعدما انتقلت الى صاحبها الاستاذ جاسم بودي عام 1996م، وشوكت حكيم الذي يتولى منصب مدير التحرير في صحيفة «السياسة»، وأسعد الصابونجي الذي تنقل في عدة مواقع بمؤسسات صحافية الكويتية منذ الستينيات، وقام بمهام مدير التحرير في مجلة «المجالس» ثم الاستاذ جميل حمود الذي خلفه في الموقع، لينتقل بعدها الى صحيفة «السياسة».
السفارة اللبنانيةوعرض الفصل الرابع لفكرة إنشاء بيت اللبنانيين في الكويت وبدايات إنشاء السفارة ليرصد الفصل الخامس تفاصيل وتاريخ العلاقات السياسية المشتركة.وتطرق الفصل السادس الى جوانب من علاقات الشراكة والمساعدات وأوجه الدعم والعطاءات والتبادل التجاري بين الاقتصاد والاستثمار والاتفاقيات الثنائية ومشاريع الصندوق الكويتي للتنمية العربية.
وأتى الفصل السابع ليلقي نظرة موسعة حول السياحة والاستثمارات وتملك العقارات، مشيرا الى ان معرفة اهل الكويت بلبنان جاءت في اواخر العشرينيات من القرن العشرين، وذلك بالتحاق عدد من الطلبة الكويتيين للدراسة في الجامعات والمعاهد والمدارس اللبنانية الذين اصبحوا فيما بعد قياديين ووزراء ونوابا ومحافظين، وفي الأربعينيات اخذت اعداد كبيرة من الكويتيين تفد الى لبنان للسياحة والاصطياف، ومما يذكر في هذا المجال ان الدوائر الحكومية في الكويت كانت تقدم في مطلع الخمسينيات تذاكر سفر سنوية مجانية لموظفيها الراغبين في السفر، وهذا ما دفع بدائرة السياحة اللبنانية ـ تشجيعا منها ـ الى ان تعطي للمصطافين الكويتيين وغيرهم من الجنسيات الأخرى عند وصولهم الى مطار بيروت مبالغ تشجيعية، وحددت مبلغ 100 ليرة لبنانية للكبار و50 ليرة للصغار، وبقي هذا الوضع حتى عام 1959.ثم عرج الكاتب في الفصل الثامن على العلاقات الثقافية وليختتم كتابه الذي لم يترك صغيرة ولا كبيرة في العلاقات اللبنانية الا ورصدها.
التحليل والمعلومة الموثقة
سليمان ماجد الشاهين وزير الدولة الكويتي للشؤون الخارجية سابقا
صاحب القلم الرشيق في الصحافة والفكر العميق في القضايا المتشابكة يصدر كتابه الخامس عشر من وعي الكويت التي استطاع ان يجمع حبها مع حب بلده الجميل لبنان للدرجة التي لا يمكن التفريق بين ايهما الاقرب الى قلبه.
العنوان يحمل قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية ـ اللبنانية، وفي الواقع تعدى مضمون هذا الكتاب الرصد الصحافي الى التحليل الذي يستند اليه المعلومة الموثقة والرقم المعتمد والصورة الموضحة.
ولبنان استقر في قلوب مرتاديه من كويتنا منذ بداية الخمسينيات من القرن الماضي، فكان جمالا وفكرا وقيما، بل ومنطقا الى ابعد منه، وهذا الكتاب الذي بين ايدينا تاريخ مشترك لخمسة عقود زاهرة بعطائها ورجالاتها ومشاعرها وحنينها، فأضاف الاخ والاديب حمزة عليان مزيدا من المعلومات بل وعمقا الى الذاكرة.
وجه مضيء ذو مصداقية
د.خضر حلوة سفير لبنان السابق لدى الكويت
ان يؤرخ الصحافي اللبناني المخضرم حمزة عليان للعلاقات اللبنانية ـ الكويتية فلأنه بلا شك الاقدر والاجدر والاعلم نظرا لسعة ثقافته وعمق رؤيته الى جانب حميميته للعلاقات بين الكويت ولبنان وحبه للبلدين الشقيقين.
وحمزة عليان المتابع والموثق والمؤرخ المتجرد والموضوعي لتطور هذه العلاقات نظرا لوجوده على ارض الكويت لاربعة عقود، عمل بها ليس كصحافي موثوق فحسب انما كمؤرخ ينهج المنهـج العلمـي في كتاباته العديدة ذات المصداقية العالية والادب الرفيع الذي نشأ عليه في صحيفة «القبس» وسائر الصحف العريقة التي عمل بها.
كتابه هو كتاب تاريخ واجتماع وسياسة بالمعنى الواسع للكلمة مما يجعله سفيرا دائما للبنان على ارض احبها واحبته وجعلت منه وجها مضيئا لبلدين متشابهين.