- الرئيس أقينجي: لا بد من شراكة جديدة بين الجانبين تقوم على الثقة المتبادلة
- أيادي الشعب القبرصي التركي أحسنت استغلال الجمال الرباني الخلاب لهذه البقعة السحرية من العالم
- بلد تتعانق فيه كل عناصر الجمال لتبدو الجزيرة لؤلؤة متألقة تجذب السياح من كل أقطار العالم
- عندما يتم التوصل إلى حل يجب أن تكون رئاسة الجمهورية الاتحادية بالتناوب
قبرص التركية ـ مسعد حسني عبدالمقصود
شعب يعمل جاهداً لتحقيق ذاته وإعلاء مكانة وطنه.. ينظر بعين ملؤها الأمل والتفاؤل نحو مستقبل مزدهر حافل بالنهضة والتنمية، لكن عينه الأخرى تملؤها الحيرة والأسى في ظل مأساة تكبّل أبناءه على مدى عقود من الزمن، نظراً للصورة المبهمة التي تهيمن على هويتهم الوطنية وتبعيتهم السياسية.. إنهم شعب قبرص التركية الذين يسابقون الزمن لصنع الحضارة وامتلاك زمام التكنولوجيا وتأمين مستقبل مزدهر لأبنائهم، رغم الحصار الدولي المفروض عليهم، ورفض قبرص اليونانية منحهم حق تقرير مصيرهم إما بالانضمام إلى تركيا أو بالاندماج في المجتمع القبرصي تحت لواء من العدالة والمساواة في الحقوق والواجبات نحو جزيرتهم الجميلة.
في العرض التالي سأتطرق إلى جوانب هذه القضية ذات الأبعاد السياسية والإنسانية، بدءاً من جذورها التاريخية، مروراً بجولات المفاوضات غير الناجحة بين الجانبين، وصولاً إلى المرحلة المفصلية الحالية، وقد رصدنا الكثير من التفاصيل من خلال جولة واسعة قمت بها ضمن وفد صحافي دولي في مدن قبرص التركية على هامش احتفالها بالعيد الـ 33 لتأسيسها، بالإضافة إلى بعض اللقاءات مع عدد من المسؤولين وكذلك شهود العيان على المذابح التي وقعت بحق القبارصة الأتراك، كما كان للبحث دور في إعداد هذا التقرير، فإلى التفاصيل:
تحظى قبرص التركية بالكثير من المميزات، فهي تجمع التقدم العصري في مشاريعها التنموية الحديثة، مع الحضارة العريقة في عدد كبير من مبانيها ومنشآتها التاريخية، وخلال جولة الوفد الصحافي في مدن نيقوسيا وغيرني وغوستا، بهرتنا الصورة الجميلة والمناظر الخلابة، فالجزيرة تعج بالجمال في كل مكان، كما أنها تتميز بالهدوء والنسمات العليلة، أما جبالها فتبدو معشوشبة بالرقي والرفعة، ينبعث الحسن من كل أركانها بغير تصنع، فقد اجتمعت فيها النعم الثلاث: الماء والخضرة والوجه الحسن.. تتعانق فيها الجبال مع النباتات الخضراء، بينما تتكامل السهول مع المرتفعات في لوحة متفردة، وقد أحسنت أيادي الشعب استغلال الجمال الرباني الخلاب لهذه البقعة السحرية من العالم، لتبدو الجزيرة لؤلؤة متألقة تجذب السياح والزوار والمستثمرين من كل أقطاب العالم.
في نيقوسيا شاهدنا عدداً من المباني التاريخية والمتاحف الجميلة التي تقف شاهدة على الحضارة العريقة في جزيرة قبرص، ثم مررنا بين منطقة الأسواق القديمة، وخلال جولتنا في شوارعها نستمتع بتفقد المنتجات المعروضة فيها، صدمتنا مرشدتنا فجأة من دون مقدمات، حيث أخبرتنا بأننا صرنا أمام المنطقة الفاصلة بين جانبي قبرص، فهذه هي نقطة التفتيش الأمنية بين قبرص التركية وقبرص اليونانية، ولا يعبر منها أحد من الزوار إلا من يحمل تأشيرة مسبقة من الجانب الآخر، كما أن القبارصة أنفسهم لا يعبرون بين الجانبين إلا بهوياتهم الرسمية.
وتتميز قبرص التركية بتنوع حضارتها، ففيها الكاتدرائيات والكنائس والمساجد، وبينما يجمع شعبها بين الجدية في العمل، والتفاؤل بالمستقبل، واليقين بعدالة قضيته، فإنه يشعر بالسخط من المنظمات الدولية ويتهمها بتجاهل طموحات أبنائه وعدم الانتباه لحقوقهم، أو لطبيعة التحديات التي تواجههم.. وها هم يتطلعون إلى المجتمع الدولي بأن ينتصر لهم ويمنحهم الفرصة لتقرير مصيرهم وتحطيم عزلتهم.
الجذور التاريخية للقضية القبرصية
بالنظر إلى الجذور التاريخية لهذه القضية، سنجد أن القبارصة - سواء الأتراك أو اليونانيين - قد عاشوا على مدى قرون طويلة جنباً إلى جنب بحقوق متساوية وحرية كاملة في ممارسة العقائد الدينية٬ ومنذ استقلالها من الاستعمار البريطاني كانت هناك مفاوضات بين الجانبين، وتم بالفعل توقيع معاهدات دولية عامي 1959 و1960 لتقاسم السلطة بين الجانبين في إطار جمهورية مشتركة، حيث تضمن اتفاق زيورخ في 19 فبراير 1959 أن قبرص جمهورية مستقلة بنظام رئاسي يكون الرئيس من القبارصة اليونانيين ونائبه من القبارصة الأتراك، على أن ينتخب كل منهما بصورة مستقلة من كل مجموعة، كما تم الاتفاق على إعطاء الرئيس ونائبه حق الفيتو على القرارات والقوانين المتعلقة بالشأن الخارجي.
إلا أن هذا الاتفاق لم يدم طويلاً٬ بسبب هدف اليونان بضم الجزيرة لها تحت خطة «أكريتاس» التي وضعت حيز التنفيذ، وهو ما أسفر خلال الفترة من 1963 إلى 1974 عن مقتل نحو 30 ألفاً من القبارصة الأتراك، بينما تم تشويه وجرح آلاف الأبرياء على يد الميليشيات القبرصية اليونانية، وأمام هذه المذبحة كان التدخل التركي هو طوق النجاة للشعب القبرصي في الجزء الشمالي للجزيرة من القتل والتصفية، حيث تدخلت القوات العسكرية التركية في 20 يوليو ٬1974 وأوقفت نزيف الدم للقبارصة الأتراك.
وسريعاً اتخذ الشعب القبرصي اليوناني خطوات عملية، وأعلن عن إنشاء جمهورية قبرص، متجاهلاً شركاءه في الجزء الشمالي من الجزيرة، وأخذت القضية أبعاداً من التعقيد، لاسيما أن المجتمع الدولي اعتبر أن الإدارة القبرصية اليونانية هي الحكومة الرسمية لجمهورية قبرص، مما شكل عائقاً رئيسياً لمفاوضات التسوية بين الطرفين.
فقد استفادت الإدارة القبرصية اليونانية من مزايا الاعتراف الدولي بها كدولة على حساب حقوق القبارصة الأتراك من خلال الحصول على جميع الإعانات والمساعدات الدولية بما فيها التي تعطى لصالح الشعب القبرصي التركي مما أسهم في ازدهار الجانب اليوناني.
ولم يكن أمام الشعب القبرصي التركي خيار سوى إنشاء إدارة خاصة به في عام 1983 لمواجهة الحظر المفروض عليه، وتأسست جمهورية شمال قبرص التركية في 15 نوفمبر 1983 بحكومة منتخبة وسلطة قضائية مستقلة، وها هي تحتفل بالذكرى الـ 33 لتأسيسها.
وفي ظل الوضع غير العادل لشعب الجزيرة في الجانب الشمالي، أبدى القبارصة الأتراك انفتاحاً على العالم لشرح قضيتهم، خاصة بعد انضمام قبرص اليونانية إلى الاتحاد الأوروبي، ودخولها في علاقات وثيقة مع مختلف دول العالم، في ظل التعثر المستمر للمفاوضات بين الجانبين لتحقيق تسوية عادلة.
والغريب أن شعب قبرص اليونانية لم يكتف بالانفراد بإعلان دولته دون مراعاة حقوق أشقائه في الجانب الشمالي، بل رفض عبر استفتاء أجري في العام 2004 أن ينضم شعب الجزيرة في مجتمع واحد يعيش في إطار من المساواة في الحقوق والواجبات.
وبينما تقف جمهورية تركيا كداعم رئيسي لشعب قبرص التركية، سعى القبارصة الأتراك إلى بناء علاقات جيدة مع دول العالم الخارجي بحثاً عن إثبات الذات، لذا قامت بفتح مكاتب تجارية في عدد من الدول العربية والخليجية والأجنبية، كتمثيل ينعش علاقاتها الاقتصادية ويكسر الحظر والعزلة المفروضة عليها قسراً.
التفاؤل المحفوف بالتشاؤم
حالة من التناقض يعيشها الشعب القبرصي التركي، وقد تلمسنا ذلك ليس من تصريحات المسؤولين فقط، بل وعلى مستوى سكان هذا الجانب من قبرص، فهم يظهرون حالة من التفاؤل والفرح لما حققوه من إنجازات وما قطعوه من خطوات كبيرة في طريق تنمية وطنهم والارتقاء بمؤسساته وخدماته وجذب المستثمرين والسياح إليهم، إلا أنهم يمنون النفس بالوصول إلى حل عادل لقضيتهم إما بالدخول في شراكة حقيقية ومساواة عادلة مع شركائهم في الجزيرة، أو بالحصول على اعتراف دولي بدولتهم.
شراكة حقيقية وثقة متبادلة
خلال العرض العسكري للاحتفالات الرسمية بمرور 33 عاماً على تأسيسها، أكد رئيس قبرص التركية مصطفى أقينجي، حق شعب بلاده في الحكم الذاتي بعد استبعادهم من دولة الشراكة مع قبرص الجنوبية، مشيراً إلى أن بلاده مستعدة لإنشاء اتحاد بين شقي الجزيرة في إطار من المساواة والعدالة بين أبنائها خاصة في ظل المفاوضات الجارية حالياً بين مسؤولي الجانبين تحت مظلة الأمم المتحدة، لكنه أوضح - بكل أسف - أن المفاوضات منذ نحو نصف قرن بين الجانبين لم تسفر حتى الآن عن حل فيدرالي لقبرص، ولا يمكن الانتظار لمدة 50 عاما أخرى.
وكشف أقينجي عن أنهم اقتربوا خلال الجولة السابقة للمفاوضات من لحظة اتخاذ القرار، حيث تناولت الاجتماعات التي عقدت في سويسرا 4 أمور حول الحكم وتقاسم السلطة والاقتصاد والشؤون الأوروبية والقضايا الملكية، بينما كانت هناك قضايا عالقة ستتم مناقشتها بالتناوب.
وأضاف: بينما كنا نقترب في نهاية اجتماعاتنا الماضية من اتخاذ قرار، طلب الزعيم القبرصي اليوناني نيكوس اناستاسيادس تعليق المفاوضات لمدة أسبوع لأخذ الفرصة لإجراء اتصالات ومشاورات، موضحاً أن مصير الجزيرة يمكن أن يتغير من خلال تبني نهج واقعي معقول وعادل، مع مساعدة ودعم جميع الأطراف ذات الصلة.
وأشار أقينجي إلى ضرورة إعداد المجتمع القبرصي اليوناني إلى حقيقة أنه عندما يتم التوصل إلى حل، سيكون رئيس الجمهورية الاتحادية على أساس التناوب، وهذه النقطة ينبغي أن تناقش بصراحة.
وشدد رئيس قبرص التركية على ضرورة وجود شراكة جديدة تقوم على الثقة المتبادلة بين الجانبين وبناء جسور التعاون ليس فقط بين جانبي قبرص، بل وأيضاً بين قبرص وتركيا واليونان وكذلك على مستوى المنطقة، ومن ثم العمل في وئام لخلق مستقبل مشرق للقبارصة ويمكن أن يكون هذا التوافق مجالا لفتح صفحة جديدة من العلاقات بين تركيا واليونان والاتحاد الأوروبي.
واختتم أقينجي حديثه قائلاً: رغبتنا هي بالتأكيد السلام والتعاون، ونأمل في بناء قبرص جديدة تكون لصالح جميع الأطراف، وبخاصة الشباب والأجيال المقبلة، متمنياً أن يبادل الجانب القبرصي ـ اليوناني لبذل جهود تهدف إلى بناء هذا الهيكل الجديد لضمان مستقبل جديد ومشرق في جزيرتنا الجميلة.
رئيس غرفة تجارة وصناعة قبرص التركية أعرب عن تقدير بلاده للحكومة الكويتية
توروس: الكويت نافذة مهمة لأسواق المنطقة ولدينا تسهيلات كثيرة للمستثمرين الكويتيين
في إطار سياستها المنفتحة على الجميع، كانت الكويت من أولى الدول التي استضافت مكتبا تجاريا لقبرص التركية على أراضيها، وهي خطوة جيدة تعزز من العلاقات الاقتصادية، وتمكنها من رعاية مصالح أبنائها الذين يقبلون على الاستثمار في قبرص التركية.
في لقاء مقتضب على هامش جولة الوفد الصحافي، أكد رئيس غرفة التجارة والصناعة في قبرص التركية فكري توروس لـ «الأنباء» أن فتح مكتب تجاري لبلاده في الكويت يعد خطوة جيدة في تعزيز العلاقات الثنائية، معربا عن شكره وتقديره للحكومة الكويتية وموقفها المهم من قضية بلاده.
ووصف رئيس غرفة تجارة وصناعة قبرص التركية العلاقات الاقتصادية والتجارية التي تجمع بلاده مع الكويت بأنها قوية ومتينة، موضحا أن الكويت تعتبر نافذة مهمة على أسواق دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، والمنطقة بشكل عام.
وبينما أشار توروس إلى أن قبرص التركية تصدر للكويت عددا لا بأس به من أفضل منتجاتها، مؤكدا الرغبة في تشجيع الاستثمارات الكويتية في بلاده عن طريق تقديم الكثير من التسهيلات للمستثمرين الكويتيين، فضلا عن أن قرب بلاده من دول الاتحاد الأوروبي يجعلها محطة مهمة للتجارة.
أكثر من رؤية عسكرية
في مقر منصة العرض العسكري، تجمع الضيوف من رؤساء وقادة عسكريين ووفود إعلامية وضيوف، فضلاً عن تجمع عدد كبير من أبناء قبرص التركية. وعلى وقع الموسيقى العسكرية وصل رئيس قبرص التركية مصطفى أقينجي، لتبدأ مراسم الاحتفال الرسمي بمرور 33 عاماً على تأسيس قبرص التركية.
وقد تضمن الحفل صوراً متنوعة لما يتمناه القبارصة الأتراك لمستقبل وطنهم وأبنائهم، فقد جاء حافلاً بكل عناصر الدولة الفتية متكاملة الأركان، فقد عكس الديبلوماسية الجيدة، وأظهر ملامح القوة العسكرية، وأكد أهمية العلم والمعرفة، ولفت الأنظار إلى حقوق الأجيال القادمة.
كل ذلك، جاء عبر لوحات متكاملة من العروض، شملت الوحدات العسكرية المختلفة والعروض الرياضية المميزة، إلى جانب المشاركات الطلابية والمساهمات الأجنبية من الجاليات المختلفة، ليقدم رسالة إلى العالم بأن قبرص التركية لا تستحق أبداً التجاهل والإهمال.
محطات تاريخية
انطلقت المحادثات بين جانبي قبرص منذ عام 1968 على يد الرئيس رؤوف رائف دينكتاس مؤسس جمهورية شمال قبرص التركية، والزعيم القبرصي اليوناني غلافكوس كليريدس بحثا عن إيجاد وسيلة للتسوية بين الشقين التركي واليوناني تحت رعاية الأمم المتحدة.
وفي كل جولة من المفاوضات كان الجانب القبرصي التركي يدعم الجهود الرامية إلى إيجاد تسوية شاملة للجزيرة، لكن الجانب القبرصي اليوناني كان يختلق الأزمات للحيلولة دون نجاح هذه المفاوضات، وتواصل هذا الأسلوب، حيث رفضت الإدارة القبرصية ـ اليونانية الاتفاقات 1977 - 1978، ورفضت مشروع الاتفاق عام 1985ـ 1986، وكذلك مجموعة الأفكار عام 1992 ومجموعة من الإجراءات عام ٬1994 كل ذلك كان بمنزلة برهان واضح على عدم جدية الجانب القبرصي اليوناني في حل المشكلة.
آخر مماطلات الجانب القبرصي اليوناني لحل قضية الجزيرة، كانت رفض خطة التسوية الشاملة للأمم المتحدة المعروفة باسم خطة كوفي أنان عام 2004 والتي كانت بمنزلة الضربة القاصمة للمفاوضات٬ والتي كانت تضمن شراكة جديدة تقوم على المساواة السياسية بين الجانبين٬ وحسب الاستفتاءات كانت نسبة تصويت الجانب القبرصي التركي 65% بالموافقة على التسوية مقابل رفض القبارصة اليونانيين بأغلبية ساحقة نسبتها 76% صوتت بـ «لا»٬ في إثبات أن القيادة القبرصية اليونانية والشعب القبرصي اليوناني ليسوا على استعداد للدخول في مفاوضات حول تقاسم السلطة مع القبارصة الأتراك.
ورغم كل تلك الحقائق تم ضم الجانب القبرصي اليوناني إلى الاتحاد الأوروبي نيابة عن الجزيرة كلها٬ في 1 مايو 2004، وقد استفادت قبرص اليونانية من عضويتها بالاتحاد الأوروبي في فرض جميع أنواع القيود والصعوبات على الشعب القبرصي التركي في جميع مجالات الحياة٬ بما في ذلك التجارة والتعليم والسياحة والنقل والاتصالات.
وفي مارس من العام 2008 التقى رئيس قبرص التركية محمد علي طلعت مع رئيس قبرص اليونانية ديميتريس كريستوفياس وقررا إنشاء مجموعات عمل من أجل تناول القضايا الجوهرية لمشكلة «الجزيرة»، وتشكيل لجان فنية للتعامل مع القضايا التي تمس حياة الناس اليومية، مؤكدين الالتزام باتحاد ثنائي للجانبين تحت مظلة المساواة السياسية٬ وقرارات مجلس الأمن٬ كما تم الاتفاق على أن يكون في الاتحاد المقترح جزء أساسي
للدولة القبرصية التركية وجزء أساسي للدولة القبرصية اليونانية٬ وكلاهما ستكون له مكانة متساوية.
وبعد الإجراءات التحضيرية بدأ الزعيمان مفاوضات كاملة في قبرص بتاريخ 3 سبتمبر 2008 عن تقاسم «الحكم وتقاسم السلطة»٬ الملكية٬ والاتحاد الأوروبي والاقتصاد على التوالي٬ لكن جهود طلعت وكريستوفياس التي كان من المتوقع الانتهاء منها من خلال عمل استفتاءات في وقت واحد وبشكل منفصل لم تكن مثمرة رغم التقدم المحرز في بعض فصول التفاوض.
وقدم الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون دعمه لجمهورية شمال قبرص التركية، وقام بزيارة للجزيرة في 1 فبراير ٬2010 ولكن لم يتم التوصل إلى أي إنجازات في المفاوضات، ليس هذا فحسب بل إن ممثلي قبرص اليونانية أعلنوا عن «أنه لا وجود لأحكام الضامن ولا الضمانات»، وقد كان ذلك بمنزلة موقف استفزازي في وقت كانت قضية الأمن والضمانات على جدول أعمال المفاوضات.
وقد استأنف د.درويش ايروغلو الفائز في الانتخابات الرئاسية بجمهورية شمال قبرص التركية في 18 أبريل 2010 المفاوضات في 26 مايو 2010 تحت مظلة الأمم المتحدة التي تدعو للمساواة السياسية بين الشعبين٬ وتشكيل دولة شراكة جديدة فضلا عن استمرار نظام الضمانات لعام 1960.
وفي الوقت الحالي يواصل رئيس قبرص التركية مصطفى أقينجي ما اعتاده القبارصة الأتراك من الحرص على التفاوض لما فيه مصلحة شعب الجزيرة، وقدم مقترحات بناءة بشأن الفصول الرئيسية لعملية التفاوض٬ معربا عن التزامها تجاه استمرار عملية التفاوض مع حسن النية والعزم على التوصل إلى تسوية في أقرب وقت ممكن في ظل الرفض الدائم من الجانب القبرصي اليوناني لجميع المقترحات المقدمة من الجانب القبرصي التركي.
مأساة كاملة الأركان
بعد جولة الوفد الصحافي في جامعة شرق المتوسط، كانت هناك زيارة مهمة إلى منطقة «أتلالار»، وهي منطقة تقع وسط القرى، لكنها تجمع ذكريات طويلة من المآسي للشعب القبرصي التركي، ففيها 3 مقابر جماعية تضم رفات ضحايا المذابح التي نفذتها العصابات المتطرفة من القبارصة اليونانيين بحق القبارصة الأتراك. بعد أن وقفنا لحظات أمام النصب التذكاري الذي يحمل أسماء الضحايا من الأطفال والنساء والشيوخ، وبجوار إحدى هذه المقابر، كنا على موعد مع مأساة تلاطمت فيها الذكريات الأليمة لأصناف متعددة من العذاب المهين لأب كان يعمل عسكريا وساقه حظه العاثر الى أن يقع في الأسر، ويفجع بمقتل أسرته بالكامل (زوجته و5 أبناء) على يد العصابات.
فقد وقف كميل ميرتش كعادته أمام زوار هذه المقابر ليحكي الذكريات السيئة التي ترافقه على مدى سنوات عمره، فقد اعتقل على يد «العصابة اليونانية» التي حاصرت القرى التركية في شمال قبرص خلال يوليو من العام 1974 لدى محاولة القبارصة اليونانيين مدعومين من شركائهم اليونانيين، الإطاحة بالأسقف اليوناني ماكاريوس الذي تبنى مشروع دمج قبرص باليونان، ما أدى إلى مواجهة مع منظمة «ايوكا» اليونانية، التي كانت تستعجل تحقيق هذا الدمج سريعاً، على عكس الأسقف ماكاريوس، ما أسفر عن إراقة دماء أكثر من 1000 يوناني في حرب أهلية. ومع رفض القبارصة الأتراك مشروع الاندماج في اليونان تفجرت مشكلة داخل قبرص بين الطائفتين اليونانية والتركية، وسعت العصابات المتطرفة من القبارصة اليونانيين لإجبار القبارصة الأتراك على النزوح خارجها، وهو ما أدى إلى التدخل التركي المباشر لحماية القبارصة الأتراك.
وبعد إطلاق سراحه، انطلق كميل إلى قرية «أتلالار» التي كانت تختبئ فيها عائلته، وبدأت تتراءى له صور زوجته فاطمة وأولاده الخمسة «فيديا ويونكا واوزان وهالمان وكان - ابن العام ونصف العام»، لكنه عاد ليجد الحسرة والألم عندما قابل صديقاً له، ويعلم منه بما تعرضت له أسرته على يد العصابات القاتلة.
وبعبرات مملوءة بالحزن والألم يتذكر كميل كيف نبش الأنقاض ليخرج جثث زوجته وأبنائه من تحت التراب، ويصور كيف قتله الذهول عندما وجد آثار نحو 40 رصاصة اخترقت جسد ابنه «كان» الصغير. ومع رحيل الزوجة والأبناء بحكم القدر، بقي كميل حياً بجسده «ميتاً» بروحه بحكم جور الحياة. وفي منطقة المقابر الجماعية، وكذلك أمام مدرسة الأطفال التي راح تلاميذها ضحايا لطغيان العصابات، يقف كميل يومياً ليكون دليلاً حياً على المجازر التي ارتكبت بحق القبارصة الأتراك، يروي حكايته المؤلمة للغرباء، وكذلك للأجيال الجديدة، وكل ما يراوده من أمل أن يعيش القبارصة الأتراك في أمن وأمان ويحصلوا على حقوقهم الضائعة.
شاهد على الجريمة
خلال وجودنا في مدرسة الأطفال التي شهدت مقتل الكثير من الأطفال على يد العصابات المتطرفة من القبارصة اليونانيين، وجدنا صفين من اللوحات التي تجمع صوراً متنوعة للضحايا، وتسجيلاً لقصص وأسماء بعضهم وكيف قضوا في تلك المذبحة.
في هذه اللحظة رأيت الدموع تنهمر من عيني أحد زملائنا في الوفد، وهو تركي الجنسية، فاستفسرت عن السبب، لاسيما أنه يختلف عنا جميعاً بعلمه المسبق عن تفاصيل كثيرة حول هذه المأساة. وكانت المفاجأة الكبرى حين علمت أنه المصور الذي دخل مع الجيش التركي لوقف هذه المأساة، وسجل بعدسته صوراً لمئات الضحايا، وأن هذه الصور الموجودة أمامنا على اللوحات هي من تصويره شخصياً.
بحق كانت لحظة تجمع بين الصدق الشديد والتأثر الكبير، وبالطبع وجدتني أمام شاهد حي على مذبحة بكل المقاييس، فانتظرت حتى هدأ الرجل وتمالك نفسه، وبادرت إلى تبادل أطراف الحديث معه، وبالطبع أخذ صورة شخصية لي بصحبته.
وزير خارجية قبرص التركية أكد أنهم لن يقبلوا النظر إليهم على أنهم أقلية في المجتمع القبرصي
أرطغرل أوغلو: لن نوافق على أي اتفاق مع قبرص الجنوبية إلا بضمان تركي
- ندخل المفاوضات الجديدة مع قبرص اليونانية من منطلق الندّ للندّ
- على الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي أن يغيرا نظرتهما إلى قضيتنا
- إذا لم تنجح جولات المفاوضات فسننضم في النهاية إلى تركيا ونصبح جزءا منها
أكد وزير الشؤون الخارجية في قبرص التركية تحسين أرطغرل أوغلو أنهم يدخلون الجولة الجديدة من المفاوضات مع قبرص الجنوبية من منطلق الند للند، رافضا رفضا تاما أن ينظر إليهم على أنهم أقلية في المجتمع القبرصي. وخلال لقائه مع الوفد الصحافي على هامش الاحتفال بالعيد الـ 33 لاستقلال قبرص التركية، قال أرطغرل أوغلو: نحن شركاء في الوطن ولن نقبل بخلاف هذه الحقيقة في الجولة الجديدة من المفاوضات التي انطلقت يوم الجمعة قبل الماضي.
ورغم اعترافه بأن عدد السكان أكبر في قبرص الجنوبية، إلا أنه أكد أن اتحاد شطري قبرص لا بد أن يقوم على شراكة وتعاون ومساواة وتكامل بين الجانبين.
ولم يخف أرطغرل أوغلو عدم تفاؤله بما ستؤول إليه الجولة الجديدة من المفاوضات برعاية الأمم المتحدة، لافتا إلى أن الأمم المتحدة لم تتحرك منذ عام 1974 لحل قضية قبرص، وهذا يؤدي إلى ازدياد القضية تعقيدا، وأثر سلبا على المفاوضات المستمرة بين الجانبين منذ 50 عاما دون أي تقدم.
وأضاف أن العالم ينظر إلينا، ويسأل عما سنقدمه، لكن لماذا لا يتم النظر إلى الطرف الآخر؟ مشيرا إلى أن الادعاءات بأن قبرص الشمالية تحت الاحتلال التركي غير صحيحة، مبينا أن من يطرح هذه الادعاءات عليه أن يتذكر أن ما فعله القبارصة اليونانيون هو الذي دفع الجنود إلى الحضور للجزيرة لحماية شعبنا من القتل والهلاك. وأكد أرطغرل أوغلو أن الجانب التركي من قبرص لا ينظر إلى قبرص اليونانية على أنها عدو، بل على أنها خطر يهدد أمننا، وبالتالي فإن أي اتفاق بين الجانبين لا بد أن يكون بضمان تركي.
وجدد وزير الشؤون الخارجية في قبرص التركية التأكيد على ضرورة سير المفاوضات في إطار من المساواة، وليس من منطلق الأكثرية والأقلية، مبينا أن تعداد سكان تركيا يبلغ 80 مليونا و600 ألف نسمة، بينما يبلغ تعداد سكان اليونان 10 ملايين نسمة، فأين الأكثرية إذن وأين الأقلية؟! وقال أرطغرل أوغلو إن المفاوضات ستشمل سيناريوهات جديدة يتم بحثها على الطاولة، لكن على العالم أن يعرف أنه «إذا كان الدفاع عن مصيرنا جريمة ـ ونحن لا نعتقد ذلك ـ فلا بد أن تستمر هذه الجريمة، لافتا إلى أن تركيا هي أمنا الرئيسية ولن تسمح مطلقا بأن تكون قبرص يونانية».
وبينما شدد على أن قبرص الشمالية لا تثق بأحد إلا تركيا، أشار إلى أن لبلاده علمين، أحدهما محلي والآخر هو العلم التركي باعتباره علما قوميا لهم، معتبرا أن حل قضية قبرص يكمن في الحكم الذاتي تحت ضمان تركي، ولنكن على غرار تايوان أو كوسوفا.
وطالب وزير الشؤون الخارجية في قبرص التركية أرطغرل أوغلو الاتحاد الأوروبي بأن يغير نظرته إلى القضية، موضحا أن بلاده عضو مراقب في منظمة التعاون الإسلامي، ونحن نراقب ونرى العديد من المشكلات بين الدول، ولا شك أن علاقاتنا مع الدول الإسلامية يجب أن تعود علينا بالفوائد في دعم قضيتنا.
وعن رد فعل قبرص التركية إذا لم تنجح الجولة الجديدة من المفاوضات، قال أوغلو: إذا لم تتحقق أهدافنا فقد تكون هناك جولات أخرى، لا أعلم متى، لكن في النهاية إن لم تنجح كل المفاوضات فسننضم إلى تركيا ونصبح جزءا منها.
أكثر من 20 ألف طالب من 106 جنسيات يدرسون في جامعة شرق البحر المتوسط
جولة الوفد الصحافي في جامعة شرق البحر المتوسط (EMU) كشفت لنا عن مدى اهتمام المسؤولين في قبرص التركية بأهمية العلم باعتباره أقوى الأسلحة لمواجهة التحديات المستقبلية وتحقيق الرؤى التنموية بأسلوب علمي راق، والجميل أنه رغم عدم الاعتراف الدولي بجمهورية شمال قبرص التركية إلا أن جامعة شرق المتوسط وغيرها من الجامعات في قبرص التركية تحظى باعتماد أكاديمي من عدد كبير من الجامعات العالمية، نظرا للمستوى العلمي والعملي المتميز الذي تقدمه لطلابها، وقد التقينا خلال الجولة مع رئيس الجامعة د.نيكديت أوسام، وحضرنا عرضا مميزا عن إنجازات الجامعة وبرامجها وسبل تهيئة الطلاب للدراسة فيها وكذلك طرق التسجيل ومتابعة الدراسة.
وفي جامعة «EMU» التي تأسست عام 1979 يدرس أكثر من 20 ألف طالب وطالبة من 106 جنسيات مختلفة، 85% منهم من الخارج، و15% فقط من داخل قبرص، بينما تضم نحو 1000 أستاذ من جنسيات مختلفة، أي أنها جامعة دولية في المقام الأول، تقدم برامج الدبلوم والبكالوريوس والدراسات العليا المعترف بها دوليا باللغة الإنجليزية.
وقد اكتسبت سمعة دولية مرموقة، وهي عضو في اتحاد الجمعات الأوروبية (EUA) والاتحاد الدولي للجامعة (JAU)، واتحاد جامعات العالم الإسلامي (FUIW) ورابطة جامعة حوض البحر المتوسط، واتحادات أخرى.
ومنذ نشأتها خرّجت جامعة شرق البحر المتوسط أكثر من 48800 خريج وخريجة، من نحو 100 جنسية مختلفة، وتلعب الجامعة دورا حيويا في نمو وتطوير الاقتصاد في شمال قبرص التركية حيث انشئت العديد من الشركات والمؤسسات٬ كما أن مكتب خريجي الجامعة يساعدهم على إيجاد وظائف في الخارج ويساعدهم أيضا على أن يكونوا دائما على تواصل مع الجامعة على موقعها الإلكتروني:WWW.emu.edu.tr.
هذا التقدم العلمي لجامعة شرق المتوسط وغيرها من جامعات قبرص التركية يعكس جيدا مدى نجاح هذا الشعب في مواجهة التحدي، فلم تثنه القيود الاقتصادية عن العمل حثيثا للنهوض ببلده والسعي لفتح قنوات التواصل مع مختلف شعوب العالم.