هناك غرض من اي تشريع واهداف يراد الشارع تحقيقها من ورائه، وهكذا يكون في كل تشريع او قانون يتم سنه من المؤسسة التشريعية المنوطة بذلك، بالنظر الى قانون البلديات والمجلس البلدي الحالي والمعروف بقانون 5 لسنة 2005 نجد ان المذكرة الايضاحية له اوضحت انه جاء لتلافي المشكلات والصعوبات التي نجمت عن العمل بقانون البلدية القديم 15 لسنة 1972 ومراعاة التطوير الاجتماعي والاقتصادي والتوسع العمراني ووضع اساس لبناء جديد في ادارة الشؤون البلدية يتلاءم مع ظروف المجتمع ومن اجل ذلك اعد القانون المذكرة لمعالجة الامور السابقة بما يتفق مع التطورات التي استحدثت منذ صدور القانون الحالـــي سنة 1972 ويسدد النقص والقصـــور اللذين كشف عنهما التطبيق العملي منـــذ هــذا التاريــخ..
وقبل ان تعطى الفرصة الكافية في التطبيق للقانون 5 لسنة 2005 اذ لم يمض على سريانه سوى اربع سنوات فقط لا غير فاجأنا بعض اعضاء مجلس الأمة بالمشروع مستندين في اصداره الى نفس الاسباب التي دعتهم قبلا الى اصدارهم قانون البلدية الحالي والسالف الاشارة اليها وهذا عبث تشريعي يجب ألا يكون من مؤسسة تشريعية لها كل الاحترام هي مجلس الأمة وبخصوص مرفق هام وحيوي مرتبط ارتباطا لصيقا بحياة المواطن وبنشاطاته العامة هو مرفق البلدية، وسنحاول في السطور القادمة ايضاح ذلك:
1ـ المدة التي جرى فيها سريان قانون البلدية الحالي 5 لسنة 2005 والتي لم تتعد السنوات الاربع بعد تعد غير كافية بأي حال من الاحوال للقول بالفائد واستبداله بالقانون المقترح لاسيما ان القانون الحالي للبلدية جاء بفكرة جديدة جدا وهي فكرة الدور والاختصاصات لكل منهما فأعطى للأول التشريع والرقابة واصدار القرارات وللثاني تنفيذ القرارات وتطبيق اللوائح والنظم المقرة من قبل المجلس، وكان الاجدى بدلا من الاقتراح هو تعديله بما يحقق فكرة الفصل الكامل والتام بين جناحي البلدية (المجلس، والجهاز التنفيذي) مع اعطاء ادوات رقابية للمجلس يقوم من خلالها بدوره الرقابي المنوط به من قبل القانون ولذا كان يفترض اعطاء قانون البلدية الحالي الفترة الكافية في التطبيق مع اجراء التعديلات عليه كلما دعت الحاجة ثم يتم التقييم الكامل له في ضوء ذلك وهذا هو منطق الامور، والقول بغير ذلك عبث لا مبرر له.
2ـ المشروع المقترح وبشكله المقدم لم يحمل في طياته ما من شأنه ان يؤدي الى طفرة في مجال العمل البلدي ولم يضع يده على مكامن الخلل ومن ثم اصلاحها بل جاء بفكرة هلامية عامة بأن استبدال المجلس البلدي بستة مجالس بلدية في كل محافظة وكأن المشكلة انحصرت في وجود مجلس بلدي واحد مع العلم ان اختصاص المجلس البلدي ينحصر في النظر في المسائل العامة الداخلة في اختصاص البلدية واصدار القرارات وهذا ليس بمشكلة على الاطلاق ولم يكن المجلس مقعدا في ذلك، واذا كان هذا هو النهج فإننا بدورنا نقترح ان يكون هناك مجلس امة بكل محافظة حتى يلبي الاحتياجات المتزايدة بكل محافظة.
3ـ المشروع المقترح لم يبين لنا ماذا سيكون الوضع بالنسبة للجهاز التنفيذي للبلدية والى اي جهة يتبع ومن سيتولى اداراته وما سلطة المجلس المقترحة عليه اضافة الى انه جاء بوضع غريب وشاذ وهو انه جعل على فوق راس المجلس المنتخب رئيسا معينا من قبل السلطة التنفيذية وهو المحافظ كما ألغى الاستغلالية التي كانت للبلدية على مدار تاريخه كله ولم يسلبها اياها اي من القوانين المختلفة التي نظمتها بأن جعل تبعية المجلس والادارات البلدية اي ما يسمى بالمجلس الأعلى للمحافظات برئاسة رئيس مجلس الوزراء وهناك مساوئ عديدة وعلامات استفهام كثيرة جاء بها المشروع المقترح يكثر الحديث بشأنها لكننا في النهاية نشير الى ان المجتمع بحالته الراهنة.
وما يسوده من ثقافات ونعرات طائفية وتخندقات قبلية وانتماءات تتمحور حول الطائفة والقبيلة لا حول الوطن ومصالحه العليا غير مهيأ لمثل هذا الطرح الذي جاء به المشروع المقترح من وجود مجلس بلدي بكل محافظة الاغلبية فيه للمنتخبين مما يكرس فكرة التكتلات والتكتلات المقابلة داخل المجلس نفسه لصالح الفئة المنتمي لها اعضاء المجلس دون النظر الى الصالح العام.
ويجب ألا ندفن رؤوسنا في التراب محاولين نفي ذلك فهذا واقع مريض نحياه ونحاول تغييره بكل الوسائل الممكنة ولكننا مازال الطريق طويلا.