تنظم صحيفة «الاتحاد» الإماراتية غدا ولمدة يومين منتداها السنوي الرابع والذي يعقد هذا العام تحت عنوان «الصحافة العربية.. الواقع والطموح» ويتزامن المنتدى مع الذكرى الـ 40 لصدور الصحيفة ومع حفل اطلاقها نسختها الجديدة.
وسيناقش المنتدى على مدى 3 جلسات عدة قضايا مختصة بمستقبل الصحافة العربية ففي الجلسة الأولى والتي تأتي تحت عنوان «صناعة النشر.. شروط الاستمرار» ويديرها رئيس مجلس إدارة جريدة الأهرام المصرية عبدالمنعم سعيد ويكون المعقب الرئيسي جميل مروة ويناقش قضية النشر المتخصص وفتح اسواق جديدة رئيس تحرير صحيفة العالم اليوم لميس الحديدي خاصة ان صناعة النشر لم تكن استثناء من الاتجاه الى التخصص، في ظل عالم يحرص على تقسيم العمل وتوزيعه، بما يحقق اقصى كفاءة انتاجية ممكنة ومع حياة تتعقد باستمرار فتختلف اهتمامات الناس واذواقهم، تجد الصحافة نفسها مطالبة بمواكبة هذا التعقيد وذلك التنوع، الى درجة ظهور مطبوعات في الغرب متخصصة في قضايا ضيقة جدا وغريبة في الوقت ذاته، منها مثلا نحو عشرين مجلة متخصصة في قضايا «القطارات» في الولايات المتحدة الأميركية فقط، الى جانب مجلات مهتمة بعالم تربية القطط أو متخصصة في تغطية كل شؤون الموظفين المتقاعدين.
في ضوء هذا المدخل ستتم الاجابة على ما يلي: كيف نستطيع النهوض بالصحافة المتخصصة؟ وما هي المجالات والقضايا الجديدة التي يمكن ان تهتم بها لاسيما في المنطقة العربية؟ واي تجارب عالمية ناجحة تلائم سوق الصحافة العربية في هذا المضمار؟ وما هي طرق وآليات توظيف التقنيات الجديدة في «صناعة النشر» لخدمة هذا الهدف؟ وما هي النتائج المتوقعة لهذا الاتجاه؟
كما ستناقش الجلسة قضية توظيف التقنيات الجديدة ويحاضر فيها علي الأعسم حيث انه لا يمكن انكار ان الاعلام الجديد بوجهيه البارزين المتمثلين في الفضائيات وشبكة الانترنت قد أثر تأثيرا بالغا وجارحا على الصحافة الورقية ومن العبث ان تنزلق الصحافة التقليدية الى صراع ضد نظيرتها الجديدة فالأخيرة تتقدم بخطى واثقة ليبقى من الضروري ان يحدث تفاعلا خلاقا بين الاثنين تلتقط خلاله الصحافة الورقية من الصحافة الالكترونية ما يفيدها، وما يمكنها من تخطي ازمات متوالية تكاد تنهي عصرا من احتكار اسلوب نمطي معين لنشر وعرض الاخبار والتقارير.
وتطبيقا لهذا التصور ستتم مناقشة كيفية استفادة الصحافة الورقية من القدرات التفاعلية غير المحدودة التي تتيحها التكنولوجيا الجديدة في جذب القراء وفتح الباب امامهم للمشاركة في صناعة المادة الصحافية؟ وكيف يمكن للصحافة الورقية ان توظف الصورة توظيفا عريضا على غرار ما تفعله الفضائيات؟ فهل يمكن ان تظهر في الصحافة العربية بكثافة ما تسمى «الجريدة الشاشة» التي تقوم على قاعدة كلام اقل وصور اكبر واغزر واكثر دلالة؟ وكيف يمكن للصحافة الورقية ان تستفيد من آليات انتشار الصحافة الالكترونية ليس في مجاراتها التامة في هذا الصدد، بل في تعزيز قدرة الورقي على الانتشار، وجذب قراء جدد باستمرار؟
أما الجلسة الثانية فهي تحت عنوان: «المسؤولية في بيئة الصحافة الورقية» ويديرها جميل الذيابي ويكون المعقب الرئيسي ايمن الصفدي ويناقش قضية ثلاثية السبق والمصداقية والمهنية ويحاضر فيها ابراهيم النشمي حيث ان كل صحيفة تحرص على تقديم انفرادات متتالية، تعزز تأثيرها وجاذبيتها، وترسخ تواجدها واستمرارها، لكن اللهفة على تحقيق سبق بأي طريقة، واي صيغة، على حساب الدقة وتحري الصدق، من المؤكد انه سيؤدي الى نتائج خطيرة، اذ لن تؤخذ الاخبار التي تدعي الجريدة انها تنفرد بها على محمل الجد. ومع السقوط في الكذب اكثر من مرة ستنهار المصداقية، وينعدم التأثير، او يقل الى ادنى درجته، الامر الذي سيقود الى تراجع التوزيع، من هنا يأتي دور المهنية ليحقق التوازن بين السبق والمصداقية، فيقيس الأول على الثانية، ويجعل الثانية معيارا لتمرير الأول في دقة وتحر.
في ضوء هذا التصور ثلاثي الابعاد نحاول في الندوة الاجابة على الاسئلة التالية: ما حاجة الصحف العربية الى تحقيق السبق؟ وما الدور الذي تلعبه الانفرادات في ترسيخ تواجد واستمرار الصحف الورقية وما القيود التي تقف عقبة امام تحقق ذلك وتجسيده في واقعنا الصحافي؟ في الوقت نفسه ما الآليات التي تمكننا من الحفاظ على المصداقية هل يمكن بناء معايير او مؤشرات منضبطة تلائم اوضاع صحفنا لقياس المصداقية وما مضمون هذا المقياس؟ وهل يمكن صياغته على هيئة style book وكيف ينطوي على أقصى درجات المهنية؟ وما الفرص التي يتيحها التقدم التقني في هذا المضمار؟
كما سيناقش قضية القيود الاجتماعية والثقافية والمحاذير القانونية حبيب الصايغ حيث ان معظم قوانين الصحافة العربية تضمنت قيودا واسعة بعضها تنظيمي، يقيد حرية الاصدار والنشر، ويفرض رقابة على المطبوعات وبعضها يتعلق بالمضمون، حيث تتعدد العقوبات المفروضة على قضايا النشر، او تلك التي تمنع تداول المعلومات بحرية وشفافية وللأسف فإن هذه القيود لا تقتصر على القوانين الرسمية.
في ضوء هذا التصور: ما النتائج او الخلاصات النهائية لتحليل مضمون المواد القانونية المطبقة في حالات عربية محددة والتي تقيد حرية الصحافة، وما هي القيود القانونية المخالفة لأحكام الدساتير، او القوانين الدولية، والتي من شأنها تشكيل عوائق قانونية امام ممارسة هذه الحرية؟ وكيف يمكن التغلب على مشكلة التكتم على المعلومات؟ وما القيم والكوابح الاجتماعية والثقافية التي تخنق تلك الحرية؟ وكيف يمكن التعامل معها في حدود المسؤوليات الاجتماعية المنوطة بالصحافة؟
وآخر قضية في الجلسة الثانية ستكون البعد المحلي كأداة للتميز work locally think globally لجابر الحرمي حيث انه من الصعب لكن ليس من المستحيل على الصحف العربية ان تنافس عالميا فالوصول الى العالمية ليس مسألة يسيرة فهي لا تحتاج الى المال والكوادر البشرية الماهرة فقط، بل أيضا، وقبلهما الى الحرية العريضة. الا انه بوسع الصحف التي تطمح الى التوزيع على المستوى العربي كله ان تلبي احتياجات القارئ من المحيط الى الخليج، أو تغير بعض مادتها التحريرية وفق مناطق التوزيع. اما الصحف الموجهة الى القارئ المحلي فمطلوب منها ان تؤدي هذا الدور على أكمل وجه، وتتعامل مع «الجمهور المستهدف» بوعي، وتعتبر ان محليتها هي نقطة تميز، عليها ان تستغلها استغلالا واسعا وعميقا ورصينا، حتى ترسخ وجودها، وتعلي دورها.
في ضوء ذلك، الى أي حد تنظر الصحف العربية الى عنصر المحلية بوصفه نقطة تميز؟ وما الشروط التي يجب توافرها في صحيفة ما حتى يمكن ان نقول انها «متميزة محليا»؟ وما العائد الذي يحققه الاهتمام بهذه الناحية والتفوق فيها؟ وهل المحلية تؤدي بالضرورة الى إغلاق الباب امام امكانية تسويق الصحيفة عربيا؟ ام ان هناك استثناءات في هذا المضمار سواء بالنسبة لبعض الصحف أو بعض الدول؟
اما الجلسة الثالثة في المنتدى فستكون تحت عنوان «التخطيط للمستقبل» ويكون المعقب الرئيسي عبدالوهاب بدر خان، وتناقش تبادل الخبرات وتدريب الكوادر البشرية، ويحاضر بها السعد المنهالي، حيث ان الشركات الناجحة تنفق جزءا كبيرا من ميزانياتها على التدريب، الذي يتم طيلة الوقت ولكل العاملين بغض النظر عن خلفياتهم الدراسية وأعمارهم ومواقعهم الوظيفية. فالقانون الرئيسي لأي مؤسسة ناجحة هو ان التدريب عمل مستمر للجميع.
في ضوء ذلك ما أوضاع التدريب في الصحافة العربية؟ وما حجم الميزانيات المخصصة لهذه المسألة؟ وهل هي عملية مستمرة أم تجري بشكل موسمي أو متقطع؟ وما الثمار الحقيقية لها؟ هل يغلب عليها الطابع الشكلي والمظهري؟ ام انها تتم وفق خطط محكمة وتسعى لتحقيق اهداف محددة؟ وما حجم الاستفادة من التجارب والخبرات الأخرى في هذا الصدد، سواء لدى صحف عربية أو أجنبية؟ وما الفوائد التي ستعود على الصحافة لو انها اهتمت بالتدريب وتبادل الخبرات؟
كما ستناقش قضية دراسة متطلبات السوق لعزام الدخيل لأنه ينظر في النهاية الى الصحيفة باعتبارها سلعة تقوم المؤسسات الصحافية بصناعتها، ثم تعرضها في السوق أمام المستهلك (القارئ) وتتبع حياله كل الأدوات والحيل الدعائية الممكنة حتى تجذبه الى هذه السلعة وتجعله يعتاد استهلاكها. مثل هذا الوضع يجعل آليات السوق تنطبق بكاملها على الصحف، انتاجا وتوزيعا واستهلاكا وتفرض ضرورة فهم «العملية الصحافية» برمتها حسب هذه القواعد الاقتصادية المتعارف عليها، والتي انتج العقل البشري فيها نظريات وآليات وإجراءات محكمة الى حد كبير.
في ضوء هذه المعادلة هل تفتقر صحافتنا الى مثل هذه الدراسات؟ واذا كان هذا صحيحا فكيف يمكن للقائمين على الصحف ان يستطلعوا وضع السوق؟ هل يمكن الوقوف على نوعية القراء من حيث ثقافتهم وميولهم واحتياجاتهم؟ وهل نستطيع اعداد دراسات تنطوي على أقصى درجة من الدقة لتحقيق هذا الغرض؟ ثم من يقوم بهذه الدراسات؟ وما مضمونها؟ وكيف يمكن للقائمين على الصحف ان يستفيدوا من نتائجها وتوصياتها؟ في الوقت ذاته، كيف يمكن دراسة سوق الاعلانات بغية توفير موارد مهمة تساعد في تمويل الصحف؟ وهل يمكن التقدم على هذا الدرب الى درجة تمكين الصحف من عدم الاعتماد على الدعم الحكومي أو التقليل منه الى أدنى درجة؟
وآخر محور في الجلسة الثالثة سيكون هياكل جديدة للإعلان والتمويل لبشار كيوان حيث تواجه الصحف العربية قيودا تبدأ من عمليات التمويل، ولا تنتهي مع المعلنين. فالتمويل يشكل عصبا اساسيا لأي صحيفة. وقد زادت القيمة المضافة التي يشكلها التمويل ضمن عناصر صناعة الصحافة مع الآثار السلبية التي ترتبت على الأزمة المالية العالمية. وتجد الصحافة نفسها شاءت أم أبت، معرضة للعمل تحت طائلة القاعدة الراسخة التي تقول: «من يملك يحكم، أو يتحكم»، سواء في مواجهة الحكومات أو المعلنين.
في ظل هذا الوضع ما أنواع هياكل التمويل المتاحة امام الصحافة العربية؟ وهل هناك صحف تتلقى إعانات سرية من بعض الحكومات؟ وما تأثير هذا على المادة التحريرية كما وكيفا؟ فمثلا: هل هناك تعليمات محددة للصحف من قبل هذه الحكومات؟ وهل هناك تدخلات في اختيار العاملين، وتحديد تبويب الصفحات وتوجه الصحيفة؟
وما أشكال القيود التي يمارسها المعلنون؟ وكيف توائم الصحيفة بين نفوذهم ورغبتها في تحقيق المصداقية والوصول الى أكبر مقروئية ممكنة؟ وما السبل الكفيلة بمنع ظاهرة خلط الإعلان بالتحرير؟