- كنت أجوب البلاد بحثاً عن مواد غذائية لأشتريها وأوزعها على العوائل
- جلبنا خزاناً لتأمين مياه الشرب النقية للناس من بئر في منزل عمي
- الزعابي شكرني على ما قمت به وطلب مني تشغيل مولد كهرباء مخفر القادسية
عادل الشنان
حب الكويت لا يقتصر على مواطنيها فقط بل يمتد ايضا الى الشرفاء الذين عاشوا على أرضها وتشبعوا ودا لها وأصبحوا جزءا منها كما هي جزء من قلوبهم، ومن أمثال هؤلاء المقيمين الشرفاء الحاج عبدالصمد الشريف وهو من الجنسية العراقية وكان له دور كبير في خدمة الكويت والكويتيين إبان فترة الغزو العراقي الغاشم على الكويت، حيث ضحى بماله ووقته ومنزله لمد يد العون لكل من احتاج الى المساعدة، خاصة الذين كانوا يواجهون تعسف وعنجهية الجيش الصدامي، وكذلك المعرضون للاعتقالات، ناهيك عن عمله على توفير المأكل والمشرب للناس الذين لا يستطيعون التحرك بحرية بسبب الظروف التي رافقت فترة الاحتلال العراقي للكويت، ولمعرفة بعض احداث وتفاصيل دور الحاج عبدالصمد كان لـ «الأنباء» معه الحوار التالي:
بداية عرفنا بنفسك.
٭ عبدالصمد الشريف مهندس تصنيع سيارات، عراقي الجنسية، مقيم في الكويت منذ شبابي وتزوجت في الكويت من عائلة البسام السعودية، وعشت عمري كله في الكويت التي أعشقها ولن أتركها حتى بعد ان توافيني المنية لأنني سأدفن هنا.
قساوة ووحشية
هل كنت تعيش في الكويت قبل الاحتلال الصدامي؟
٭ نعم فأنا متزوج من عائلة سعودية ونقيم في الكويت في منطقة الدعية وقبل الاحتلال الصدامي للكويت كنا في المملكة العربية السعودية، وحينما سمعنا الأخبار عن دخول القوات العراقية الى الكويت بادرت انا وأسرتي بالذهاب من السعودية الى العراق وتحديدا الى محافظة البصرة وسحبت من البنك مبلغ 30 الف دينار آنذاك، ومن ثم اتجهت الى الكويت بهدف مساعدة الأهالي لأنني اعلم تماما قساوة الجيش الصدامي وشدته ووحشيته، وكوني من أسرة عراقية لها مكانتها الاقتصادية والاجتماعية في العراق كنت على يقين من انهم سيقيمون لي وزنا يمكنني استثماره بمساعدة الناس في الكويت.
ما انواع الخدمات والمساعدات التي استطعت تقديمها للكويتيين إبان فترة الاحتلال؟
٭ بداية طلبت من اهل «فريجنا» وكل من اعرفهم عدم الخروج من البيوت الى التبضع او قضاء الحاجات حتى لا يتعرضوا للاعتقال من قبل القوات الصدامية، بدوري كنت اذهب بسيارتي الخاصة أجوب البلاد بحثا عن مواد غذائية او تموينية لأقوم بشرائها ومن ثم توزيعها عليهم كل حسب احتياجه وبما لا يؤثر عليهم من قبل الجيش العراقي الذي كان ينتشر في جميع المناطق.
من من العوائل الكويتية التي كنت دائم التعامل معها في تلك الفترة؟
٭ كثيرون اتذكر منهم عوائل الأستاذ، الراشد، الجمعة، الفرحان، الصفار وعائلتي رياض السلطان والمحامي ليث الملا، ناهيك عن الآخرين الذين لا تسعفني الذاكرة الآن لأتذكرهم بالأسماء والذين أكن لهم كل الاحترام والتقدير جميعا.
ضابط يكره صدام
هل استعنت بأحد أفراد الجيش العراقي؟
٭ نعم في احد الأيام كنا مجتمعين في منزل المحامي الملا نتجاذب أطراف الحديث، وكنا مجموعة من الشباب ومعنا احد الضباط العراقيين الذين يكرهون صدام حسين وهو من عائلة الجبوري وهذه العائلة كبيرة جدا في العراق واغلب ابنائها ضباط في صفوف الجيش العراقي، وكانوا على خلاف مع صدام حسين وقد قام بإرسال عدد منهم للكويت خوفا من بقائهم في العراق والانقلاب عليه وكان هذا الضابط احدهم وكان مقربا جدا من الكويتيين لأنه كان بين الحين والآخر يأتي بسيارة محملة بالمواد الغذائية ويسلمني ما بها لأقوم بتوزيعه على الأسر الكويتية، بالإضافة الى انني كنت ألجأ اليه في اغلب الأوقات لفك أسر احد أبناء الجيران او المعارف وايضا أفراد المقاومة الكويتية.
تحدثت عن توفير المواد الغذائية لكن ما نعلمه ان الماء كان مطلبا صعبا في ذلك الوقت؟
٭ فعلا كان الجميع يعاني من قلة المياه او حتى عدم توافرها الا ان منزل عمي ابو زوجتي به «جليب» او بئر ماء حلوة، فقمت بجلب مضخة سحب مياه وطلبت من الضابط الجبوري خزان مياه كبيرا «تانكي» وباشرت بسحب المياه وتعبئة الخزان ليقوم الجيران بأخذ الماء العذب منه مباشرة لسد احتياجاتهم.
هل من الممكن ان تستذكر لنا بعض المواقف مع الجيش العراقي خلال تلك الفترة؟
٭ حسنا: في احد الأيام كنا مجتمعين في منزل الفرحان، جمعة أسرية وقبل ان نخرج من المنزل واجهنا احدى جاراتنا من بيت الأستاذ وبالصدفة سألتنا عن وجهتنا فقلنا الى بيت عبدالمحسن الفرحان في منطقة الروضة، وبعدها انطلقنا بطريقنا وعند وصولنا لبيت الأستاذ بدقائق تم طرق الباب واذا بشخص يسألهم عني فلما خرجت له قال لي ان الجيش اعتقل خليل الاستاذ فقلت له ومن انت وكيف تعرفني وتعرف خليل، وكيف عرفت انني هنا؟ فقال بعثتني اخت خليل فهي تقول قابلتكم عند خروجكم وسألتكم عن وجهتكم فقلت في قلبي (يا سبحان الله) كيف يدبر الأمور، وتوجهت معه مباشرة الى الضابط الجبوري وحدثناه بالواقعة فتفضل مشكورا بالتدخل وإخراج خليل الاستاذ من الاعتقال.
وأيضا في احد الأيام صادفت في الطريق فتاة لم يتجاوز عمرها الـ22 عاما، وكانت تركض حافية القدمين وعباءتها تتطاير منها مذهولة الفكر متجهة ناحية منزل الأستاذ، حيث كانت تريد ان تستغيث بهم لإنقاذ اخيها عبدالصمد الصفار من يد القوات العراقية الذي اعتقلته من منزله وكان منظرها تقشعر له الأبدان، فقد كانت خائفة على اخيها لدرجة انها ستجن وهذا موقف لا أنساه في حياتي فقد تأثرت لوضعها جدا وتوجهت الى نقطة الاعتقال في مخفر الدسمة وتدخلت وأخرجته ايضا واصبحنا أصدقاء الى أن وافته المنية قبل أعوام وهو مسافر بالسيارة الى دولة الإمارات العربية.
وفي احد الأيام كنت بسيارتي واذا بي اشاهد «احمد الراشد» تم ايقافه بإحدى نقاط التفتيش وتم تكبيل يديه ووضعه بالمقعد الخلفي في سيارته فاستدرت بسيارتي من اقرب نقطة استدارة وتوجهت اليهم فقالوا انهم نقلوه الى المركز الواقع في نادي كاظمة الرياضي، فتوجهت اليهم هناك وقمت بالتدخل وإخراجه من بين أيديهم من خلال بعض المعارف.
المقاومة الكويتية
وكيف كنت تتعامل مع الجيش العراقي؟
٭ كما قلت لك لم يكونوا يضايقونني، وقد استفدت من ذلك في مساعدة الناس حيث كنت احذر اهالي المنطقة من الوقوف امام المنازل او الطرقات لفترات طويلة خاصة وقت مرور دوريات الجيش العراقي، لكن كانت تحصل بعض الهفوات، ففي احد الأيام كان احد الشباب يدعى عيسى وهو يرتدي نظارة طبية ونظره ضعيف واقفا عند الباب واذا بسيارة بها أفراد من الجيش العراقي تمر من بعيد وهو ضعيف النظر فاعتقد انها سيارة احد أصدقائه فأخذ يومي لها بيديه فرجعوا اليه وهو تقدم لهم فشكوا به واعتقلوه وأهله ابلغوني بالواقعة فقمت بمخاطبة الضابط الجبوري بهذا الامر وتدخل وأخرجه.
وفي أحد الأيام كنا مجتمعين في مكتب المحامي ليث الملا في منطقة حولي، واذا بزوجة اخ رياض السلطان دخلت علينا باكية، حيث اعتقلوا زوجها وهو من ضعاف السمع ولم يأخذ سماعته الطبية معه، واذا ما تم سؤاله لن يسمع او يفهم وسيظنون انه يتجاهلهم وبالتالي سينهالون عليه بالضرب خاصة أنهم وجدوا بعض أسلحة المقاومة الكويتية مدفونة في منزل أخيه رياض السلطان وبسؤالهم عمن هو صاحب المنزل قال لهم انا وفعلا توقعاتها كانت بمحلها في مثل هذا الوضع، وبفضل الله تدخلت بالموضوع واستطعنا إخراجه بعد مرور يومين، وكان الأمر صعبا جدا الا اننا بتوفيق من الله خلصناه من بين أيديهم قبل ان يضربوه او يعذبوه.
حارس ومراقب
وهل كان لك عون لأفراد المقاومة الكويتية بشكل أو بآخر؟
٭ بالتأكيد الأخ عبدالعزيز مكي حسين الجمعة كان قائدا لإحدى مجموعات المقاومة الكويتية، وكان ساكنا في منطقة مشرف وبعد اكتشاف امره اضطر الى السكن في بيت اخته المقابل لمنزلي مباشرة في منطقة الدعية، فكنت له حارسا ومراقبا للمنطقة حتى نضمن سلامته وعدم الوصول له.
وتوالت بعدها الأحداث والقصص على مدى الشهور السبعة وجميعها مشابهة لما ذكرته، لكنني كنت دائما أضع بين عيني من عشت بينهم وعاشوا في قلبي (الكويت واهلها).
سمعنا عن حادثة لك مع اللواء السابق د.مصطفى الزعابي هل تذكرها؟
٭ بالتأكيد وهذه الواقعة حدثت بعد التحرير مباشرة حين جاء لي محمود الجمعة وقال لي عمي ابواحمد محتاجين مساعدتك لتشغيل مولد كهرباء في مخفر القادسية بصفتي مهندس تصنيع سيارات ولدي الخبرة بذلك، فقلت له انا عراقي الجنسية وخروجي بمثل هذه الأيام خطر علي لأن الأمور لم تتضح بعد ولا أستطيع إلا في حال بعث قائد المخفر لي دورية ورجال أمن رسميين لاصطحابي ذهابا وايابا، وفعلا غاب لساعات تقريبا ثم عاد بسيارة عسكرية رسمية ومعه رجال الجيش الكويتي يطلبون مساعدتي بأمر قائدهم الضابط مصطفى الزعابي آنذاك، وكان قد سمع عني وعن مواقفي مع اهل الكويت من بعض المقربين وبعد وصولي اليه مد يده مصافحا لي وشكرني على ما قمت به، ومن ثم طلب مني المساعدة في تشغيل مولد الكهرباء لمخفر القادسية وباشرت ذلك وخلال العمل كنا نتجاذب أطراف الحديث ومع انتهائي من العمل وتشغيل الكهرباء بادر الزعابي بتسجيل بياناتي واعطاني كتابا صادرا عن الحكومة بعدم التعرض لي وكان ذلك بمنزلة إنقاذ لي حيث أعطاني حرية التنقل دون اعتراض.