كان المرحوم العم جميل السلطان، وكما أشاد به الكثير، تاجرا ناجحا ورائدا في مجال الاقتصاد والأعمال، حيث تركت إنجازاته بصمة واضحة في هذا المجال، ولكن هناك جانبا إنسانيا آخر له يجعله الشخصية المثالية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فقد كان رائعا كرب أسرة لعائلته الصغيرة، فلقد كان الفقيد نِعمَ الأب ونِعمَ الزوج.
فلم يكن يتوانى ابدا في مشاركة ابنائه تفاصيل حياتهم الصغيرة، ونقل كل ما لديه من خبرات ومعرفة في مجال الأعمال، ليس ذلك فحسب إنما حرص ايضا على زرع حبه وشغفه بالرياضة في قلوب أبنائه، حيث قضى ساعات طويلة في تسلق جبال الألب السويسرية مع أبنائه الثلاثة ياسمين وعذبة وفيصل على مدى السنوات الثلاثين الماضية، فقد أغدق عليهم الحب ومنحهم من وقته الكثير، ولم يكن يتذرع بالعمل أو الأصدقاء فيقصر في مشاركتهم حاجياتهم.
وفقه الله بزوجته سوسن زوجة صالحة شاركته مشوار حياته، ووقفت الى جانبه، وساندته في السراء والضراء، كان كل منهما يكمل الآخر ويتكامل به، ثنائي لا يتجزأ ويثني كل منهما على الآخر، بنيت علاقتهما على الاحترام المتبادل والتفاهم فكانا مثلا ونموذجا للتوافق الزوجي الناجح.
وهناك جانب إنساني آخر رائع في شخصية الفقيد الغالي، فقد كان كريما معطاء ومتسامحا، لا يلاقيك إلا ووجهه يشرق بابتسامة عريضة من القلب، أدمن حب الناس ويده ممدودة دائما لمساعدة الآخرين وقضاء حوائجهم دون ان يتفاخر امام احد، ولم تقتصر مساعداته على النفع المادي فحسب، ولكنها امتدت لتشمل النفع بالرأي والنصيحة.
إن قصص الإحسان والتجارب الإنسانية التي شهدتها اثناء عملي مع أبو فيصل لا تعد ولا تحصى، أذكر منها ان ثلاثة من الإخوة الليبيين ممن أعرفهم جيدا أخبروني بعد عدة سنوات من الاضطرابات المدنية في ليبيا في العام 2011، أن أبو فيصل دعاهم خلال القتال في ليبيا وعرض عليهم سكنا وفرصا للعمل وتعليم أبنائهم في الكويت حتى هدأت الأوضاع في ليبيا، فهو لم ينس أبدا أنه كان في نفس الوضع ومر بنفس الأزمة في العام 1990 أثناء الغزو العراقي على الكويت، وها هو يمد يد العون لمساعدة اخوانه العرب.
كما كان ابو فيصل يتمتع بكاريزما وبأسلوب لطيف مميز يجعله قريبا من الآخرين، ففي رحلة إلى روسيا والمجر، كنا برفقة الرئيس الراحل لدولة مالطا جيدو دي ماركو (والذي كان رئيسا للجمعية العامة للأمم المتحدة في العام 1990 أثناء غزو الكويت وكان ديبلوماسيا محبوبا في جميع انحاء العالم)، وقد تركت الست ساعات التي قضاها وهو يتحدث مع أبو فيصل وهم على متن الطائرة الخاصة انطباعا ايجابيا لدى الرئيس وكان بعد ذلك دائم السؤال عن أبوفيصل.
وكذلك كان المرحوم جميل السلطان سفيرا«عظيما» للكويت دون ان يحتاج الى دراسة العلوم الديبلوماسية او الشؤون الدولية، ففي العام 2005 وعندما أعرب المساهمون الليبيون عن استيائهم من الشريك الإداري المالطي لإقامته مشروعا مشتركا مع مجموعة من الكويتيين، ولكن بعد لقائهم بأبو فيصل فقط غيروا رأيهم إذ تمكن من تغيير المفاهيم الخاطئة والصور النمطية التي رسمت في عقولهم عن الكويتيين، واصبح عندهم بعد ذلك الكثير من الأعمال والتجارب الناجحة معا.
في العام 2006 وافق شفهيا على ان يكون راعيا رئيسيا لحفل عشاء خيري لصالح الإغاثة الطبية في لبنان، وعندما اخبرته عن رغبة مجموعة الخرافي لرعاية هذا الحدث كراع رئيسي، وافق برحابة صدر وتكرم أن يكون الراعي الثانوي مع التزامه بدفع نفس المبلغ كراع رئيسي، وقال انه علينا العمل على تيسير التبرع بالمزيد من الأموال لمثل هذه القضية النبيلة.
حقيقة لقد تمكن ابوفيصل من بناء امبراطورية مالية ضخمة، لكنه وعلى عكس أقرانه من رجال الأعمال لم يتباه يوما ولم يتفاخر بالسيارات الفارهة واليخوت الضخمة دون داع، بل كان اكثر تواضعا كلما تتطلب الأمر لذلك.
والقصص الإنسانية عن العم جميل، رحمة الله عليه، قد لا تعد، وإنجازاته العملية الناجحة قد لا تحصى، وكلها قد تؤهله ليستحق تسمية أحد الشوارع باسمه، ولكن برأيي المتواضع ما يميزه كونه ابا حنونا وزوجا مثاليا ومواطنا معطاء لوطنه وهذه صفات يحتذى بها.