اذا كانت اساليب الحياة في الولايات المتحدة واوروبا من العوامل التي تساهم في زيادة حالات سرطان الثدي، فمن شبه المؤكد ان النظام الغذائي يأتي في مقدمة هذه العوامل. ففي دراسة اجريت على 3000 امرأة صينية تتراوح اعمارهن بين 25 و64 نصفهن ممن يتبعن نظاما غذائيا يعتمد على اللحوم والاسماك والحلويات والخبز والحليب، بينما غلبت الخضار والبقول والاسماك على غذاء النصف الثاني، تبين ان النساء اللواتي بلغن سن اليأس في المجموعة الاولى معرضات لخطر أكبر بنسبة 60% للاصابة بسرطان الثدي.
ومما يؤكد هذه النتائج ما وجده باحثون في المملكة العربية السعودية والبلدان المطلة على البحر المتوسط من انماط مماثلة.
ومن العوامل اللافتة ايضا عادات الانجاب لدى المرأة الغربية، فمع ازدياد اعداد النساء اللواتي يدخلن مجال العمل تناقص عدد الاطفال اللواتي ينجبن، واظهرت بعض الابحاث ان النساء اللواتي ينجبن اقل من طفلين يواجهن خطر الاصابة بسرطان الثدي اكثر مما تواجهه النساء الاكثر انجابا، ومن المحتمل ان يرجع جزء من السبب في ذلك الى ان الحمل والرضاعة يمنحان الجسم راحة من الاستروجين نظرا لتوقف الدورة الشهرية لمدة تسعة اشهر على الاقل وفي كثير من الاحيان لفترة اطول.
عن مجلة تايم
ومن المحتمل ايضا ان الحمل والارضاع يبدلان انسجة الثدي عن طريق توليد اجسام مضادة تساعد على منع الخلايا من التحول الى خلايا سرطانية.
يضاف الى ذلك قلة الحركة التي تعد من المشكلات المتزايدة في الغرب، وفي بحث اجرته جامعة جنوب كاليفورنيا على عينة من اكثر من 110 آلاف شخص كانت النساء اللواتي يمارسن جهدا عضليا خمس ساعات في الاسبوع يواجهن خطرا اقل بالاصابة بسرطان الثدي بنسبة 20%.
يشير الاطباء الى ظاهرة الاهمال الذي يساهم في تأخير اكتشاف الاصابة وبالتالي يزيد من صعوبة علاجها، فقد تحدث طبيب من تايوان عن امرأة في اواخر الستينيات من العمر جاءت لزيارته وهي تشكو من ورم في الثدي، وكان الورم ضخما لدرجة انه اخترق الجلد، وقالت المرأة انها لاحظت وجود الكتلة قبل 17 عاما ولكنها لم تستشر الطبيب لأنها لم تكن تؤلمها.
وهنالك بالطبع عوامل اجتماعية تمنع بعض النساء من الكشف عن اصابتهن بورم في الثدي، وتقول مريضة نيجيرية شفيت من المرض، ان الكثير من النساء يترددن في الكشف عن إصابتهن خشية ان يرفض أي رجل ان يتزوج من بناتهن، ولكن هذا الوضع آخذ بالتبدل بشكل ملحوظ. وهنالك الآن منظمات للتوعية في بلدان كان مجرد ذكر المرض فيها من الامور غير المستحبة، ويقول طبيب مصري ان رجال الدين يتحدثون الآن مؤيدين للتوعية بسرطان الثدي وبضرورة اجراء فحص مبكر عليه حتى من قبل اطباء ذكور اذا استدعت الحاجة. وفي دليل على اهمية الفحص المبكر والدوري تظهر الإحصائيات ان سرطان الثدي في هنغاريا تراجع كسبب للوفاة بين النساء من المركز الاول الى المركز الثالث وذلك لأنه بات من حق كل امرأة في سن 45-65 عاما ان تجري فحصا سنويا مجانيا للثدي كما تغطي الدولة تكاليف السفر من المناطق البعيدة.
وفي جنوب افريقيا انطلقت حملة لإرسال فرق طبية بأجهزة فحص متنقلة الى المناطق الريفية ولكن المشكلة هي ان الفرق الطبية لا تستطيع متابعة الحالات المكتشفة كما ينبغي وبذلك تترك للمرأة مهمة متابعة حالتها وهو ما تعزف عنه كثيرات بسبب ما يترتب على ذلك من نفقات سفر.
وحتى في اليابان المتقدمة تشكل تكلفة الفحص عقبة في كثير من الحالات. ويقول احد الأطباء ان النساء في اليابان يهملن اجراء الفحص الذي يكلف ما يعادل 90 دولارا اعتقادا منهن بأنه اهدار للمال.
والى ما قبل 30 عاما كان علاج سرطان الثدي يعني في اغلب الحالات عملية استئصال للثدي. ولكن في ثمانينيات القرن الماضي توصل الاطباء الى انه ليس من الضروري استئصال كامل الثدي في حالة عدم انتشار الورم وان بالإمكان بدلا من ذلك استئصال الورم والمناطق المحيطة به فقط ثم اخضاع المريضة لعلاج بالأشعة للقضاء على أي خلايا سرطانية قد تكون متبقية.
وفي الوقت الحاضر تختار اقل من 40% من النساء الأميركيات المصابات عملية استئصال كاملة، وترتفع هذه النسبة الى 50% في كوريا الجنوبية لأسباب يرجع معظمها الى الخوف من امتداد السرطان الى اعضاء اخرى. وهنالك ايضا عامل التكلفة لأن عملية استئصال الورم فقط تتطلب علاجا لاحقا مكلفا بالأشعة او بالمواد الكيميائية ولذلك تفضل بعض النساء الاستئصال الكامل للثدي، وقد تصل تكلفة العلاج الكيميائي التقليدي الى 20 الف دولار، كما ان تقرير نوع السرطان يمكن ان يتطلب فحصا جينيا تبلغ تكلفته 3 آلاف دولار.
وفي بعض الحالات توحد الحكومات والمستشفيات الخاصة والمنظمات غير الحكومية جهودها للتصدي لمشكلة التكلفة العالية، ففي المكسيك ادخلت الحكومة مبلغ 20 الف دولار في التأمين الصحي لكل امراة.
ولا شك في ان اجهزة الإعلام لها دور كبير في نشر التوعية بسرطان الثدي وتشجيع النساء على الخضوع لفحص دوري، ولا أدل على ذلك من مأساة الشخصية الاعلامية البريطانية جيد غودي التي كانت في العشرينيات من العمر وتوفيت العام الماضي بعد اشهر من اكتشاف اصابتها بسرطان الثدي، واضافت الضجة الإعلامية التي اثارتها وفاتها زخما قويا الى حملة التوعية بالمرض وبإمكانية التغلب عليه.
ولكن ماذا عن الخيارات المتاحة في حال الإصابة؟ هنالك خياران رئيسيان يتوقف كل منهما على نوع السرطان وعلى مدى انتشاره، ولكن مع الفحص والتشخيص المبكر ترجح كفة استئصال الورم فقط مع المتابعة بالعلاج الكيميائي والإشعاعي.
وفي كل الأحوال فإن مجرد كلمة سرطان ستقع بالطبع وقوع الصاعقة على المريضة، وهنا يوجه الأطباء عددا من النصائح التي يمكن ان تساعد على مواجهة مثل هذه المحنة:
-
1- التمهل وعدم الاندفاع الى اتخاذ قرارات متعجلة حول نوع الجراحة.
-
2 - الحصول على رأي أكثر من طبيب ومن ثم اختيار الطبيب الذي ترتاح اليه المريضة.
-
3 - اللجوء الى طبيب ذي خبرة، ويقول احد الجراحين ان من المستحسن اختيار طبيب يجري عددا كبيرا من جراحات سرطان الثدي كل عام.
-
4ـ الاطلاع على اكبر قدر ممكن من المعلومات المتعلقة بسرطان الثدي وبخيارات العلاج المتوافرة.
وعلى المريضة ان تتذكر ان تشخيص اصابتها لا يعني نهاية العالم بالنسبة لها خصوصا مع التقدم الهائل الذي تحقق في مجال علاج السرطان ومع التقبل المتزايد له كحقيقة من حقائق الحياة التي علينا مواجهتها بالايمان والشجاعة.
مراحل تطور مرض سرطان الثدي:
يتطور سرطان الثدي وفق أربعة مراحل، هي:
المرحلة الأولى: حيث يكون الورم في شكل حوصلة لم تقم بعد بالتسلل للخلايا المجاورة، وهنا يمكن استئصال الورم مع الاحتفاظ بالثدي، دون تجشيم المريضة أضرار كبيرة.
المرحلة الثانية: وفيها قد يصيب سرطان الثدي بعض الأنسجة المجاورة، حيث ينتشر في منطقة تحت الإبط.
المرحلة الثالثة: حيث يتطور الورم وينتشر في الخلايا الليمفاوية الموجودة تحت الإبط.
المرحلة الرابعة: وينتقل فيها الورم السرطاني من الثدي إلى باقي الجسم.
أعراض المرض: يمكن تشخيص المرض من خلال التعرف على علامات وأعراض محددة، كما يلي:
-
1- الشعور بألم غير مبرر في الثدي.
-
2- وجود تكتل أو تكلس غير طبيعي في الثدي أو المناطق المجاورة له.
-
3- وجود نتوء أو بروز في الثدي.
-
4- ملاحظة أعراض غير طبيعية في الثدي مثل وجود إفرازات دموية أو تغير في شكل أو لون الحلمة.
هناك عدد من العوامل التي تؤدي إلى زيادة احتمال الإصابة بالمرض، ومنها:
عوامل وراثية: تزداد احتمالات الإصابة بسرطان الثدي في حالة وجود تاريخ من الإصابات السابقة لدى الأم أو إحدى الأخوات.
عوامل تغذية: تشير الإحصاءات إلى وجود علاقة بين زيادة الإصابة بسرطان الثدي والعادات الغذائية السيئة مثل: كثرة تناول الوجبات السريعة وزيادة نسبة الدهون والمواد الكحولية في الطعام.
عوامل اجتماعية: تزداد فرصة الإصابة بسرطان الثدي لدى السيدات اللاتي لم يحملن أبدا، وكذلك لدى اللاتي أنجبن للمرة الأولى عقب تجاوزهن سن الثلاثين.
ضرورة الكشف المبكر: في حالة اكتشاف سرطان الثدي مبكرا فإن ذلك يزيد بشكل كبير من تعددية الخيارات المتاحة أمام المرأة لعلاج السرطان بشكل فعال مع تعاظم احتمالات الشفاء، ويمكن إجراء الكشف المبكر كما يلي:
-
1- الفحص الذاتي المنتظم على الثدي وخاصة عند تخطي سن الثلاثين.
-
2- الفحص المنتظم باستخدام الأشعة السينية (mammograms) عند تخطي سن الأربعين، وبمعدل كل سنة أو سنتين، على أن يتم الكشف سنويا عند تخطي سن الخمسين. حيث إن للأشعة السينية القدرة على اكتشاف التكلسات والتكتلات الصغيرة والتي لا يمكن كشفها بالفحص الذاتي.
مراحل التشخيص: في حالة الشك بوجود تكلسات أو تكتلات غريبة في منطقة الثدي، يجب التأكد وذلك بالانتقال من مرحلة الفحص الذاتي البسيطة أو مرحلة الماموجرام بالأشعة السينية إلى المراحل الأكثر تعقيدا في عملية التشخيص. وهذه المراحل التالية تكون كما يلي:
-
- التصوير بالأشعة فوق الصوتية أو السونوجرام.
-
- أخذ رشفة أو استئصال جزء من النسيج المشكوك فيه، حيث يتم فحصها في المختبر.
اختيار نوع العلاج:
تعتمد طريقة العلاج على ثلاثة عوامل أساسية هي:
1- حجم الورم ودرجة انتشاره 2- موقع الورم في الثدي 3- مرحلة تطور الورم.
طرق العلاج:
هناك طرق مختلفة للعلاج، هي:
علاج شامل: وفيه يتم علاج جميع أعضاء الجسم وفقا لانتشار الأورام في أمكان متفرقة منه، وهذه الطريقة تشمل العلاج الكيميائي chemotherapy، وفيه يتم استخدام عقاقير دوائية للقضاء على الخلايا السرطانية، عن طريق الفم أو بالحقن. ويعد العلاج الكيميائي علاجا شاملا لأن الأدوية تصل إلى جميع أنحاء الجسم عن طريق الدم. ويتم العلاج الكيميائي في دورات متقطعة، وذلك للحد من آثاره الجانبية المتمثلة في الغثيان والقيء وتساقط الشعر ونقص المناعة.
علاج موضعي:
وفيه يتم استئصال الخلايا السرطانية من موضع محدد من الثدي. وتعتبر الجراحة والعلاج بالإشعاع (radiation therapy) من وسائل العلاج الموضعي. والهدف من العلاج بالإشعاع هو القضاء التام على أي خلايا سرطانية يحتمل وجودها أو تسللها في المنطقة التي تتم معالجتها. وخلال العلاج بالإشعاع يتم توجيه إشعاعات ذات طاقة عالية على موضع الورم بغرض تدمير الخلايا السرطانية ومنعها من النمو.
أنواع الجراحة على الثدي:
هناك عدة أنواع من الجراحة وتعتمد على مرحلة تطور الورم، وذلك كما يلي:
جراحة استئصالية محدودة:
حيث يستأصل الورم وجزء من النسيج المحيط به لضمان عدم انتشار آثاره بعد الجراحة.
جراحة قطعية:
وفيها يتم استئصال الورم وجزء من المنطقة المحيطة مع الغشاء الذي يغطي عضلات الصدر تحت الورم.
استئصال الثدي:
حيث يتم استئصال الثدي بأكمله.
الاستئصال الجذري المحوري:
يتم فيها استئصال الثدي بالإضافة إلى أجزاء مما تحت الإبط مع غشاء عضلات الصدر وربما إحدى العضلتين الصدريتين.
إحصاءات الإصابة بسرطان الثدي
يعد سرطان الثدي أكثر الأورام شيوعا عند السيدات في جميع أنحاء العالم، حيث تصل نسب الإصابة بسرطان الثدي في الدول الغربية إلى معدلات كبيرة ومخيفة، ولكنها أكبر بكثير مما في المجتمعات العربية.
وفيما يلي معدل الإصابة به لدى كل مائة ألف سيدة: الولايات المتحدة الأميركية 101 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
فرنسا 85 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
هولندا 93 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
اسرائيل 91 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
استراليا 83 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
الأرجنتين 74 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
باكستان 50 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
البرازيل 46 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
روسيا 39 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
جنوب أفريقيا 35 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
الأردن 33 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
اليابان 31 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
الكويت 31 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
المكسيك 26 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
مصر 24 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
الهند 19 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
الصين 18 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
تشاد 16 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
السعودية 14 حالة لكل مائة ألف سيدة.
-
عمان 12 حالة لكل مائة ألف سيدة.
وبالنسبة للدول العربية فقد لوحظ أن أقل من ثلثي الحالات يتم تشخيصها في مراحل متقدمة، بينما لا يتم تشخيص سوى الثلث فقط في مراحل مبكرة من المرض. والسبب في ذلك هو انعدام الثقافة الصحية السليمة وكذلك انعدام ثقافة الكشف المبكر بغرض الوقاية لدى أغلب السيدات في الدول العربية لأسباب دينية واجتماعية.
هرمونات قد تتسبب في سرطان الثدي
في دراسة أجرتها جامعة تكساس إم دي أكد باحثون ان اتحاد نوعين معينين من البروتينات يمكن أن يتسبب في انتشار سريع لسرطان الثدي عند النساء، حيث وجد العلماء ان الزيادة في انتاج الهرمون 14-3-3 zeta واتحاده مع هرمونات سرطان الثدي المعروفة erbb2 أو her2 يمكن ان يحدث تغييرات في الخلايا الطلائية ويحولها لأشكال أخرى، ما يؤدي الى تحفيز انتشار السرطان من جهة لأخرى داخل الجسم.
وقام الباحثون في إحدى تجاربهم بحقن فأر بخلايا سرطانية مع زيتا بروتين، وأحد بروتينات المرض، وكانت النتيجة انتشار الخلايا السرطانية في مختلف أنحاء الجسم في الفأر.
العلاج البديل للسرطان
نتيجة لخطورة طرق العلاج التقليدية للسرطان، ظهرت طرق بديلة أقل خطورة وهي تسمى العلاج البديل، وهي تعتمد أساسا على الأعشاب أو الڤيتامينات أو مضادات الأكسدة وحتى العلاج بالذهب كما لدى البعض. وتهدف كل هذه الطرق إلى تقوية جهاز المناعة لدى المصاب بحيث يتمكن من مقاومة المرض، ولكن هذه الطرق حتى الآن لم يثبت أنها تمثل بديلا كاملا للعلاج التقليدي الجراحي والكيمائي والإشعاعي للسرطان، بل ربما تكون طرقا مكملة.