لا شك في أن القرار الصائب الذي وجّه به صاحب السمو الأمير الشيخ صباح الأحمد بإدخال العمل الخيري والتطوعي كمادة دراسية ضمن منظومة المناهج التعليمية والدراسية فكرة رائدة وتجربة فريدة غير مسبوقة في المجال التعليمي ستُحلّق به نحو آفاق رحبة من عالمية المعرفة.
فالعملية التعليمية والتربوية في أبسط تعريفاتها هي «علم صناعة الإنسان بغية الارتقاء بمفاهيمه وأخلاقه وسلوكه»، بما تحمله كلمة الإنسان من دلالات وجوانب متعددة عقلية، وبدنية، ونفسية، وسلوكية.
فكما أن هناك التربية السلوكية، والتربية البدنية، والتربية الاجتماعية، ينبغي أن يكون هناك أيضا التربية الخيرية التي هي في حقيقتها منبثقة من التربية الدينية.
فلقد حرص ديننا الحنيف على غرس صفات الخير في المؤمنين ودفعهم إلى عمل الخير، بل والتسابق إلى الخيرات والتنافس على فعلها، فقال تعالى (واستبقوا الخيرات)، كما حث فريقا من الناس على الدعوة إلى الخير، فقال عز من قائل (ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير).
ولم يقتصر الأمر على الدعوة إلى الخير وفعله فحسب، بل لقد عد الإسلام عقد النية على عمل
الخير والعزم على فعله من أجلّ الأعمال، قال صلى الله عليه وسلم «الدنيا لأربع نفر، عبد رزقه الله مالا وعلما فهو يتقي ربه ويصل رحمه ويعلم لله فيه حقه، فهذا بأفضل المنازل، وعبد رزقه الله علماً ولم يرزقه مالاً فهو صادق النية يقول لو أن لي مالاً لعملت بعمل فلان فهو بنيته فأجرهما سواء».
ولقد ضاعف الإسلام من ثواب العمل الخيري والتطوعي، فالعامل على الصدقة تحصيلاً وتوزيعاً كالمجاهد في سبيل الله إذا تحرى الحق وابتغى وجه الله.
وليس ذلك فحسب، بل لقد عرض القرآن حال الكافر الذي استحق دخول الجحيم فجعل سبب إعراضه عن فعل الخير وعدم حضه على إطعام المساكين تاليا لكفره بالله، قال تعالى (إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين).
إن العمل الخيري والتطوعي يقاس به مدى تطور الأمم وازدهارها أو انحطاطها وتخلفها عن الركب الحضاري، فنظرة سريعة إلى دول العالم المتقدم تُجلي لنا ذلك.
في أميركا هناك مليون ونصف المليون مؤسسة خيرية غير ربحية، كما يبلغ عدد الذين ينخرطون في أعمال تطوعية نحو 93 مليون متطوع، أي قرابة 30% من السكان، ويقدر عدد الساعات التي يعملون فيها بنحو 20 مليون ساعة سنويا.
وفي بريطانيا، هناك أكثر من 20 مليون شخص من البالغين يمارسون أنشطة تطوعية منظمة كل عام، ويبلغ عدد ساعات العمل التطوعي الرسمي نحو 90 مليون ساعة عمل كل أسبوع، وتقدر القيمة الاقتصادية للنشاط التطوعي بـ 40 مليار جنيه إسترليني سنويا، أي أنه يلعب دورا رئيسيا في زيادة الدخل وتنمية الاقتصاد.
وفي بعض الدول الأوروبية مثل سويسرا، يعتبر التطوع إلزاميا لمن لا تنطبق عليه شروط الخدمة العسكرية.
لذلك، كله، نقول أحسن صاحب السمو الامير صنعاً بقراره المتميز عندما وجّه بتدريس العمل الخيري والتطوعي ضمن المنظومة التعليمية، خصوصا أن الكويت لها فضل السبق واليد الطولى والقدم الراسخة في مجال العمل الخيري بما يشمله من نجدة الملهوفين وإغاثة ودعم المستحقين والتخفيف عن المكلومين، فالتاريخ الإنساني للكويت سلسلة متصلة الحلقات من العمل الخيري والتطوعي.